نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 1-6-2016
السنة التاسعة
العدد: 3196
الأربعاء الحر:
ولم يبرؤا من دائهم القديم
[انتحار طيارينا هو السبب!!]
مقدمة: (20016)
في 31 أكتوبر 1999 قتل 217 شخصاً، بينهم وفد عسكري مصرى مؤلف من 33 شخصاً وكذلك “ثلاثة خبراء في الذرة” من خيرة شبابنا العسكريين كانوا يتدربون فى أمريكا وذلك فى حادث تحطم طائرة بوينج بي767-300 تابعة لشركة مصر للطيران رقم الرحلة 990، قبالة ساحل ماساتشوستس الأميركي بعد نحو ساعة من إقلاعها. ولم ينج في الحادث أي من الركاب.
وظهر بعد ذلك تقرير لهيئة السلامة وزعم التقرير ان مساعد الطيار جميل البطوطي تعمد إسقاط الطائرة والانتحار بسبب جملة قالها وهي : ” توكلت على الله “. وتعمد التقرير الذي أعدته هيئة سلامة الطيران الأمريكية إخفاء حقائق تتعلق بالحادث فقام أولا على افتراض أن مساعد الطيار المصري جميل البطوطي تعمد الانتحار وإسقاط الطائرة وذلك بسبب الجملة التي قالها وسجلها الصندوق الأسود وهي (توكلت على الله)، وهو ما يعني أن شركة مصر للطيران هي المسؤولة عن التعويضات فضلا عن الإضرار بسمعتها كشركة طيران عالمية، وبالتالي إخلاء المسؤولية عن أجهزة الأمن الأميركية.
تذكرت هذا الحادث إثر الحادث الأليم الأخير، وتعجبت أنهم لم يتعلموا ولم يتوبوا عن قياس غيرهم بمقاييسهم الذاتية جدا، فضلا عن التلفيق والإسقاط فأخرجت مقالا كتبته منذ ما يقرب من عشرين عاما ونشر فى الأهرام بتاريخ 21-11-1999 ، أتناول فيه هذه الظاهرة، فضلت أن أعيد نشره الآن كما هو دون تغيير، وبرغم أننى لا أطمع فى أن يقرأه أى منهم إلا أننى آمل فى أن نتذكر ونتعلم.
علما بأننى أقر واعترف أن بعض ما جاء فيه لم يعد مناسبا “الآن”، بعد أن هان الانتحار علينا نتيجة هذه الإغارة العمياء التى أغارت على عقول بعضنا لتشوه علاقتنا بربنا وبالحياة أساسا، حتى أصبح فريق ناشز منا يستعمل الانتحار سلاحا للحذر، ويسوّقه كوسيلة للقتل مع سبق الإصرار.
وبالرغم من ذلك فمازال المقال صالحا لإعادة النشر.
نص المقال: (الأهرام 21/11/1999)
هم الذين قد ينتحرون هكذا..
ليس من حقى، ولا فى مقدورى أن أحكم على، أو حتى أن افترض فرضا يفسر، سقوط الطائرة المصرية من الناحية الفنية أو الهندسية، هذا أمر له مختصوه، من الفنيين والخبراء، وقد يصلون أو لا يصلون إلى السبب، هل هو اجهاد المعادن؟ هل هو خطا فى التصنيع؟ هل هو تخريب متعمد؟ إلى أخر ما يمكن أن يثبتوه أو ينفوه، لكن الذى هو من حقى، ومن واجبى، وفى بؤره اختصاصى هو أن افتى فى دلالة الكلمات، ومسئولية الفاعل، وطبيعة المرض النفسى، واتهامات الانتحار الفردى، وطبيعة المنتحر، وظروف الانتحار الجماعى الذى يُعْدم فيه المنتحر غيره، كل هذا يقع فى إطار معرفتى المباشرة من واقع الخبرة، واللغة، والثقافة، التى ننهل منها جميعا، والتى أمثل بعضها حتما..
نبدأ بالتنبيه على كيفية التعامل مع لفظ أو ألفاظ، وعلاقة ذلك باللغة والدلالات: فى سياق معين، وكيف يختلف الحال إذا قيل نفس اللفظ بصوت معين، ولهجه معينة من شخص معين الخ… خذ مثلا:
كم عدد الرسائل التى يمكن أن توجهها للسامع وانت تقول: لا اله الا الله؟
فى مصر: قد تقولها وانت تتنهد، وقد تقولها وانت تمط شفتيك، وقد تقولها، تعجبا. وقد تقولها فرحا بالنجاة من حادث، وقد تقولها بعد أن تختم الصلاة، وقد تقولها وقد تقولها إلى ما لا نهاية، وأيضا دلالتها تختلف إذا قالها بائع خيار فى عزبه القصيّرين عنها اذا ما قالها ميكانيكى وهو ينام على ظهره تحت سيارة فى ورشته فى أول المنيل، عنها اذا قالها خطيب جمعة على منبر مسجد فى بركة السبع منوفية، واستطيع أن اعدد لك مائه دلاله اخرى لنفس الالفاظ فى سياقات اخرى مختلفة، ومثل ذلك يسرى على “توكل على الله”، التى تختلف عن “توكلنا على الله”، التى تختلف بدورها عن “توكلت على الله”، ثم قل ما شئت فى “ان شاء الله”، حين يرد والد على طفله فى الرابعة وهو يطلب منه طلبا انه “إن شاء الله” فيحتج الطفل قائلا بلاش “إن شاء الله”، فهو يعنى أنه من خبرته السابقه ارتبطت إن شاء الله، لا بمشيئة الله سبحانه، ولكن بتهرب والده من تحقيق مطلبه.. الخ.
وأستطيع أن امضى فى مثل هذه الاستشهادات صفحات طويلة وأمثلة كثيرة، ولكنى سوف اتوقف عند المسالة الرئيسية فى موضوع طائرتنا الهالكه وشهدائنا الأبرار، ثم اعود إلى مزيد من الايضاح.
افهم أن يفتى الامريكيون (أو الانجليز أو أى ملة أخرى) فى مسائل التكنولوجيا، والمافيا، وحقوق الانسان، ومهاره الروبوت الذى التقط الصندوق الاسود تلو الاخر، أما أن يفتوا فى معنى النطق بالفاظ الشهادة أو الدعاء بالعربية يقولها أى مصرى، استاذ، مدرب، طيار، حاج، بائع خيار، فهذه جناية لا تقل عن جناية مرتكب الحادث الاليم (سواء كان الجانى مخربا ام مهندس تصنيع فى شركه عملاقه).
ثم ما هى قدرات مكتب التحقيقات الفيدرالى هذا الذى قد يُحَوَّل اليه (أو قد حول اليه فعلا حسب توقيت نشر هذا المقال) التحقيق؟ وهل نجح مكتب التحقيقات هذا سابقا فى ما هو أوضح وابسط، مما حدث فى عمق ثقافتهم، وبالفاظ لغتهم، مثلا فى حل لغز مصرع مارلين مونرو أو جون كيندى نفسه، أو فى سبب وفاة 21 (واحد وعشرين) من موظفى ولاية اركانساس ممن كانوا مستعدين للشهادة فى التصرفات التى جرت قبل تعيين المحقق ستار محققا مستقلا (8 حالات قيدت على انها حالات انتحار، وكانت هناك حالتان تستلفتان النظر.. الاولى كاتى فيرجسون (لانها) تعرف حقيقه ما جرى. والثانية: اد ويللى المدير المالى لحملة كلينتون الانتخابية، ثم ماذا عن أمر: الضحية الأخرى فنسنت فوستر… الذى خرج من مكتبه بعد الظهر وبعد ساعه من الزمن وجدت جثته ممدده على جانب ممر تحت اشجار حديقه، وفى يد الجثة مسدس يوحى بان صاحبه انتحر، ثم قتل جيرى باركس (الضابط المكلف بتقصى وجمع اوراق مهمة) وقد تنبأ بقرب اغتياله بعد سماعه نبا مقتل باركس حيث قال لزوجته اننى الأن رجل ميت، وبعدها بيومين فوجئت بمن يخبرها أن زوجها لقى مصرعه حين اطلق عليه الرصاص من مسدس كاتم للصوت وهو ينتظر منحنيا على عجله قياده سيارته (فى أشارة مرور)… الخ (كل هذه المقتطفات من مقال السياسه والقانون والحب والحرب فى عصور مختلفه مجله وجهات نظر العدد1 بتاريخ اول فبراير1999 للاستاذ محمد حسنين هيكل،…. أقول: على الرغم من كل هذه الحقائق، والوثائق، فهل نجح مكتب التحقيقات الفيدرالى أو غير الفيدرالى أن يكشف اللثام عنها؟.
إن الانتحار عندهم (المثل السابق 8 من21 حاله وفاة غامضة) وارد ومبرر، سواء عرفنا أسبابه السياسية، أو المافياتيه، أو الطبنفسية، اما الانتحار الوارد عندنا فهو امر اخر، فنسبته تصل احيانا إلى أقل من واحد على مائة، واحيانا أقل، مما عندهم، إذن فان التفسير بالانتحار هو وارد عند محققيهم، وهم فى هذا المناخ، فى هذه الثقافه، فى هذه الظروف، وكل ذلك هو الذى يفرز مثل هذه الاحتمالات، ومثل هذه التفسيرات، سواء كانت لحادث طائره، أو فى غرفه نوم، أو عند اشاره مرور.
ومع ذلك، ومع أن عندهم فى مثل هذه الحالات التى ذكرتها كامثله، عندهم كل الوسائل، وكل التسجيلات، وكل انواع التنصت، والتجسس، والشفافيه، فانهم لم (ولن) يحسموا امرهم فى من الذى قتل اوزوالد بعد أن زعموا انه قاتل كيندى الوحيد بعمل فردى، ولا من الذى…. ولا من الذى…..
وإذا بهم، وهم بهذا القصور الانسانى الطبيعى يلتقطون لفظين من صندوق اسود، لا يعرفان دلالتهما الحقيقيه حتى لو ترجمهما محترف إلى لغتهم، يلتقطون هذين اللفظين فيسربونهما مع تاويل ملتبس إلى وسائل الاعلام للعالم كله أن سبب الحادث هو: أن الطيار المصرى الطيب المؤمن السليم المعافى الأب الاستاذ المدرب، قد قرر الانتحار هكذا فجاه، وكانه يصور فيلما من افلام الاكشن، قرر أن يقيم حفلا انتحاريا يقتل فيه اكثر من مائتى بريء وهو يتوكل على الله، وهو ذاهب إلى لقائه سبحانه،!!!! ما هذا يا سادة؟؟
سيداتى سادتي: أن المنتحر عندنا، لكى يفعلها وهذا نادر جدا، لابد أن ينسى ابتداء أن هناك إلها، وأن هناك اخره، كما لابد أن ينكر أن المنتحر هو فى النار خالدا مخلدا يكرر فيها نفس حادث انتحاره، لابد أن ينسى كل هذا، فاذا تذكره غصبا عنه، فلابد أن يقنع نفسه انه مريض مجنون لن يحاسبه الله بسبب مرضه، ومع ذلك فهذا التبرير عادة لا يكفى لان يجعله يقدم على الانتحار، فاذا أقدم بعد كل ذلك، فلابد انه اقنع نفسه أن الله قد يغفر له لإزهاق روحه، يغفر له لأنه مريض، أو ربما لان هناك ما يبرر فعلته من ظروف الحياة، ولكن يستحيل فعلا أن يصور لنفسه، حتى لو كان مجنونا، أن الله يمكن أن يغفر له أن يأخذ معه مائتى بريء بالمرة.(1)
هذا كله علم يا ساده يا كرام، وهو ليس حتى تدينا، فمن اين يعلمه المحققون الاجانب وهم يقررون مسئوليتنا؟ هذا علم نعلمه نحن لطلبه البكالوريوس كما كان المرحوم البطوطى يعلم طلبته ليخرجهم طيارين يقودون طائراتهم قائلين فى كل رحله “سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين..”
يا سبحان الله، ألا يخجلون؟.
وعلى الرغم من كل هذا، فاذا كنا نتكلم علما لا نخطب حماسا، فالاحتمال الذى طرحوه وارد، لان العلم لا يستبعد شيئا بشكل مطلق لكنه يضع الاحتمالات فى حجمها، فهو وارد، بحسب علمى المتواضع بنسبه واحد فى المليار (أو اقل)، وقد يرتفع الاحتمال إلى واحد فى المائه مليون ثم واحد فى المليون، ثم واحد فى الالف مثلا، وهنا، وهنا فقط قد يحق لمحقق أن يسرب مثل هذا الاحتمال للراى العام!!. هذا المحقق الخواجة، تُرْجِمَتْ له كلمات شهيد مصرى طيب فماذا يمكنه أن يفهم منها؟ ومن غيظى وحتى يشاركنى القاريء فعلا اعود ازيد الامر ايضاحا بمثٍل عملىّ من واقع خبرة علاجية:
فى جلسة من جلسات العلاج الجمعى… وكنت مسئولا عن إدارتها قال أحد المرضى بشكل مباشر (وليس من خلال صندوق اسود) “الحمد لله”، قالها بشكل لا يحمل المعنى الذى كنت اتوقعه منه، أو ارجوه له، فقلت له: ماذا تعنى بقولك الحمد لله هنا والان، فرد ردا لم اقتنع به، وعقبت على رده انه يقولها من أنفه (أنت يا أخى بتقولها كده وانت قرفان، زى ما تكون بتقولها من مناخيرك)، وسالنى احد افراد المجموعه وهل هناك معنى لحمد الله غير الحمد، فقلت له طبعا حسب القائل والسياق والوقت والهدف، ثم طلبت من كل فرد فى المجموعه بما فيهم شخصى والأطباء المتدربين، أن نلعب لعبه علاجيه فيقول كل واحد منا الحمد لله بثلاث طرق مختلفه لتعنى معانى مختلفه، وتعجب الجميع لكنهم حين عملوها فعلا، تبينا جميعا كيف أن نفس الكلمتين الحمد لله حملت (على الاقل)33 (ثلاثه وثلاثين) معنى مختلفا عند قائلها وسامعها خلال ربع ساعة، (وكان عددنا أحد عشر) واثناء المناقشه بعد الجلسه سالنى المتدربون المشاهدون (كانوا يتابعون ما نعمل داخل الجلسه) عن دلالة ذلك، فرحنا نشرح ونحاول فهم تنويعات لفظى الحمد لله، فهناك: الحمد له (على كل حال، قلناها أو اسررناها)، والحمد لله مثل التى تقولها عند عثورك على مفاتيح ضاعت منذ قليل، والحمد لله وقد نجحت الا تصدم السياره التى امامك والتى توقفت فجاه دون انذار. والحمد لله وانت تاخذ شهيقا عميقا، والحمد لله وانت تزفر زفيرا مقتضبا وغير ذلك كثير.
هذا علم يا ساده يا كرام
وهو ليس فقط علما فى الطب النفسى، ولكنه هو هو فى علوم اللغه.
وثمة فرع يسمى الطب النفسى الشرعى، هو من اصعب فروع علمنا جميعا، حيث لا يمكن أن نقرر ونحن نمارس هذا العلم حقيقة مسئولية شخص ما، ارتكب جريمه ما، الا بجهد فائق، وصبر وفحص وموضوعية بلا حدود، كل ذلك مرتبط اشد الارتباط بمعرفة اللغة، والثقافة، واللهجات ودلالاتها.. الخ.
فى جريمه قتل اتهم فيها طبيب بارز فى الخرطوم (فى سنه1981 على ما أذكر) وكان ضابطا متميزا فى الجيش السودانى، وحاصل على اعلى الدرجات العلمية، ونقيبا لأطباء الاطفال.. الخ، وكانت التهمه قتل اربعة أخوة بإحراق المحل الذى كانوا يستأجرونه فى عمارته ورفضوا إخلاءه (لإعادة بنائه) وأثير فى القضية احتمال إصابة المتهم بمرض عقلى يعفيه من المسئولية، وحول القاضى القضية إلى الزملاء المتخصصين فى السودان، فتحرجوا أدبيا وموضوعيا من التصدى لفحص زميل لهم، فاعتذروا، وخطر للقاضى أن يستدعى خبراء من انجلترا حيث هذا التخصص الدقيق فى أحسن أحواله، ثم عدل باقتناع كامل، فقد قدر أن الانجليز مهما بلغ علمهم لا يمكن أن يستوعبوا بالقدر المناسب السمات الثقافية التى تفسر سلوك المتهم، ومن ثم مرضه أو مسئوليته، حتى لو كان المتهم يحذق اللغة الانجليزية مثل أهلها، فاستدعى القاضى خبيرين من مصر من ثقافة المتهم والمجنى عليهم لفحص المتهم فى الخرطوم وتقرير مدى مسئوليته وذهبْ: المرحوم أ. د. يحيى طاهر وشخصى، وتمت مقابلة وفحص المتهم خلال الساعات تلو الساعات واستمعنا للشهود، وقرانا المحضر والتحقيقات وكنا ونحن فى وطن قومى واحد، نتكلم بلغة واحدة كنا نحتاج – برغم أننا ننتمى لنفس الثقافة – لمترجم من اخواننا السودانيين يقول لنا.. مثلا أن كلمتى “الزول الازرق” التى وردت فى التحقيق تعنى الشخص المائل للبياض نسبيا. واضطررنا للعودة إلى مصر دون الوصول إلى تقرير نهائى، ثم استدعينا مرة أخرى لاستكمال الفحص، والشهادة أمام المحكمة… إلى اخره، حتى وصلنا إلى قرار صعب وادين المتهم رحمه الله.
أقول هذا المثل المطول لاظهر كيف أن الحكم على مسئولية شخص، يتكلم لغتنا، نابع من ثقافتنا، زميل لمهنتنا ومازال حيا كان من أصعب الأمور، فكيف يجرؤ محقق أن يفترض، مجرد يفترض من كلمتين سمعهما من صندوق أسود، لم يفهم معناهما الا من مترجم محترف (ربما) ترجم له اللفظين حسب معجم مطبوع مهما بلغت دقته. وطبعا استحال عليه أن يترجم الروح التى قيل بها أو النغمه، أو السياق الذى احتواه، المسالة صعبة جدا، جدا، ولا اريد أن اتهم شركه بوينج، ولا الموساد، ولا الجماعات،
لكننى ارجح أن الظلم والاستعلاء، قد بلغا مبلغا سمح لهم أن تنقلب ماساه استشهاد هذا العدد من اخوتنا وابنائنا، إلى اتهام شخص طيب، استاذ درب نصف جيل طيارى مصر بشهادة الطيارين انفسهم، وهو اب كريم رقيق، وكانهم باستسهال اتهامه انما يتهمون شعبا باسره فى عواطفه ودينه وانتمائه الانسانى حقيقه وفعلا. يا سادتى المحققين الافاضل، اعانكم الله فى مهمتكم، لكن المساله ليست هكذا.
يا سادتى: نحن لسنا فى الغابة الحمراء فى كاليفورنيا، ونحن لا ننتحر جماعيا استجابه لأوامر جيم جونس، ولسنا فى كنيسه معبد الذهب لننتحر بأمر سيدنا الإله الجديد. وحتى نحن لسنا فى الجزائر لنقتل الابرياء فى أقصى الريف جماعيا (2)
لكل هذا أعلن ضروره الانتباه إلى خطورة احتمال تدخلات شركات تصنيع الطائرات العملاقه (وشركات الادويه، وشركات التسليح) ليس فقط فى التحقيق، وانما فى كل السياسة ومصائر الدول.
فهل بعد كل هذا يحتاج الامر إلى أن اذكر زملائى اطباء النفس بانه لن يفهم مرضانا، ولا أصحائنا الا ناس منا يتكلمون لغتنا، ويدرسون بها، يعيشون ثقافتنا وينتمون لها، ويفتون فى مسائل حياتنا وانتحارنا بما هو نحن، وليس بما حفظوا من مصادر أجنبية، فيحولون دون استعلائهم هكذا علينا، كما يحولون دون احتمال أن ننتهى إلى القفز أمامهم غاضبين ونحن فى الاقفاص التى وضعونا فيها وعليها لافته تحدد “موطننا الاصلى”؟.
والأمر يحتاج إلى عودة.
رحم الله شهداءنا، وهدى محققيهم، فانهم لا يعلمون، وأعان محققينا فانهم مسئولون.
وبعد 30/5/2016
لم أكن أحسب أن العودة ستكون بعد سبعة عشر عاماً دون أن أزيد حرفا .
رحم الله شهداءنا قديما وحديثا.
وأفاقنا مما نحن فيه، حتى نحمل الأمانة لنا، ولهم، وللحياة، ولجميع البشر
[1] – لم تكن ظاهرة داعش والقاعدة قد ظهرتا بهذا الحجم بعد (2016)
[2] – كان ذلك حين كانت الجماعات تهاجم قرى آمنة فى الجزائر وتحصد الأبرياء