نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 8-6-2016
السنة التاسعة
العدد: 3204
الأربعاء الحر
رمضان: مقتطفات مؤلمة وإفاقة لازمة (1)
(1) هى محجبة مهذبة، أقول لها وهى آتية للاستشارة (المتابعة) بعد الكشف الأول: نعم تستمرين على نفس العلاج، ولكن لتكن الجرعات بعد الفطور والساعة العاشرة مساء، وبعد السحور بدلا من ثلاثة مرات يوميا نهارا، فترد: ولكنى لا أصوم يا دكتور، فأتساءل خيرا: لماذا؟ فتقول لأننى مريضة، فأسأل وهل أجزتُ أنا لك الفطور سيدتى، أم أنك تذهبين لطبيب غيرى فى نفس الوقت؟ فتقول أبدا، ولكن هذا بديهى، قلت لها: ما هو البديهى؟ هل أجاز لك طبيب مسلم غيرى الإفطار كتابةً فى “روشتة!” بعد سؤاله فتقول: ولماذا أسأله فيما هو بديهى، وهل الله يحتاج لشهادة بشر ليكون البديهى بديهى فأقول لها: المهم لو كتب أحدهم مثل ذلك أرجو أن ترفقى الروشتة فى طيات الكفن وسوف ترين!!!.
(2) هو شاب (من نادى الجزيرة جدا) يقول لى – فى العيادة- أنه ملتزم جدا لولا الظروف، ولا أسأله عن معنى الالتزام، ولا ماهى الظروف، لكنه يردف تلقائيا شارحا، حتى أنه ذات يوم “عمل رمضان” ( هذا هو تعبيرهم بالفرنسية صيام رمضان on fait ramadan )، وأنه ظل متماسكا حتى نهاية النهار، لكنه لم يستطع أن يؤجل عطشه وكان “القرآنيست” (2) يكاد يتم قراءته قبيل المغرب، لكنه لم يستطع أن يصبر، فشرب ليروى عطشه قبل المغرب بنصف ساعة (وهذا هو دليل التزامه!) ولم أسأله عن تلك الظروف التى لولاها لأكمل اليوم وانتظر حتى ينتهى ”القرآنيست” من تلاوته.
(3) هو مدمن يصر على أن المسألة كلها غصبا عنه، فإذا كان لا يستطيع أن يؤجل حاجته للمخدر فكيف أطلب منه أن يؤجل حاجته للأكل والشرب، فالتعاطى غصبا عنه، والإفطار وأشياء أخرى لا يستطيع “أبدا أبدا”، الاستغناء عنها أبدا
(4) هو جالس والساعة السادسة ملىء بما يمتلئ به مثله، وجهه مورد وريقه يجرى، فأتغاضى ولا أسأل عمـا إن يبد لى يسؤنى، ولكنه لا يتغاضى هو بل يتمادى ويستأذن أن يشعل سيجارة، فأعترض، وأذكره أن التدخين ممنوع عندى فى أيام الفطور فما بالك فى رمضان، وبديهى أن يتدرج الحديث إلى معنى هذا كله فى أيام الشهر الكريم، وصاحبنا يقول ببساطة أنه يستطيع أن يمتنع عن أى شىء إلا التدخين ولم تكن الفتوى التى أصدرها رجل طيب بأن “التدخين لا يفطر” وقد ظَهَرْت، هذه الفتوى فى تقديرى …. بحسن نية حتى يحرج من أصدرها – غفر الله له – مثل هذا البدين ألا يحتج بالأفطار بالأكل والشرب تحت زعم مثل عجزه السابق الذكر عن التوقف عن التدخين
(5) هو جندى المرور فى الطريق الصحراوى، يوقفنى ويطلب منى الرخص، فأسأله أهى لجنة عادية أم أننى تجاوزت السرعة، فينفخ وهو يزغر لى أن أعطيه الرخصة دون سؤال وأن أرحمه يرحمنى الله، فنحن فى رمضان(!!) والحكاية ليست ناقصة فى هذا الحر، ولا أعرف هل كان رده على سؤالى البسيط سوف يفطره أم سوف يرهقه أكثر مما يحتمل صيامه.
(6) يطلب منى الزملاء الأصغر الذين أقوم بتدريبهم والإشراف عليهم والتدريس لهم صباح كل أربع وخميس فى قصر العينى أن أؤخر لقاءنا الصباحى ساعة كاملة أسوة بكل العاملين فى القطاع الحكومى وغيره، وأحاول أن أزوغ من الاستجابة لطلبهم، وأقول لهم رأيى إن تعديل مواعيد العمل فى رمضان بهذه الصورة (سواء فى الحضور أو الانصراف) يفسد علينا معنى الصيام والإلتزام والاحترام، ويجعل الصيام أقل حضورا وفاعلية، ولا يقتنعون، وأرضخ.
وبعد
يشغلنى كل ذلك من قديم ولا أجد أنه تحسن بمرور الزمن، بل لعل العكس هو الذى حدث
وأشعر أننا فى حاجة إلى موقف آخر من العبادات والعادات والوقت والعمل،
وإلا فلا إفاقة ولا حضارة ولا إيمان ولا عرفان ولا حمد!
[1] – حوالى النصف الأول من هذه النشرة سبق نشره فى الصحف اليومية او الأسبوعية تحت عناوين مختلف مثل: “من مفكرتى الرمضانية” أو ذكريات رمضانية، أو ما شابه، أما النصف الأخير فهو تحديث مؤلم أيضا.
[2] – هذا هو نص اللفظ الذى وصف به “المقرئ”