نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 7-2-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3812
الأربعاء الحر:
أحوال وأهوال (83)
العين الثامنة
نايم فى العسل
تمهيد:
تكاد تكون هذه الحالة تطبيقا مباشرا لما أسميناه “تسول الحب”، يتجلى ذلك هنا فى موقف علاجى محدد، يكاد يعرض مقارنة حادة بين العلاج النفسى الفردى التسكينى بالكلام، وبين العلاج الجمعى المواجهى النمائى Confrontation Growth–Oriented Group Therapy .
هذه الحالة بوجه خاص، كانت لها تاريخ طويل فى العلاج النفسى الفردى معى، أنجزتْ من خلاله درجة معقولة من التكيف، والتسكين حتى تخرّج صاحبها من كلية قمة، واختفت الأعراض البادئة. ثم إنه قرر بوضوح أن يواصل العلاج الجمعى، باعتبار أنه مرحلة لاحقة تفيده فى استكمال النمو، حسب ما سمع، خاصة وأنه – بتخرجه – لم يعد فى حاجة إلى جرعة زائدة من آليات الدفاع العامِية، وقد كان صادق النية فى أن يحاول وأن يكمل.
الذى حدث هو العكس تماما، فقد عرّت تجربة العلاج الجمعى المواجِهِى الجرعة المفرطة من الاعتمادية التى ربما اعتادها صاحبنا أثناء العلاج الفردى، وقبله، لكنه أصر على مواصلة المحاولة، وكلما تقدم فيها، أكد موقف “المتفرج” دون مشاركة، وازدادت ميكانزمات العقلنة والاعتمادية، حتى صار واضحا للجميع أنه لا ينوى أن يتقدم إن لم يتراجع.
كان صاحبنا شاطرا تماما فى وصف ما به، بل وما بغيره، كما كان حاذقا فى الإعجاب بما يجرى حوله فى المجموعة العلاجية من محاولات وتجارب، ومفاجآت مخاطر، لكنه كان دائما يحمى نفسه بمزيد من الطلبات من موقف سلبى متلق، بلا محاولة جادة من جانبه لأى حركة نحو التغير الكيفى الحقيقى.
كان صاحبنا مثابرا منتظما فى حضور اللقاءات كلها تقريبا، دون أى تغيير من جانبه، وحين تكررت المواجهة، وتعرى موقفه أكثر فأكثر، بدأ العدوان الاحتجاجى يحل محل المقاومة الاعتمادية، ليختم تجربته بالاحتجاج على قائد المجموعة، معالجه القديم، وكان احتجاجه موضوعيا منبها، مؤكدا ما ذهبنا إليه فى العلاج النفسى بأنواعه، من ضرورة ضبط جرعة الرؤية الجديدة، لتتناسب مع فرص احتوائها، وظروف واقعها، على مسار النمو.
المتن أيضا تعرض لمقارنة مباشرة – ساخرة – ما بين الاقتصار على العلاج بالتسكين والضبط والربط باستعمال العقاقير أساسا، وبين العلاج التكاملى الذى يستعمل العقاقير دعما لمسيرة النمو بجرعات متغيرة حسب مسيرة الحالة كما ذكرنا دائما.
(1)
والعيون التـَّانـْيـَه دى بتقول كلامْ،
زى تخاريف الصيامْْ؛
الصيام عن نبضِة الأَلـَم اللى تِـبْنى،
الصياْم عن أىَّ شئ فيه المُـغـامْـرَهْْ،
الصيام عن إن لازم كل بـنِـى آدم يـِفَتّح،
مش يتنَّـح
الصيام عن أى حاجة فيها إنى: عايز أكونْْ:
زىّ خلقةْْ ربنا”
(2)
العيون دى صرّحت إن صاحبنا
عمره ما حايعلن يسيبنا
بس شرطه يَتّنه نايمْ فى العسل، عمال بيحلَم،
بَسْ عامل نفسه بيحاول، ويتكلمْ، ويحكُـمْ
شرطِ إنه لمْ يخطّـى أو يِسلّـمْ
مشْ على بالُه اللى جارِى،
”كل همّه، يستخبَّى أو يدارى”.
وان وَصلُّه، غَصْب عَنُّهْ
يترمى سْطيحَهْ ويُطْلُبْ حتّه مـِنُّـهْ:
شرط إنه يجيله فى البزازة دافْيَةْ، جَنْب فُمُّهْ.
(3)
كان صاحبنا حلو خالص فى الكلام
كان بيتفرج، وهوه بعيد تمام،
كل ما نديله حتـّه، يترسم ويقول كمان.
عايز أخطى، بس شرطى، فى الأمان
كان مركـِّـز عاللى كان واخد عليه
لما كان بيحكَّى للى شافُهْ “بيهْ”:
كلٌّه “مين”، و”زمان” و”ليه”!!
شيخ طريقة أو حكيم ما اعرفشى إيه
قالُّهْ سمَّعْنَا كمان حبّةْ نغَمْ: كِيدِ العدَا،
يا سلامْ!! هوا جوّاك كلّ دا!؟
أنا نِفْسِى ابقَى كده؟
بس حبُّونِى كمانْ.
حُط حتُّهْ عالميزان.
أصلِى متعَّود زمانْ:
إنى انام شبعان كلامْ
(4)
”يا أخينا مِدّ إيدك
يا أخينا هِـمّ حبَّـهْ.
الحكاية مِش وِكالة بْتَشتِرِى منها المَحَبّةْ”.
قام صاحبنا بانْ كإنه مْش مِمَانـِعْ،
بس قاعد ينتظر “بِنجِ اللذاذة”
كلّه دايب فى الإزازة.
رضعة الحب اللى جىّ جاهز ودافى
رضعه كامـِلـَةْ إلدّسم، سـُكـّـرها وافى !!
(5)
والمعلّم صْبُرهْ بحباله الطويلةْْ،
قال “لابد أشوفْ لُه حيلهْ”:
قال لـه يا ابنى تعالى جنبى
إنت تطلب، وانا البّى،
راح صاحبنا معرّى جوعه، نطّ كل اللى مْدَارِيهْ
عرضحال كاتب جميع ما نـِفـْسُه فيه:
”.. بعد موفور السلام،
نِفْسِى حبِّةْ حُبْ .. أو حتِّةْ حقيقهْ،
نفسى أفْهَمْ فى اللى جارى ولو دقيقهْ،
نفسى أعرف فى اللى بتقولوا عليهْ،
نفسى اشوف دا إسمه إيه”
(6)
المعلّم قالّه: “ماشى، يالله بينا”
- يالله بينا!!! يالله بينا؟ على فين؟
دانا مستنى سعادتكْْ.
روح وهاتْْ لى زى عادتكْْ
أى حاجة فيها لذّة،
الكلام الحلو، والمنزول، ومزّة.
أنا أحكى، وانت تتصرف براحتكْْ.
أنا تِعْـجِـبـْـنـِى صراحْـتـَكْ،
إٍوعَى تزعلْ منّى: دنَا عيّل باريّل،
لسَّه عندى كلام كتير أنا نفسى اقولـُـهْ ،
عايِز اوْصف فى مشاعرى وإٍحساساتى،
واقعد اوصفها سنين،
مش حا بَطّلْ، خايف ابطّلْ،
لو أبطّل وصف فى الاحساسْ حَاحِسّ،
وانا مِش قد الكلام دهْ
(7)
المعلم قالُّه: شوفْ لَكْ حد غيرى،
جَنْبِنَا دكّانة تانيةْ،
فيها “بيتزا” مِالّلى هيَّهْْ،
أو “لازانْيَا”
فيها برضكْ وصفهْ تشفى مالعُقدْ،
إسمها “سيبِ البلد”
فيها توليفةْ حبوب من شغل برّة
تمنع التكْشيرهْ، والتفكيرْ، وْتمِلاكْ بالمسرّة.
فيها حقنةْ تخلِّى بَالَكْ مِستريحْ.
تِنتشِى وْتفـضَلْ مِتَنَّحْ.
فيها سرّّ ما يِتْـنـِسِيشْ.
إنـه “مِشَ لازِمْ نعيش”!!
(8)
قام صاحبْنَا إِنْقَمَصْ، بسْْ ابْتَسَمْ.
قالْْ عليكْ نور يا معلم،
(بسّ انا مش ناوى اسلِّم.)
قال لـِنَفْسُهْ مشْْ حاشوفْ غير اللِّى انا قادر أشوفه.
هيـّـا لعبهْْ؟
هوه عايزنى أكون من صنع إيده!!!
واللى بيْقُولُهْ، أعيدُهْْْ!!
إنما بعيدْ عن شوارْبُـهْ،
مشْ مِصـَـاحْبُهْ
حا نزل اتدبّر شُؤونى
وسط هيصةْْ الناس حاَضِيـعْ
لما أصِيعْْ،
زنقة الستات ألذْ.
مالِحقيقه اللى تهزْْ.
بس ياخْسَاره مانيش راجل يِسـدْ،
والنِّسـَا واخداها جَدّ
”النِّسَا عايزالْها راجل يِملى راسها،
مش يبيع روحه لِها علشان ما باسْها.
النِّسَا عايزهْ اللى عيبُه مش فى جيبه، وماشِى حالُهْ،
عايزهْ واحد يِنْتبه لِلِّى فى بالها،
زى مايشوف ما فى بالُهْْ،
النِّسَا عايزهْْ اللى يعرف امتى بيقولْهَا “انّ لأَّه”،
أيوه “لأهَّ”، بس “لأهَّ” ليهَا بيهَا
عايزهْ واحد تحِتويهْ، بس تضمن إنُّه قادرْ يِحتويَها”
وانا مش قد الكلام ده!!
(9)
كله منَّكْ يا مِعلمْ:
ليه تفتَّح عينىٍ وِتْوَرينى نَفْسى؟
ليه تلوَّح باللى عمره ما كانْ فِى نِفْسِى؟
واحده واحده، كُنت هَدِّى،
قبل ما تْحَنِّسْنِى ، يعنى، بالحاجاتْ دِى
ليه تخلِّى الأعمى يتلخبط ويرقص عالـسـَّلالـِمْ ؟
كنت سيبْنِى فى الطَّرَاوةْ، يعنى صاحى زى نايمْ.
داهية تلعنْ يوم مَا شُفتَكْ.
يوم ما فكـَّرت استريحْ جُوّا خيمتكْ.
يوم ما جيتلَكْ تانى بعد ما كنت سبتكْْ.
يا معلّم: إما إنك تقبل الركـِّاب جميعاً
اللى واقف، واللى قاعدْْ، واللى مِتشعبط كمان،
أو تحط اليافطةْْ تعلن فين خطوطْْ حَدّ الأمانْ.
كل واحد شاف كده غير اللى شايفُهْ،
يبقى يعرف إنه مِشْ قَدّ اللى عِرْفُهْ.
الكتاب الثالث: من وحى نقد العلاج النفسى
قراءة فى عيون الناس
(فقه العلاقات البشرية: خمسة عشر لوحة)
(تحت الطبع حاليا) ويطلب خلال شهر من مكتبة الأنجلو المصرية – بالقاهرة