نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 22-6-2015
السنة الثامنة
العدد: 2852
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية: الفصل السادس:
ملف اضطرابات الوعى (16)
تابع: اضطرابات الوعى والانتباه
تنويعات أخرى عن الانتباه
مقدمة:
ما زلنا فى منطقة من أصعب التحديات، فإذا كان الوعى بهذا الغموض والتعدد والتداخل والتكثيف فى حالة السواء فكيف نتعرف على ما هو اضطراب للوعى ونحن لم نحدد تماما ما هو الوعى؟
ثم أننا قد بيَّنا كيف أن الانتباه هو دوائر ومستويات، كما حاولنا فى النشرتين السابقتين (الأحد/الأثنين) أن نستدرج انتباه المخ إلى التحصيل من وراء صاحبه، فاين بالله عليكم ينتهى دور الانتباه ليبدأ الحديث عن مستويات الوعى، وهى متداخلة ومتنافسة ومتبادلة هكذا؟
مع أنه يوجد احتمال تكرار سوف أتخلص منه غالبا فى النسخة الورقية، فإنه يمكن إعادة تجميع تشكيلات الانتباه دون تمييز محدد لعتبة الوصول إلى الحدة المرضية، حيث ينبغى أن نقيم ما هو مرض بما يترتب على أى من تلك التشكيلات من إعاقة فى الأداء أو فى التواصل.
وفيما يلى بعض الدوائر والمستويات الهامة من الانتباه أساسا.
1- بؤرة الانتباه:
وفيها يكون الانتباه شديد التركيز لدرجة أن الأمر يبدو وكأنه لا يوجد أى انتباه لمؤثر آخر بعيدا عن هذا المؤثر الذى يجذب بؤرة الانتباه إليه، وعلى قدر ما يفيد هذا التحديد المستغرق فى الإسهام فى الإتقان أحيانا: يحتمل أن يتم التمادى فيه إلى الإعلاء من شأن هذا التحديد لدرجة اختزال العالم إلى هذه البؤرة دون غيرها، أى لدرجة إلغاء ما دونها، وفى هذا اغتراب محتمل، أو استغراق خلاّق حسب ما يتطور إليه هذا الاستغراق من نتائج.
2- الانتباه الهامشى
وهو الدرجة الأقل من بؤرة التركيز، ويتم بوعى نسبى أعلى من الانتباه إلى أرضية الموقف وأضعف من التركيز على بؤرة الانتباه، وذلك مثل الانتباه إلى تفاصيل أدوات الكتابة (أو إمكانات الحاسوب) جنبا إلى جنب مع محتوى ما يكتب، وهى درجة شعورية أيضا، لكنها تقع فى خلفية المركز وتشمل أيضا الانتباه إلى درجة الإضاءة أو إلى مقطوعة موسيقية مألوفة أثناء الكتابة أو القراءة
وعادة ما ينتقل الانتباه من البؤرة إلى الهوامش أو الأرضية وبالعكس بطريقة ناعمة متداخلة غير ملحوظة دون أن يؤثر ذلك فى الأحوال العادية على المهمة الأصلية للانتباه.
3- الانتباه تحت شعورى
هذه الدرجة بعيدة عن الوعى الظاهر، إلا أنها فى المتناول، بحيث إذا أراد الشخص أن يركز ويستدعى ما هو منتبه إليه دون أن يدرى (أى ليس فى بؤرة شعوره) فإنه قد ينجح فى ذلك ببذل بعض الجهد، فهى درجة لا شعورية، لكنها نوع من الانتباه الذى يظل فى المتناول حسب مقتصى الحال وحسب قواعد التبادل بين درجات الانتباه، وتتميز هذه الدائرة أو هذا المستوى بأنها متماوجة الحضور أيضا ويحضر هذا المستوى فى العلاج الجمعى بشكل خفى، وهو قد يقفز إلى البؤرة عند المواجهة أو التفاعل النشط ثم يتراجع، وهكذا.
4- كف بعض دوائر الانتباه تلقائيا
على الرغم من أن هذه العملية تبدو ضد عملية الانتباه، إلا أنها فى واقع الحال تساعد فى إزاحة الطاقة أكثر فأكثر نحو بؤرة الانتباه وما حولها، فأن تستبعد – تلقائيا ولا شعوريا- العوامل التى يمكن أن تجتذب طاقة الانتباه بعيدا عن البؤرة المقصودة منه فى لحظة بذاتها، هو عمليلة مكملة للانتباه بشكل أو بآخر، وهذا المستوى يختلف عن المستوى السابق ليس فقط فى قربه أو بعده من دائرة الشعور، وإنما فى أن المادة المستبعدة من الانتباه لا تكون فى المتناول إلا تحت ظروف خاصة وبمهارة معينة مثلما يحدث فى التحليل النفسى والعلاج التنفيثى.
ولعل كل ما ذكرنا بالنسبة لعدم التركيز فى نشرتىْ (نشرة :14/6/2015)، (نشرة:15/6/2015) كان نوعا من كف الانتباه (التركيز) لدرجة إعاقته برغم ظاهر الشكوى من “عدم التركيز” نتيجة لهذا الكف غالبا.
5- الانتباه النقيضى (ظاهريا):
وهذا التعبير يفيد أن الانتباه إذ يقل فى مستوى معين من الوعى يزيد فى مستوى آخر فمثلا فى التنويم (المغناطيسي) يتضاءل الانتباه العادى لحساب نوع من الانتباه الخاص الذى يغلب الظن أنه من مستوى آخر من مستويات الوعى، فإذا حدثت مثل هذه الحالة بطريقة تلقائية وضمن صورة مرضية فإنها غالبا ما تكون ذات علاقة بالإدراك المتجاوز للحواس أو تكون نوعا من اضطرابات الانشقاق (أنظر بعد).
6- الانتباه التأملى:
يمكن أن يعتبرالانتباه التأملى نوعا خاصا من التنويم الذاتى، وهو الذى يمارسه بعض المتصوفة أو فى تدريبات اليوجا أو ما إلى ذلك، وفيه يتضاءل الانتباه العادى للعالم الخارجى لصالح الانتباه إلى العالم الداخلى للمتأمل، وفى حالات أخرى يقال أنه يمتد إلى ما بعد الذات مما يسمى أحيانا التأمل فى الكون وما بعده، ويسمى التأمل التجاوزى(1).
7- التوْه:
تتجه أغلب الآراء إلى اعتبار التوْه (أو التوهان) من اضطرابات الوعى أكثر منه اضطرابات فى الانتباه، وهو رأى له وجاهته، لكننا نفضل أن نذكره هنا بإيجاز حتى نعود إلى مزيد من تنويعاته فى اضطرابات الوعى.
عادة ما يشير التوهان إلى العجز عن التعرف على المكان والزمان والأشخاص، ويمكن أن يكون نتيجة تلقائية لحالة شديدة من قصور الانتباه الشامل (السلبى والإيجابي) لكنه يحدث أيضا فى حالات تعتيم الوعي، والمخالفة، والانزواء، وفقد الاهتمام (فى الاكتئاب)، ولكن الأغلب أن يكون التوهان نتيجة لاضطراب عضوى مصاحب بهذيان أو بدون هذيان.
وعلى أى حال فإن التوهان ليس مجرد العجز عن التعرف على الأشخاص والزمان والمكان، وإنما قد يبدو كذلك فى حالات أخرى مثل:
أ- عدم الاهتمام بالرد أصلا أو بمحاولة التعرف على المحيط كما فى حالات الاكتئاب، ويكون عادة فى هذه الحالة مصاحبا بالهمود.
ب- الانسحاب ورفض التواصل كما هو الحال فى المقاومة والمخالفة فى الفصام أساسا.
جـ – قصور حالة الدراية الأساسى.
[1] – Transcendental Meditation