نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد : 14-10-2012
السنة السادسة
العدد: 1871
الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (117)
الإدراك (78)
الإدراك، ودهشة الأطفال ومعرفة الله!!
من بين المشاهدات الأساسية التى جعلتنى أربط معرفة الله بالإدراك قبل التفكير، فرض يقول “إن الطفل يؤمن بالله، ويتعرف عليه قبل أن ينطق أصلا بأى كلمات، بما فى ذلك كلمة “الله”، ولعل هذا النوع من الإيمان هو أقرب إلى تسبيح السماوات والأرض والجبال والطير، وكل ما بين السماء والأرض.
المفروض بعد ذلك أن تحافظ التربية على هذه القدرة المعرفية الأولية وتضيف إليها بما يتيح الجدل بين مستويات الوعى، ومن ثم مناهل المعرفة، لكن الذى يحدث أن يحل التفكير المفاهيمى، واللغة المرموزة محل كل ذلك
من أين لى بهذا الفرض، وكيف أربط بينه وبين “إيمان العجائز”، ثم بينه وبين “إيمان العامة”؟
أول ما يعرف الطفل الحديث الولادة أى موضوع من موضوعات العالم يعرفه من خلال صدمة (أو انفعال) “البـَهر”، وكلمة البهر هى الترجمة التى الرتضيتها للكلمة بالإنجليزية orientation، وهى التى تظهر فى نظرة عينيه، ربما وعمره بعد ساعات أو أيام، فهو يرى وجه أمه (أو أى مثير مكافئ)، تلك النظرة التى لو تأملتـَها قليلا لوجدت أنها مزيج من الدهشة والفرحة والرضا والتوجس، هذا رأيى تلخيصا لما شاهدته ووصلنى، هذا التفاعل هو المدخل الأول للمعرفة بصفة عامة، وهو انفعال أو وجدان معرفى أساسى، يظهر قبل أى عاطفة أخرى وهو الأقرب إلى موضوعنا هنا عن الإدراك، وكل معرفة لاحقة هى تكمل هذه المعرفة، والمفروض أنها لا تحل محلها تماما، أى أنها تتكامل معها لا تلغيها. هذه البداية تؤكد أهمية وأسبقية الإدراك من جهة، وقد تبرر طمأنينتنا ونحن نتكلم عن إيمان الأطفال، بما فى ذلك معرفة الله قبل أن يُسَمَّى لهم، ثم بعد أن يسمى لهم، وقبل أن نحبس اللفظ فيما لا نعرف تحديدا، مدعين أننا نبسِّط الأمور لهم.
لم أكن أعرف أن هذا الفرض كامن فى إدراكى وأنا أكتب أراجيز للأطفال، بناء على طلب إبن (أحد تلاميذى) هو الدكتور أوسم وصفى، كمقدمة لكتابه للأطفال، جاء اكتشافى لهذا الفرض دون قصد مسبق، ولم أنتبه إلى علاقة الدهشة بالإدراك بالذات ، قبل التفكير والفهم، ومن ثم علاقتها بالمعرفة الكلية إلى الله ، إلا وأنا أقلب فى أوراقى الآن.
قبل أن اعرض الأرجوزة، (التى أعتبرها الآن قصيدة)، وقبل أن افسدها بشرحها بما يرتبط بموضوع الآن، أريد أن أقر جازما أن أيا من هذا التنظير الذى نتدارسه معا الآن لم يكن فى مقدمة وعيى إطلاقا، ثم أضيف أننى وددت أن أعرض القصيدة الأرجوزة دون تعقيب لتصل كيفما تصل، ليبحث كل من يتلقاها بنفسه عن علاقة الدهشة بمعرفة الله سبحانه، خاصة عند الأطفال، (يا حبذا أمكنه استرجاع بعض ذلك) خاصة وهم يشخصون ذويهم الكبار الذين تنازلوا عن الإدراك لحساب الفهم أو العقل أو التفكير الممنطق
تقول القصيدة/الأرجوزة (وهى حوار بين طفلين، ربما أخوين) وعنوانها “الدهشة”، وقد وجدتنى فى مرحلة ما من مراجعاتى، لا أذكر متى بالضبط ، أضفت للعنوان “طريق إلى الله”:
الدهشة: طريق إلى الله!
* شفت يابنى البرتقانة
ـ شفتهاَ
* بس دى مش برتقانةْ
ـ أيوهْ عارفْ.
* تبقى إيهْ ؟
ـ تبقى هيّهْ البرتقانهْ
* يعنى إيهْ ؟
ـ يعنى هيهْ زى دكههْ، بس لأْ،: مش زى دكههْ.
* ما انا عارفْ، بس قول لى: يعنى إيهْ؟
ـ يعنى تِسْكتْ.
* طبْ سكـتْ.
ـ إنت ساكتْ وانت عارفْ! ولاّ خايف إنَّى شايفْ؟
* ما انت عارف إن خوفنا مالجديد، هوّا بيقرب لنا الحاجة البعيد
ـ قومْ تشوفْها ازاىْ بقى؟
* قوْم أشوفها جوّا منى، بس برضُهْ برّه عنى.
ـ يعنى إيه؟
* يعنى اشوفها كل مرّة زى ما أكون باخترعها
ـ يعنى إيه ؟
* جرى إيه!! ! هوَّا انا “بابا” قُصادك؟
ـ هوّا بابا بيعمل ايه؟
* بابا بيجاوب عليّا قبل ما اسأل أى حاجة.
ـ يعنى إيه ؟
* لسّه برضه تقوللى تانى “يعنى إيه”!!
ـ تيجى يابنى نقول لبابا “يندهش” كدا زينا
* لأ يا عمْ
ـ لأَّه ليه؟
* بابا لو إنه “اندهش” حايطبْ “ساكتْ”
ـ يانهار اسود
* لأ، ولسّه….
ـ لسّه إيه ؟
* لأ ،.. خلاصْ.
ـ ما خلاصشى لسّه.
* أيوه فعلا، طول ما إحنا “بنندهش” “ما خلاصشى لسّه”،
ـ يا حلاوة.
* ياحلاوهْ لو بقوا كدا زيّنا !!
ـ همّا مين؟
* هما كل الخوّافين
ـ يعنى مين؟
* إللى “بيجاوبوا” بِـِدَال ما يشوفوا إحنا شفنا إيه
ـ وانت عايز منهم ايه؟
* يعنى لو سمحوا كدا كام حبّة نـُونـُو، كنا نكبر زى خلقةْ ربنا
ـ آه صحيح، يبقى ممكن إننا.. …، ولاّ بلاش
* خُفت ليه؟
ـ أصل انا كنت حاقول: كنا ممكن إننا نشوف ربنا، قصدى يعنى نحبّه جدا.
* يعنى إيه؟
ـ إللى يعرف يندهش كده زينا، راح يعرف اكتر
* يعرف ايه ؟
– كل حاجة لْحد ما يفرح ويكبر، كلـّه يعنى
ـ كلّه يعنى ؟؟ قصدكـــــايهْ !!!! ؟
* قصدى يعنى زى ما قلنا هناك
ـ قول ياربّ
* بس حاسبْ يسمعونا
ـ طبْ خلاصْ
بعد أن كنت أنوى أن أربط اليوم بين كلمات هذه القصيدة/الأرجوزة وموضوعنا، وهو المنهج الذى كاد يشوه ديوانى “أغوار النفس” عبر 815 صفحة (نشرات من 9-6-2009 حتى 15-9-2010) وقبله شرح متن ديوانى “سر اللعبة”، توقفت فجأة أملا أن يعيد قراءتها من يشاء مرة أخرى أو مرات، ثم يبحث بنفسه عن بعض ما يلى، ثم نلتقى نشرح ما لا ينبغى أن يُشرح (أو لعلكم تحولون بينى وبين ذلك مع الشكر)، يبحث بنفسه فيما يلى:
1- كيف أن الكلمات الشارحة قد تفسد ما يصل إلى الطفل دون شرح
2- هل الدهشة هى فعلا انفعال معرفى (أو قـل: معرفة وجدانية)
3- إبداع التلقى (عند الاطفال خاصة)
4- الفرق بين الخوف المعرفى المصاحب للدهشة عند الأطفال، وخوف الكبار من مغامرة طرق باب الغموض وتحمل مسئولية السؤال بلا جواب (الغيب)
5- الأطفال وهم يشخصون أحوال الكبار
6- معرفة الله التلقائية لا تعنى توصيفه وإنما أساسا حبه (المعرفى أيضا)
7- غموض لغة الأطفال قد لا يكون غموضا
8- المعرفة الكلية المرتبطة بالدهشة مفتوحة النهاية
9- الامتناع عن الشرح قد يكون أكثر إفادة أحيانا
10- علاقة كل ذلك، أو بعض ذلك، بالإدراك