نشرة “الإنسان والتطور”
20-6-2012
السنة الخامسة
العدد: 1754
الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (86)
الإدراك (47)
“العين الداخلية” (18)
و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات”(17)
مقدمة:
هذه تكملة مباشرة لنشرة أمس، لا تحتاج إلا التذكرة بأننا نواصل عرض عينات دالة من استعمال البصيرة فى دعم فرض “اختيار المرض”، ومن ثم (الدعوة إلى اختيار عكسه: الصحة بالعلاج الذى يبدأ بإفشال هذا الاختيار للمرض ثم يكتمل بإعادة التشكيل.
……..
رشاد: هوّا انا رجعت ليه؟
د.يحيى: تانى؟!! رجعت ليه؟!!! إسأل نفسك يا أخى
رشاد: أنا رجعت ليه يعنى؟
د.يحيى: مش عايز أقول لك كلام مش كويس، أديك رجعت
رشاد: مش فاهم، مش فاهم حاجة
د.يحيى: لا يا شيخ! أديك رجعت عشان تقول مش فاهم ومحتار، علما بأن انا كل اللى طلبته منك إنك تشتغل لمدة 7 أيام قبل ما تسافر، حتى دى رفضتها، 7 أيام يا راجل من الخميس للخميس قبل ما تسافر مش حاجة كبيرة (……….) المهم الله يسامحك إنت جاى ليه النهارده؟
رشاد: عاوز أعرف بس يادكتور
د.يحيى: تعرف إيه؟
رشاد: اللى بيحصل لى ده إيه؟
د.يحيى: (ساخرا) واللااهييى؟
رشاد: آه والله
د.يحيى: أنا اللى حاعرفهولك؟
رشاد: مش حضرتك دكتور
د.يحيى: آه
رشاد: طيب
د.يحيى: ما أنا عرّفتهولك قبل كده، وحذرتك منه
رشاد: حذرتنى إزاى
د.يحيى: حذرتك منه (مكتوب أهه “ينظر فى الورق”)، ومتسجل، قلت لك حايحصل كذا كذا
رشاد: أيوه، عاوز أعرف منك يعنى
د.يحيى: تعرف منى!! إيه تانى؟
رشاد: إمال حاعرف من مين يعنى؟
د.يحيى: تعرف منك انت طبعاً، دانا اللى باعرف منك يا رشاد يا ابنى، انت شايف كل حاجة، وبتعلـّمنا اللى حصل واللى حاصل، ده مافيش أوضح من كده
(*) …..الإشارة هنا إلى أننا نتعلم منه (سبب تقديم الحالة وعنوانها الأصلى “فصامى يعلمنا” ) وهى حقيقة علمية كما أنها خطوة علاجية برغم ما فيها من احترام واحتمال فائدة، ومع أنها حقيقة كما ظهرت حتى الآن من عرض الحالة ، إلا أن فائدتها لرشاد، فى هذه المرحلة، خصوصا بعد سفره وعودته فاشلا فى خلال أسبوع، تكاد تكون معدومة، أوحتى عكسية، وهو يكرر سؤاله بإصرار وصدق شديدين، ونلاحظ أنه يسأل “اللى بيحصل ده ليه؟”، وليس “اللى بيحصل ده إيه”، فهو كما لاحظنا يستطيع وصف الذى يحدث كما سبق وتعلمنا منه، أما لماذا فهذا هو مايسأل عنه، وهناك احتمال أنه لا يسأل فقط عن الأسباب بالمعنى التسلسلى التتبعى (العلّية”) بقدر ما يسأل عن وظيفة ما يحدث أو معناه، وهو ما حاول الطبيب أن يشير إليه كلما سنحت الفرصة، لكن مقاومة رشاد لفهم آليات المرض، ومعنى الأعراض، وغاية الإمراضية تجلّت فى هذه المقابلة كأوضح ما يكون.
رشاد: لو فاهم كنت قلت لحضرتك، لكن انا بأسأل عشان كده
د.يحيى: باقول لك إيه!
رشاد: نعم
د.يحيى: إنت عيان ولا مش عيان؟
رشاد: عيان
د.يحيى: تبقى مسئول
(*) نلاحظ التناقض الظاهر فى تركيب الجملة التى أجاب بها الطبيب سؤال رشاد، فهى تعبير يعلن ما هو ضد ما شاع عند العامة من أن المريض عادة “غير مسئول”، ويبدو أن السؤال والرد الحاسم هكذا كان تكملة تؤكد صحة الفرض الذى يشغل هذه النشرة بشكل أساسى، وهو طبيعة ومعنى مايسمى “اختيار الحل المرضى”، وقد ناقشناها من قبل فى نشرة “اختيار الجنون” وأيضا فى حوار الجمعة بتاريخ 25-7-2008 وأوضحنا أن “معنى المسئولية على مستويات متعددة من الوعى” غير “معنى المسئولية الشائع فى القانون العام”، وفى “الممارسة العادية للحياة اليومية”، لكن الإضافة هنا هى وصف ضمنى للشخص العادى بأنه مسئول بدرجة أقل من المريض (الذهانى مثل رشاد، وليس كل المرضى طبعا) وهذا ما انتبه إليه رشاد واعترض عليه متعجبا:
رشاد: العيّان مسئول؟!! إمال السليم يبقى إيه؟
د. يحيى: خلى دى على ناحية، إنت عارف أنا باقول كده ليه، إحنا يا دكاترة بنختلف حوالين المسألة دى، لكن انت عارف
رشاد: يعنى أنا مسئول؟
د. يحيى: طبعا، فاكر لما قلت لك عندك مرض جامد، رحت قايللى يعنى أروح العباسية؟، قلت لك: انت تطول؟ أنا قلت كده أنا عشان باحترمك، باحملك المسئولية، وباتحملها معاك، ..
(*) هكذا حاول الطبيب أن يوصل للمريض أنه يحمل مسئولية العودة إلى الصحة بمصاحبته، وهذا ما أشرنا إليه من فائدة توصيل فكرة اختيار المريض للمريض دون اتهام، إلا بقدر ما يحفزه لتحمل مسئولية ما آل إليه خصوصا بعد فشل (بل إفشال) الحل المرضى، أما حكاية “إنت تطول تروح العباسية” فهى إشارة ضمنية أن رشاد برغم مسئوليته عن اختيار الحل المرضى، إلا أنه فشل فى التمادى فيه حتى الوصول إلى التفسخ والانسحاب الكامل، أو التفجر الخطر، مما يضطره إلى الحجز للعلاج فى مستوى آخر.
رشاد: يعنى أعمل إيه دلوقتى؟
د.يحيى: تروح تشتغل أى شغلة النهاردة، على فكرة أى شغلة من الشغلات اللى اشتغلتها هى علاج، بس ماتغيرهاش إلا بعد ما نتفق: تشتغل على تاكسى، إنت معاك رخصة، تشتغل سواق أتوبيس، تشتغل على ميكروباص، أى حاجة، بس تشتغل
رشاد: إن شاء الله
د.يحيى: لأه “إن شاء الله”، السلبية دى مش دلوقتى، ربنا ما بيشاءشى إلا الخير، إحنا نعمل وهو يبارك، انت بتاخد الدوا ولا لأه ؟
(*) برغم قرب رشاد، وبصيرته ، ونشاط عينه الداخلية، وتعلمنا منه، إلا أنه ما زال فى عداد الذهانيين، وكل هذا التنشيط الداخلى المرصود بهذا الوضوح وهو الذى نتعلم منه هكذا، لا ينبغى أن ينسينا طبيبعة هذا المرض وأنه إعلان عن نشاط لمخ بدائى أصبح راجحا فى هذه المرحلة من تطور الإمراضية ، التى لا يحد من تماديها اكتساب مثل هذه البصيرة، ولذلك فإن الحرص على إعطاء جرعة كافية من النيورولبتات Neuroleptics هو شديد الأهمية لضبط هذا النشاط حتى لو كان نشاطا خفيا لا يظهر فى شكل انسحاب بدائى، وإنما يحقق أهدافه من خلال نشاطات معقلنة فائقة القدرة، ربما تكون بعض مظاهرها شحذ أدوات الإدراك الأقدم، التى إذا ما نشطت يمكن أن تختبئ فى صور الكشف والحدس وحدة الدراسية، دون أن تقوم هذه التنشيطات بأى دور إبداعى بناء، برغم أنها قد تبدأ ببعض الخطوات التى يبدأ بها الابداع، لكن سرعان ما يتبين أنه نوع من الإبداع المجهض الذى هو مكافئ للذهان. لكل ذلك فإن الامتثال لتعاطى الأدوية وبالذات المهدئات الجسيمة (النيورولبتات) هو شديد الأهمية فى هذه الحالات الملتبسة ، ومثل هذا الالتزام كان بالنسبة لى شديد الإفادة فى كشف الإمراضية عند هؤلاء المرضى، بل وعند غيرهم، وكان زادى فى ممارسة العلاج الجمعى مع الذهانيين جنبا إلى جنب مع سائر المرضى، وبتعبير آخر لولا هذه العقاقير العظيمة ما مارست العلاج النفسى الجمعى خاصة، وما تعلمت الإمراضية (السيكوباثولوجى).
ومهما بدا التماسك القشرى، وفرط الدراية، فإن نشاط المخ القديم الذى نثبطه (نسبيا ومؤقتا) بالنيورولبتات بدا واضحا ومسيطراً ومعطلا فى هذه الحالة، فهو يحتاج هذا الضبط الدوائى جنبا إلى جنب مع التأهيل لتعميق العلاقة بالموضوع وبالواقع، لترجيح كفة عودة المخ الحديث للقيادة، دون احتكارها، وهو ما يتم من خلال مثل هذه العلاقة العلاجية الملتزمة ببرامج تأهيل متصاعدة، تتناسب علاجيا مع جرعات الدواء بشكل متغير هادف.
د.يحيى: ……….، انت بتاخد الدوا ولا لأه؟
رشاد: باخذه
د.يحيى: كتر خيرك دى مسألة مهمه جدا، طيب، قل بقى لى حاتروح بكره لمين بالإسم عشان الشغل
رشاد: خلاص ماشى
د.يحيى: اسمه إيه اللى حاتروح تشتغل معاه أو عنده
رشاد: أنا حانزل شغل مع والدى
د.يحيى: مع والدك؟
رشاد: آه
د.يحيى: يارشاد يا ابنى، حاتعملها، حا تروح، وبعدين تتخنق وتيجى
رشاد: لأه
د.يحيى: يارشاد ياابنى!!! وحاتقول غصب عنى
رشاد: لأه
د.يحيى: يابنى حاتروح تتخنق وتيجى وحاتقول غصب عنى
رشاد: بس الكلام ده لو مانزلتش الشغل
د.يحيى: بالعكس دا الكلام ده لو نزلت الشغل، أنا باحذرك، أنا ماليش دعوة، إحنا نتفق إنك حاتشتغل وانت مخنوق، بالذات وانت مخنوق، مش لما تتخنق تبطل شغل
رشاد: ماشى
د.يحيى: ربنا شاهد على كل حاجة، وعلى كلامنا ده، وخلى بالك إن السفر لسّه جواك
رشاد: فعلا، إيش عرفك؟
د. يحيى: صنعتى بقى
رشاد: هوا حضرتك جبتنى النهاردة عشان ده؟
د.يحيى: قالولى رشاد رجع، قلت يانهار إسود، طيب هاتوه لنا بكره يمكن نلحقه قبل ما يسافر، عارف ده والله مش عارف
رشاد: مش عارف
د.يحيى: … يا راجل!! يا راجل دى خامس مرة تشوفنى يابنى مش عارف أنا بعمل إيه
رشاد: لأه
د.يحيى: هو أنا شغلتى إيه
رشاد: العلاج
د.يحيى: أنا باعمل إيه دلوقتى
رشاد: بتعالجنى
د.يحيى: طيب بتقول مش عارف ليه
رشاد: لأه أنا فاكر إن ديه مقابله تانيه
د.يحيى: مش المقابلة علاج برضه، هوه انا ليا شغلة تانية غير إنى أعالج، وإنى أعلّم الناس دول إزاى يعالجوا، ولا أنا جاى هنا باتدلع
رشاد: لأه طبعاً
د.يحيى: يا رشاد خلينا نتعاون بقى ونخلص من الكلام ده
رشاد: يعنى أعمل إيه؟
د.يحيى: تشتغل كل يوم 8 ساعات زى زمان، وتطبّق إذا كنت عاوز، والدكتورة “ملك” والدكتورة “شادن” يأخدوا خبر يوم بيوم، مش كل إسبوع، فى التلفون، يوم بيوم يمر 7 أيام نشوف الـ7 اللى بعدهم
(*) المتابعة اليومية هى ملاحقة ضرورية فى هذه المرحلة: لإجهاض التمادى فى الانسحاب (بعد عدم العمل سنة ونصف) منعا للتفسخ.
رشاد: بس أنا ما معاييش تليفوناتهم
د.يحيى: نستأذنهم فى المرحلة دى يدُّوك تليفوناتهم، إنت تقدر تشتغل النهارده؟
رشاد: حاشوف
د.يحيى: إحنا لسه الساعة 9 الصبح
رشاد: كده كده انا رايح لشغل
د.يحيى: نعم؟ بجدّ؟ أشكرك، وحاصدّقك غصبن عنك ياه!! أخيرا!! بعد سنة ونص!
(*) شكر الطبيب للمريض هكذا، وقد تكرر قبل ذلك بقليل، هو خطوة علاجية مفيدة بشرط أن يكون شكرا جادا فعلا، المعتاد أن يشكر المريض الطبيب، لكن الأكثر دلالة فى هذا السياق هو أن يشكر الطبيب المريض، وهذا الشكر يؤدى وظائف عدة (1) فمن ناحية هو يبلغ المريض أنه مشارك فى العملية العلاجية فهو يستأهل الشكر على الإسهام فى إنجاحها باعتبارها غاية الطبيب أساسا (2) ومن ناحية أخرى هى تؤكد للمريض أن المسألة ليست سهلة، فهى تستأهل الشكر (3) وأخيرا فهى تبين ان ثم هدفا مشتركا اصبح مقصودا من الطرفين معا ، فهى “المواكبة”.
رشاد: أيوه رايح الشغل
د.يحيى: دلوقتى؟ طب خلاص حانبتدى من النهاردة مش من بكرة
رشاد: هو ده يعنى إيه؟
د.يحيى: تانى؟ حارجع أفهمك تانى إنت هنا ليه، وده إسمه إيه
رشاد: كنت عايز أعرف
د.يحيى: نعم نعم؟ ما انت عارف، عايز له اسم، ليه؟
رشاد: يعنى هوه ده العلاج؟
د.يحيى: إمال العلاج هو إيه؟ إنك تعرف إنت عندك إيه وتاخد حبوب وما تشتغلشى؟
رشاد: هى المعرفة مش وحشه
د.يحيى: قلت لك لأه، مش دايما، ساعات تبقى وحشة، لما كنا فى مرحلة الوصف والكشف، خدنا راحتنا، إنما فى حالتك دلوقتى فى الغالب، المعرفة اللى بتطلبها بتبقى زى يافطة تخليك تقول “غصبن عنى” على العمال على البطال، تبقى معرفة وحشه
رشاد: يعنى المفروض يعنى ماعرفش
د.يحيى: تعرف وانت بتشتغل
رشاد: خلاص يبقى اكمل مع حضرتك، بس أعرف
(*) ينبغى أن تتناسب “جرعة المعرفة” خاصة إذا تحولت إلى عقلنة مع جرعة التأهيل ، وخاصة بعد توقف رشاد عن العمل لمدة السنة والنصف الماضيتين، وهذا أيضا ضد الشائع عند العامة وبعض المختصين حين يصرون على ربط كل مسيرة العلاج باسم مرض بذاته، أو حين يتصور بعضهم أنه كلما أتكلم المريض عن حالته كان ذلك أفضل للعلاج.
د.يحيى: بصراحة المعرفة بتبقى وحشه لما بتحل محل الفعل، أنا بيتهيألى هى دى المعرفة اللى انت بتلح عليها وتقول “هو ده يعنى إيه”، “هوه ده يعنى إية؟” انت مش ملاحظ برضه إنها بتحل محل الفعل، تبقى بالشكل ده نتقلب المعرفة حاجة وحشه
رشاد: طب هى مش حاتفيد يعنى؟
د.يحيى: المعرفة اللى إنت عايزها بطريقة سؤالك دلوقتى، مش حاتفيد نهائى، بالعكس يجوز تضر
رشاد: خلاص أكمل مع حضرتك
د.يحيى: مش حانستعمل شوية كلمات وشعارات وتفسيرات نهائى، على الأقل فى المرحلة دى، ثم إنى حاقول لك على كلمات معينة، مش عايزها تيجى على لسانك، وياريت حتى على فكرك إذا قدرت.
رشاد: كلمات زى إيه؟
د.يحيى: يعنى الكلمات اللى بتدل على التأجيل، والتبرير، وتركز على الأسباب من غير حل، والحاجات اللى زى دى
رشاد: زى إيه؟
د.يحيى: زى كلمات “الخنقة”، “غصب عنى”، “مش قادر”، “مش عارف”، “اما أشوف”، “إنشاء الله”، أنا عارف إنك بالشكل ده حاتتعب، بس أعمل إيه، دا حا يفيد جامد
رشاد: ماشى، أنا عارف أنا حاتعب جامد، تعب جامد
(*) هذا نوع خاص من بعض خطوات “العلاج المعرفى” الذى نمارسه بما يتفق مع ثقافتنا بوجه خاص، وهو يصعب تفصيله هنا، الآن، لكن خبرتنا فى هذا المجال أثبتت أن تجنب ألفاظ معينة ربما يكون أكثر فائدة فى بعض الحالات من تكرار ألفاظ معينة،
ثم إن تبصرة المريض بالصعوبة التى تنتظره لو أنه اتبع تعليمات بذاتها، غير مألوفة وضد ما شاع عن المرض النفسى، هو مفيد أيضا فى مساعدة المريض للتغلب على المقاومة، كما أن به جرعة مناسبة من احترام مشاعر المريض ومحاولته، واعتراف ضمنى بغرابة مثل هذه التعليمات غير المألوفة،
ثم يواصل الطبيب بعض الشرح ربما كنوع من الاستجابة المؤجلة لطلب رشاد معرفة المزيد، لكن المعرفة التى يقدمها الطبيب هى أساسا عن طبيعة العلاج ، وهو يستعمل لغة المريض، وليس لغة تصنيف الأعراض وأسماء الأمراض.
د.يحيى: إحنا بنسد خرام، حسب كلامك، الكلمات دى زى اللخرام بتخلى الطاقة اللى إحنا عايزنها للشغل تتسرب منها، لو نجحنا اننا تسدها يمكن الخنقة تزيد شوية وبعدين تلاقى ما فيش فايدة تقوم رايحة، وانت تكمل شغل.
رشاد: ربنا يسهل، أمشى بقى؟
( خروج رشاد )
د. يحيى: لأه، إستنى بره شوية، حاقابل واحد صاحبى (مريض تجرى متابعته بنفس الطريقة) وبعدين اشوفك تانى
…………….
*****
(دخول رشاد مرة أخرى بعد حوالى ساعة)
د.يحيى: إزيك ؟
رشاد: الحمد لله
د.يحيى: ….. أنا عايز اعرف بقى، فى الساعة اللى قعدت فيها بره دلوقتى فكرت فى إيه تانى؟ هل وصل لك اللى إحنا قلناه أوضح، ولاّ لغوصت فيه ودقيت عليه بإيد الهون
رشاد: وصل
د.يحيى: حانراجع منه شوية، ده مش امتحان ولا حاجة، بس عشان نتأكد، عشان نكمل ، نقول من الأول: إنت جاى إنهارده ليه ؟ كنت جاى ليه ولقيت إيه؟
رشاد: طبعاً جاى عشان أعرف
د.يحيى: لقيت أيه؟
رشاد: عكس ذلك
د.يحيى: واتفقنا على إيه؟
رشاد: أتفقنا على إن جدول حايتعمل
د.يحيى: طيب انا ندهت لك إنهارده ليه؟ أنت كنت جاى عشان حاجة وانا ندهت لك عشان حاجة تانية، مش كده؟ عشان إيه بقى
(*) هذه الطريقة التى تبدو تلقينيه، مدرسية، هى ليست كذلك تماما، حيث تهدف لدعم التعاقد فى هذه المرحلة الحرجة من خلال العلاقة العلاجية الإيجابية التى بدأت بين المريض والطبيب.
رشاد: عشان أكمّل
د.يحيى: إنت هنا عشان كده؟
رشاد: مظبوط
د.يحيى: كتر خيرك فين الورقة يابنتى .. (تكتب الألفاظ الممنوعة والاتفاق بسرعة وتقرأها) .. موافق؟
رشاد: ماشى
د.يحيى: (يعطيه الورقة) اول لما تجيلك كلمة من دول تلغيها أول بأول لحد ما نتقابل، ماشى؟
رشاد: تمام
د.يحيى: مش قادر تلغيها مش عارف تلغيها فى فكرك ماشى، بس، ماتتطقهاش على لسانك حتى لوجت لك الخنقة، ماتنطقهاش إلا معانا هنا.
رشاد: تمام
د.يحيى: ده من ناحية الألفاظ، بعد كده أى قرار أيا كان ، لازم تأخذ إذنى أو إذن الدكاترة بعد ما نشوفه سوا سوا
……………………………….
……………………………….
د.يحيى: حاتسافر إمتى بقى؟!!
(*) واضح مغزى السؤال، أنه ليس سؤالا، بل أقرب إلى المداعبة الساخرة.
رشاد: مافيش سفر
د.يحيى: أيوه، بس لازم تصدقنى، إن فيه سفر إن شاء الله فى وقت مناسب، ويكون ربنا كاتب لنا لقمه نظيفه بطريقه فيها علم وفيها مسئولية، واحنا مع بعض هنا وهناك، ماتحملش هم، مع السلامة
رشاد: الله يسلمك
****
مقابلة لاحقة بعد اسبوعين
7-5-2009
غاب رشاد اسبوعا (2/5/2009) واعتذر عن الحضور حسب موعد سابق، اعتذر لأن عمله، وتدريبه الجديد حالا دون ذلك،
ثم عاد بعد اسبوع آخر، فكانت هذه المقابلة.
دخول رشاد
رشاد: صباح الخير
د.يحيي: أهلاً إزيك النهاردة يا رشاد، أنا متشكر خالص، يا خبر!! هوّا انا كل ما أقابل واحد عيان صاحبى أقوله متشكر، حاجه غريبه أوى أنا باتغاظ أوى من الحكايه دى عشان مابتبقاش واضحة.
(*) سبقت الإشارة إلى مغزى هذه الشكر من الطبيب للمريض، ورشاد يؤكد مشروعية هذا الاستغراب.
رشاد: حضرتك بتقول لى متشكر على إيه؟
د.يحيي: لسه قايل لابنى سامح (المريض السابق) متشكر، ولقيت نفسى عاوز أقول لك متشكر برضه
رشاد: طب على إيه بس، مافيش حاجة عملتها انا عشان خاطر تقول لى متشكر
د.يحيي: بس أنا متشكر
رشاد: على إيه بس
د.يحيي: على غيابك الاسبوع اللى فات، غبت عشان كنت بتشتغل، مش كده، دلوقتى اللى باين على وشك، إن مافيش فيه سفر، إنت النهاردة مش زى المرة اللى فاتت
رشاد: مافيش إيه؟
د.يحيي: مافيش جواك سفر دلوقتى
رشاد: آه، فعلا، ما أنا رجعت للوظيفه بتاعتى، بس لسه حايدربونى تانى، لازم تدريب فترة، حاتدرب من جديد
د.يحيي: ما يجراش حاجه
رشاد: بس حا تاخد وقت
د.يحيي: إنت جدع وقدها وقدود، لكن قل لى: مش انت أشتغلت عندهم رسمى قبل كده حتدرب من جديدي ليه بقى
رشاد: مش عارف، النظام الجديد كده، أنا رضيت بيه عشان الوعد اللى وعدته لحضرتك.
د.يحيي: شوف يا رشاد يا ابنى، أنا باتعلم منك، وعايز أعلمك إنك تتعلم من اللى حصل قبل كده، لا وعود نافعه ولا كلام نافع، ومافيش نافع غير ربنا والعلم والشغل والخبرة، عايزين نتعلم من أبوك ومن خبرتنا إن بلاش استعجال، مش أبوك هوّه قال لك كده مرة واتنين، بس خلى بالك، الجديد دلوقتى هوه إنك مش لوحدك، هى ديه نقطة مهمه جدا، اهم حاجة، مش عشان حد يتخذ لك قرارات، لأه عشان نحسبها مع بعض
رشاد: تمام
د.يحيي: أنا مش بامنعك من التفكير، خلى التفكير ييجى حتى فى السفر،يجى التفكير زى ما هو عايز،حتى فى الكلمات إياها، مش برضه لسه التفكير بييجى فى السفر
رشاد: آه بييجى، آه
د.يحيي: طيب، بييجى زى ما هو عايز
رشاد: هو ما بيسبنيش أصلاً
د.يحيى: آه، بس مع وقف التنفيذ، لكن قل لى: همّا حايعتبروك مستجد فى الشغلة بتاعة النقل العام دى بعد التدريب
رشاد: يعنى، بس حيضموا الخدمه
د.يحيي: الحمد لله، معلشى، حافكرك بحاجات قديمة، أنا آسف، بس عايز أعرف
(*) يستحسن فى الأحوال العلاجية العادية بعيدا عن البحث العلمى أو محاولة الكشف المعرفى أن نتجنب فى هذه المرحلة الباكرة التذكرة بمحتوى الحوارات السابقة، وذلك بالنسبة للأعراض، وأيضا بالنسبة لوصف الجارى فى الواقع الداخلى ، لكن لظروف خدمة غرض العلم هنا الآن، تطرق الأمر إلى هذه المنطقة بحذر كاف.
رشاد: خير؟
د.يحيي: أخبار مخك، أخبار النصين والتِّلِتْين، والحاجات دى، يعنى مخك اللى انشق نصين، أخبار ده كله إيه؟
رشاد: لأ مافيش
د.يحيي: ماعدش خالص؟!! طب والمِجْرَى ومش المجرى والمعلومات اللى بتخش فى المجرى وتتحول لمجرى تانية والكلام ده مافيش برضه؟
رشاد: هو ممكن الخرم بس هو اللى لسه فيه شويه
د.يحيي: من نظرات الناس ولاّ لوحده بقى
رشاد: لأه من نظرات الناس برضه
د.يحيي: ومخك اللى مليان اللى هو زى الشنطه مش عارف تقفلها، أخباره إيه؟
رشاد: لأ مافيش
د.يحيي: هو أنا مش فرحان أوى لاختفاء الحاجات دى يا رشاد كده بسرعة، إنما كويس نزقها على جنب دلوقتى عشان نقدر نمشّى العجله شوية، وبعدين نرجع نبص إيه معنى اختفاءها وازاى ظهرت وازاى راحت وازاى ممكن تظهر تانى، وحاجات كده يعنى
(*) اختفاء الأعراض الأولى، وتراجع نشاط العين الداخلية التى تعلمنا منها، ليس دليلا قويا على الشفاء، وقد يرجع إلى تنشيط ميكانزمات مفيدة مرحليا، لكن فى العلاج الممتد يستحسن الرجوع إليها بحذر وبجرعات محدودة تتناسب مع إعادة التشكيل الجارى من خلال التأهيل ونمو العلاقة العلاجية معا، كل ذلك يجرى مع الإنقاص التدريجى لجرعات النيورولبتات، ما دام العمل مستمرا، والنوم كاف.
وهنا تجدرالإشارة إلى أنه باختفاء الأعراض هكذا، توارت معها تفاصيل ما كنا بصدد رصده لنتعلم منه طبيعة وربما خطوات حركية عملية “معالجة المعلومات”، التى هى موضوعنا الأساسى، وطبعا ينبغى أن نفضل مصلحة المريض عن مجرد البحث العلمى والتقصى المعرفى، ولندع المعلومات تتكامل من حالات أخرى وأخرى.
رشاد: هو اللى موجود دلوقتى إنى بالاقى جسمى طبعاً سايب
د.يحيي: أه!! عندك لو سمحت!!
رشاد: لدرجه إنه عايز ما يخلنيش أروح الشغل، بس أنا باروح، بس باروح غصب عنى
د.يحيي: إمسكْ، إياك يارشاد، إياك، احنا ماصدقنا فهمنا لغة “الخنقة”، أنا بقول لك أهه، تروح الشغل وجسمك سايب، وتسوق وجسمك سايب وتكمل التدريب وجسمك سايب، وكل حاجة وجسمك سايب، إعمل معروف
(*) “لدرجه إنه عايز ما يخلنيش أروح الشغل” يقصد جسمه، وهذا وصف دقيق لوظيفة الأعراض فى سياق الإمراضية المعروضة.
ثم إن نلاحظ كلام رشاد عن “جسمه” (سيبان جسمه) بلغة تشير إلى ارادة أخرى لشخص آخر. فى هذه الفقرة ملامح من علاج معرفى أحدث اسمه علاج القبول الالتزام Acceptance Commitment Therapy (CAT)، وهو قبول العرض والتآلف معه حتى يفقد غايته الإمراضية، بدلا من مقاومته والانشغال به فيحتد فى صراع يبقيه، ولهذا العلاج تفاصيل أخرى كثيرة مفيدة يمكن الرجوع إليها بهذا الرابط (نشرة: 13-6-2012، 19-6-2012).
رشاد: أنا ما باتكلمش على الهيئة والسواقة
د.يحيي: هو فيه شغل تانى غير التدريب اللى انت فيه؟
المريض: أيوه فيه الشغل اللى أنا فيه دلوقتى مع التدريب
د.يحيي: اللى هو إيه بقى؟
رشاد: أدوات صحية؟!!!
د.يحيي: أدوات صحيه؟
رشاد: أه سباكه وكده
د.يحيي: طول عمرك جدع يا رشاد وبتشتغل شغلتين، وثلاثة، طول عمرك إبن حلال، والله ابن حلال مصفى، بس عايزين نعملها المرة دى بشكل تانى
رشاد: شكراً، هو السبب اللى خلانى أروح لما حضرتك قلت لى لازم تنزل شغل، وده علاج
د.يحيي: متشكر جداً، عرفت بقى أنا كنت باشكرك على إيه، تتصور يا رشاد لما واحد بيعمل حاجه زى كده باحس إنه عمل فيّا أنا جميل، فافرح…
رشاد: رغم إنه هو لمصلحته
د.يحيي: أه، بس هو بيساعدنى من غير ما يعرف، بيفتح نفسى لعيان تانى معصلج
رشاد: أكمّل يعنى؟
د.يحيي: مش بس تكمل لنفسك، ده حتى إنت عارف إن اللى بتعمله ده حايوصل خيره لغيرك، لما يجيلى عيان مزرجن أقوم أفتكر إن رشاد عملها، واستفاد، وراح اشتغل، وخفّ، شوف بقى جدعنتك بتصب فى اللى ما تعرفوش.
رشاد: الحمد لله
د. يحيى: عايز حاجة
رشاد: إنت عايز حاجة
د. يحيى: سلامتك، مع السلامة
رشاد: الله يسلمك.