نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 14-10-2020
السنة الرابعة عشر
العدد: 4792
الأربعاء الحر:
مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)
الفصل التاسع: الانفعال والعواطف والوجدان (3)
توقفنا الأسبوع الماضى عند إشكالة عن السبق في الاستجابة الانفعالية: هل هو للوعى والعقل؟ أم الجسد كما قال المعلم للطالب:
المعلم: ولكن الفهم الجزئى، والشك أيضا، جعلهم يجرون تجارب قطعوا فيها بعض أعصاب الجهاز السمبثاوى الواصلة لدماغ كلب التجارب ووجدوا أنه ما زال يشعر بالخوف، فراحوا يدمغون النظرية ويرفضونها، وكأن استقبال التغيرات الجسمية المصاحبة لا يتم إلا عن طريق هذا الجهاز السمبثاوى، لا عن طريق الدم ولا عن طريق الشعور بالجسد عامة وتغيراته .. وغير ذلك.
الطالب: ما أعظم الفرق بين التسطيح والإحاطة الواعية.
المعلم: والأدهى أنهم حقنوا مادة الأدرينالين (باعتبارها الإفراز الرئيسى للغدة السمبثاوية فهى المسئولة عن التغيرات الجسمية)، وحين لم تحدث نفس التغيرات المألوفة فى حالة الخوف جعلوا ذلك مبررا أيضا لرفض هذه النظرية ناسين بقية الأبعاد والاحتمالات.
الطالب: مع أننى كنت قد كدت أقتنع بهذه النظرية.
……………….
ونكمل هذا الأسبوع كما يلى:
المعلم: لا عندك، إنها تفسير حسن لبعض الانفعالات المصاحبة بتغيرات جسمية معينة، ولكنها لا تصلح للعواطف والانفعالات الأشمل والأعمق والأرقى.
الطالب: ما حكايتك يا سيدى؟ أكلما أقنعتنى برأى فاقتنعت تراجعت أنتَ عنه، وكأنك تتلاعب بعقلى.
المعلم: ابدا والله، فالطريق طويل وأنت تريد أن تركن فى أول محطة.
الطالب: أن أركن فى أقرب محطة أفضل من أن أركن فى هذه السنة الثانية .
المعلم: يا أخى صبرك، والله إنى أكاد أكون واثقا أن هذا الحوار قد يثير فيك طريقة للتفكير هادئة وصبورة تعاونك فى سائر علومك فتتفوق أجمل.
الطالب: ياليت ..، ولكن ما الحل فى مفاجآتك هذه؟!
المعلم: اسمع ياسيدى نحلها بطريقة معقولة فنقصر صحة هذه النظرية على الانفعال دون العواطف والوجدان.
الطالب: نعم؟ نعم؟ وما الفرق بالله عليك؟
المعلم: فى محاولتى لتمييز هذه الألفاظ (2) عن بعضها وجدتها تصف نفس الظاهرة ولكن على مستويات مختلفة.
الطالب: وكيف كان ذلك؟
المعلم: إن الانفعال Emotions يشير اساساً إلى النشاط البدائى، والتهييج العام تجاه مثير داخلى أو خارجى واضح أو غامض، وعلى هذا المستوى البدائى فهو نشاط مستقل عن الوظائف الأخرى والمستويات الأخرى.
الطالب: أى وظائف وأى مستويات؟
المعلم: أى أنه نشاط تهييجى دوافعى، منفصل عن الوظائف الترابطية مثل التفكير وكذا التغيير
الطالب: هذا عن الانفعال، فماذا عن العواطف؟؟
المعلم: لعل العواطف Feelings تشير إلى الأثر الشعورى المُدرك الدال على أن الانفعال لم يعد مستقلا عن الوظائف الأخرى والمستويات الأخرى، وهى ذات جانب حـِـسى يقال أنه يشير إلى كتلة الإحساسات المـُسـْتـَقـْبـَلـَة من الداخل والخارج من مصدر بذاته والتى لم تتميز بعد، كما انها ذات جانب حركى (أو انبعاثى فعلى) وهو التهيؤ العام نحو مثير بذاته.
الطالب: معقول والله، ولو أنى لست فاهما تماما.
المعلم: واحدة واحدة، ولعلك إذا عرفت ما هو الوجدان اكتلمت الصورة بوجه عام ثم تفهمها على مهلك بالتكرار والتمعن معاً.
الطالب: إذن: فما هو الوجدان يا سيدى.
المعلم: الوجدان (3) هو درجة أرقى من الترابط، إذ يلتحم الانفعال أكثر وأكثر بالفكر واللغة والإدراك الأعمق، ولا يقتصر على صبغ الأرضية الشعورية فحسب بهذا الاستقبال العام غير المحلل، وقد وجدت مؤخراً أن Sentiment ليست الترجمة المناسبة للفظ “وجدان” بالعربية، ففضلت نحت اللفظ بالإنجليزية Wjdan.
الطالب: نعم! نعم! ننحت ألفاظاً جديدة فى لغة غير لغتنا .
المعلم: ولم لا، إن اللغة الانجليزية ترحب بذلك فهى تدخل 450 كلمة جديدة فى أبجديتها كل عام.
الطالب: يا خبر..!!
المعلم: فى حين أن مجمع اللغة عندنا لا يسمح بعشر معشار هذا العدد من الكلمات المعربة الأفضل من الترجمة التقريبية
الطالب: أرجوك لا تخرجنا عن موضوعنا فماذا يقصد بالوجدان مرة أخرى لو سمحت.
المعلم: إنه مازال يعنى شحنة عامة تصاحب الفكر وتتداخل معه، ولكنها لاتتطابق تماما مع الفكر، لأنه إذا تطابق الانفعال تماما تماما مع الفكر أصبح هو المـَـعـْـنى.
الطالب: هكذا ساحت الأمور كالعادة!!.
المعلم: يا إبنى ، يا إبنى: لم تسح ولا يحزنون، هل نسيت أننا كلما ارتقينا على سلم كل وظيفة كادت تتداخل فى أعلى طبقات الوظيفة الموازية لها حتى تصبحان (أو تصبحن) واحدة.
الطالب: نعم، ولكن ليس لدرجة أن يصبح الانفعال “معنى”.
المعلم: ولم لا! إن الكلمات والفكرة إذا احتوت معانيها تماما وتضمنت ما يراد بها، قامت بوظيفتها التواصلية والتعبيرية دون حاجة إلى انفعال مستقل مصاحب، ولا إلى عواطف شعورية منفصلة عنها.
الطالب: هذه أول مرة أسمع فيها مثل هذا الكلام.
المعلم: وهل نتحاور الآن لأكرر عليك ما سبق أن سمعتـَـه، أم لنفكر فى مالا نعرف؟
الطالب: وهل يقول بذلك كل العلماء أم هذه شطحاتك وحدك؟
المعلم: يقول بعضهم مثل ذلك أو بعضا من ذلك بطريقة أو بأخرى، ولكن التحديد والتوصيف والترتيب قد استكملوا فى المبحث الذى أشرت لك إليه منذ قليل (الهامش48)، وإليك إعادته (4)
الطالب: أكاد لا أصدق أن الانفعال يصبح معنى.
المعلم: ألم أقل لك أن يونج – مثلا – يعتبر الانفعال – مجرد الانفعال– ظاهرة مرضية، ولابد أن تستنتج أنه يقصد إن انفصال هذه الطاقة الدافعية عن مصاحباتها الترابطية ليس طبيعيا ولا سويا.
الطالب: هذا صحيح لو كان يونج يقصد ذلك.
المعلم: ثم إن عدم تعرض فرويد للانفعال كظاهرة مستقلة واعتباره انشقاقا ربما يعتبر دليلا على نفس التوجه أيضا؟
الطالب: يا عمنا عليك حجج ومداخل تخترق أى مقاومة لأفكارك!!
المعلم: أبدا والله، فأنا فقط أحاول أن أجد مخرجا من هذه المعمعة لا أكثر ولا أقل.
الطالب: وأنا؟ ألا تخرجنى من هذه المعمعة بأن تقول لى ماذا علينا فى الامتحان.
المعلم: لست أدرى، ولكن مرحليا قد يسألونك عن تقسيم العواطف Dimensions of feeling
الطالب: ماذا؟ تقسيم ماذا؟ وهل العواطف تقسم؟
المعلم: يقصدون تقسيم العواطف ما بين السار وغير السار Pleasant-Unpleasant أو ما بين المثير والمدغـِـدغ Excitement-Numbness أو ما بين التوتر والاسترخاء Tension-Release.
الطالب: وما فائدة ذلك؟.
المعلم: توضيح والسلام، حتى تعرف أن العواطف شىء له ابعاد من النقيض إلى النقيض مثلا، وأحيانا يسألونك عن مصادر السرور والكدر.
الطالب: نعم؟ نعم؟ أليس هذا شئ بديهى.
المعلم: ألم نتفق أن علمنا هو الحديث فى البديهيات المفهومة بلغة محترمة موثوق بها.
الطالب: أو بلغة غير مفهومة!! ما علينا، طيب قل لى ما هى مصادر السرور ومصادر الكدر وأين تباع الأولى حتى أشترى لى منها كفايتى إن أمكن!!
………………..
ونكمل الأسبوع القادم
[1] – يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – هناك من يعرف الانفعال بأنه حالة من التهيج والتحريك لما هو عواطف معتمدا على تعريف العواطف بأنها موقف تجاه مثير بذاته له جانب حسى غير تحليلى أو رموز وجانب حركى تهيئ، وهذا كله وجهه نظر تعتمد على البدء بتعريف العواطف، لو كان ذلك ممكنا فى ذاته، ثم تعريف الانفعال بالإشارة إلى تحريك هذه العواطف، ومن قبل وجهه النظر هذه واقتنع بها فيمكنه الحديث بلغتها على أن يدافع عنها.
[3]- الوجدان باللغة العربية أعمق وأشمل من كل ما جاء عنه فى هذا العمل الأقدم، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى “نشرات الإنسان والتطور” بالموقع مثلاً: نشرة بتاريخ 13-7-2014: ملف الوجدان واضطرابات العواطف” عن الوجدان”، وأيضاً النشرة بتاريخ: 9-2-2015…الخ
وحين لم أجد لهذا اللفظ الشمول العظيم ما يقابله فى الإنجليزية نحتّ له لفظ wijdun واستعملته فى فروض العواطف وأيضا فى وصف أبعاد مميزة تضاف إلى التشخيص التقليدى لكل مرض Wijdanic Dimension Non – wijdanic أنظر مقال: فى تصنيف الأمراض النفسية: “تعدد الأبعاد وجها لوجه أمام تعدد المحاور”. افتتاحية المجلة العربية للطب النفسى (1990)، وأيضا:
Revision of the Use of the Term “Affective” in Psychiatric Practice and Research. Egypt. J. Psychiat., (1990) 13: 135-137
[4]- النظرية التطورية فى الانفعالات (تطور الانفعال من الإثارة البيولوجية العامة إلى المعنى الفعل) نشرة “الإنسان والتطور” 29-2-2016 www.rakhawy.net.