نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 29-7-2020
السنة الثالثة عشرة:
العدد: 4715
الأربعاء الحر:
مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)
مقدمة:
انتهى المقتطف السابق كالتالى:
الطالب: ماذا؟ ماذا؟ العواطف تفكرِّ؟
المعلم: انتظر حتى نأتى لموضوع الوجدان وهو الأسم الذى أفضله عن لفظى “العواطف أو الانفعال”
الطالب: حاضر حاضر خلنا فى التفكير وأبعاده
ونكمل اليوم
الفصل السادس: التفكير (4)
المعلم: إن كفاءة التفكير تتوقف على
(1) كيفية تناول موضوعه.
(2) ومدى الدوافع الحافزة له.
(3) كفاءة استعمال الخبرات السابقة.
(4) ومدى المعلومات المتاحة حول المشكلة.
(5) وأخيرا: وضوح المفاهيم والأدوات المستعملة فيه لاستبعاد الإعاقات الانفعالية والعاطفية.
الطالب: لقد فاتنى أن أسألك عن أنواع التفكير حين قلت منذ قليل “اللهم إلا إذا كان ذاتيا أو خياليا” وكأنى أعرف ما هو التفكير الذاتى وما هو التفكير الخيالى.
المعلم: لا أستطيع أن أهرب منك أو أقول “أى كلام”، وهذا عيب اختيارى لك طالبا “ذكيا”، وعلىّ أن أتحمل مسئوليتى، إسمع يا سيدى:
التفكير هو التفكير السليم الذى ذكرنا، وهو التفكير الموضوعى الخالى من “شوائب” العواطف وتداخلها، وهو الترابط وإعادة الترابط والإفادة من العلاقات وصنع الجديد الهادف منها، هذا هو الذى يستأهل أن يسمى تفكيراً، أما ما دون ذلك فإنه تداخل بين التفكير وبين وظائف أخرى، ومع ذلك ومن أجل خاطر عيون الامتحان فإن تقسيم التفكير يعتمد على الزاوية التى نراه منها، فإذا نظرنا إليه من زاوية الطريقة ذاتها التى نتبعها ونحن نمارسه: لأمكننا أن نميز:
(1) النوع البسيط وهو الذى يربط بين مخزون الذاكرة وما يصل من معلومات، وكأنه الادراك، فهو يكاد ينطبق على الادراك الأبسط بشكل أو بآخر.
(2) ثم النوع الذى تغلب فيه المحاولة والخطأ على المستوى العقلى، وهو شديد الشبه بما أسميناه التعلم البصيرى، فى حديثنا السابق عن التعلم والاختلاف الوحيد هو ان هذا التفكير البصيرى يستعمل ما سبق أن أسميناه التعلم البصيرى، وينتج عنه فى الظروف الحسنة تعلم أيضا من نفس النوع الذى نعتبره نوعا من التجربة والخطأ على المستوى العقلى، وعموما فإن هذا النوع من التفكير يربط بين الخبرة السابقة، والحاضر المعيش حالا، وبعد النظر المستهدِف غاية بذاتها، وهو يتبع منهج الفرض والاستنتاج Hypothetico-deductive
الطالب: بصراحة لقد اختلط الأمر علىّ، حين اختلط الادراك بالتفكير بالتعلم، ولن أسألك مرة ثانية لأنك ستجيب أن هذه هى طبيعة علمنا وأن الأمر يتوقف على زاوية رؤيتنا وعلى لغة حديثنا، حفظتـُـكَ حتى اليأس، أكمِل أكمِلْ وأمرى إلى الله.
المعلم: إذا أردنا أن ننظر إلى التفكير من زاوية الذاتية والموضوعية لقلنا أن هناك
(1) التفكير المتمركز حول الذات Egocentric وهو عاطفى ومتميز، ونقيضه هو
(2) التفكير الموضوعى Objective، وهو خال من التأثر بالانفعال ومن التعصب، ويسمح بالمراجعة، ويعتمد على الحقائق، وعلى أقل قدر من الذاتوية.
الطالب: إنى لا أتصور – بصراحة – تفكيرا لا يصطبغ بكل ما هو ذاتى.
المعلم: عندك حق، حتى أن كلمة “الموضوعية” أصبحت أملا أكثر منها واقعا ممكنا، والحديث الآن يجرى عن الذاتية المنفردة تماما وهى المرفوضة غالبا، فى مقابل الذاتية المتبادلة Intersubjectivity، معتمدين على الاتفاق بين أكثر من ذات حول ظاهرة ما، حتى أُقـِـرَّتْ هذه الطريقة كبديل نسبى عن الموضوعية، واعـْـتـُـبـِـرَتْ صحيحة معلوماتها على قدر ما تتميز به الذوات المتفقة عليها من موضوعية فى نوع وجودها.
الطالب: لا لا … عندك، لا استطيع أن أتابع ولا حرف مما تقول.
المعلم: يا سيدى، فى علمنا هذا بالذات، تكاد تكون الموضوعية المطلقة من المستحيلات، ألست معى فى ذلك؟
الطالب: حسب فهمى: معك.
المعلم: فنحن نلجأ إلى أخف الأضرار، وهى أن يكون الباحث ذات نفسه من نوع جيد.
الطالب: نوع جيد؟ وهل هناك باحثون من نوع سىء أ ومضروب؟ ما هذا؟
المعلم: رجعنا إلى السخرية؟
الطالب: ماذا أفعل لك؟ تقول باحث من نوع جيد، ثم ما لهذا ولحديثنا عن التفكير الموضوعى.
المعلم: ألست أنت الذى قلت أنك لا تتصور تفكيرا لا يصطبغ بما هو ذات، وقد وافقتك على ذلك، إذن لابد أن نتفق على ماهية الموضوعية فى التفكير، وعلاقتهما بآلة القياس، وهى هنا الإنسان ذات نفسه، فإذا قلت من “نوع جيد”، فإنى أعنى إنساناً – عالما كان أو غير ذلك- أكثر موضوعية، أى أنه يستطيع أن يكون أقل تعصبا، وأكثر سمعاً لما يقال ومراجعة لما يرى، وتقبلا للاختلاف، وممارسة للدهشة، واحتمالا للجديد وكل ذلك يجعل تفكيره، وخاصة إذا تبادله مع آخر، ياحبذا من نفس النوع البشرى سالف الذكر، أكثر موضوعية، ويـُسمى ما يتفقان (أو يتفقون عليه) صحيح بالاتفاقية أو التراضى Consensual Validity
الطالب: الله الله!! سنتوصل إلى العلم ونكتشف المعرفة بعقود “القسمة والتراضى” و”الأغلبية الديمقراطية”، أحسنتم والله، ومع ذلك فأنت تهز تعصبى لفكرى، وثقتى به، حتى اكاد أختل.
المعلم: الشر يبعد عنك، ويحفظ الله عليك شجاعتك وذكاؤك معاً، فهاتين الصفتين هما اللتان تسمحان باستمرار حوارنا.
الطالب: ترشونى بالمديح ثانية، إستمر ولا يهمك.
المعلم: آخر تقسيمة للتفكير قد تقابلها فيما يتصادف بين يديك من كتب هى ما ينظر إليه من جهة اتصاله بالواقع
(1) فالتفكير الواقعى Realislic هو شديد الشبه بالتفكير الموضوعى سالف الذكر
(2) والتفكير المثالى Idealistic Thinking هو شديد البعد عن الواقع والقرب من عالم المُثـُل صعبة – أو مستحيلة – التحقيق، وهو يرضى الذات ويحسّن منظرها أمام صاحبها، ولكن فاعليته أقل بكثير
(3) التفكير الخيالى Fantastic وهو التفكير المبتعد عن الواقع أيضا ولكن دون حتم كونه مثاليا من عدمه، وقد يكون مرتبطا بتحقيق الأمانى فى عالم الخيال Wishfulfilling Thinking، وقد يسمى التفكير الأمِل أو الذاتى Autistic حيث تتحكم فيه العوامل الداخلية والدفاعات الخفية (الميكانزمات) تحكما مطلقا.
الطالب: ألم تذكر لى منذ قليل نوعا أسميته “ذاتويا” وأظنك ترجمته Egocentric، ثم ها أنت ذا تتكلم عن النوع الذاتى وتسميه Autistic، أرسنى على برٍّ حتى لا أرتبك.
المعلم: حاضر حاضر يا سيدى، الصعوبة فى اللغة والترجمة، ولكن ينبغى أن تعذرنى وتعذر لغتنا فى مرحلتنا هذه وهى تقتحم مختلف مجالات العلم اقتحاماً، وهى غنيه ومرنة وقابلة للتعديل ولكن الأوصياء عليها أوقفوا تطويرها، وعموما فأنت قد ألتقطت التشابه، أو على الأقل التقارب، وهذا طيب، واعذرنى فى اجتهادى فى الترجمة إلى لغتنا الجميلة.
الطالب: ربنا يسهل ويأتى اليوم الذى تدرسون لنا بها، ونمتحن بها، ربما نقترب أكثر مما نريد، وينبغى، وينفع الناس.
المعلم: من فمك لباب السماء.
[1] – يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net