اليوم السابع
الأثنين 28-4-2014
الأديان الجديدة فى مواجهة الإيمان المعرفى
انتشرت فى الآونة الأخيرة أديان جديدة بأسماء حركية براقة مثل “دين الديمقراطية (المستوردة “، و”دين حقوق الإنسان (المكتوبة)”، ودين “العلم المؤسسى ( باهظ التكلفة)”، و”دين الإعلام” (الموجَّه) وكذلك استعملت أسماء الأديان المعروفة فى غير موضعها لغير ما نزلت له، وبرجوعى مصادفة إلى أوراقى، وأنا أواصل اجتهادى، وجدت بعدًا آخر فى ديننا يستأهل الوقفة والنظر، فظهر هذا المقال:
إننا نفتقر إلى إحياء منهج للمعرفة هو الأصل، وهو الذى يميز ثقافتنا الحقيقية، فى الشارع والمسجد والكنيسة والأسواق عند من يعزق الأرض ويرمى الخرسانة، وليس بالضرورة فى المدارس الخالية من الطلبة والمدرسين جميعًا، أو فى الإعلام السطحى، أو فى منتديات ومؤسسات الثقافة، أو حتى فى مراكز الأبحاث الرقمية المغتربة أغلبها.
أنا لست فى موقع يسمح لى بالحديث عن الأديان الأخرى، لهذا سوف أقصر هذه المقدمة على الحديث عن بعض ما وصلنى من إسلامى، على سبيل المثال لا الحصر، علمًا بأننى أعتقد أن أى دين لم يتشوه يمكن أن يسرى عليه ما استلهمتُه من دينى، الذى أحمد الله على الاهتداء إليه، ولا أزعم لنفسى فضل اعتناقه.
مقدمة: مدخل إلى المعرفة
مهما بلغ حسن تصورنا لعلاقتنا بالدين والعلم، فنحن لا نواكب الأحدث فالأحدث من المباحث والنظريات، التى تتناول كلا من “الوعى الشخصى، والوعى البينشخصى، والوعى الكونى، والوعى المطلق إلى الغيب اليقين”، ولا التى تتناول تركيب المخ البشرى وكيف يعيد بناء نفسه باستمرار، ولا أحد حتى المختصين يتابع مباحث “الإدراك الأشمل والأعمق” التى صححت اختزال نشاط ما نسميه عقلاً ونضعه أعلى من قدراته، رغم ثبوت قصوره ولا أقول عجزه، وبالتالى توقفت معرفتنا عند مرحلة تجاوزتها المناهج الأمينة التى تتيح لنا أن نقترب ولو قليلا من عمق وعى إيمان أغلب ناس شعبنا، لنتعرف على دوره فى المعرفة، حتى لا نقصره على مجرد “تطبيق الشريعة”، أو نخنقه فى الفتاوى الهامشية المختلف حولها، أو نفسره بعلم انتهى عمره الافتراضى.
وإليكم بعض ما عثرت عليه فى أوراقى:
(1) الإسلام الحقيقى ليس تعصبًا، إنه يمثل جـَّماعا ختاميًا لوحى متكرر يمثل خلاصة مسيرة الإنسان فى علاقته بالكون إلى الله سبحانه، فهو يحتوى ما سبقه بقدر قد يسمح له أن يمثل فى أصوله وُلاَفاً لمفهوم الإيمان عبر التاريخ المعروف للإنسان.
(2) الإسلام ليس معتقدًا ثابتًا (أيديولوجيًا) بل هو “إدراك يتجدد”، مع كل عبادة، وكل تسبيح: كل ثانية، فى كل خلية.
(3) الإسلام ليس طمأنينة ساكنة، والإعلاء من ترادف الإسلام مع “النفس المطمئنة” هو أمر يقلل من الالتفات إلى دور الإسلام فى حركيته وقدراته التطورية التصعيدية، وألاحظ أن كثرة ممن يرددون هذه الآية الكريمة لا يلتفتون بقدر كاف للآيات الواردة بعدها، والتى تكاد تشترط على النفس المطمئنة لدخول الجنة أن تدخل “فى” عباد الرحمن ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، ما أروع لفظ “فى” هنا وعلاقته بالوعى الجمعى فالكونى فالمطلق إلى وجه الحق تعالى.
(4) الإسلام “موقف” قبل أن يكون شريعة أو أيديولوجيا، وهو يشترط حمل مسئولية الحياة كلها لكل الناس، وهذا يتواكب مع حمل أمانة الوعى المتضمنة امتحانات الاختيار وممارسة الحرية وحتمية الجهاد المستمر، والإبداع المتجدد.
(5) الإسلام منهج معرفى يستعمل “الإدراك” أكثر بكثير من وظيفة التفكير ( الذى يترادف أحيانًا مع كلمة “العقل” ) والإدراك له علاقة وثيقة بإبصار وبصيرة القلوب التى فى الصدور، وشعار أن الاسلام “دين العقل” ينبغى أن يتطور ليكون “الإسلام دين كل العقول التى فى الجمجمة والجسد (والقلوب التى فى الصدور!)”
(6) الإسلام ليس فقط ما يدعو إليه الأصوليون وبالذات فى مجال السياسة، ولا هو ما يهاجمه السَّكـْلـَريـُّون (العلمانيون) فيبعدونه خوفًا من رجاله، حتى هّمشوه إلى نشاط سرى فردى يمارس فى الظل “بعض الوقت”.
(7) الإسلام دعوة للتعلمّ بالتقوى، وهى طريقه فينومينولوجية إدراكية عملية، وليست درْوشة سلبية، وهو يدعو للقراءة المعرفية الشاملة على كل المستويات، القراءة ( ليست مجرد فك الخط) التى تتجاوز السجن التفكيرى، والعقل الظاهر، إلى كل قنوات المعرفة، وعقول الإدراك والتطور.
(8) الاسلام مبنى على توحيد مطلق ينفى كل شرك، مع التذكرة بأن التوحيد المعرفى والسلوكى والوجودى، يتضمن رفض الشرك بكل صوره، بما فى ذلك رفض الوصاية على كلام الله من خارجه، شكلا أو محتوى، علمًا أو فتاوى قديمة معجمية، ناهيك عن الشرك بكل الآلهة المصنوعة من مال وسلطة وبنين وبنات وجوائز…إلخ.
وبعد
أكتفى بهذا القدر الآن، لأترك مساحة لسؤالين اثنين مؤقتًا:
السؤال الأول: أين موقع هذا الرأى بين الوسائل المعرفية العصرية؟ سواء فيما يتعلق بما يسمى العلم، أو فلسفة العلم، أو فيما يتعلق بالإيمان وعلاقتنا بربنا، مع الأخذ فى الاعتبار كل قنوات المعرفية وفى نفس الوقت رفض ما شاع عن ما يسمى “التفسير العلمى للقرآن، أو للدين”، حتى لو زعم أهل ذلك المنهج أنهم يروّجون للإسلام بما يتصورونه علما، وهم لا يفعلون إلا أنهم يختزلونه ويقزمونه؟
السؤال الثانى: أين يا ترى تقع مسئولية من يستعمل كلمة الإسلام ليل نهار هذه الأيام، دون أن يخطر بباله ما خطر ببال واحد مسلم عادى مثلى، يرجو لقاء ربه ويطلب رحمته، ليساهم فى إنقاذ أمته، بدءًا بوطنه ، مسئولا عن كل الناس من كل ملة ودين، عبر العالم ؟
“وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ.”