نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 27-4-2015
السنة الثامنة
العدد: 2796
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية: الفصل الخامس:
ملف اضطرابات الإرادة (22)
لعبة من العلاج الجمعى:
“…وانا مسئول عن كده”
مقدمة:
جاء فى بداية نشرة أمس ما يلى (مع تعديل طفيف):
…وأنا أمارس فى العلاج الجمعى هذه المسألة طول الوقت، ونكاد نمنع (أثناء التفاعل أو بعده) الاعتذار بأنه “غصبا عنى” (غصبـِن عنى)، ليتحمل كل منا مسئولية كل فكرةٍ، أو قول، أو فعل، بل وجدان، “هنا والآن”، ثم يا حبذا فيما بعد!! اكتشفت معنى مستويات الإرادة ودرجاتها أثناء التفاعل معا ونحن نمارس تنشيط الوعى البين شخصى إلى الوعى الجمعى إلى ما بعده …..، وكانت النتيجة عادة فى صالح تأكيد مسئوليتنا عن الداخل والخارج طول الوقت (نسبياعلى الأقل)
ثم انتهت النشرة بما يلى:
“أما من ناحية الخبرة اليومية العملية، فسوف أعرض عينة من خبرة فى العلاج الجمعى غدا”، وهأنذا أفعل:
اللعبة أجريت فى جلسة يوم 21-8-2013، وسوف أورد فى المتن مقتطفات من بعض نص ما ورد فى المجموعة بنفس ألفاظه، طبعا بعد حذف التكرار والاستطراد، ثم أعقِّب على بعض الاستجابات بهامش، وبنط آخر، إذا لزم الأمر، علما بأن التعقيب لمن لم يشاهد التجربة لن يوصّل الرسالة كما أرجو، فما بالك بمن لم يشاهد أية جلسة فى العلاج الجمعى أصلا!!
أبدأ بعرض طريقة اللعب، والفكرة الأساسية كما يلى:
هى لعبة علاجية ابتدعها فريدريك بيرلز(1) رائد العلاج النفسى الجشتالتى اسمها، “….. وأنا مسئول عن ذلك“(2)، وهى كالتالى:
يقول أفراد المجموعة أى كلام (فكرة أو إحساس أو وجدان) ثم يلحقها سواء كانت بضمير المتكلِّم أو المخَاطَب أو جملة مستقلة لبقوله فورا: “..وانا مسئول عن كده” ، من أول “أنا تعبان …….وأنا مسئول عن كده ” حتى “نِفسى اطلّع عينَك ، ……..وأنا مسئول عن كده ” بما فى ذلك مثلا: “رِجْلى بتنمِّل ……..وأنا مسئول عن كده ” أو حتى “الدنيا برد.. ……..وأنا مسئول عن كده ، يتساءل بعض أفراد المجموعة، فى بداية اللعبة: كيف يكون مسئولا عن الصداع الذى يعانى منه مثلا، أو عن كراهية آخر له (إنت بتكرهنى ……..وأنا مسئول عن كده ” أو عن مرضه هو شخصيا: “أنا باسمع أصوات ……..وأنا مسئول عن كده “، أو عن حالة الطقس، لكن بعد اللعبة نكتشف عادة، دون شرح أو إيحاء، أن كثيرين من المشاركين قد أدركوا قدر الإرادة الموجودة فى أى مما يقولونه، أو يشعرون به، او يعانون منه!!!!
انطلاقا من هذه الخبرة العملية، ومثلها، يزداد وعينا بمدى محيط ما يسمى “إرادة” أو “اختيار”، وأنه أوسع وأشمل من كل تصوراتنا العادية الشائعة.
مختارات من المتن كما تم تسجيله (بكل اجتهاد ممكن):
د.يحيى: .. فيه طريقه تانيه للعب، بدال ما نقول جملة ونكمّلها بأى كلام، إحنا حانقول أى حاجة تُخطرلنا مهما كانت، ونختمها بجملة معينه، نتفق عليها، يعنى الواحد يقول أى كلام وينهيه بجملة واحدة، وهى فى اللعبة النهاردة :“..وأنا مسئول عن كده“، أى كلام من أول: “اللون الاحمر ده دمه تقيل” (يشير إلى لون سترة أحد الزملاء) لغاية”… البلد دي مش نافعه “، يعنى بنقول أى كلام فعلا، ونضيف له “..وأنا مسئول عن كده” من غير تفكير تقريبا، أنا عارف إنها صعبة، وغريبة، لكن آدى احنا بنلعب، مرة تانية مثلا: “رباط الجزمه مفكوك” ، “..وأنا مسئول عن كده“..إنت باين عليك ناوى تخفّ “..وأنا مسئول عن كده” أى كلام: عليك، على غيرك، على حاجه عامة، على حاجة خاصة، وينهيها كل واحد بنفس التعبير: “وأنا مسئول عن كده“
ياللا: كل واحد يوجه الكلام لحد تانى بإسمه: يا فلان، وتقول أى جملة “هنا ودلوقتى” وتنهيها بكلمه “وأنا مسئول عن كده..”زى ما اتفقنا
الجزء الأول:
أحمد ناجى: يا ياسر: “أنا دلوقتى خايف من الموت وأنا مسئول عن كده
د.يحيى ..: برافو كده مظبوط ………..
ياسر:(3) يا أحمد يافيصل أنا عاوز أتكلم وخايف أتحرج وأنا مسئول عن كده
د.يحيى: يالاّ يا فيصل اختار حد وقول له جملة ….، وتنهيها زى ما اتفقنا،
أحمد فيصل: يا رضا أنا مش حاجى تانى متأخر، وأنا مسئول عن كده
التعليق: نلاحظ حتى الآن أنه بالنسبة لأحمد ناجى تحرك احتمال أن يكون مسئولا عن ما يعتريه من “رهاب الموت” ، وكذلك بالنسبة لياسر ربما لاح له أنه يمكن أن يتحمل مسئولية “الخجل والحرج” ولو جزئيا، دون أن يكتفى أى منهما بأن يشكوا طول الوقت وهو ينتظر العون من الطبيب أو النصح من زميل أو صديق،
أما أحمد فيصل فقد ابتعد عن “هنا والآن” فعبر عن مسئولييته عن تأخره وحضوره بعد بدء الجلسة، فانقلبت اللعبة وعْدا أكثر منها تحريكا لإرادة فى منطقة غير معروف أنها إرادية.
(ثم نكمل):
رضا: يا عصام أنا خايفة على بلدى، وأنا مسئولة عن كده
عصام: يا رَنَا، مافيش فايدة فى الشعب المصرى وأنا مسئول عن كده
التعليق: لست متأكدا إن كان عصام قد استدرجه لعب رضا إلى قضية عامة بالكلام عن البلد، فتكلم عصام أيضا عن الشعب المصرى، ونلاحظ أنه بعكس الشائع كسمة أساسية فى ثقافة هذه الطبقة من الشعب (أو ربما كل الشعب)، وهى “وضع اللوم” خصوصا على الحكومة، أو على أية سلطة خارجه والسلام، وهنا ربما حركت اللعبة عند عصام مستوى أخر من الوعى فى اتجاه أكثر واقعية، وأكثر وعدا بالمشاركة فى المسيرة معا للتصحيح بعد الرؤية سواء كانت وصفا أم رفضا، يظهر هذا أكثر فى استجابة عصام، أما استجابة رضا فربما أعلنت خوفه على البلد، الذى إذا اقترن – تلقائيا- ، بالمسئولية (ولو أثناء اللعب فحسب!!) ، أصبح دافعا بدلا من أن يتوقف عند مرحلة الشكوى أو الشجب.
(ثم نكمل):
رَنَا: يا شيماء شكلك منورة النهارده وأنا مسئوله عن كده
شيماء: يا مدام مَهَا أنا إن شاء الله حانجح فى دراستى وأنا مسئولة عن كده
التعليق: بعد أن لعبت شيماء مباشرة نبّهها الدكتور يحيى إلى أنها ابتعدت عن “هنا والآن” بالتطلع لنجاحها مستقبلا، وبالرغم من أن هذا يقلل من الالتزام بالقاعدة الأساسية لهذا العلاج، إلا أن التجربة فى اتجاه تحريك الإرادة يمكن أن تؤوَّل باعتبارها البدء فى تحويل الأفكار الآملة إلى تعهد أكثر قدرة على الخروج إلى حيز التنفيذ ، ربما،
تعليق رنا يبدو غريبا بعض الشىء، ولكن بما أننا اتفقنا على أن “أى كلام”، هو مقبول، فلم يعترض أحد على كيف تكون رنا مسئولة عن أن شيماء شكلها “منوّرة”، ولكن هذا وارد أيضا، وهو –فى تقديرى- لم يكن مجرد مجاملة، بقدر ما كان فرحة لحضور زميلة بشكل يعلن أكثر عن درجة أعلى من الرضا عن الذات، وفى ذلك ما فيه من احتمال تغيير صورة الذات إلى أحسن من واقع حس التلقى المرحِّب من صاحبه (صاحبته) وهى مسئولة عن صدقه هكذا، ..ربما
(ثم نكمل):
مدام مها: يا دكتورة دينا، أنا تعبانه، وأنا مسئوله عن كده
التعليق: ها نحن نختبر فرض المسئولية عن المرض، وهو ما يحمل احتمال تقليل الاعتمادية على عون خارجى مطلق، أو سحر كيميائى مساعد، وهذه الزميلة (مدام مها) بالذات كان حضورها فى المجموعة بصفة عامة حضورا إيجابيا نسبيا، وحين تعبر عن مسئوليتها عن “تعبها”، وهى في نفس الوقت جاهزة لمد يد العون لزملائها وزميلاتها، فإن ذلك قد يشير أيضا إلى ما حرّكته اللعبة فيها، ونلاحظ أنها قالت ذلك لطبيبة معالجة، وعادة ما يخاطب المريض الطبيب باعتباره المسئول عن شفائه، لكن يبدو أن اللعبة حرّكت دورها شخصيا فى التعافى بشكل أو بآخر، حتى وهى تخاطب الطبيبة المعالجة .
(ثم نكمل):
د.دينا: ياعم محمد فيه كذا حد مش موجود معانا النهارده، وأنا مسئوله عن كده
التعليق: شعور الزميلة الطبيبة المتدربة بالمسئولية عن انتظام المرضى فى الحضور الأسبوعى، هو شعور إيجابى من حيث المبدأ، وكأنها تذكـِّر نفسها أن ما تبذله هى وزملاؤها المعالجون هو الذى يربط أفراد المجموعة ببعضهم البعض، وهو الدافع الأهم لانتظامهم فى الحضور وكأنها تنبه نفسها إلى بذل المزيد من الاهتمام والعطاء لتحافظ على حرص الأفراد على التواجد
(ثم نكمل):
عم محمد: يا دكتورة ريهام مصر حاتفضل مصر وانا مسئول عن كده
التعليق: عم محمد مربض قارب الستين، يميل إلى النحافة ويلبس منظارا طبيا سميكا، وهو منتظم فى الحضور ويشارك بقدر ما يتغلب على انسحابه ومقاومته، وقد أعادنا باستجابته هذه إلى الهم العام، والأمل العام، ولم يركز على ذاته أو على زملائه ، وإنما على أمل عام رأى أنه يحتاج منه شخصيا جهدا خاصا ربما له علاقة بالظروف التى تمر بها البلد فى هذا الوقت، وبالتالى حين حضرت المسئولية، أعلن عزمه على المشاركة الإيجابية بهذا الشكل. ونلاحظ أيضا أنه كان يخاطب الطبيبة المتدربة المعالجة، التى قد تمثل فى الثقافة المصرية نوعا من السلطة بشكل أو بآخر، وكأنه يعاهدها أن يبذل الجهد بدلا من أن يلجأ إلى وضع اللوم أو طلب العون من السلطة باعتماد طفلي أو طفيلي طول الوقت.
(ثم نكمل):
د.ريهام: أنا مُحبطه، وأنا مسئولة عن كده
التعليق: لم أستطع أن أتبين مصدر هذا الإحباط وعلاقته بالجلسة أو بالمجموعة عامة، ومع ذلك فالمسئولية عن الإحباط هى مسئولية خاصة نوعا ما، فهى تـُحَمِّل من خاب فى تحقيق أمله مسئولية هذه الخيبة جنبا إلى جنب مع الأسباب الأخرى، (الحقيقية أو المتخيلة) ، وربما دفعه ذلك إلى مزيد من التعلم انطلاقا من الإحباط، فالإحباط برغم أنه تفاعل مشروع، إلا أن الانتباه إلى مسئولية ضبط جرعته وأثرها هو علامة إيجابية ، وضبط الجرعة هو نوع من المسئولية؟
(ثم نكمل):
د.يحيى: حين يأتى الدور على المدرِّب، يطلب أن يتبرع أحد باقتراح أن يلعب معه، ما دام الجميع قد شاركوا الواحد تلو الآخر فى التبادل فيما بينهم حسب القاعدة، ولم يبق إلى هو، وقد شرح سبب موقفه من أن يلعب أخيرا حتى لا يَظن أحد المشاركين أن ما يقوم به أو يقوله هو المثل الذى ينبغى أن يُحتذى من الباقين متدربين ومرضى، وحين طلب من المجموعة أن يتفضل أحدهم باقتراح أن يلعب معه، رفع عم محمد يده، فلعب معه كما يلى:
د.يحيى: يا عم محمد أنا لوحدي، وفى غاية الألم، وانا مسئول عن كده
التعليق:…. وجدت الآن، وأنا أتعجب منى، أنه من الصعب علىّ أن اعلق على مشاركتى هذه ، وقد تعمدت إيرادها بنصّها مثل باقى الاستجابات، وأعترف أننى تعجبت –الآن- لهذه الاستجابة التى تعلن كلا من الوحدة والألم ، فى الوقت الذى يحتاج فيه المرضى والمتدربين لدعم من المدرب والمعالج الأكبر، وبرغم حيرتى فى فهم لماذا هذه الوحدة وذلك الألم، فى ذلك الوقت بالذات (21/8/2013) وهل يا ترى كان لهما ارتباط بشأن خارج المجموعة، أو ظرف خاص كنت أمر به، وحين جاء دورى لم أستطع، وعجزت أن أخفيه أو رفضت ذلك، والمطلوب من المعالج أن يمارس لحظته بأكبر قدر من الموضوعية، شريطة ألا يكون ذلك على حساب أى فرد آخر فى المجموعة، بل ربما يسهم فى تقريب المسافة بين المعالج والمرضى ، فينشط الوعى البين شخصى، فالجمعى بطريقة طبيعية دون افتعال، وربما يفيد مثل هذا الصدق باقى أفراد المجموعة ويعينهم على احترام دور المعلم إنسانا يعانى مثل الآخرين ، ويحاول أن يكون مسئولا عن معاناته أمام الجميع، وفى نفس الوقت لا يعجزه هذا عن القيام بدوره، ربما !
الجزء الثانى “من اللعبة”:
بعد أن انتهى هذا الجزء الأول خطر لى أثناء نفسي الجلسة، أن نوسع د ائرة المسئولية (الاختيار، فعل الإرادة) بأن نعطى الفرصة لمن لعب أن يغير اتجاه الخطاب، فمّنْ كانت جملته: “أنا كذا كذا ..” يقول جملة أخرى بضمير المخَاطبْ “أنت كيت كيت…” ثم يكمل نفس التكملة، ومن كانت جملته عامة “مصر أو الشعب المصرى …إلخ” يقول جملة فيها خصوصية “أنا ..أنت ..إلخ” وكان العرض اختياريا، أو بعزومة محدودة دون ضغط، لكن شارك فيه الجميع،
فانبرت د. ريهام أولا:
(قارن مشاركتها الأولى بـ: أنا مُحبطه وأنا مسئولة عن كده، فكان عليها أن تقول “أنت” حسب شروط هذا الجزء الثانى)
د.ريهام: يا ياسر إنت النهارده قرّبت شوية وأنا مسئوله عن كده
التعليق:…. يلاحَظ كيف جمعت الدكتورة ريهام بين مسئوليتها عن إحباطها وفى نفس الوقت رؤيتها لتقدم ياسر (وهو مريض شديد المقاومة مفرط العقلنة) بتقليص المسافة بينه وبين المجموعة، وطبعا لا يوجد ربط خطى بسيط بين هذا وذاك، لكن حين تتعدد مستويات الاختيار، قد تتضفر الإرادات فى توجه متكامل
(ثم نكمل):
كان ياسر قد قال فى الجزء الأول : أنا عاوز أتكلم وخايف أتحرج وانا مسئول عن كده، فكان عليه فى هذا الجزء أن يقول أنت ، ويكمل..، وهذا ما حدث:
ياسر(لأحمد/ فيصل): إنت يا أحمد جيت فى ميعادك جيت بدرى عن كل مره وأنا مسئول عن كده
التعليق: ياسر الذى كان مقيدا بالخجل والربكة وقد أعلن فى الجزء الأول أنه مسئول عن ذلك، عاد يكتشف حميمية علاقته بأحمد فيصل، وعزى إليها – دون قصد ظاهر- إسهامها فى حرص أحمد على الحضور فى الموعد، وهذا يكمل – برغم ما يبدو أنه ضد- ما قاله فى الجزء الأول.
(ثم نكمل):
كان أحمد فيصل قد قال فى الجزء الأول: ” أنا” مش حاجى تانى متأخر، فكان عليه أن يستعمل “أنت” فى هذا الجزء، فكان ما يلى :
أحمد فيصل: يا رضا إنتى قلقانة وانا مسئول عن كده
التعليق: نلاحظ الفرق بين الجزء الأول وهو يعتذر عن تأخره ويتحمل مسئولية ذلك، وبين الجزء الثانى وهو يتقدم نحو زميلته فيشعر – بالمواجدة)(4)– بقلقها، وانه (وليس فقط هى) مسئول عن ذلك، وكأن التزامه بالحضور فى الموعد كان مرتبطا – بشكل ما – بنوع حضوره فالمشاركة هكذا، والمواجدة تكاد تكون من أهم العوامل العلاجية التى قد يـُعزَى إليها أثر هذا النوع من العلاح
رضا: كانت رضا قد قالت فى الجزء الاول : يا عصام أنا خايفة على بلدى، وأنا مسئولة عن كده، فكان عليها أن تتكلم عن شأن خاص بها أو بأحد الحضور، حسب قواعد الجزء الثانى، فوجهت الخطاب لرنا على مستويين (بعيدا عن الشأن العام):
رضا: يا رنا أنا قلقانه فعلا وأنا مسئولة عن كده
يا رنا إنتى أحسن وأنا مسئولة عن كده
التعليق: هذا التقرير بأن “رنا أحسن” ربما يشير إلى أن قلقها الصادق (على نفسها أو على رنا أو عليهما معا) كان السبيل لأن ترى رنا أحسن، وهذا أيضا إضافة إلى قيمة “المواجدة” باعتبارها عاملا علاجيا أساسيا فى هذا النوع من العلاج
(ثم نكمل):
كانت رنا قد قالت لشيماء فى الجزء الأول ” ياشيماء شكلك منورة النهارده وانا مسئوله عن كده“ فكان عليها أن توجه الحديث إلى نفسها أو موضوع عام حسب الاتفاق فقالت فى هذا الجزء الثانى :
رنا: يا شيماء أنا شايفاكى أحسن وأنا مسئوله عن كده ، أنا حاسه بسعاده وأنا مسئوله عن كده
التعليق: من خلال الربط بين العلاقة بين الجزء الأول وهى تخاطب شيماء أنها منوّرة، ثم هنا وهى تخاطب أحدهم وهى تتحدث عن سعادتها وهى مسئولة عن كلا الموقفين: أن هناك احتمال أن نرجع الموقفين إلى حالتها هى، المتضمِّنة اختيارها لهذا الوجدان البهيج الذى جعلها ترى شيماء منوّرة، ثم تعلن عن تحسّن زميلتها ثم سعادتها شخصيا، وهى مسئولة عن هذا وذاك.
كانت شيماء قد قالت فى الجزء الأول لمدام مَهَا: أنا إن شاء الله حانجح فى دراستى وأنا مسئولة عن كده، ونبَّهها المعالج الأول أنها ابتعدت عن “هنا والآن”، وكان عليها أن تراعى تغيير الخطاب فى هذا الجزء الثانى، وهذا ما كان:
شيماء: يا عم محمد إنت سرحان وأنا مسئولة عن كده
التعليق: نلاحظ كيف انتقلت شيماء من نفسها بعيدا عن “هنا والآن”، إلى عم محمد: “هنا والآن”، ثم حين ألحقت مسئوليتها عن “سرحان” عم محمد، كانت كما لو كسرت ما اعتدناه من تنبيه من يسرح “أن يركز”، ولعلها انتبهت إلى مسئولية المتلقى عن سرَحان السرْحان !! وبدلا من لومه ربما كان هذا تنبيه أن يبذل المتلقى ما يساعد من يُتهم بالسرحان أن يكف عن ذلك، أو ربما كان هذا تنبيه ضمنى إلى ان السرحان هو دفاع هجومى ردا على غفلة المتلقى أو فتوره.
كان عم محمد قد قال فى الجزء الأول أن “… مصر حاتفضل مصر وانا مسئول عن كده” فنبهه الدكتور يحيى قبيل لعبه هذه المرة أن عليه أن ينتقل من العام إلى الخاص فى هذا الجزء الثانى من اللعبة، فقال:
عم محمد: يا أحمد (ناجى) أنا ابتديت أتحسن وأنا مسئول عن كده
ربما تدل هذه الاستجابة على صحّة فرض أن المرض اختيار، وأن هذا الفرض هو التمهيد الضرورى أن يكون الشفاء هو الاختيار الذى يعدّل مسار الاختيار السلبى الأول، وهنا ، بعد أن نجح عم محمد فى أن ينتقل من العام إلى الخاص، أعلن مسئوليته عن تحسنه، وبلغة هذه النشرة عن الإرادة: أعلن اختياره أن يشارك فى عملية شفائه بالتحسن، ثم هناك ربطٌ محتمل بين استجابته الأولى التى جرجرت إعلانه دوره فى أن “مصر حا تفضل مصر وهو مسئول عن (مشارك فى) ذلك، لو أننا اعتبرنا أن ذلك هو من ضمن علامات تحسنه الاختيارى الذى أعلنه فى هذا الجزء الثانى. (أنظر التعقيب العام آخر النشرة)
كان أحمد ناجى قد لعب فى الجزء الأول معلنا رهاب الموت، وأضيف إليه مسئوليته عن ذلك، فكان عليه أن يوجه كلامه “إلى” آخر، وربما “عن” آخر فوجهه إلى أحمد (الثالث) الملقب فى هذه المجموعة بـ: “أحمد “بس”، خاطب أحمد ناجى أحمد “بس” بما يتفق مع شروط الجزء الثانى بأن يوجه خطابه إلى آخر بعد أن ركز على نفسه فى الجزء الاول، فرد عليه أحمد “بس” فورا، ولعب تلقائيا بسرعة فكان التبادل هكذا:
أحمد ناجى: يا أحمد “بس” أنت صامت زياده عن اللزوم وأنا مسئول عن كده
أحمد “بس”(5): إنت اللى كلامك زياده عن اللزوم وأنا مسئول عن كده
التعليق: نلاحظ أنه بتقدم اللعب، أصبحت الجملة المضافة ذات دلالة أكثر فأكثر، وكأن المشارك بترتيب متأخر فى اللعبة قد تحرك فيه معنى الاختيار الداخلى (وانا مسئول عن كده) حتى فيما يتعلق بما لم يكن يحسبه كذلك، وهذا هو مغزى اللعبة وتوظيفها، وكل هذا موقف عكس ما اعتدنا فى الحياة العامة مما لا نعتبره اختيارا، نقترب من صحة هذا الفرض ونحن نتابع الحوار بين أحمد ناجى وأحمد “بس” : فمسئولية أحمد ناجى عن صمت أحمد “بس” كانت واضحة حيث كان أحمد ناجى كثير التدخـّل دون إذن، كثير المقاطعة، كثير الحديث عن نفسه، وكان المعالج الأكبر ينبهه ويحول دون ذلك بشكل متكرر ، وحاد غالبا، فربما انتبه أحمد ناجى دون قصد (وهو يلعب) إلى أن ثرثرته هذه قد ساهمت فى أن يتمادى أحمد “بس” فى صمته وعزوفه عن المشاركة، وهذا ما يتفق مع ما ردّ به أحمد “بَس”، فمن ناحية فسر صمته بثرثرة أحمد ناجى، ومن ناحية أخرى حمّل نفسه (من خلال اللعبة برغم أنه لم يكن يلعبها) جزءا من المسئولية، بمعنى أن صمته هو من ضمن ما يشجع أحمد ناجى للتمادى فى ثرثرته والاستيلاء على وقت الآخرين برعم محاولات المعالج الأكبر التقليل من ذلك،
(ثم نكمل):
نبه المعالج الأكبر أحمد “بس” أن رده على أحمد ناجى لا يتفق مع ما اتـُّفـِقَ عليه عموما، وفى هذا الجزء خاصة، بألا يكرر أحدهم اللعب، وأن عليه – مع احترام رده التلقائى- أن يوجّه خطابه إلى أحد الحضور الذين لم يلعبوا فوجهه إلى الطبيب كالتالى:
أحمد بس: يا دكتور يحيى: أنا باقولك الله يباركْ لك، والله يخليك وأنا مسئول عن كده
التعليق: بالرغم من قلة، أو ندرة تفاعل المعالج مع أحمد “بس”، فإنه يبدو أنه كان يصله من خلال حوار الوعى البينشخصى والوعى الجمعى ما يكفى أن يطلق هذا الدعاء الذى كنت أعتبره أصدق كثيرا من عبارات المديح والتقريظ ، مع احترامى لكلٍّ، مثلما قالت “مدام مها” تعقيبا على دعاء أحمد “بس” للمعالج المدرِّب.
مدام مها: إنت يادكتور كويس جدا واحنا بنحبك وأنا مسئوله عن كده، وأنا بحبك وأنا مسئولة عن كده
(ثم نكمل):
ثم نبّهت الدكتورة دينا (المتدربة المعالجة المساعدة) أنها لم تلعب فى هذا الجزء الثانى قائلة: “أنا مالعبتش المره التانية” وكانت قد نبهت فى الجزء الأول أنها مسئولة عن غياب مَنْ غاب من الزملاء أثناء هذه الجلسة قائلة: “ياعم محمد فيه كذا حد مش موجود معانا النهارده وأنا مسئولة عن كده” فكان عليها أن تنتقل إلى خطاب مختلف، فقالت للطبيب المدرِّب:
د.دينا: يا دكتور يحيى أنا حاسه إنى أنا أحسن اليومين دول وأنا مسئولة عن كده
التعليق: الأرجح عندى أن هذا الإحساس بالتحسن، هو إعلان ضمنى للتقدم فى التدريب، ففى استجابتها الأولى أعلنت مسئوليتها –ضمنا- عن غياب من غاب، وعقبنا الآن أن هذا دليل على تقييمها الطيب لدور الطبيب (دورها) فى الحفاظ على انتظام أفراد المجموعة بما يصلهم منه، وهنا ترى نفسها – ربما من خلال ذلك دون أن تدرى بشكل مباشر- أنها أحسن، وبما أنها ليست مريضة فالتحسن هنا يتعلق بمهارتها ، ثم أن يكون هذا التحسن من خلال اجتهادها ومسئوليتها هو افضل من أن تُرجعَ الفضل فيه كله أو أغلبه إلى المدرِّب.
كان عصام قد لعب فى الجزء الأول وصرح برأيه فى قضية عامة شائعة بين الناس خاصة هذه الأيام حين قال: يا رَنَا، مافيش فايدة فى الشعب المصرى وأنا مسئول عن كده، ويبدو أنه فى هذا الجزء الثانى، قد حضر له تفسير لكيفية أن يكون مسئولا عن هذا الشعب الذى “مافيش فايدة” فيه، فقال:
عصام: يا دكتور يحيى أنا ناجح فى حياتى العملية وأنا مسئول عن كده، وانت إنسان كويس، وأنا مسئول عن كده
التعليق: ربما يكون الجزء الاول قد حرك فى عصام العلاقة بين نجاحه الشخصى، وبين إسهامه فى حمل مسئولية أن الشعب المصرى الذى بدا له أنه ميئوس منه، ولعله حين أردف نجاحه، بنجاح المعالج كان يربط بين هذا النجاح أيضا وبين ما ينبغى أن يقوم به كل فرد فى موقعه من نجاح بإتقان عمله، فينتفى اليأس من خلال العمل كلٌّ فى موقعه.
نتذكر ما قاله الدكتور يحيى فى الجزء الاول، “ياعم محمد: أنا لوحدى، وفى غاية الألم، وأنا مسئول عن كده “، وكيف أنه عجز الآن عن شرح أو تفسير أو تبرير ذلك بشكل كامل، اللهم إلا تحذيره (فى هذه النشرة) من أن يتمادى المعالج فى وصف حالته بعيدا عن صالح المجموعة أو على حسابها، وحين أتيحت له الفرصة أن يوجه خطابه فى هذا الجزء الثانى إلى موضوع آخر غير ذاته، ظهر احتمال توظيف ما جاء فى الجزء الأول لخدمة ما جاء فى الجزء الثانى: قال د. يحيى فى هذا الجزء الثانى:
د.يحيى: يا أحمد ناجى: إنت صعب جدا، وأنا مسئول عن كده
التعليق: الآن، يمكن الربط (وأرجو ألا يكون تعسفا) بين ألم المعالج ووحدته وهو يواجه حاجزا من الخرسانة المسلحة ليس فقط مع أحمد ناجى (أنظر الهامش) وإنما بصفة عامة حيث تشمل هذه المجموعة (مثل أغلب مجموعاته) عددا من الذهانيين واضطراب الشخصية مما يمثل تحديا متصلا لأى معالج مهما بلغ اجتهاده. أن يكون الطبيب مسئولا عن الصعوبات التى تمثلها مقاومة المريض ودفاعاته هو أمر متوقع ومُهم ان يضعه الطبيب فى حسابه ولا يكتفى بلوم المريض على ذلك، وهذا يبرر الألم وربما الوحدة من جهة (الجزء الأول) وفى نفس الوقت ربما هذا نقسه هو الذى يدفع المعالج نحو التحلى بالمزيد من المسئولية والصبر من جهة أخرى ، وقد اختار المعالج هنا أصعب المرضى وأكثفهم دفاعات ونرجسية ليكون مسئولا عن صعوبته، ويستحسن ألا نعتبر أن هذا كان نتيجة اختيار داخلى لا يعرفه المعالج، وإن كانت مثل هذه الحالات تحتاج لكل مستويات الاختيار أن تتضافر إراداتها لقبول التحدي ، فالاستمرار بالأمل مهما بلغت الصعوبة.
قليل من التعقيب العام:
اعتدنا بعد كل لعبة أن نسأل سؤالا لا نطلب الإجابة عليه، السؤال يقول:
“حد وصل له حاجة جديدة، ما كانشى يعرفها قبل كده: عن نفسه، أو عن غيره، مريض أو معالج، أثناء ما هو بيلعب، أو أثناء ما هو بيسمع ويشوف لعب غيره؟”
ونلحق ذلك مباشرة، أنه ليس من الضرورى إعلان ذلك تفصيلا، بل ويستحسن ألا يعلن أى من الحاضرين عمّا وصله، وأن المطلوب هو الإجابة بالنفى أو الإيجاب فحسب، فنكتفى بأن يعلن أى واحدة أو واحدة موافقته بالإيجاب، ولوبرفع يده، ولا يعتبر الصمت عادة دليلا على أن شيئا لم يصل”
وعادة أيضا لا نناقش الإجابات التى طَرِحت، ولا نفسرها، وكأننا نتركها تفعل فعلها فى الوعى من خلال الإدراك مباشرة، وقد اتبعنا هذا الأسلوب وفضلناه بعد أن لاحظنا فى السنين الأولى كيف أن أى تفسير أو تعقيب، مهما بدا إيجابيا، إنما يكون على حساب فائدة اللعب فى إنارة البصيرة الحقيقية وتنشيط الوعى.
وبرغم كل ذلك، فقد جاء التعقيب النهائى غير ملتزم تماما بكل هذه التحفظات، ربما لأن هذه اللعبة نادرة فى تركيبها، ولأنها من جزأين يكمل بعضهما بعضا، وهى غير الألعاب التى نكملها، وإليكم بعض المقتطفات(6) الاستثنائية:
قال المعالج: يا ترى اللى قال حاجه قدر يشوف إنه ترتب عليها أى فعل أو حركة دلوقتى؟ قصدى إللى قال حاجه حـَسّ إن كلمة “وانا مسئول عن كده” حرّكت فيه حاجة فى اللحظه دى؟
…..ردت الدكتورة دينا بعد قليل:
د.دينا: أنا قلت حاجتين: قلت لريهام حاسه إن أنا أحسن اليومين دول وعشان كده أنا مكمّله ،… وكنت قلت إن أنا مسئوله عن الناس اللى مش موجودين فيه ناس مش معانا دلوقتى أنا مسئولة عن كده “وعشان كده أنا موجودة دلوقتى هنا ودلوقتى”
د.يحيى: إنتى بتولعى النور الأحمر(7) أكتر ولا أقل
د.دينا: أقل
د.يحيى: حد تانى يحب يقولنا واحنا بنلعب أو: وهو بيلعب: “وأنا مسئول عن كده” إيه اللى ترتب على اللعبة، إيه اللى حصل دلوقتى، مثلا: قرر حاجة؟ ولا إيه؟ أى حاجة؟
مدام مها: أنا قلت أنا تعبانه وأنا مسئولة عن كده فا أنا تعبانه يترتب عليها أن أنا أجى عشان أفيد ولادى
د.يحيى: دلوقتى حا يترتب عليها فايدة إيه واحنا قاعدين بعيد عن ولادك
مدام مها: باتعلـّم هنا ودلوقتى حاجة إزاى أتعامل معاهم كويس
د.يحيى: أه! كلمه باتعلـّم حاجه ديه حاجة جيده وصلتنى، وفرّحتنى باتعلم حاجة.
عم محمد: ……….أنا قلت أن مصر حا تفضل مصر ومش حا نتخلى عنها
د. يحيى: ما هى دي اللى أنت قلتها، إيه الجديد فيها، دى مش جديده
محمد: لأه أنا قلت مصر حا تفضل مصر عشان كده مش حا تتخلى عن أبنائها
د.يحيى: طب وإيه يعنى، فين الجديد، إنت حا تعمل إيه، ومالك بتجمع كده مع إنك فى اللعبة قلت “مصر حاتفضل مصر وانا مسئول عن كده“، ودلوقتى بتقول “نتخلى عنها”، دلوقتى بتجمعنا معاك ليه؟، وبعدين دلوقتى بتقول برضه: هى (اللى) مش حاتتخلى عن أبناءها، جرى إيه يا عم محمد، هوّا احنا اللى مش حاننتخلى عنها ولا هيّا اللى مش حاتتخلى عننا؟
محمد: نعم؟ نعم ؟
د.يحيى: الكلام ده يعنى دفعك إنك تقوم تعمل أيه بقى دلوقتى لمصر
محمد: إن أنا أحاول أتغلب على المرض بتاعى
د.يحيى: أحاول ديه بعيد عن “هنا ودلوقتى” شوية
محمد: أتغلب على المرض بتاعى من أول دلوقتى
د.يحيى: يالا اتغلـِّب،
إنت عارف إنت أتغلبت عليه النهارده ازاى؟ إنك لحد دلوقتى مانمتش(8)، انت بتنام بعد 17 دقيقه من ساعة ما نبتدى، دلوقتى فات عارف كام؟ كتير أوى 56 دقيقه ، ومانمتش، برافو عليك يا عم محمد أهلا بيك، مش عايز تروح دورة الميّة
محمد: لأه مش عايز
وبعد
بعد مراجعتى للنشرة أكثر من مرة تأكدت من جديد صعوبة توصيل ما دار فى الجلسة إلى من لم يحضرها، والأكثر صعوبة إلى من لم يحضر العلاج الجمعى أصلا، فوجب الاعتذار من جديد، وإن كان “فى الإعادة إفادة”.
شكرا
[1]- Friedrich (Frederick) Salomon Perls (July 8, 1893 – March
[2] “…..and I am responsible foe it” هذا علما بأننا فى قصر العينى، وفى كل العلاج الجمعى الذى مارسته قد ابتدعنا عشرات (ربما مئات) الألعاب التى لم أجمعها أو أعقب عليها، أما الألعاب التى اقترحها “بيرلز” فلم أستعمل منها إلا هذه اللعبة، ولعبة أخرى ليست من ألعاب بيرلز وهى “أنا عندى سر….” I have a secret . قد يأتى الحديث عنها فى جلسة أخرى لو أتيحت الفرصة.
[3] – يختلف ترتيب اللاعبين: “مَنْ يلعب ثم مَنْ”، ولا توجد قاعدة ثابتة عامة، فأحيانا يلعب الواحد مع كل افراد المجموعة نفس اللعبة ، ويشترط ألا يكرر أبدا ما قاله، أو ما أكمل به، وأحيانا يلعب كل أفراد المجموعة دون استثناء المعالج الأكبر ولا يقبل اعتذار عادة إلا من المتدربين الأصغر طول فترة السماح التى يحددونها بأنفسهم، حتى يطمئنوا إلى عدم الاقتحام دون إذنهم، وتسمى هذه الفترة: الحق فى إضاءة النور الأحمر، لكن بمجرد أن يضىء المتدرب النور الأخضر مرة واحدة (بعد أن يطمئن تماما) ليس من حقه أن يعود إلى النور الأحمر حتى تنتهي سنة تدريبه، وبعض المتدربين أنهو السنة دون أن يضيئوا النور الأخضر اصلا، وفى أحيان أخرى تكون اللعبة اختيارية لمن شاء، أو تكون مرة واحدة موجهة لأحد افراد المجوعة من المرضى والمعالجين، ولكن عادة يكون الترتيب أن يلعب من وُجِّهَ إليه الخطاب من أحد الزملاء بعده مباشرة، ليوجه الخطاب بدوره لأحد الباقين ممنن لم يلعبوا، وهكذا، وهذا ما حدث فى هذه اللعبة كما يلاحظ القارئ.
[4] – المواجدة Empathy وهى ترجمة الزميل د. إيهاب الخراط، وقد وافقت عليها وفرحت بها
[5] – يوجد فى هذه المجموعة ثلاثة أفراد باسم أحمد، أولهم أحمد ناجى، وهو بالغ المقاومة مفرط فى الكلام ، متكلس فى حالة قصوى من التحوصل على الذات ، وثانيهم أحمد فيصل، وهو طالب فى الثانوية العامة ، بدين نسبيا (خاصة بالنسبة لسنة) أبيض البشرة، دافئ الحضور، ملتزم ، مهتم فى صمت غالبا، وثالثهم أحمد الذى التحق بالمجموعة متأخرا نسبيا، فلم نجد مفرا من تسميته أحمد “بس”، فكنا إذا قلنا أحمد ولم نضف لقبا، فإننا نعنيه، لكن تكرر الخطأ، فدأب معظم الحضور على تلقيبه بأحمد “بس”، وكان فى حالة ذهان نشط نسبيا، لكن برغم صمته كان يشارك فى نقطة معينة إذا طُلب منه، ثم يبدو عليه نوع من عدم الانتباه، لكن يثببت أن ذلك بالنسبة للانتباه الإيجابى actuve attention دون الانتباه السلبى passive attention فكان يفاجئنا باستجابته فى النقطة المعنية فى اللحظة المناسبة كما حدث أثناء هذه اللعبة.
[6] – هذه التعقيبات ليست بكامل النص، فهذا الجزء لم يكن الصوت فيه واضح تماما، إثناء التفريغ
[7] – انظر هامش رقم (3)
[8] – اعتاد عم محمد (56 سنة- مع هزال بدنى بالإضافة إلى المعاناة النفسية) أن يغفو أو ينام أثناء الجلسة، وكنا نوقظه أحيانا، ونتركه أحيانا أخرى، كما اعتاد أيضا أن يطلب الذهاب إلى دورة المياه، وكنا نعتبر هذا وذاك فى كثير من الأحيان نوعا من الهرب أو المقاومة، حتى لو لم يكن هوعلى الكرسى الساخن Hot seat (بتعبير بيرلز) والكرسى الساخن يشير إلى الزميل الذى يكون فى موقع التركيز والتفاعل من المعالج والزملاء، وحين قـلــّتْ هذه الدفاعات كما ينبهه إلى ذلك المعالج هنا، اعتبره المعالج بداية إسهام فى العلاج، علاج نفسه أولا، الأمر الذى ربطه هنا بعدم التخلى عن مصر، الأمر الذى لا يخطر ببال وزير الصحة، نفسه !