نشرة “الإنسان والتطور“
28-3-2012
السنة الخامسة
العدد: 1671
الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (62)
الإدراك (23)
الفهم واللافهم: مدخل إلى الادراك (2-3)
من العلاج الجمعى
مقدمة:
قدمنا أمس تمهيدا لتوضيح بعض معالم المنهج العلاجى والبحثى على حد سواء، وكيف أننا نبدأ من واقع الممارسة دون وصاية مسبقة منطقية أو علمية (شبه علمية) أو بديهية شائعة، فمن الشائع أننا نسيّر حياتنا بالمنطق ووصايا العلم (غالبا) أى أننا نخطو على درب الحياة بالفهم والتفكير والحسابات، وهذا طيب ومفيد، وهو بعض الحقيقة، لكنه ليس كل الحقيقة، إذ أن الواقع التطورى والتاريخى ثم الحالى يحتاج إلى النظر فى “بقية الحقائق”، وحسب الفرض المطروح (استلهاما من تاريخ التطور، والممارسة العملية، والنتائج) أن الفهم (وهو مرادف للتفكير والمنطق أحيانا)، ليس هو الوسيلة الوحيدة لتصحيح المسار، أو لتوجيه المسار، كما يتجلى فى خبراتنا العلاجية خاصة، وأن ثمة آليات أخرى، لم يعد مناسبا أن نصفها بأنها “لا شعورية”، فهى برامج فاعلة حفظت أحياء مثلنا، ثمة آليات مازالت تكمن فينا، نشطة وعاملة تسهم فى تشكيل حياتنا، سواء رصدناها أم لا، بفهم أو بغير فهم.
ويرجع الفضل لفتح هذا الملف فى العينة المعروضة اليوم إلى المريض (أحمد) الذى تساءل قبل شهور من هذه الجلسة وهو يستفهم من المعالج الأساسى قائلاً:
“هو” الواحد ممكن يخف وهوه مش فاهم”
وتدرج التفاعل والحوار فى هذه الجلسة حتى انتهينا إلى ابتداع لعبة هذا نصها:
“يا خبر!! دا أنا لما ما بافهمشى يمكن…”.
وقد عرضنا فى آخر نشرة أمس مجرد البداية (استجابتين للمتدربة/ المعالجة المساعدة د.منى، ثم للمريض “أحمد”)
واليوم نعرض استجابات بقية أفراد الحضور من المجموعة وكانوا عددا قليلا بالصدفة فى هذه الجلسة التى غاب عنها الباقون، مما سمح لنا بعرض اللعبة كما دارت بكل تفاصيلها وصعوباتها.
نلاحظ أن اللعبة فى هذه الجلسة، ربما انتهازاً لقلة العدد، كان يلعبها كل مشارك مع كل الباقيين، ثم مع نفسه، وهذه هى القاعدة غالبا، لكن أحيانا يلعب أحدهم لعبة ما: مع واحد أو واحدة فقط يختاره من الحضور.. (مما قد ترد أمثلة منه فى نشرات أخرى) الخ.
وفيما يلى نص الاستجابات (دون تعليق فى هذه المرحلة).
……
نص الاستجابات
د.منى: يا أحمد ياخبر ده أنا لما ما بافهمشى يمكن أحافظ على نفسى
د.منى: يا هاله ياخبر ده أنا لما ما بافهمشى يمكن ده أحسن لى
د.منى: يانصره ياخبر ده أنا لما ما بافهمشى يمكن أمشى أحسن
د.منى: يادكتور يحيى ياخبر ده أنا لما ما بافهمشى يمكن أكون أجمل
د.منى: يامنى (نفسها) ياخبر ده أنا لما ما بافهمشى يمكن أكون مبسوطه اكتر
د.يحيى: كتر ألف خيرِك، “ترمى الكورة لمين”(1)
د.منى: لـ أحمد
د.يحيى: يا للا يا أبو حميد إتعلم من مُنَى، ياخبر ده أنا لما بافهمشى يمكن… ياللا…
أحمد: يا هاله ياخبر ده أنا “لو” ما بافهمشى يمكن
د.يحيى: لأه مش “لو” الله يخرب بيتك “لما” ما بافهمشى يمكن…
أحمد: يا هاله ياخبر ده أنا لما ما بافهمشى يمكن أتعب
أحمد: يا نصره ياخبر ده أنا لما طلعت ما بافهمشى….
د.يحيى: (مقاطعا) لأه مفيش طلعت، تقول اللعبة بالحرف الواحد(2): ياخبر ده أنا لما ما بافهمشى يمكن، وتكملّ…
أحمد: بس أنا باعانى منها يادكتور يحيى
د.يحيى: إنت السبب، انت اللى علمتنا حكاية إن الواحد ممكن يخف من غير ما يفهم
أحمد: ما هو علشان كده باعانى منها
د.يحيى: كمّل كمّل وبعدين تُفرج
أحمد : يانصره ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى يمكن أرتاح
د.يحيى: ماشى، أنا بقى
أحمد : يا دكتور يحيى دا أنا لما ما بافهمشى
د.يحيى: (تحفيز) يمكن …
أحمد : يمكن أموت
أحمد : يا دكتوره مُنَى ياخبر دا انا لو طلعت ما بافهمشى
د.يحيى: لأ مفيش لو طلعت
أحمد : يا دكتوره منى يا خبر دا انا لو ما بافهمشى
د.يحيى: لأه، قولها من الأول للأخر على بعضها، مُنَى ماغلتطش ولا مرة
أحمد : يا دكتوره مُنَى ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى (يتوقف)
د.يحيى: هه؟؟؟
أحمد : يمكن أموت
د.يحيى: كررتها(3)، معلش، أحمد بقى (يقولها لنفسه)
أحمد : يا احمد (لنفسه) يا خبر دا أنا لما ما بافهمشى (صمت)
د.يحيى: (تحفيز) يمكن ….
أحمد : يمكن كل حاجة تبوظ
د.يحيى: ترمى الكورة لمين
أحمد : لنصره
……
د.يحيى: حِسِّك عينِك تكررى يا نصرة
نصره : يا دكتوره مُنَى دا لو….
د.يحيى: ياخبر !! فين “يا خبر”
نصره : ياخبر دا لو أنا ….
د.يحيى: لا مفيش لو دا انا، هى: “لما”
أحمد : هى لو باللغة العربية كانت أسهل
د.يحيى: جرى إيه يا جدع أنت … خلينا نكمّل
……
……
نصره : ساعدينى يادكتوره مُنَى، والنبى يادكتوره منى
د.منى : (تلقن نصره) ياخبر دا أنا
نصره : ياخبر دا أنا “لو” لما ما بافهمشى
د.يحيى: مفيش “لو” هى لما مابافهمشى
نصره : لماما بافهمشى يبقى أحسن
د.يحيى: “يمكن” مش “يبقى”
نصره : يمكن يبقى أحسن
د.يحيى: قوليها كلها على بعضها يا نصره
نصره : مش حاتيجى
د.يحيى: لأ حاتيجى، وكل مرة حاتبقى متغيرة، وحاطلّع عينك
نصره : يادكتوره منى ياخبر لو دا أنا لما لو ما بافهمشى
د.يحيى: مفيش لو
نصره : دا أنا لما ما بافهمشى يمكن يبقى احسن
د.يحيى: كويس خالص كده ، ياللا الدور تقولى لأحمد
نصره : يا أحمد ياخبر
أحمد : (يساعدها دون دعوة) دا انا لما ما بافهمشى
د.يحيى: كمان بقيت خُوجَهْ يالَهْ
نصره : دا أنا لما مابافهمش
د.يحيى: هِه؟؟!
أحمد : دا نا لما
نصره : يا احمد ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى كنت أتجننت
د.يحيى: لأ يمكن(4)
نصره : يمكن كنت اتجننت
د.يحيى: ماشى مظبوط ياللا كملى هِهْ
نصره : ياهالة يا خبر دا انا لو ما بافهمشى
د.يحيى: لما
نصره : لما ماكنتش بفهم
د.يحيى: ايه ده؟ إيه ماكنتش دى؟ لأه
د.منى : تانى يانصره من الأول ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى يمكن
نصره : يا هالة دا أنا..
د.منى : فين “ياخبر”..؟
نصره : ياخبر دا أنا لو ماكنتش بفهم
هالة : دا انا لما ما بافهمشى، إعملى معروف
نصره : لو بافهمشى خلاص بقى يادكتور يحيى بقى(5)
د.يحيى: برافوا ياهالة، ساعديها
نصره : صعبه أوى
د.يحيى: ما هو كله صعب، هو احنا بنعمل حاجة سهلة يا نصرة؟ مش لازم نخف؟
نصره : ما احنا خفينا أهه والحمد لله، خفينا باللّمه ، ما احنا كلنا لمه
د.يحيى: اشتغلى اشتغلى
نصره : قوليها لى تانى ياهالة
هالة : ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى يمكن
د.يحيى: وكمان بتخلى هالة تساعدك؟ إسم الله
نصره : يمكن كنت فهمت الناس اللى حواليا
د.يحيى: أنتى بتجبيها من الأخر كده ليه، ماشى
نصره : هى كده يادكتور يحيى
د.يحيى: طيب، حافوّت لك دى..
نصره : حلو حلو
د.يحيى: لا لا، حلو حلو ايه؟ أنا باغششك عشان أساعدك، لا لا مش حافوّت تانى
نصره : يا هالة ياخبر دا انا لما ما بافهمشى اللى حواليا
د.يحيى: لأه؟ أيه بقى اللى جوايا دى؟ حد جاب سيرة اللى جوايا؟ ما ينفعشى
نصره : .. أنا لما ما بافهمشى يكون أحسن
د.يحيى: تانى؟! من غير “يا خبر” ومن غير “يمكن”
نصره : ما هو لسه أنا أهه
د.يحيى: وأنا لسه برضه باحترمك
نصره : يا دكتور يحيى
د.يحيى: بدال دكتور يحيى قولى يا خبر، مفاجأة كده أنك ظبتِّ نفسك ما باتفهميش
نصره : أنا مش فاهمه أى حاجة
د.يحيى: أحسن حاجة
نصره : يادكتور يحيى دا أنا
د.يحيى: لأ، لازم ياخبر فى الأول، يا خبر دا أنا
نصره : ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى يمكن أبقى احسن من كده
د.يحيى: برافوا، أخيرا!! قوليها بقى لنفسك
نصره : يا نصره ياخبر
د.يحيى: دا أنا
نصره : دا أنا لو
د.يحيى: وبعدين بقى؟ مفيش “لو” ياخبر.. وعلى طول
د.منى : دا انا لما ما بافهمشى
نصره : دا أنا لما ما بافهمشى يمكن كنت كسرت الدنيا دى
د.يحيى: ماشى، هالة بقى
نصره : صعبة أوى أوى أوى يعنى
د.يحيى: يعنى!! ما احنا قلنا احنا مابنعملشى حاجة سهلة، تدى الكرة لمين؟
نصره: لهالة
……
……
هالة : يا دكتوره منى ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى يمكن ارتاح
هالة : يا دكتور يحيى ياخبر يمكن لو ما بافهمشى
د.يحيى: دا انا “لما” ما بافهمشى، مش “لو”
هالة : يا دكتور يحيى ياخبر يمكن لو ما بافهمشى أنهار وأتعب
د.يحيى: لو سمحت “دا أنا لما ما بافهمشى“
هالة : دا أنا لما ما بافهمشى أنهار وأتعب
د.يحيى: لأه يمكن، لازم “يمكن” قوليها تانى يا هالة، دا أنا لما ما بافهمشى يمكن
هالة : يا دكتور يحيى دا أنا لما ما بافهمشى يمكن اتعب شوية
هالة : يانصره ياخبر دا انا ما بافهمشى يمكن (كلمة غير مسموعة)
هالة : يا احمد ياخبر دا انا يمكن لما ما بافهمشى
د.يحيى: مفيش يمكن، لمّا
هالة : يا احمد ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى يمكن أخلص عليك
هالة : يا هالة (لنفسها) ياخبر دا انا لما ما بافهمشى يمكن ……
……
د.منى : يلا يا دكتور يحيى
د.يحيى: نعم ؟
د.منى : إلعب يا دكتور يحيى، عليك الدور
د.يحيى: صعب، دى طلعت صعب يا منى عليّا أنا كمان، صعبة فعلا، بس ياللا هه:
يا منى، يا خبر دا أنا لما ما بافهمشى يمكن أترعب من المشوار الطويل
د.يحيى: يا أحمد ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى يمكن أفرح عشان اللى مستنينى
د.يحيى: يا هالة ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى بحس أنى أقدر أتواضع أحسن من كده
د.منى : ما قلتش يمكن
د.يحيى: يا نصره ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى باحس أن أنا بنى آدم قريب من ربنا
د.يحيى: يا يحيى (لنفسه) ياخبر دا أنا لما ما بافهمشى بحس أنك لسه عايش
د.يحيى: مش خلاص، فاضل حدّ؟
د.منى : بس برضه يا دكتور يحيى انت ماقولتش “يمكن”
د.يحيى: ساعات ساعات
د.منى : لأ نصهم قلت ونصهم مقولتش
د.يحيى: عندك حق، أنا غلطان وبعدين ماحدش نبهنى أول بأول، لو حد نبهنى زى ما أنا كنت باصحح على طول كنت قلت
د.منى : أنا نبهت حضرتك، بس حضرتك ماسمعتنيش
د.يحيى: طب عندك حق، احنا أشتغلنا (ملتفتا لأحمد) يا أحمد بفضل الله وبفضلك فى منطقة شديدة الصعوبة بجد… كل واحد فينا أعلن الصعوبة، وأنا من ضمن، مش لاحظت؟
أحمد : أعلن إيه؟
د.يحيى: أعلن إنها صعبه، كل واحد قال إنها صعبة، أو بانت الصعوبة عليه مية مية، ومع ذلك كلنا الحمد لله أشتغلنا باجتهاد، صعبة صعبة، المهم دلوقتى حد وصل له حاجة جديدة فى الموضوع اللى إحنا كنا فيه ده، حاجة ماكنش يعرفها قبل كده عن نفسه أو عن غيره أو عن الموضوع
نصرة: أنا وصلنى
د.يحيى: وصلك ماشى مش مهم تقولى وصلك إيه دلوقتى
أحمد: أنا وصلنى
هاله: أنا مش عارفه وصل ولا ما وصلشى
د.يحيى: مش عارفة لا عن نفسِك ولا عن غيرِك؟ ولا وإنتى بتلعبى؟ ولا لما غيرك كان بيلعب أو مع غيرك؟ ده احنا عملنا حاجات كتير قوى أوى يا هاله ؟؟
هاله: ممكن يكون وصل، بس مش عارفه
د.يحيى: قصدى حاجه جديده، يعنى حاجة ماكنتيش تعرفيها قبل كده، قبل اللعبة، إحنا مش عاوزين نعرف هى إيه، هو أنا مخضوض يا أحمد شوية على أساس إيه: إن إحنا ناس على قد حالنا، مش حادّعى إن إحنا غلابه، احنا مجتهدين عيانين، ودكاترة، وانت رحت مدخّلنا تقريبا بالصدفه فى منطقة صعبه فعلا، بس أنا رايى إنها مهمه جدا، بأمارة اللى إحنا بنعمله ده
أحمد: اللى هى إيه؟ أنا ما بافهمشى؟
د.يحيى: أنا مش عاوز أعلق أكتر من كده لحسن أحرق اللى حصل، لإنى لو أعلق حايبقى “فهم”، وإحنا دلوقتى بنحافظ على، أو بندور على فايدة أو معنى “عدم الفهم”، فأى تعليق حايبقى فهم حتى لما قلت حد وصلّه حاجه جديده ما طلبتش من حد يقول إيه اللى وصله، لأن ده برضه حايكون فهم، المهم وصل ولا ما وصلش.
أحمد: بس ممكن نعلق عليها يعنى
د.يحيى: أنا مش عاوز أى تعليق محدد أو شرح يعنى، أنا بس باسأل، واللى عاوز يعلق يعلق، لأنها كانت صعبة جدا فى الأول، ومع ذلك كلنا لعبنا، وعلى فكرة هى غير الألعاب اللى لعبناها قبل كده، اللعبة اللى لعبناها دلوقتى إنتهزنا فرصة إن العدد قليل ولعبناها كلنا مع بعض
أحمد: أنا معاك دلوقتى يادكتور يحيى إن عدم الفهم ممكن يكون صح بس عدم الفهم فى مواقف مواقف.
د.يحيى: مش عاوزين بقى نتكلم ونشرح لحسن نحرق اللى احنا عملناه، أنا باسأل عن حاجة جديدة وصلت ولا احنا لسه زى ما احنا قبل ما نلعب؟ وخلاص
……
……
ثم انتقل التفاعل إلى منطقة أخرى وموضوع آخر وتواصل آخر.
[1] – تعبير “ترمى الكورة لمين” يعنى: مَنْ تختارين ليلعب بعدك.
[2] – يلاحظ فى هذه المرحلة، وربما لغرابة وصعوبة اللعبة، أن تدخلات الدكتور يحيى كانت كثيرة وملاحقه، للتصحيح، حرصا على استعمال نفس الألفاظ حرفيا كما هى القاعدة فى الألعاب: رفض الخروج عن النص (ومع ذلك حين جاء عليه الدور لم يتجح أن يلتزم بما نبه الجميع إليه!! انظر بعد).
[3] – عادة ننبه على المشارك ألا يكرر، لكن لا يوجد رفض مطلق لاحتمال التكرار.
[4] – سوف نناقش مغزى هذه الصعوبة الشديدة فى مرحلة النقاش.
[5] – انتظر المناقشة