نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 16-12-2020
السنة الرابعة عشر
العدد: 4855
الأربعاء الحر:
مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)
الفصل العاشر:عن الحلم والإبداع والنوم (4)
مقدمة:
انتهت حلقة الأسبوع الماضى والطالب يسأل المعلم عن علاقة الإبداع بتكرار المعلم الترابط الترابط
……………..
المعلم: يا أخى هل يخلق الجديد من الهواء الطلق أم من ربط المفردات المتاحة من القديم والجديد بل ومن المتناقضات التى يصنع منها جميعا شكلا جديدا من أجزاء قديمة.
الطالب: زدنى الله يخليك
………
المعلم: هل تذكر كيف أن التخيل هو نشاط حر يجمع مفردات متباعدة بجوار بعضها.
الطالب: هذا لعب واستسهال وليس إبداعاً.
المعلم: ربما عندك حق نبدأ بأبسط مثال وهو التأليف بين النصف الأعلى لجسم إنسان والنصف الاسفل لجسم سمكة فى تخيل أسطورة عروس البحر.
الطالب: وهل هذا إبداع وفن؟ هذا قص ولصق
المعلم: عندك حق أيضا، فهذا أقرب إلى اللعب الخيالى فعلاً، ولكن إذا دخل هذا القص واللصق فى نسيج قصة أو رسم تشكيلى متناسب، أو فى قصيدة شعرية أو فى تِأليف معادلة رياضية جديدة، أو حتى فى فكرة تصنيع غواصة جديدة، أصبح هو الإبداع لأنه لم يصبح “أى كلام” ، ولا “أى ربط مستحدث”، بل اصبح خلقا وتأليفا جديدا بين أجزاء قديمة لانتاج مخلوق بديع تماماً.
الطالب: وما علاقة ذلك بالمخ والأحلام؟
المعلم: إن قمة الترابط بلغة المخ تتم على مستوى ترابط النصفين الكرويين Cerebral hemispheres إذ يعملان معاً فى تناسق فائق.
الطالب: هكذا تريد أن تؤكد كيف أن علم النفس هو دراسة وظيفة المخ الأعلى.
المعلم: عليك نور، ولكن ليس المخ الأعلى فحسب، وإنما كل الأمخاخ معا، ودعنى اذكرك أنكم فى الفسيولوجى لم تعيروا النصف المتنحى Recessive hemisphere نفس الاهتمام الذى حظـِـىَ به المخ الطاغى، فطغى المخ الأعفى وسيطر واستحوذ حتى كاد يستبعد كل ما عدّاه حتى انتهى الأمر إلى ما نحن فيه من اغتراب.
الطالب: من ماذا؟
المعلم: لا عليك لا عليك
الطالب: أى والله، تذكرت، فقد كنت أعجب وأنا أذاكر أن منطقة بروكا Broca’s area تقع فى النصف الايسر فقط لمعظمنا، وكنت أتساءل بينى وبين نفسى عن الحكمة فى هذا، وما فائدة النصف الآخر.
المعلم: إن هذا التساؤل هام وخطير، وقد بدأت هذه الملاحظات منذ (1855-1911)، وصفها عالم الأعصاب الفيلسوف العبقرى هوجلج جاكسون Hughling Jackson، وفى سنة 1926 قال هانشن Henshen أن المخ الأيمن اقل أهمية من الأيسر (2) وهو ليس إلا عضوا ناقصا ومخزنا.
الطالب: وحتى لو كان مخزنا الا يدل ذلك على أهميته وقد سبق أن قلت إن الإنسان “كمً من المعلومات”؟
المعلم: تُمْسِكُ لى على الواحدة، نعم “كم”، ولكنه “كَم نَشِطٌ” جاهز لتوليفات جديدة باستمرار، وليس زكيبة مملوءة بالرموز!! بل إن فى كل ناحية من المخ تختزن تصانيف مختلفة عن الناحية الأخرى، نظام على أحدث ما وصلت إليه الحياة، فقد ثبت أن للمخ الأيمن علاقة بالصور والأنغام والتركيبات الكلية فى حين أن المخ الطاغى له علاقة بالرموز والوحدات المسلسلة خطيا أكثر.
الطالب: الله الله!! أرشيف منظم حسب الصنف؟
المعلم: ليس تماماً، فهو ليس أرشيفا ساكنا منظما تحت الطلب، بل هو معمل حركىّ مشارك نشط بلغته الخاصة وأبجديته المميزة المتجددة أبدا.
الطالب: تريد أن تفهمنى أن وظيفة نصف المخ المتنحى غير نصف المخ الطاغى؟
المعلم: نعم، وكما لاحظت منذ قليل أنى أتكلم عن المخ الطاغى وليس نصف المخ، وكان هذا قصدا منى لا خطأ، وأننى أتكلم عن هذين المخين وأقصد أنهما يمثلان نموذجا لكل الأمخاخ.
الطالب: أى أننا عندنا أكثر من نصفين وأكثر من مخين!!.
المعلم: نعم نعم، عندنا أمخاخ كثيرة، ولكلٍّ تاريخه، وطبيعة عمله
ونكمل الأسبوع القادم
[1] – يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – سوف نتحدث هن المخ الأيسر دائما باعتباره الطاغى فى الشخص الأيمن والعكس صحيح بالنسبة للشخص الأعسر ولن نشير إلى التنبيه على ذلك ثانية فى السياق القادم حتى نهاية الفصل.