نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 25-11-2020
السنة الرابعة عشر
العدد: 4834
الأربعاء الحر:
مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)
الفصل العاشر:عن الحلم والإبداع والنوم (1) (2)
الطالب: إذا كانت قراءاتك وخبراتك مؤخرا قد أوصلتك إلى هذه المعارف الجديدة الرافضة، أو الناقدة فماذا نفعل نحن وأنتم تسوّقون لنا بضاعة قديمة أخشى أن تكون مضروبة؟
المعلم: الأمر ليس هكذا تماما فالأحدث لا يكون له معنى وربما فائدة دون أن يرتبط بالأقدم، والأحدث عادة لا ينسخ الأقدم تماما، قد يعدله أو يصححه أو يضيف إليه.
الطالب: ماذا تعنى بنسخ الاقدام؟
المعلم: الآية الكريمة تقول: “ما نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا”.
الطالب: اضبط، هاأنت ذا تستشهد بالقرآن الكريم.
المعلم: يا إبنى انت ما صدقت!! أنا أشرح لك معنى كلمة “ينسخ” التى سألت عنها
الطالب: طيب طيب، فماذا عندك من جديد فى موضوعنا
المعلم: بصراحة الموضوع التالى هو كله جديد بالمقارنة بما شاع عنه، ولكنه يتلعق بفروضى وخبرتى أكثر من قراءاتى
الطالب: أحسن، فما هو؟
المعلم: هو عن الحلم والإبداع
الطالب: هاتها هاتها، وما يحدث يحدث!
المعلم: ألا تذكر أننا قلنا إن التفكير هو نوع من الترابط وإعادة الترابط، والخيال عادة هو هو ترابط على مستوى أعقد وأسهل معاً.
الطالب: كيف يكون أعقد ثم يكون فى نفس الوقت أسهل؟
المعلم: هو أعقد لأنه تكوين ترابطات جديدة غريبة فى العادة لم يسبق أن يصحب بعضها بعضا، وهو اسهل، لأنه ليس ملتزما بالقواعد الثابتة السابقة، فأى شئ أو معلومة أو جزء من معلومة يمكن أن يربطها التخيل بأى شئ أو معلومة أو جزء من معلومة أخرى
الطالب: هى لعبة حرة إذن بلا قواعد
المعلم: ليست تماما فهو أنواع وتشكيلات ومستويات
الطالب: هل تقصد أحلام اليقظة
المعلم: ليس فقط، بل لعل أحلام اليقظة هى الأشهر لكنها من أسطح درجات الخيال، إذا قورنت بما يحدث فى الأحلام
الطالب: وهل نحن نتخيل فى الأحلام
المعلم: يعنى، هو مستوى آخر أو نوع آخر بين الخيال والإبداع
الطالب: لا ..لا .. لا، واحدة واحدة، ماذا تريد أن تقول لى؟ ما هى طبيعة الخيال عموما قبل تصنيفه، وما علاقة ذلك بالآحلام؟
المعلم:
(1) إنه بمثابة استراحة للمخ من الوعى التسلسلى الترابطى الموجَّه باستمرار
(2) إنه بمثابة لعبة العقل التى تتيح له العودة إلى النشاط المنظم المنطقى أكثر تماسكا.
(3) إنه تفكير طليق يسمح بالبعد عن الواقع الظاهر فى إجازة، مادمنا ملتزمين بالرجوع إلى الواقع كما هو أو أفضل.
الطالب: وهل هذا اللعب العقلى واحد أم ستصنفه لنا كالعادة؟
المعلم: جئت به لنفسك، خذ عندك:
1- هناك اللعب الخيالى الذى يمارسه الأطفال عادة فى شكل قصص من نسيج الخيال أو القيام بأدوار يتقمصون فيها الكبار أو أبطال السينما وإضافة تفاصيل جديدة وما شابه ذلك.
2- ثم هناك أحلام اليقظة وهذه موصى عليها من العقل التسلسلى المنطقى الظاهر (المتغطرس عادة، الوصفى غالبا).
3- وكثير من التفكيرالذى أسميناه التفكير الآمل Wishfulfilment أو الذاتى Autistic أو المتمركز حول الذات (الذاتوى) Egoistic أو أى تفكير غير موضوعى لابد وأن يحمل تخيلا بدرجة أو بأخرى.
الطالب: ولكن قل لى إذا كانت أحلام اليقظة نوع من التخيل حتى لو كانت لتحقيق أمل بعيد، أو سرحانا والسلام، فهل الأحلام هى أيضا كذلك؟
المعلم: لا طبعا: “هناك فرق”.
الطالب: أى فرق بالله عليك
المعلم: 4- إن نشاط الحلم الدورى هو إبداع فى وعى آخر بعيد عن متناولنا، وهو يحدث اثناء النوم، وله ترابطاته الحرة غير الموجهة تحديدا، ثم هو صور تتآلف وتتجادل فى أغلب الاحوال، وليس حكيا مسلسلاً كما نحكيه ونتصوره، فهو يصلنا بعضه بعد تحويره وربما تشويهه، يصلنا بالحكى لاحقا،
الطالب (مقاطعا): يخيل لى أنك بذلك تبعده عن ما نعرفه عن الخيال
المعلم: ربما، فهو أقرب إلى الإبداع ولكنه يجرى فى وعى أعمق.
الطالب: وعى أعمق؟ تقصد اللاشعور.
المعلم: ليس تماما، وعى الحلم هو وعى خاص عميق ليس فى متناولنا فى حالة اليقظة، هذا كل ما فى الأمر، أما تسميته بالنـَّفى أعنى “لا شعور” فهو ينقص من زخم فاعليته.
الطالب: لست فاهما
المعلم: بصراحة الحلم له وعيه المستقل كما ذكرت، واعتباره من نشاط اللاشعور ثم تفسيره برموز الشعور، هو من أكبر الخلافات التى اختلفتُ فيها مع رائد التحليل النفسى سيجموند فرويد
الطالب: انت بذلك تظلم التحليل النفسى، وبالذات تظلم فرويد الذى اعْتَبـَرَ أن وصوله إلى فك رموز الأحلام هو أعظم انجازاته.
المعلم: فرويد شخص عظيم عرف ما يستطيع وتوقف عنده، لكن المصيبة أنه تمادى فى الاستغراق فى أبجدية نظريته، وراح يطبق لغتها على كل المجالات، فأخفت حقيقة ظواهر أعمق وأهم مثل وظيفة وظاهرة الأحلام، أخفاها بتفسيراته الرمزية والشبقية.
الطالب: ماذا تقول؟ هل تفسير الحلم يخفى الحلم أم هو يكشف مغزاه كما تعودنا أن نسمع.
المعلم: لكن يبدو أن ما تعودنا أن نسمعه سواء من فرويد، أم من خالتى “الحاجة سعدية”، ليس هو الحلم، بصراحة الحلم لا يحتاج إلى تفسير.
الطالب: أكاد لا أتابعك لو سمحت، إذا كنت ترفض تفسير الحلم حتى بتفسيرات فرويد الذى لا تنكر عظمته، فما هو سر احتفالك هذا وحماسك للحديث عنه الأحلام.
المعلم: لأنه تقع فى موقع محورى فى نظريتى الإيقاعحيوية التطورية.
الطالب: لا لا، اعمل معروفاً خلنا فى تفسير الحلم.
المعلم: قلت لك الحلم لا يحتاج إلى تفسير، بل إلى احترام وفهم لوظيفته.
الطالب: وما هى وظيفته؟
المعلم: إن الأحلام وكما ثبتت بأبحاث رسام المخ الكهربى، وكما عاينتها فى خبرتى الإكلينيكية تقوم بوظيفة لعلها فى نفس أهمية اليقظة، إنها بما يحدث فيها من تشكيل وتفكير وتعلم وتذكر بل وإبداع، تكمل دائرة اليقظة، بل وربما تكون أهم.
الطالب: أهم من اليقظة؟!
المعلم: آسف للمبالغة لكنها تكمل ما يحدث فى اليقظة
الطالب: لقد حفظتك، فأغلب ما يتراءى لك تنطلق منه وكأنه الحقيقة الجديدة الأخرى، لكننى لا أخفى عليك أننى أجد من الصعب علىّ أن أسلم له بسهولة.
المعلم: عندك حق، لكننى لا أتوقف عندما يتراءى لى بل سرعان ما أجد ما يدعمه، أو يصححه أو يطوّره من واقع الممارسة!
[1] – يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – هذا الفصل يحوى إضافات لاحقة من فروضى الأحدث، وكثير منها لم يرد فى الطبعة الأولى!