نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 15-07-2020
السنة الثالثة عشرة
العدد: 4701
الأربعاء الحر:
مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)
مقدمة:
انتهى المقتطف السابق كالتالى:
الطالب: عندك عندك، لقد زودتها حتى كدت أفقد الخيط من يدى، أعنى من عقلى، فلا أتسلسل معك مثلما تتسلسل الأفكار حول الفكرة المركزية، ولكن ماذا عن الأفكار غير المركزية؟
(ملحوظة: وضعت هذه الأشكال من كتابى الأساس في الطب النفسى دون شرح قصدا، وعلى من يرغب في المزيد أن يرجع إلى هذا الرابط “نشرات الإنسان والتطور” الأساس فى الطب النفسى: ملف التفكير (النشرات من 2/2/201 حتى 19/5/2014)
(ونكمل الآن)
الفصل السادس: التفكير (2)
المعلم: هأنت ذا تسأل السؤال، فإذا أجبتك ولو إيجازا قلت عندك عندك.. وصحت شاكيا، طبعا توجد يا سيدى أفكار غير مركزية، وإليك بعضها قبل أن ترجع فى كلامك، فعندنا بالاضافة إلى الفكرة المركزية الأساسية:
1- الفكرة التابعة Following Idea، وهى الفكرة اللاحقة والمنجذبة إلى الفكرة المركزية والمـُـسـْـهـِـمة فى تحقيق الهدف الأساسى للفكرة المركزية، فى تناسق تلقائى.
2- الفكرة المتنحية الكامنة Latent Recessive Idea وهى الفكرة البديلة القائمة فى “الأرضية” Background مرحليا والمستعدة للشحن (فالفاعلية) بمجرد وصول الفكرة المركزية الأولى إلى هدفها، أو عجزها عن ذلك تماما.
3- الفكرة المعارضة Opposing Idea: وهى فكرة متنحية أيضا ولكنها مبعدة، وفى نفس الوقت فعالة بالسلب أو بالايجاب، (أى أنها قد تعوق الفكرة الأصلية المضادة أو تحل محلها كوقاية منها)، وفى الأحوال العادية تكون أقرب ما تكون إلى نقيض الفكرة المركزية الأولى المحتلة للشعور وتعمل إيجابيا كما ذكرنا بالتهديد باحتمال العكس فتثبت الفكرة الأولى المحتلة للشعور، وهى فى نفس الوقت فكرة بديلة جاهزة للعمل مثل الفكرة المتنحية، ولكن فى ظروف أكثر تعقيدا لا مجال لتفصيلها هنا الآن.
4- الفكرة الطفيلية Paracytic Idea: وهى التى تحتل الشعور أو ما قبله مباشرة أيضا فى نفس الوقت مع الفكرة المركزية، ولكنها لا ترتبط بها ولا تسير فى فلكها بل تشوهها وتعطلها (حتى ولو لم تكن نقيضها) وهى مسئولة جزئيا عن الربكة والغموض وعدم التركيز عادة.
5- الفكرة اللامركزية Acentral Ideae، وهى فكرة تتصف بأنها معارضة أيضا، وقد لا تكون طفيلة وهى بلا هدف ترابطى شامل، وإن كان محتواها الأصغر مترابط فى ذاته، وهى تظهر بشدة فى حالة العصاب الاجترارى Ruminative Neurosis وهى تحتل الشعور بنفس القوة التى تحملها الفكرة الأصلية المركزية تقريبا.
الطالب: ياليتنى ما سألت وياليتنى ما فهمت ما فهمته وهو الأقل، فهل هذا علينا فى الامتحان؟
المعلم: لا أظن أنه عليك فى امتحان آخر السنة، ولكنه عليك فى امتحان الحياة بلا شك.
الطالب: الحمد لله أن امتحان آخر السنة فكرة مركزية مؤقتة أسطح وليس لها أى علاقة بامتحان فكرة الحياة المركزية يا معلمى.
المعلم: ما أصدقك، وما اكبر مصيبتنا فى ذلك إذا لم نستطع أن نوصلهما ببعضهما، إذن فسيتفكك مجتمعنا كما يتفكك المخ إذا لم ترتبط أفكاره وتتسلسل.
الطالب: الواقع أنى رحت أتصور أنواع الأفكار التى تتحدث عنها مثل أفراد فى مجموعة لها قائد وأتباع ومعارضين وطفيليين الخ، وأحيانا كنت أتصور مجموعة الأفكار مثل المجموعة الشمسية.
المعلم: ما أذكاك والله العظيم، هل تعلم ان أفلاطون عمل نفس الفكرة الأولى فى بداية تقديمه لجمهوريته.
الطالب: الله يخليك، واحدة واحدة حتى لا نجد أنفسنا فى أثينا القديمة دون أن ندرى.
المعلم: ولم لا.. ياليت.. ولكن بأسلوب العصر.
الطالب: ..هل تعلمنى العلم أم الفلسفة؟
المعلم: قريبا لن تطرح هذا السؤال، وأنا لست مستعدا للتفضيل، ويمكنك أن تكمل هذا الموضوع فى مكان آخر(2) حيث تتعلم تطور الأفكار المركزية منذ الولادة من الانعكاس البدائى إلى .. المنعكس الشرطى، إلى الارتباطات الشرطية الاكثر تعقيدا، إلى الولاف الغائى…الخ.
الطالب: الله الله … الآن أفهم نقدك أو حتى رفضك تعريف التفكير بأنه “حل المشاكل”، وخلاص.
المعلم: ولكننى لم أرفض ذلك على طول الخط لأنه حل للمشاكل على مستويات وغايات متنوعة ومتصاعدة ومتبادلة.
الطالب: ولكن حدثنى لو سمحت عن أدوات التفكير ووسائله.. قل لى هذه الأمور البسيطة سهلة الحفظ الصالحة للامتحان.
المعلم: نحن نستعمل الرموز Symbols (واللغة هى رمز كلامى) بكل أنواعها، وكذلك الأشكال Diagrams والأشياء Objects، كما أننا إذ نستعمل الرموز نتعامل فكراً بالمفاهيم Concepts
الطالب: ولكن كيف تتكون المفاهيم؟ كيف نعرّف كلمة معينة تعريفاً سليما لتحمل معنـَـىَ ما؟
المعلم: هذه قضية طويلة بعض الشئ، وأساسا يـُـستحسن أن ترجع إلى بعض ما ذكرنا فى موضوع الإدراك، وعموما فإنها عملية تتطلب:
(1) التعرف على الصفات المماثلة فى عدة أمور أو أشياء.
(2) ثـُم استخلاص الصفة المشتركة.
(3) ثـُم تعميم أن من يحمل هذه الصفة يقع تحت هذا المفهوم، وأخيرا.
(4) ثـُم استبعاد من لا يحمل الصفة المشتركة.
(5) ثـُم العودة إلى تصنيف فرعى داخل هذه المجموعة ذاتها.
الطالب: إضرب لى مثلا تعمل معروفا.
المعلم: يا سيدى حين تعرف وتلاحظ أن كل الأعصاب فى التشريح لونها أميل إلى البياض والامتداد والاستقامة، تكون هذه هى الصفات المشتركة، فتقرر أن كل ما يتصف بهذه الصفات هو “عصب”، ثم تعود تصنف الأعصاب إلى عصب أساسى وعصب فرعى أو عصب دماغى وعصب سمبثاوى …الخ الخ، هذا هو تكوين مفهوم لما هو عصب، وأنت تستبعد فى نفس الوقت كل ما هو وعائى أو لحمىّ…إلخ.
الطالب: ولكن ذلك لا يكفى لأن بعض الأوتار تشبه الأعصاب.
المعلم: إذن فمفهوم العصب تشريحيا يحتاج لإضافة مفهوم فسيولوجى بشأن وظيفته .. وهكذا.
الطالب: ولكن تحديد المفاهيم صعب بلا جدال.
المعلم: طبعا بلا جدال، هل تذكر حين كنا نحتار فى تعريف علم النفس، أو التعلم، لقد كنا نبحث عن تحديد كل مفهوم، عن المفهوم الجامع المانع.
الطالب: الجامع المانع؟! تعنى ماذا؟
المعلم: نعم، المفهوم هو الذى يجمع الصفات المشتركة معا فى كيان واحد بذاته )الجامع(، وهو الذى يمنع )أى لا يسمح( دخول ما لا يتصف بهذه الصفات تحت هذا المفهوم، كما ذكرنا.
الطالب: يخيل إلى أن دراسة تكوين المفهوم، وصفاته هى دراسة نشأة اللغة.
المعلم: يا سلام عليك، لقد حاولت أن أتجنب ذلك خشية الإطناب، ولكنك تجرجرنى إليه جرا.
الطالب: لابد مما ليس منه بد، فهل تتصور أنى أستطيع أن أفهمك أو أتتبعك فى موضوع التفكير هذا دون أن نتطرق إلى اللغة؟
المعلم: إن ما يهمنى فى ذلك هو خطوات تطور اللغة بشكل خاص حتى تصبح الكلمة هى المفهوم الذى تتضمنه وهذا يمر بمراحل، وقد وصف أريتى وهو طبيب نفسى كما سبق أن ذكرت لك وليس عالم نفسى، ويبدو أنه يتبع إلى حد ما طريقتنا هذه فى البحث والتفكير، وصف سنة 1976 (3)ما يتعلق بما نقول فى ثلاث مراحل.
(ونواصل الأسبوع القادم).
[1] – يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – دراسة فى علم السيكوباثولوجى للمؤلف ص 373، 374، 375، 376.
[3] – أنظر الهامش رقم (26) صـ 112