يحيى الرخاوى طبيب نفسى
نشرة “الإنسان والتطور”
25-7-2012
السنة الخامسة
العدد: 1790
الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (96)
الإدراك (57)
وصف الهلاوس بتعبيرات تتجاوز الحواس الخمس!!
قبل عرض العينات من واقع أقوال المرضى فى نشرة أمس كتبت ملحوظة عن ما يسمى الإدراك المتجاوز للحواس، وأنه لا ينبغى أن يزاح إلى ما يسمى “الباراسيكولوجى” لأنه قد يكون أصل الأصل وليس بجوار Para . ثم عرضت جزءًا من شكوى مريض واحد نوقشت حالته فى لقاء علمى إكلينيكى ولم أعقب، ثم تمت مناقشة حالة هذا المريض بعد ذلك، وتبين لنا ما يحتاج إلى إشارة قد تفيد فى توضيح ما نريد.
اتفقت مع مقدم الحالة د. هشام عبد المنعم، أن يضيف بقية شكواه المليئة بالهلاوس والصور الخيالية والضلالات ثم نحاول تقريبها إلى أقرب وظيفة حسية فسيولوجية نعرفها، وإذا بنا نتعرف على حقائق كنا فى أشد الحاجة إليها.
1) ان المريض يستعمل ألفاظا أرحب وأعمق دلالة من تلك التى سجنت مصطلحات الادراك فيها فى الصحة والمرض، وان الذى يحدث هو أن الطبيب يترجم – مضطرا- ما يقوله المريض إلى ما يعرف، فيضيع منا الجديد.
2) أن المريض قد يحدد عضو الإحساس سواء الحواس الخمسة أو غيرها مما لا نعرف، ولا يوجد ما يبرر أن ننكر عليه أن ذلك الاحساس الذى يصله هو مدرك من حيث المبدأ حتى لو نسميه نحن هلاوس، يصله سواء مباشرة من الداخل (الواقع الداخلى) أو بعد اسقاطه للخارج (الواقع الخارجى).
3) أن هناك طيف ممتد لعملية تشكيل أعراض الهلوسة يتحرك طول الوقت بين الهلوسة الدالة على إدراك الواقع الداخلى مباشرة إلى تأليف صور مصنوعه من واقع خيال منظم. مرورا بتكوين الصور الخيالية بما يشمل احتمال الاستعانة بتكوين ضلالات مرتبطة داعمة للانحراف الإمراضى.
4) إن حركية الهلوسة على هذا الطيف الممتد – فى هذه الحالة بالذات– تشير إلى ظاهرة “نشاط التفكيك” وتنويعاته وتبادلاته فى عملية إعادة التشكيل المرضى طول الوقت (نقد النص البشرى).
……….
هكذا قمنا بمحاولة مبدئية لتصنيف ما جاء فى شكوى هذا المريض من هلوسات وصور تخيلية، وتأليفات تخيلية، وضلالات
الفرض الحالى:
إن البحث فى كلام المريض المرضى “بما هو” دون الاسراع إلى خنقه داخل اسم مصطلح عرض حسى يمكن أن يساعدنا على التعرف على حواس حسية، قبل وبعد الحواس الخمس، لعلها تكون المدخل إلى التعرف على ما أسميناه “حواسا داخلية”، بدءًا بالعين الداخلية ثم الأنف الداخلية وهكذا).
من شكوى مريض واحد فى مقابلة مطولة:
هلوسة محددة بالحواس الخمسة :
- باسمع صوت بيقولى يا خول، لدرجة انى مصدق انى خول .
- باسمع أصوات تقولى امسك الحديد، وساعات رجلى تلف حوالين بعض وده معاناه أذى اللى قدامى.
- بسمع أصوات غريبة فى ودانى، أصوات رجاله وستات.
- على طول صوت واحد يا إما راجل يا إما ست.
- ممكن أسمع صوت يأمرنى يقولى أعمل كذا .
- باسمع صوت كلاب بيصوصو.
- باحس بكهرباء فى جسمى زيادة ، كهرباء عند أطراف صوابعى (حاسة اللمس) .
- باحس فيه تنميل فى رجلى لدرجة هتبقى هاتتقطع (حاسة اللمس).
- باشم ريحه فى مناخيرى ، ريحه أرف زى المجارى ، ريحه بتروح وبتيجى .
- باحس انى لابس حد أو حد لابسنى كأن حد حاطط عضوه فيّا، أو أنا حاطط عضوى فى حد . (خليط بين حاسة اللمس والحاسة الحشوية)
- باسمع صوت بيقولى يا خول، لدرجة انى مصدق انى خول .
- باسمع صوت بيقولى يا واد يا بت .
- باسمع ان عضمى بيتكتك .
- باشم ريحه ورد دبلان.
- باشم ريحه البنت اللى باحبها: جارتى .
هلوسة محددة بالحواس الحشوية :
- كان فى حته ازاز جوايا من وأنا فى ثانوى ، حاسس فيه إزاز فى البول بس مش عارف جانى منين .
- حاسس ان معدتى مليانه فى إزاز وبلورات بتتكسر .
- قلبى فى زورى ، فيه عنكبوت فارش خيوطه فى صدرى.
هلوسة محددة بالحواس العميقة:
- حاسس ان فى خشب فى رجلى (لمس) .
- فى ناس قاعدة على رجلى وأنا قاعد على رجل حد. (+ Proprioceptive ).
هلوسة محددة بحواس غامضة :
- بطنى بتتنفخ زى البلونه لما اجى أعمل حمام، وباحس انى منفِّس زى الانبوبة.
- وأنا فى الامتحانات كان ورايا واحد مسيحى لما كان يمسك الخشب كنت باحس بوجع فى جسمى جامد وكنت باحس بكهربا فى جسمى زيادة.
- باحس ان بطنى مقسومه نصين ، نص فيه حاجات كويسه ونص فيه حاجات وحشه، ساعات مقسومه بالطول وساعات مقسومه بالعرض، زى وميض يقسمها بالعرض (انظر حالة رشاد).
- فى ناس حواليا مش شايفهم ممكن جن أو شياطين بس أنا باحس بوجودهم.
- باحس ان فى ناس بتدخل جوايا بستكشف جوايا .
- باحس ان جسمى من فوق غير جسمى من تحت، وعضمى جوه منى بيتغير (قارن: رشاد) .
- باحس ان معدتى إزاز وبلورات بتتكسر .
- باحس ان فى خشب فى رجلى .
- أنا مجوف من جوه.
- أنا قلبى فى زورى وفيه عناكب فى صدرى.
- باحس بخرشوف أو تين شوكى فى مناطق فى جسمى بالذات فى أسفل ظهرى وعضم الحوض.
ضلالات راجعة، الأرجح استجابة لهلوسة:
- باحس فيه كهربا فى جسمى زيادة وكهربا عند أطراف اصابعى وممكن أأذى بيها أى حد.
- باحس برمى عليهم جمر لما يقربوا منى ، وأنا فى صراع بينى وبين أى بنى آدم قدامى.
- حاسس ان انا السبب لحاجات بتحصل للبنات زى الحيض مثلا ، ممكن أذيهم بالكهرباء بتاعتى .
وصف احتمال هلوسة تتحول إلى صورة :
- باحس بخرشوف أو تين شوكى فى مناطق فى جسمى بالذات فى أسفل ظهرى وعضم الحوض.
- قلبى فى زورى ، فى عنكبوت فارش خيوطه فى صدرى.
- كان فى حته ازاز جوايا من وأنا فى ثانوى كانت بتوجعنى على طول.
- ساعات باشم ريحة البنت اللى انا بحبها جارتى كأنها لسه مستحمية والريحه خارجه منها.
هلوسة نابعة من ذكرى ماثلة تحولت جزئيا إلى ضلالات:
- كان فى حته ازاز جوايا من وأنا فى ثانوى كانت بتوجعنى على طول كنت باحس فيها فى الشرج.
- بيبقى فى تقل فى جسمى وعضمى اللى ورا ووسطى ، باحس انى لابس حد وحد لابسنى.
- باحس جوايا بحاجات شاذة كأنى بابوس راجل، يمكن ساعة لما نمت فى الخرابة لما بابا ضربنى حد عامل فيها حاجة .
- باسمع صوت البنت جارتى اللى كنت بحبها بتسمعنى كلام استفزاز وبتشمتنى
المحتوى: بنى آدميين:
- ناس أعرفهم جارنا .
- صوت الست جارتى .
- صاحبى اللى معايا فى الخرابة اللى شاذ .
- بنى آدميين مجهولين (باسمع أصوات وأسماء ناس كل يوم شخصية).
المحتوى: الأكثر غرابة:
- فيه حشرات متلمه عليا.
- فيه دبان متلم عليا أنا بالذات.
- عنكبوت فارش خيوطه فى صدرى.
- أمى جايه تبوسنى، بتفتح بقها لاقت دودة على لسنها.
المحتوى: أشياء وحيوانات:
- خرشوف.
- تين شوكى.
- خشب.
- قصور.
- كرسى مذهب.
- أسود.
تداخل الحلم مع الهلوسة:
- ومرة حلمت انى فى دورة مياه وكنت بتصير ميه، وكان فيه دكه قاعد عليها بنتين واحدة منهم قامت وقربت منى، وحاولت تمسكنى وتبوسنى بالعافية ولما فتحت بقها لاقيت على لسانها دودة.
- باحس ان فيه ناس بتدخل جوايا وتمشى وتستكشف جوايا وشافوا أسود وكرسى مذهب كأنهم فى رحلة وتاهو جوه القصور اللى جوايا ، الجيران وأصحاب البيت داخلوا وخرجوا مش عارف دى حقيقية ولا حلم من أحلام اليقظة .
- كان فى حتة ازاز جوايا من وأنا فى ثانوى وكانت بتوجعنى على طول كنت باحس بيها فى الشرج والحوض وقدام فى الخصية وعضم الحوض وكانت عامْلالى ضمور فى العضم ومأثره على حتى وانا بضرب عشرة ومأثره عليا فى المشى، بس ماما طلعتها بدبوس، كنت نائم على جانبى صيحت من النوم قاعده على الكرسى قدام السرير اكيد هيا اللى شالتها وانا نايم، كنت باحس بشكه دبوس وسابت مطرحها خرم.
الخلاصة:
قد نرجع إلى هذا التقسيم المبدئى الذى قدماه دون تعليق.
إن الاحساس، فالإدراك، ليس مبنيا على أعضاء حس بذاتها طول الوقت،
وكذلك لا يصح اختزال المسألة إلى أن كلمة أحس أو باحس على أنها تعبير مجازى.
ملحق هام:
فى النشرة القديمة منذ خمس سنوات بدأناها بأسئلة فى محاولة الكشف عن جهلنا بحاسة الشم بالذات، وخاصة شم روائح ما نظن أنه بلا رائحة مستشهدين برواية العطر لزوسكند،
وقد رأينا أن نعيد طرح هذه الأسئلة لتنشيط المشاركة قبل أن نعود إلى هذا وذاك.
المقتطف (1) :
أسئلة مبدئية
- هل للحياة رائحة ؟
- هل للموت رائحة؟
- هل للجماد رائحة؟
- هل ثَمَّ روائح تنبعث من داخلنا ؟
- وما هى رائحة عرقك؟
- .. ورائحة حزنك؟
- وهل لرأيك رائحة …؟
- وهل لرأيك -غير رأيك السابق حالا- رائحة أخرى؟
- وهل يمكن أن ترى بأنفك؟
- وهل أنت تعرف أن لك جسداً له حواس خمسة، وأكثر، وأنها تعرف وتبدع؟
- وهل ماتعرفه، أعنى ما تدركه، بحواسك، هو “الحقيقة“؟
- أم هو حقيقتك أنت؟
- وهل هذا الذى تعرفه هو نهاية المطاف، أم بداية “جدل الإدراك”؟
* * * *
المقتطف (2):
ثم نطرح تصنيفا محدود من رواية العطر لزوسكند يكمل الصورة جاء أيضا فى النشرة السابقة.
| المجموعة الأولى: الأماكن والأشياء | |
| 1- رائحة قلويات الغسيل الواخزة
2- رائحة الغائط 3- رائحة الدماء المتفسخة 4- الرائحة النفاذة المنبعثة من المباول 5- رائحة البول 6- رائحة الكبريت 7- رائحة الشراشف المدهنة 8- رائحة الخشب المتفسخ وروث الجرذان 9- رائحة الملفوف المتعفن، وشحم الخراف 10- رائحة الغبار الرطب |
أ- الشوارع
ب- ساحات المنازل الخلفية ج- أدراج البنايات د- المطابخ ذ- الغرف غير المهواة ر- غرف النوم ز- اللحف الرطبة المحشوة بالريش هـ- المدافئ و-المدابغ ى_المسالخ |
| المجموعة الثانية: رائحة البشر (نفس الرواية) | |
| أ- البشر
ب- أفواههم ج- بطونهم د- أجسامهم ذ- الفلاح ر- الحرفى المتدرب ز- طبقة النبلاء هـ- الملك و- الملكة |
1- رائحة القس
2- رائحة حيوان مفترس 3- رائحة زوجة المعلم 4-رائحة الأسنان المتعفنة 5- رائحة عنزة شمطاء 6- رائحة الجبنة العتيقة والحليب الحامض والأمراض الورمية 7- رائحة العرق والملابس غير المغسولة 8- رائحة كريهة 9- رائحة البصل |
المقتطف (3)
وأخيراً نعيد تعليق صديق من أصدقاء بريد الجمعة على هذه النشرة:
بسم الله
الحياه ريحتها طاقه قوى متداخله، رذاذ أوكسجين..
- بالنسبة لريحة الموت فهى مكتومه وساعات بتكهرب وغبيه وتخنق وزى النار، وممكن تشبه الحديد.
- وكل جماد ليه ريحه شِكْل:
- فالحديد مثلا ريحته دم .
- وانا جوايا ريحة كولونيا.
- ولما باضرب “عشرة” ريحتى بتبقي ورد,
- ولما باركض ريحتى بتبقي مكسرات .
- وريحة عرقي بول طيور منزل.
- وريحة حُزنى “نشوء” وشكمان عربيه ” بى ام دبليو” الصبح فى الشبوره.
- حقيقتك يا عم يحيي… أنا أقراك وأعرفك كما أعرف نفسى وأكتر.
- باشمّك وعارف ريحة..(ولاّ بلاش لتشتمنى).
- نظرى بيقولى إنك سفاح .
- و ملمسك بيقولي إنك رقيق وبتاع بنات .
- وريحتك وانت فى الحمام مش وحشه أوى.
- وريحة عرقك ياسمين.. أيوه.
- و ريحة بقك سبرتو انا مش باهزّر.
ده جدل مش اكتر, ويمكن اوصل منه لنتيجه أحسن شويه.
- يمكن أعرفك أكتر.
- يمكن أقدر أكرهك.
مقتطف أخير:
تعقيب على تعليق هذا الصديق (مريض سابق) وكلمة عن علاقته بالإبداع:
صديقنا هنا سمح لها أن نرى كيف يبدأ تنشيط حاسة الشم بشكل خاص جدا، تناولها بما تيسر له بمنتهى الصورة.
تصورت أنه يستدعى الذكرى، يستحضرها، فتنقلب معايشة؛ فتفوح رائحة ما، فيقرّ بها، فتنقله من الداخل إلى أقرب ما يقفز إليه من مخزون أبجديته، ثم يضع الوصف الذى يحضره، وخلاص
يحدث كل ذلك – ربما – فى أقل من ثانية
المبدع يفعل مثل ذلك تماما (غالبا).
لكنه يحتوى هذه الخبرة ويتحمل مسئوليتها،
ويسمح لها أن تنضج،
وأن تنساب، وتتشكل
ثم يراجعها، ويصقلها …. الخ الخ
المهم أننا نحاول أن نؤكد ضرورة أن نبدأ من الخبرة، ومن احتمال صدقها قبل أن نسارع بالحكم عليها.
* * * *
هذا التعقيب الأخير يلزمنا بتناول التفكيك فى الإبداع فى مقابل التفكيك فى المرض فى الوقت المناسب!.
حاضر.