الافتتاحية (1)
د. يحيى الرخاوى
(1)
ليس كذلك طبعا،
ولا نحن نعرف كيف يكون هذا غير ذلك
ولا بد أن يكون الخطأ فى رئيس التحرير، بل هو كذلك
هل الطموح أكبر من الإمكانيات؟
هل نزيد من جرعة “النفسية” عما زدناه فعلا ؟
هل ننتظر أكثر كما نحن هكذا؟
هل نزيد من جرعة حسن الإنصات للمتلقي: المراسل ، والصامت على حد سواء؟
هل نظل نلقى الكلمات التى نزعم أنها قادرة على التحريك، نلقيها فى الوعى ، ثم نأمل خيرا، وننوع على المثل العامى القائل “إعمل الطيب، وارميه فى البحر” ([1])، منقول” أشعـل الكلمات واخترق بها الوعي، ودع ما يكون”،
وهل ما “يكون” هو الحكم على ما نفعل، أم على ما نستحق، أم على ما يمكن؟
أى والله فكرة، “دع ما يكون”، شريطة أن تكون فاعلا “هنا والآن”
وهل الحياة الصحيحة إلا هكذا، مرة أخرى :
أشعل الكلمات.
واخترق بها الوعى ودع ما يكون
أظن أن مثل هذا هو الذى يجعل واحدا مثل “أنور عبد الملك” يكتب كل أسبوعين يوم الثلاثاء فى الأهرام. يكتب ليقول لنا بكل عناد وتفاؤل شديد الإيلام أن كونفوشيوس سوف يقابل أبى ذر الغفاري، ويدعوان إنجلز ويعملون هذه المجلة “أحوال مصرية” “غديوة”([2]) فكر، فـفعل (سياسى اقتصادي) فبديل عن النظام العالمى الجديد
وحين ظهرت “مجلة سطور” بكل هذه الجدية والشجاعة استبشرنا خيرا
كذلك رحبنا فرحين بصدور مجلة “أحوال مصرية” بكل هذا الهم والأمل، وعقدت جمعيتنا (التى تصدر هذه المجلة) ندوة، ناقشت فيها هذا الأمل الذى لوحت به هذه المجلة أحوال” مصرية”، و نأمل أن ننشر موجز هذه الندوة فى عدد قادم، وإن كانت لنا ملاحظة بادئة تقول: طبعا، ومقبول أن يكون العدد الأول غير العدد الثاني، ولكن ليس إلى هذه الدرجة، المهم الاستمرار.
ولكن إلى متى تظل الكلمات فى ازدياد، والأمل يلوح ويختفي، والتفاؤل يؤلم ويتحدي، و.. وفقط؟
الصحف تصدر، والمجلات تحاول، والأحزاب تضرب تقلب، ولا رأى عام، ولا مظاهرة تقول للواى “آي” أو “يا باي” أو أى شئ ، وها هما السيد عمرو موسي، والمخلص أسامة الباز يقومان عنا بكل العمل، وكل ما علينا هو أن نقرأ تصريحاتهم ،و”نقر عينا”، ولكن الخوف كل الخوف أننا ونحن نقر عينا، نحن “الشعب”، نموت نتيجة ضمور عدم الاستعمال، المشكلة التى تشغل ممثلى الشعب فى مجلس الشعب هى المقابلات والتعيينات والبطاقات (الكروت) والتوصيات، فى نفس الوقت الذى كانت تتم فيه التنازلات، والتوسعات (فى المستوطنات) والتهويد، والتبليه (تصنيع البلهاء) تجرى على قدم وساق.
كل الأحزاب التى أجازتها لجنة الأحزاب – وأولها الحزب الوطني- ليست أحزابا
الأحزاب الحقيقية غير موجودة أصلا، الموجود هو بعض الناس الطيبين(أو الأشرار) الذين لهم صحيفة، ويجتمعون مع بعضهم البعض، فى أى مكان إلا فى مجلس الشعب، ويكون الاجتماع للحزب الأكبر (الأوحد من الناحية الفعلية) للاتفاق على تقسيم الغنائم، ويكون الاجتماع للأحزاب النقية حسنة النية للاتفاق على مواصلة الصبر والأمل (مش يمكن ؟)، ويكون الاجتماع للأحزاب الباقية للاختلاف حول الرئاسة والصحيفة والمعونة والمعلوم من الداخل والخارج ، وأحيانا لتفسير الأحلام (أى والله).
وقد خطر لى أن الأحزاب الحقيقية فى هذا البلد يمكن أن تصنف فى خمسة:
(1) أحزاب تدينية (وليست بالضرورة إيمانية أو دينية) (2) أحزاب صحفية
(3) أحزاب مؤسسات اقتصادية (علنية وسرية) (4) أحزاب رياضية (5) أحزاب طرق صوفية.
وبما أن هذه المجلة ليست سياسية فى المقام الأول، بل هى ليست سياسية أصلا، فإن المقصود بهذا التقسيم هو أن نعيد تعريف ما هو حزب، وكيف يؤثر ذلك على سلوك الفرد فالجماعة فالدولة ، ولا بد أن نعرف الحزب بشكل يبعدنا عن السياسة مادامت السياسة لم تعد من تخصص الناس، وإنما هى الشغل الشاغل للحكام فقط !!!!
الحزب – فى تصونا نحن الإنسان والتطور- هو تجمع عدد من البشر لهم مصالح مشتركة، فى بقعة جغرافية، وأن هذا التجمع له فكر عملى إذ يرسم تخطيطا واقعيا يمكن، إذا تتابعت خطواته، أن يحقق هذه المصالح المشتركة، لهذه الفئة أساسا، ولجموع الناس ضمنا.
ولكن الموجود على الساحة السياسية تحت اسم أحزاب هو شيء آخر. ربما يدل على إبداعات الشعب المصرى الخاصة والفريدة التى هبطت عليه مؤخرا بطريق سري.
نعم، إن الأحزاب الحالية تتميز أيضا- دون سائر أحزاب العالم – أنها تنازلت عن أهم ما يميز الحزب السياسى الحقيقى وهو محاولة الحصول على الأغلبية، (من أين يا حسرة)، وبالتالى العزوف عن أى محاولة لتولى الحكم، لأن مثل هذه المحاولة – فى مصر المحروسة – تسمى “قلب نظام الحكم” . لذلك فإنى أتصور أن الأحزاب الخمسة التى اقترحتها سالفا هى أولى باسم “حزب” من الأحزاب السياسية الحالية.
خذ عندك الأحزاب الصحفية مثلا: أليست مؤسسة الأهرام حزبا ذا سيادة فى كل شيء من أول وسائل الطباعة حتى علاج العاملين؟
ثم خذ عندك حزب المقاولون العرب ، إنه ليس حزبا فحسب، بل لعله أصبح الدولة الأولى بالرعاية، وهكذا.
أما الأحزاب التدينية فهى الأغلبية العظمى فى هذ البلد رضينا أم لم نرض، ليس لأننا شعب متدين، مع أننا كذلك والله العظيم، ولكن لأن هذه هى اللغة الأسهل، ، فما أسهل أن تتكلم فى الدين كأنه السياسية، مثلما يتكلم د. مصطفى محمود فى الطبيعة كأنها تنزيل الوحى الخاص عليه شخصيا.
وتتجلى الأحزاب الدينية فى صور شتى من أول اجتهادات المخلصين المفكرين المجتهدين الذين غلب غلابهم حتى لم يجدوا هوية إلا فى دينهم، ولتكن السياسة بعض ذلك ، حتى المنتفعين النفعيين بالثللية وتبادل المنافع الخاصة جدا.
ولهذا الحزب التدينى العملاق لجان فرعية بلا حدود: فثمة لجنة التدين الشكلى (بالحجاب واللحية وما يستتبعهما دون التزام أحيانا بالصلاة فالله سبحانه غفور رحيم) ولجنة التبرك بالقرآن الكريم (دون حمل أمانة مسئولية تنفيذ وإبداع قول ربنا ثقيلا رائعا واعدا ملزما) وثمة لجان فرعية أصغر تابعة للجنة التبرك هذه مثل لجان العلاقات الخاصة بالجان ، ولجان التحريم والتفريق، ولجنة الأحجبة، ولجنة زواج المسيار، ولجنة لتغيير تحية الصباح حتى يكف الشعب المصرى عن قول “صباح الخير” وهكذا.
هذا مجرد تفصيل عابر عن أكبر الأحزاب الحقيقية الذى ينتظر على أحر من الجمر حتى تسود الديمقراطية فيعلن إسم مرشحه الأوحد، وهو يوهم البسطاء أنهم بانتخابهم إياه إنما ينتخبون الله ضد الشيطان .
أعلم الاعتراضات التى يمكن أن تنبهنى إلى أننى أتكلم عن “مجموعات”، أو عن “نقابات” أو عن “جمعيات” وليس عن أحزاب بالمعنى السياسى المعروف، وهذا يطمئننى لأنه يثبت أننا – نحن الانسان والتصور لا نفهم فى السياسة أصلا، ولا نعرف الفرق بين حزب صحيفة الأهرام، وجمعية رعاية المكفوفين، كما لا نعرف الفرق بين حزب المقاولون العرب ونقابة التشكيليين، ولا بين حزب نجيب ساويرس وحزب قهوة البستان، خير وبركة، إذن فنحن نثبت بذلك أننا لا نفهم فى السياسة، وبالتالى فنحن لا نتكلم فى السياسة، نحن ننبه فقط إلى أنه لا يمكن الحديث عن وجود حزب من الأحزاب إلا إذا سمعت اسمه بطريقة تلقائية فى مقهى بلدي، أو فى حافلة، أو فى حرم الجامعة، سمعت اسمه ليس كوسيلة للتوظف أو التوسط أو ما شابه، ولكن كممثل لفكر بديل يمكن أن يساهم فى حل المشاكل العامة، فأين هذا مما يجرى حولنا؟!
لابد من الاعتراف أننا نحتاج وقتا طويلا قبل أن نتصور أن هامش الديمقراطية الذى لا شك فى وجوده، لم يعد هامشا، بل طريقا رئيسا يمكن أن يؤدى إلى ظهور أحزاب حقيقية، ولكن واقع الحال، وزيادة تشرذم الناس بين أشباه الأحزاب التى ذكرنا، وبين المدن الجديدة المغلقة على أصحابها، وبين الجماعات المغلقة على أعضائها، هذا الواقع يقول إن هذه الأيام: إن ما يشغل أغلب النساء حقيقة وفعلا ، هو التصالح مع الجان الذى ركبهم، أما ما يشغل الرجال فهو زواج المسيار.
فى مثل هذه المجلة يهمنا أن نعلن أن الشارع السياسى خال وصامت، على الرغم من أن الشارع السياراتى العشوائى التجارى الشطاراتى يضرب يقلب، كما نشهد أن الحكومة تجتهد تكنوقراطيا طول الوقت، تصيب كثيرا (هكذا يقولون وخاصة فى المجال الاقتصادي) وتخطئ أحيانا، ولكن من هى الحكومة؟ بختك يا بو بخيت، إذا تصادف أن وزيرا للتموين أو للكهرباء كان أمينا ونشيطا ومهموما، فهى أجدع حكومة، وإذا جاء وزير ووزير و وزير كذا أو كذ، ولا مؤاخذة ، فعينك لا ترى إلا النور، وحلنى على ما يقدر الرؤساء الطيبون أن يصلحوا الحال، أما الناس فهم منفصلون تماما تماما عما يجرى ينتظرون فرج الله، ويحمدونه على الستر وعلى ميزات الرئيس الفائقة، المعجزة، وعلى أمانة رئيس الوزراء وجهده وذاكرته التى ليس كمثلها ذاكرة، أما البحث عن آلية للتغيير، أو مؤسسة كبديل، فهذا هو أخطأ الخطأ وأخطر الخطر.
والصحف القومية تصبرنا حينا، وتعايرنا أحيانا بهذا المسمى هامش الديقراطية، وأنا بصراحة أحب هذا التعبير “هامش الدميقراطية ‘ إذ أنه يبدو أن إفراز هذه الأحزاب الكاريكاتيرية، والديكوراتية هى النتاج الطبيعى للسير الديمقراطى على الهامش طول الوقت؟
واقع الأمر أن كل هذه أمور مؤلمة أكثر منها مدعاة للسخرية، وليصدقنى القارئ فأنا أتألم وأنا أكتب هذا الكلام ربما أكثر منه وهو يقرأه، لأن حجمه يفاجئنى وأنا أخطه الآن، وإنى لأتعجب كثيرا، وأعجب فى نفس الوقت، من إصرار زميلنا سكرتير التحرير فريد زهران على أن يؤلف حزبا، أو يحيى جماعة أصبحت مقوماتها أبعد ما تكون عن نشأتها، جماعة السبعينيين هؤلاء الذين أسهموا بما أسهموا فى السبعينيات، ثم عادوا يأنس بعضهم ببعض، وهذا حقهم، وإذا بهم ينشئون ما يشبه الحزب السلفي، على غرار أحزاب “حقوق الإنسان”.
والآن، ومن واقع تخصصنا البعيد عن السياسة، ما معنى أن يذكر هذا كله فى هذه المجلة هكذا ؟
وردا على ذلك نقول: بما أن هذه المجلة تدعى الانتماء للتطور فإن كل ماسبق قد أفرز منذرات سوف أكتفى فى هذا العدد بتعداد بعض عناوينها لا أكثر، لأن الحديث فيها سوف يستغرق كل عمر المجلة، وأسرد بعض هذه المنذرات – من واقع شخصى أساسا- وأنا أتلفت حولي، كما يلى :
(1)تزايد الموقف الكمى الاستهلاكى على حساب الإبداع والنقد ونوعية الحياة
(2)إفراغ التعليم من وظيفته التربوية، وضياع هيبة المعلم ، مثلما ضاعت هيبة رجل البوليس([3])، وهيبة الدولة (فيما عدا الرئيس) وكل ذلك يدل نفسيا (لا سياسيا) على اختفاء “دورالأب”، فمن أين لنا بكونفوشيوس وسيدنا إبراهيم يا عمى الدكتور أنور عبد الملك؟
(3) التمادى فى شراء الأسلحة على الرغم من إعلان وتحديد أن آخر حرب قد تمت بالسلامة، ودمتم !!!!!!(وفى البلاد العربية، الغنية الشقيقة ، تشترى الأسلحة من قبيل الوجاهة وبهدف تجميل مانشتات الصحف، و إثبات كفاءة التخزين ..إلخ)
(4) زيادة الكلام الكلام الكلام على حساب الفعل اليومى المستمر (ترى هل صدور هذه المجلة يندرج تحت ذلك؟)
(5) هجمة ثورة المعلومات دون تدريب على مهارة الانتقاء، واقتصاد الوقت
(6) الاستمرار فى تشويه الدين: إما بالجمود الغبي، أو بالشطح غير المسئول
(7) ظهور أديان جديدة تحت مسميات غامضة، فعندنا الآن دين يسمى “العلم” ،وآخر يسمى “حقوق الإنسان” وثالث يسمى “الديمقراطية”.
(8)تخثر العلاقات البشرية بما فى ذلك العلاقات الزوجية والعلاقات الجنسية
وأوقف نفسى قسرا حتى لا أبدو كالمعددة (من العديد) لأعلن بكل ألم حقيقة مسئولية التفاؤل، وأحاول أن ألتمس بعض علاماتها من موقع شخصى أيضا
1-ظهور هذه المجلات الجادة الواحدة تلو الأخري، ليس لإضافة كلمات جديدة أو حتى فكر جديد، وإنما لحفز موقف جديد أملا فى عمل جديد
2-اختفاء الخدم من المنازل وندرتهم، وإذلالهم لأسيادهم أحيانا (ويشمل ذلك مظهر جانبى وهو استيراد خدم أجانب، على الرغم من مخاطرهم على نشأة الأولاد) بما يشير -حتما إلى تحسن الحالة الاقتصادية التى لم تعد تضطر الأهل لتشغيل بناتهم وأولادهم (بلقمتهم).
3-انتباه الشباب إلى اغتراب المثقفين، والأساتذة ، والمهنيين بدرجة أو بأخري.
4-ظهور منظومات قيمية جديدة، ليست كلها سلبية، مثل أن الشاب يريد أن يعيش لا أن يحمل لقبا، أو أنه يريد أن يكسب لا أن يستجدي، أو أنه يريد أن يرى بنفسه لا أن يخطر بالمفروض والحادث والأصول.
5- ظهور نوع طيب من الالتزام الديني، دون تشنج تعصبى أو انحراف سلوكي.
6- تخليق لغة جديدة، ولن نتطرق فى هذه العناوين إلى صلاحية هذه اللغة أو أنها “بيئة:’ من عدمه ولكننا نشير إلى أن مجرد تخليق لغة هو تجاوز رائع لجمود الألفاظ الثابتة العاجزة القديمة (مع اعتراضى تماما على اللغة الفرنكوعربية، ولهذا تفصيل آخر)
وأكتفى بهذا القدر من التفاؤل المرهق، والتماس زحف أطفال النور وسط غلبة أشباح الظلام لأنتقل إلى كلمات عابرة عن أحداث الأشهر الثلاث:
1- زادت، وتزيد أعباء رئيس الوزراء، شكرا، ولكن كيف؟ وإلى متي؟
2- يقولون – أكثر من مصدر- أن أحوالنا الاقتصادية قد تحسنت، لعله خير
3- عقدت هذه الاتفاقية المسماة “الواي” فملكنى شعور خاطئ (إن شاء الله) أن اتفاقية أخرى قد عقدت فى نفس الوقت (أو لعلها اتفاقيات)
4- استشهد شابان عربيان فى انفجار سيارة القدس لأن العبوة الناسفة كانت فاسدة وغير كافية. خطأ بسيط، أليس كذلك؟ يعترف به المسئول فى الجهاد، ولوكان حدث مثله فى أى مكان للإنسان فيه قيمة لهز عرش كلينتون أو مس تاتشر شخصيا، وقد خفت كل الخوف أن يحجم زملاء هؤلاء الشهداء الصغار (الأمل الوحيد المتبقى لحفظ كرامتنا) أن يحجموا عن التضحية فالاستشهاد ما داموا يزودون بمتفجرات “فشنك”
هل نسينا أننا لا ننتمى إلى الدولة أو الجماعة إلاحين تحافظ علينا وتعمل لحياتنا قيمة؟ إن رعب كلينتون من أى هجمة على العراق ليس لأنه قد يقضى على مائة ألف مدنى عربي، ولو على سبيل الخطأ، ولكن لأنه قد يفقد جنديا أمريكيا واحدا
إن إسرائيل تظل تتفاوض عددا من السنين لتسلم جثة طيار مقابل مائة رأس حي
هل علمتم كم يساوى إنساننا، وكم تساوى جثثهم؟.
هل علمتم لماذا لا نحارب، ولماذا لا ننـتمي؟
ثم نقول عن هذا العدد:
يتصدر العدد هذه المرة الفصل الأول من ترجمة د. عادل مصطفي، وهو من المساهمين الأوائل فى تحرير هذه المجلة، لكتاب “رولو ماي”، بعنوان: مدخل إلى العلاج النفسى الوجودي”، وقد كنا دائما نتجنب مثل هذا التسلسل الحلقاتي، إلا أن أهمية الكتاب، وجمال ودقة لغة المترجم أرغمانا على الترحيب به شاكرين مقدرين آملين أن يزول اللبس الذى أشاعه المسطحون الخائفون من كلمة “وجودي”.
ثم لا بد أن نرحب بوجه خاص بدراسة ضيف جديد-سامح عبود- وهو يعزف على الوتر الذى يؤكد لنا ما يميز هذه المجلة باعتبارها مجلة النقد فعلا، وأن همها هو المنهج، ونحن لا نقدم لأى كاتب فى المجلة بالجمـلة التقليدية بأن هذه آراؤه وهو مسئول عنها وأنها لا تمثل – بالضرورة – رأى المجلة.. إلى آخر هذا التحذير الخائف الذى لا يعنى فى النهاية شيئا بصفة عامة، والذى قد يخل بموقف هذه المجلة بصفة خاصة، فنحن مثلا لا نتفق مع سامح عبود فى رعبه مما كان يسمى “الميتافيزيقا”، ففى الوقت الذى أعطى سامح للخرافة حق التطور فى سياقها التاريخي، وكذلك العلم طبعا، فإنه توقف أمام الميتافيزيقا رافضا إياها رفضا مبدئيا خالصا، مع أنه – من وجهة نظرنا- قد آن الأوان للنظر فى إعادة تعريف الميتافيزيقا، هذا إذا احتفظ اللفظ بأحقيته فى الاستمرار، فبعد أن امتدت الفيزيقا إلى ما لا يمكن إدراكه، أصبح التساؤل واجبا عما يعنيه اللفظ “ميتا” (بعد) بالنسبة لهذا التطور الهائل لما هو فيزيقا، وقس على ذلك ضرورة مراجعة ذلك فى مجالات الفلسفة واللاهوت والتاريخ وغيرها.
ويتأخر مقال الدكتور أحمد صبحى منصور عن موقع الصدارة، حتى يمكن للقارئ أن يستعد لتلقى الدراسة الشجاعة بعد تسخينه بما تيسر مما هو أخف وأحني، ومهما اختلفنا حول تفاصيل هذه الدراسة فإننا نلاحظ جميعا ذلك القدر الهائل من حب الإسلام والرغبة فى أن يظل هذا الدين المتين محتفظا بنقائه وقدرته على التطور، ولو صح بعض بعض ما جاء فى هذه الدراسة لأقبل الناس على دينهم كما ينبغى لما ينبغي، بل لدخل آخرون فيه أفواجا، فجارودى إنما أسلم على دين الإسلام الذى يعرفنا به أحمد منصور لا الذى يسجننا فيه من لا يفهم أبسط قواعد المنهج، نعم يمكن – على الرغم من الاختلافات – أن يعود للإسلام وجهه المشرق المستنير، ليحل موثقا بعلم منصور وجارودى وغيرهما – تدريجيا -محل الدين المحاكاة، والدين التسطيح، والدين التعصب، والدين التجارة، والدين السمسرة. يارب عونا.
ويختتم د. إيهاب الخراط ترجيع رعود مولانا النفري، بقراءته المسيحية الموازية التى تحفزنا أن نستلهم قراءات موازية أخرى مسلمة وغير ذلك، لتصب جميعها فى غايتها الإيمانية النابضة فى رحاب الكون على طريق التكامل البشرى الخلاق.
ويرجع باب حالات وأحوال إلى أصله مؤقتا فلا ينشر هذه المرة لعبة علاجية، وإنما يقرأ حالة خاصة يبين فيها دقة المريض وبصيرته بالمقارنة بمعتقدات المحيطين ودورهم فى الإسهام فى إحداث المرض، والأهم فى استمرار المرض بشكل أو بآخر.
ويحضرنا الصديق جاد الرب، فنهلل فرحين، وإن كنا لا نجد جديدا محددا إلا إصراره العنيد الذى يجعل كل ما يعيده جديدا حتما، ثم إنه يكفى أن نستعيد حوارنا معه أول عدد من هذه المجلة حتى نشعر أننا لم ننطفئ ولا هو، أهلا جاد. ونكتفى بهذا الحوار بديلا عن الرد على مشاكل القراء التى لم تصلنا هذا العدد، ونحن فى انتظارها دائما.
ويقدم باب “مقتطف وموقف” هذه المرة خدعة إشكالة تحرير المرأة (بالهرب والحرمان).
ويناقش باب إعادة قراءة مصطلح قديم قضية الانحراف الجنسى وما إذا كان موجودا أصلا: وماذا يقول، وما الدلالة، وماذا بعد؟ كما يناقش باب للتذكرة والتصحيح بعض ألاعيب المؤتمرات الدعائية شبه العلمية الموظفة اجتماعيا وغير ذلك.
وأخيرا يقدم باب النقد دراسة فى “خالتى صفية والدير” ربما بمناسبة استلهامها ومسرحتها فى مهرجان المسرح التجريبي، ولعل كاتبها يعتذر بها عن كتابة الفصل الأخير فى دراسة “أصداء السيرة الذاتية ‘ الأمر الذى قد يتأخر أكثر مما يتوقع القارئ لأسباب كثيرة.
أما الأصول الإبداعية المتواضعة، فهى قليلة هذا العدد، لكننا فرحون بها جدا، هؤلاء أصدقاء يعرفوننا، مثلا ياسر نصار لا يبخل علينا بفيض من النبض الصادق وكأنه يقرأ داخلنا، وسهير صبرى تكتب بالعامية الفصحى كتابة أسمتها “ومضات”، وهى كذلك
وكل ضيوفنا أصحاب بيت . . شكرا.
[1] – انظر مثل وموال هذا العدد ص : 48 وما بعدها.
[2] – الغديوة فى بلدنا هى أن يحضر كل عيل فى سيالته ما تيسر من طعام أعدته أمه، وأن يخرج كل واحد ما أحضر ويضعه وسط المجموعة ويأكلون جميعاً، وكان الغنى يحضر بيضا مسلوقا وأحيانا فطيرا مشلتتا، والفقير يحضر بصلة وعيش بتاو ثم نأكل جميعا دون أن نعرف من أحضر ماذا.
[3] – انظر مقتطف وموقف ص 63 ومابعدها.