نشرة “الإنسان والتطور“
18-4-2012
السنة الخامسة
العدد: 1992
الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (68)
(بعد إذن الإدراك)
تنويه بادئ: (تأخر كثيرا)
همسة مقتحِمة:عن الأعراض والأسباب
والإمراضية والغائية (2 من2)
أشرنا أمس كيف أن ثمَّ خلط بين الأسباب والإمراضية (السيكوباثولوجى) من ناحية، وبين السيكوباثولوجية التوليدية التركيبية، والسيكوباثولوجية الوصفية من ناحية أخرى،
وفى هذه النشرة سوف نكتفى بالتذكرة ببعض الحقائق الأساسية التى وردت فى الصورة بالإنجليزية من كتاب “الأعراض” الذى سبقت الاشارة إليه فى شكله ثنائى اللغة، مع إضافات عابرة،
وسوف أبدأ بالنص الإنجليزى الذى كنت قد وجهته لقارئ لن يقرأ هذا العمل أبدا (فى الأغلب، أو فى القريب)، أما فائدة تقديمه الآن، فلأسباب تبدو لى فى اللحظة الراهنة متعلقة بتأريخ هذا العمل وأملى فيه منذ ذلك التاريخ، وسوف أعقب بالعربية تعقيبا قصيرا ثم أنتقل إلى تطور الفكرة وبعض الإشارات عن الفرق بين السبب “لماذا” why والكيف The HOW of، لأنتهى بالتذكرة بسببية أهم، وهى السببية الغائية ومعنى المرض.
قلت فى نشرة سابقة أن هذا الكتاب – بالانجليزية- قد نشر فعلا فى حدود بضع عشرة نسخة مصورة وزعمت أنه كان بعدُ فى مرحلة مسودة قابلة للمناقشة، ومع ذلك فقد أخذ رقم إيداع فى دار الكتب، وسجلته فى حينه لكننى أعيد التذكرة به2097/1944 & International Code 777-00-6478-5
كنت قد نسيت أننى واصلت كتابة هذا الجزء بالذات عن الأعراض باللغتين الإنجليزية والعربية، لكننى لم أنشر منه إلا الجزء الإنجليزى، وقد اكتشفت أننى فى استهلال هذه النسخة التى نشرت بالانجليزية فقط قد أعلنت طبيعته وهدفه بإيجاز موجها كلامى إلى القارئ بالإنجليزية أساسا، على الوجه التالى حرفيا (1993)
Prelude
This book has been originally a chapter in a bilingual comprehensive text. As the work proceeded I found that I have to introduce my own experience over more than one third of a century(1) along with my own point of view rather than to cut and paste fragments of information that could be found elsewhere. I believe that it is high time for us to know and to show how we get ill. This is also what our colleagues abroad need to know more about us.
The work gradually extended to cover a wide area related to clinical presentation of our psychiatric patients. It does not only describe the circumscribed symptoms which represent the alphabet of current psychiatric practice but essentially introduces the basis of each psychic function and the modes and different aspects of its disturbance in clinical practice.
The psychiatrist has to arrange whatever alphabet he uses in a coherent meaningful goal-seeking sentence. This is not essentially the diagnostic label but what is called formulation. Case formulation refers to the art of drawing a portrait of this particular patient presenting at this particular moment to achieve, with the help of the psychiatrist, that particular goal.
This work is predominantly related to descriptive (phenomenological) psychopathology with indispensable referral to some other forms and levels of psychopathology.
The author’s original work “Study in Psychopathology” (Rakhawy 1979) is not very related to this work. Psychopathology was introduced there from the point of view of the author’s main theory “the evolutionary rhythmic theory” (Rakhawy’s 1981).This work is complementary, rather than translation or updating, to that earlier work.
For the English reader I hope that the English version of the first work would be available soon(2). Meanwhile the Arabic version of this draft is in the make(3). It will include, in addition, samples of different symptoms and phenomena in the patient’s own words(4). The author believes that translation of patients’ words could convey but a poor message to the English reader. However, according to the feed back, selected translated quotations could be considered in coming editions.
Most reviewed literature lies in the background but was least referred to directly. Apart from the founders of psychopathology like Bleuler E., Jaspers J. Arieti S. and Schneider very few authors are referred to in the text. The author’s previous related works are also referred to in the text whenever necessary. In much more rare occasions some references are put in the foot note(5). This unusual procedure gave me a chance for necessary fluency with the least sense of inferiority.
التعقيب
- نلاحظ هنا أن أملى فى كتابة كتاب ثنائى اللغة كان قديما، وأعتقد أن ذلك كان نابعا من الشعور بالنقص، مع رغبة متوسطة لمخاطبة الجادين من المتكلمين بالإنجليزية، نعرّفهم بنا، وبممارستنا، لعل وعسى.كما نلاحظ التأكيد على البدء من، وليس بالضرورة الانتهاء إلى، ما تتميز به ثقافتنا بوجه خاص
- كذلك ثمة إشارة وردت عن صعوبة توصيل نبض أعراض مرضانا إلا بألفاظهم (العامية قبل الفصحى)
- كما اتجهت النية من البداية إلى وصف الظاهرة فى حالة السواء قبل وصف اضطراباتها
- وأخيرا، بدت محاولة التخلص من جرعة التبعية المفرطة للبداية من منطلقاتهم ، سواء بالترجمة، أو بالسير فى حدود المسموح.
وبعد
ثم إننى وجدت على ظهر غلاف هذه النشرة المسودة نداء يطلب النقد والتصحيح للتوجيه بشدة، قبل أن أواصل،
كان هذا نصه:
To whom it may concern,
(1)
The author welcomes any comment, correction or criticism from any of his colleagues. All comments will be seriously considered before final publication of this draft. The basic idea of this work is to show some common characteristics that may be unique to our culture as observed in clinical practice.
All participation will be recognized and acknowledged. Any original idea suggested and accepted by the author will be added in the name of the participant as a personal communication once he agrees.
22 October 1993
(2)
Let go this draft as it is to be a first edition. Perhaps it is true that “any original publication is, or should be, but, a draft”.
Feed back, comments and critical responses would be included in the second bilingual edition.
1st November 1993
Confirmed: 1st December 1993
التعقيب
وهكذا ظلت المسودة مسودة، وإن ظهرت فى هذه الصورة المترددة كطبعة أولى، كما ظل الكتاب برغم رقم الإيداع ، غير متداول ولا فى بضع عشرة نسخة كما ذكرت، أهديت عددا منها لمن لم يقرأها غالبا، أو على الأقل من لم ينتبه إلى هذا النداء، أو لعله لم يجد عنده ما يعقب به مما قد يعنى أنه: قبـِله كله، أو رفضَه كله!!
المهم أننى الآن فى مرحلة “عوْد على بدء”،
ولا أعتقد أننى أملك القدرة على التوقف، وأمركم إلى الله.
………………….
………………….
عودة إلى عنوان هذه النشرة : عن الأعراض والأسباب والإمراضية والغائية
أصبح السؤال عن أسباب الأمراض عامة، أو بالنسبة لمريض بذاته يمر ، أو لا يمر، بظرف خاص، أكثر إزعاجا لى من أى وقت مضى، سواء جاء ذلك من مريض، أو من أهل مريض، أو من شباب الإعلام، أم من ثقات!! “التوك شو”، وكلما قلت، استلهاما من العلاج الجمعى غالبا، أن السؤال عن “لماذا؟” لم يعد هو “كلمة السر” فى مواجهة المرض النفسى، ومن ثم القيام بمهمة العلاج النفسى، وأن المهم، كما نفعل أيضا فى العلاج الجمعى أنه :”إذن ماذا؟” كلما قلت ذلك أشعر بعدم ارتياح السائل للإجابة، بل باحتجاجه الشديد فى كثير من الأحيان، وكثيرا ما وصلنى أن تكرار سؤال “لماذا ؟”، مع التغافل عن السؤال “إذن ماذا”؟ يرجع إلى تأثر رأى العامة بالإشاعات النفسية والمسلسلات !! أعنى بالفكر الشائع عن التحليل النفسى، والعـُقد التى ينبغى أن تحل..إلخ، ثم أعود أعزوه إلى الميل إلى التبرير أكثر من الحرص على تلافى تكرار الأسباب.
لم يعد جديدا أنه لا يوجد سبب واحد مباشر لحدوث المرض النفسى ، وخاصة بهذه الطريقة “الخطية” المباشرة، بمعنى : “هذا” كان السبب فى أن “ذلك قد حدث!”، وإنما يحدث المرض النفسى، أو فى الحقيقة يظهر، عندما تتراكم أسباب متفاعلة معا عبر وقت كاف لتتطور العملية الإمراضية بالتراكم والتفاعل حتى تتخطى عتبة السواء الظاهر، فيعلن المرض علامة على التوقف عن النمو، أو النكوص إلى ما قبل، فالتهديد بالتفكك والتدهور والعجز، يعلن المرض ليقول أيضا – بتركيبه وأعراضه- ما لم يستطع أن يقوله صاحبه بالطرق العادية، أو ليفعل ما عجز صاحبه عن فعله، ولكن بطريق سلبى على حسابه عادة (السببية الغائية).
لا يوجد هنا الآن مجال للتمادى فى شرح دور الوراثة بالذات فى تفاعله مع دور البيئة علما بأن هذه المسألة أيضا يتناولها الكثيرون بشكل أكثر تسطيحا مما تستحق، وبطريقة اقرب إلى الجمع : الوراثة زائد (+) البيئة هما أسباب المرض!!، أو حتى إلى الضرب: الوراثة مضروبة فى (X) البيئة ناتجهما المرض، هذا تبسيط مخلّ عادة. إن الوراثة أصبحت تشير الآن إلى وراثة برامج حيوية تكونت عبر آلاف (أو ملايين السنين) لها تجلياتها البقائية النمائية، كما أن لها نزوعاتها التدهورية التحللية، وسوف نرجع بطبيعة الحال فى المكان المناسب والوقت المناسب إلى بيان بعض تلك الفروض التى وصلتنا من المرضى عن ماهية هذه البرامج، وعن آليات ماذا نرث من خلالها فيما يتعلق بمدى الجاهزية للتفكك، أو ضغط زخم الطاقة الحيوية، أو القدرة على إعادة التشكيل،
المهم هنا – حتى نعود لتناول الأسباب فى موقع آخر، أو فى كتاب آخر، هو الإشارة إلى علاقة الأسباب بما يسمى الإمراضية والأعراض والغائية:
إذا كان العثور على السبب غالبا ما يزيد العجب لا يزيله، فإن معرفة “كيفية” تغير التركيب النفسى، بهذه الأسباب أو بغيرها إلى ما صار إليه، فكان المرض، هى أولى من البحث عن “لماذا” حدث ما حدث نتيجة لأسباب تقع فى الماضى مما لم يعد من الممكن تصحيحه الآن فى أغلب الأحوال.
نحن لا نستطيع أن ندرس “عملية” التغير من السواء إلى المرض بالتفصيل أولا بأول أثناء حدوثها، لكننا نستنتجها عادة من نتائجها، بما يسمح لنا – كمعالجين- أن نعيد تخطيط الكيان النفسى من خلال رصد مظاهر هذا التحول، وهو ما نسميه بالاسم الجديد “قراءة النص البشرى”، وهذا يقابل ما أسميته مرحليا “السيكوباثولوجية التوليدية” وهى التى كتبت فيها كتابى الأول كما أشرت قبلا.
يشير هذا التغير المرضى فى التركيب عادة إلى مؤشرات تدل على أن ثمَّ مستويات من الأدمغة(6) أقدم قد تنشتطت مستقلة : منافسة أو قائدة أو متداخلة معوِّقة، بما يترتب عليه ظهور ما يسمى الأعراض، وهى ما أشرنا إليه من تغيرات سلوكية وشكاوى لها تعاريف محددة، ومعالم متميزة، قد تصلح أن نجمع بعضها إلى بعض لنسمّى مرضا بذاته (التشخيص).
بظهور الأعراض نكون قد وصلنا إلى المستوى الذى يمكن فيه أن نتحدث عن “السيكوباثولوجيا الوصفية، إلا أن هذه الإمراضية (السيكوباثولوجية) لا تقتصر على وصف الأعراض، بل تمتد إلى وصف ما وراءها ليس بمعنى طريقة تشكيلها (السيكوباثولوجيا التوليدية) فحسب، بل من حيث لغتها وغائيتها، ودلالة ظهورها، على مسار النمو الفردى فالصحة الإيجابية، التى تصب فى مسار التطور والبقاء.
الخلاصة: إن قراءة، النص الحيوى، ومن ثم نقده، هو عملية تلقائية تحدث بقوانين التطور، وآليات البقاء، وهى تصل إلى ظاهر الوعى فالمسئولية فى النص البشرى حين يتدخل الوعى والتخطيط فى الإسهام (أو زعم الإسهام) فى مسيرة التطور، ومن بين المظاهر المعاصرة لذلك هو مواجهة ما يسمى المرض النفسى بآليات العلوم النفسية والحرفية المهنية الطبنفسية
وهذا هو موضوع هذا الكتاب،
ثم أعد بالعودة – حتما!! وحسما!! – إلى مواصلة بحث ملف الإدراك الأسبوع القادم
[1] – الآن : أكثر من نصف قرن !
[2]- امتدت هذه الـ “soon” حتى الآن: حوالى ربع قرن، ولم أوفِ بعد بهذا العهد.
[3] – وقد عثرت عليها شبه كاملة ، لكنها لم تنشر أبدا ، وهى التى سوف تكون متن هذا الكتاب الأول من “الأساس فى الطب النفسى” كما سيرد ذكره
[4] – هذا ما تم بعضه فى باب “حالات وأحوال” فى مجلة الإنسان والتطور 1980- 2001 (عدد أكتوبر87 مارس 88 “هند فى متفرق الأمراض”)، (عدد إبريل – سبتمبر 1988 “الإكتئاب الحيوى النشط حزن أم تفجر وعى؟”)، (عدد يناير 1987 ”الأخوة الأربعة عود على بدء”)، (عدد ابريل 1987 “بين المطرقة والسندان”)، (عدد يوليو 1987 “صديقان .. وصديقان”). ثم تواصل فى نشرة الإنسان والتطور فى باب “حالات وأحوال” (نشرة 30 – 10 -2007 “.. عن الفصام”)، (نشرة 26-8-2008″نقصٌ عقلى أم نص (سكريبت) مُعَادْ”)، (نشرة 23-9-2008 “الموتُ ماتْ !!”)، (نشرة 2-12-2008 “كهلٌ “عربجى” يعلمنا”)، (نشرة 31-3-2009 “الفهد المتحفز، والخوف من الحب؟ من؟”)، لكن اضيف إليه باب “العلاج الجمعى” (نشرة 26-7-2009 (من العلاج الجمعى) لعبة “ياه ..!!! دى طلعت صعبة بشكل، ولكن ..”)، (نشرة 5-4-2011 “من العلاج الجمعى: الموقف من الظلم من خلال لعبة نفسية: فى جلستين من العلاج الجمعى”) سواء فى الألعاب العلاجية الكشفية، أو المقتطفات من جلسات بذاتها، وأحيانا فى باب الإشراف على العلاج النفسى “التدريب عن بعد” (نشرة 6-2-2008 حالات وأحوال الإشراف على العلاج النفسى “تنشيط حركية النمو أثناء العلاج: إلى أين؟”)
[5] – A particularly updated and comprehensive work on the subject is Sim’s “Symptom of the Mind” which is recommended to those who like to grasp the up to date literature about the subject.
[6] حالات الذات- حالات العقل- مسويات الوعى- الذوات الأخرى ، كل هذه مترادفات مفيدة)