نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 20-12-2015
السنة التاسعة
العدد: 3033
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية الفصل السابع:
ملف الاضطرابات الجامعة (16)
(بقية) عودة إلى اضطرابات الزمن: “كعرض أو مرض” (2)
(نواصل اليوم تقديم اضطرابات الزمن)
5- الشعور بتشويه الزمن (عدم الاتساق): هنا يشكو المريض من أن شعوره بالزمن لايتبع قاعدة واحدة، فهو أحيانا بطئ وأحيانا سريع،وأحيانا غائب، وأحيانا متوقف وأحيانا عكسى، وقد يشكو من كل ذلك معا أو بالتبادل فى آن. يحدث هذا فى الفصام عادة، وفيما يلى عرض بعض صور مثل هذا التشوه:
أ- الزمن العكسى: قد يشكو المريض (عادة الفصامى) من أن الزمن يسير بالعكس (عقارب الساعة تدور بالعكس)
ب- عملقة الزمن: يحكى المريض هنا أنه أصبح يشعر بتفاصيل وحدات الزمن حتى يستطيع أن يتعرف على أجزاء من الثانية تحديدا،(1) وقد يصاحب ذلك شكوى من بطء مسيرة حركة الزمن.
جـ – الزمن المرئى: وهنا يصف المريض الزمن فى صورة مرئية وهذا نوع مما يسمى التعيين النشط أو تعيين الدراية.
د- تشتيت الزمن غموضا: مثلا وصف مريض اختلال علاقته بالزمن بقوله: أنه غارق فى بحر الزمن بلا شطآن (2)
6- البطء الوسواسى: يعتبر البطء الوسواسى تكرار للوقفة، موازيا بذلك للقهر الوسواسى الطقوسى الذى هو تكرار للحركة، وأيضا يعتبر موازيا للتفكير الاجترارى الوسواسى الذى هو تكرار للفكرة، هذا علما بأن تكرار الوقفة ينتهى فعلا إلى تجميد للزمن من حيث واقعه وفاعليته معا.
7- الانفصال عن الزمن: هذه السمة تكاد تكون سمة ثقافة سلبية، وهى تلاحظ فى مجتمعنا بشكل شائع، حيث لا توجد قيمة غالبة تؤكد ضرورة الإلتزام بالمواعيد مثلا، عند كثير منا: الساعة الثامنة صباحا هى هى الثامنة والربع، وهى هى أيضا التاسعة والنصف، هذا من حيث الشعور الشخصى بالإلتزام بمعنى الوقت، وهكذا لا يصبح لتحديد الموعد قيمة عملية أو علاقاتية (متعلقة بالعلاقة بالآخر). ونظرا لأنها سمة شائعة لدرجة أنها أصبحت ثقافة عامة كما ذكرنا، فلابد من عدم المغالاة فى تقييم اضطراب تقدير المريض للزمن من هذا البعد على أنه عرض أو مرض، اللهم إلا إذا كان قد اختلف عن ما اعتاده قبلا، بمعنى – مثلا – أنه كان ملتزما أشد الالتزام، ثم أصبح متهاونا بعد المرض، وهنا يصبح ما طرأ عليه هو المهم، علينا أن نبحث عن دلالاته فى السياق العام.
8- إفراغ الزمن من محتواه: أشرنا فيما سبق أنه يمكن أن نُقَيِّم ما هو زمن، بما يُمـْلأ به أى بمضمونه أو بالذى نتج عنه من تأثير مغيِّر مثلاً، وغياب هذا أو ذاك يعتبر افراغا للزمن، وهو أمر يصعب تقييمه عادة، بل يستحيل مجرد تصور أنه يوجد زمن بلا مضمون، وبلا أثر، فالمضمون هو الذى يجعل الزمن زمنا، فهو موجود دائما سواء كان مضمونا إيجابيا يتجمع حتى يصبح تطوراً وبقاء، أو مضمونا سلبيا ينتهى إلى الانقراض والفناء.
9- الزمن وتكرار النص: المقصود بذلك هو أن الزمن ينغلق فى دائرة أولها فى آخرها وبالعكس، وهو فى أقصى صوره قد يظهر فى شكل تكرار الحركات، أو الكلام (الأسلوبية – الوظوب … إلخ) فى الفصام مثلا، كما أنه يدل على أن الزمن لم يعد تتابعيا أو مضطردا، أو أنه يُلاحَـقُ بالمحو أولا بأول، كأن المريض (أو الشخص)، يؤكد أن ما كان، لم يكن، والفرق بين “تكرار النص” والتكرار فى حالات الوسواس، هو فى المدة التى يستغرقها كل منهما، ففى حين يجرى التكرار فى الوسواس فورا بإعادة سلوك جزئى محدد، خلال دقيقة أو دقائق فإنه، قد يتم “تكرار النص” على مدى شهور أو سنوات.
وقد يكون فى تكرار النص، أو تجميد الزمن، أو محوه أولا بأول معنى دفاعيا يشير إلى رفض أى درجة من التغيّر أو الحركة أو النمو، ويصبح إحياء الزمن – فى العلاج الجمعى مثلا – بمثابة تهديد شديد لهذا الدفاع التجميدى.
الزمن وتوقف النمو:
لما كانت المسيرة الإيجابية للزمن تشمل اتساع دائرة الدراية فالمسئولية، وتنمية العلاقة بالموضوع، وبالواقع، وبالحياة النابضة، نحو تواجد نمائى مفتوح النهاية، فإن توقيف الزمن بشكل دائم أو شبه دائم ينتج عنه إمراضيا دفاعيا بهذه الدرجة القصوى: ما يسمى “اضطرابات الشخصية”، ويتم هذا التوقيف فالتوقف بعدد من الطرق حسب نوع اضطراب الشخصية الناتج(3) ومن ذلك:
1- الوقوف عند مرحلة باكرة من النضج، فتبقى السمات الطفولية والنكوصية فى شخص ناضج بشكل دائم، مما يقع تحت مسميات مثل الشخصية غير الناضجة انفعاليا(4).
2- التوقف عند موقع نمائى بذاته مثل الموقع البارنوى أو الشيزيدى(5)برغم نمو قشرة سطحية يمكن أن تجعل هذا الاضطراب كامنا نسبيا، فلا يظهر إلا تحت ضغط حياتى عادى يطلق التفاعل البارانوى – مثلا – بكل مقومات الموقف البارنوى من شك وتوجس وكر وفر، وكأن الزمن ثبَّت هذا الموقع فى موقعه بكل عنفوانه وجذبه وجاهزيته للتفاعل بآليات دون أية مرحلة لاحقة (إلا ظاهريا أحيانا).
3- قد يتم التوقف نتيجة للحركة فى المحل نهائيا، وذلك لتساوى ضلعىْ حركة برنامج الدخول والخروج(6)، أو بمعنى انغلاق الدائرة نتيجة لانتهاء الحركة الدائرية عند نقطة بدئها تماما، وينتج عن ذلك كل أنواع الشخصيات النوابية وأهمها ”الشخصية الفرحِانْقباضية”(7) (وهى التى تنتقل بين الفرح والانقباض بنفس الحدة وإلى نفس الدرجة عادة)، و”الشخصية المغيْرِانْسحابية“(8) (وهى التى تكون علاقتها بالموضوع أما اندفاعا شديدا طاردا أو انسحابا هروبيا بعيدا عنه بنفس الدرجة أيضا). و”الشخصية الشكٍّحتوائية“(9)(وهى التى تنتقل من المبالغة فى الشك والتوجس من أى اقتراب إلى الالتهام الابتلاعى الذى يلغى الموضوع خارجها تماما).
4- توقيف الزمن للحيلولة دون التمادى فى تفسخ بادئ أو محتمل، وهذا يندرج تحته الفئة الموصوفة تحت إسم اضطراب الشخصية عقب الذهان(10) وبالذات عقب الفصام (على أن مثل ذلك قد يحدث أيضا عقب إصابة أو كارثة).
[1] – وهذا يتفق مع الأحدث فالأحدث، من العلوم الكموية حيث الاهتمام بأجزاء أجزاء الثوانى (نشرة 31-10-2015)، كما يتفق مع حرية حركية الزمن عند بعض المبدعين وخاصة الشعراء (نشرة 8-11-2015).
[2] – هذا المسمى هنا تشويها يمكن أن نلقاه أيضا فى سياق إبداعى فائق إذا اكتمل بما قبله وما قبله بعده ليتخلق منه شعر أصيل.
[3] – يمكن الرجوع إلى تفسير وتصنيف اضطرابات الشخصية من هذا المنطلق إلى دراسة فى علم السيكوباثولوجى ص 456 – 468.
[4] – Emotionally Immature Personality
[5] – Paranoid or Schizoid positions
[6]- In – and – out program
[7] – Cycloid personality
[8] – Invasive-withdrawal personality
[9] – Suspicious-engulfing personality
[10] – Post Psychotic Personality Disorders