حـوار
أو كنظام الحوار
….. بعض الذى حدث أثناء فترة الصدور الكامن لهذه المجلة، أن أحد الزملاء رأى أن يواصل حوارا مع من اعتاد أن يديره هنا – رئيس التحرير- ولم يكن هناك ربط مباشر بين باب الحوار الذى كان يجرى هنا، بدءا بالصديق الكريم محمد جاد الرب، منتيها بالسماحى ووفاء خليل ومحمد شعلان وآخرين، وكانت وجهة نظر زيد، أن هذه الجمعية وهذا العقل المصري، ينبغى أن يكون “فى المتناول” فى شكل آخر أبسط وأكثر مباشرة، غير الندوة الثقافية التى تعقد شهريا بانتظام منذ 1980، وغير الندوة العلمية التى تعقد بانتظام شهريا منذ 1989، وغير جلسات العلاج الجمعي، وغير الشائع عن ما هو “صالون ثقافي”- مجرد عقول مصرية، شابة أعلنها(بالتعريف الأشمل لما هو شاب)، قليلة العدد، ملتهبة الوعي، وباب مفتوح، وحركة دائبة مع وحول عقل مجرب، لا يكف عن المحاولة بأكثر من أسلوب.
قلنا: ليكن.
وما المانع؟
وبدأنا نجتمع كل يوم أحد، ساعتين بعد الظهر، كنا ثلاثة، فأربعة فثلاثة فخمسة، فستة فثلاثة وهكذا. ولم نتوقف أبدا، أسبوعيا منذ حوالى ثمان أشهر، ولعل كثيرا من الفضل فى عودة هذه المجلة للصدور العلنى يرجع لهذه اللقاءات المنتظمة.
فلما رحنا نعد هذا العدد العادى من المجلة، وافتقدنا باب الحوار، قلنا نوجز ما كان فى هذه اللقاءات فى شكل حوار مـتخيل، على أن الأسماء الواردة غير حقيقية إلا إسم من تفضل فخلط الخيال بالذاكرة وأسهم فى هذه المحاولة. وهما اثنان فقط حيث لم يسعفنا الوقت لنعرض هذا الخيال على بقية المحاورين ليتخيلوا أو يردوا أو يصححوا- لكن الفرصة قائمة فى الأعداد القادمة لمن شاء منهم أو من غيرهم.
وإليكم ما لم يكن حرفيا، لكنه كان:
-1-
شكرى: ما هذا الذى نعمله
ى. الرخاوى: أنت الذى اقترحت، ونحن نجرب، وقد اعتدت ألا أقول لا، وإن كنت أخاف من حكاية الصالون الثقافي، فأنت تعرف علاقتى بالثقافة، وبالصالونات، أضف إلى ذلك أن مهنتى كطبيب نفسى تحرمنى من الحضور العادى بين عقول متحركة، فكم تمنيت الذهاب إلى قهوة باب اللوق أو قهوة ميدان التحرير، ومن قبل قهوة ريش، وكم خفت أن أعامل بصفة تحرمنى من نفسي، وقد قبلت اقتراحك هذا باللقاء الأسبوعى لأننى أعرف أنك تعرف كل ذلك عنى.
شكرى: طبعا، ولكن مادمنا قد اعتدنا ألا تكون المسألة ليست كلاما وآراء، فأظن أنها لقاءات عمل وليست دردشة أو ترويحا.
ى. الرخاوى: دعنا نرى.
عدلى: المصيبة أننا ما زلنا نمارس هذا التحوصل الذى نكاد ندور فيه حول أنفسنا ولكن……..، ماذا عن حزب سياسى جديد .
ى. الرخاوى: نعم نعم؟!!!
عدلى: حزب سياسى.
ى. الرخاوى: لست فيها كما تعلم، لا أتقن هذه اللغة، ولا أعرف طريقها، رغم إيمانى بأنها الواقع الضرورى المر، أنا أومن بأن كل عمل جاد، هو عمل سياسى 100%، لكن حزب بمعنى تشكيل ولجنة أحزاب وصحيفة وانتخابات ؟ فى مصر ؟ الآن؟ لا ياعم، إن كنت تنوى هذا من هذا اللقاء فقد أخطأت العنوان.
عدلى: لا أقصد ما فهمته تحديدا، لكن إذا كان لأى حركة، أو مجموعة، أو حتى فرد، توجه حقيقى نحو إسهام فى تغيير حقيقي، فهى لا بد أن تصب عاجلا أو آجلا فى تجمع سياسي، والتجمع السياسى فى صيغته الشرعية هو الحزب.
ى. الرخاوى: كل مهيأ لما خلق له ولا يقدر على القدرة إلا الله، ثم هذه هى الجمعية أضفنا إلى اسمها المتخصص (الطب النفسى التطوري) صفة “العمل الجماعي”، ألا يكفيك هذا الإعلان “عمل” و “جماعي”، والجمعية تعقد ظاهرة حسب التساهيل، ندوة شهرية، وتصدر مجلة كامنة.
شكرى: ومع ذلك فالإسهام أقل القليل، والتوجه غامض، والفاعلية تكاد تكون معدومة،
ى. الرخاوى: أليس الأولى بنا أن ننجحها أولا، ألا تمثل تجمعا شرعيا يتيح الخدمات والتحريك والتوعية والإبداع؟ هل قمنا فيها بما ينبغى حتى نقفز إلى ما هو سياسى الآن هكذا، ثم إنى أذكرك ونفسى أننا لسنا هنا تحديدا لنتكلم فى السياسة، وإلا سنقلب اللقاء إلى ركن استمناء عقلى آخر لتزجية الوقت، وإلقاء اللوم .
عدلى: إذن نتكلم فى ماذا إذا لم نتكلم فى السياسية، والدنيا تضرب تقلب، والشباب ليس له هوية، والذقون تزيد عددا وطولا، والحجاب أصبح مقررا فى كل مدارس الأقاليم وكل عقول الرجال والنساء، مسلمين ومسيحيين وكفرة.
ى. الرخاوى: أظن معك حق، ولا بد أن أعترف أن تفاؤلى قد بدأ يهتز، أتأكد من ذلك حين أقارن، حين أتذكر نفسى سنة 1973، ثم سنة 1980، ثم سنة 1986 ، ثم الآن فأجدنى أكاد أتراجع فى كل مجال، صحيح أنى أعمل أكثر وأن وقتى أكثر ازدحاما، لكن هناك شيئا ما يزحف فى ثقل يجعلنى أكاد أقر أن زيادة الحركة لا تتناسب مع الأرض التى أقطعها نحو هدفي/هدفنا.
حلمى: وهل لا بد أن يتضح الهدف بهذه الصورة المحددة التى أكاد ألمحها فى كلامك
ى. الرخاوى: ألم يكن هدفنا دائما هو تحريك الوعي، لإعادة النظر، لإمكان الإضافة الإبداعية؟
حلمى: نعم ولكن كل ذلك ما زال موجودا فلماذا زعم التراجع.
ى. الرخاوى: عندك حق لا أظن أنى أتراجع، أو حتى أملك حق التراجع، لكننى أحسب أننى أعلن بعض الفروق بعد هذه الوقفة.
حلمى: لكننا لم نتوقف.
ى. الرخاوى: يعنى……!!
فهمى: بصراحة هى فرصة لجولة تحيط بالأحوال قبل أن نتساءل عن: إلى أين؟ وكيف؟، أو نتحدث عن التشاؤم والتفاؤل، الأمر فعلا خطير، المؤسسات تتآكل من الداخل، والعقول تطــارد من الخارج، والصفقات تعقد فى السر، وسلبيات التحولات العملاقة والمدمرة معا تغذى بعضها بعضا. أعنى أن هذا “البتاع المسمى بالنظام العالمى الزفت” هو ردة ما بعدها ردة، فماذا نحن فاعلون نحن الخمسة.
قدرى: نحن ال “كم”.
فهمى: نحن الخمسة.
قدرى: من نحن؟
فهمى: نحن مصر، “نحن؟… لا أعرف…..بصراحة…..
لمعى: إلى أين يتوجه العالم الآن؟إلى مزيد من التشرذم والقومية، مزيد من التعصب والانغلاق؟ أم مزيد من الأحلام والتخلي، ثم إلى أين نتوجه نحن الخمسة فعلا بما نفعله وما نحلم به؟ .
ى الرخاوى: أظن أن فعل” نتوجه” أصلا هو فعل ممنوع من الصرف الآن فى مصر، أحيانا أشعر أننا ينقصنا التوجه أصلا، كأننا محتوى بلا مضمون، تجمــع بلا وجهة، إن ما ينقصنا ليس فقط العمل بل الأمل، إننا حين نعمل بلا أمل نجف، وحين نجف نصطدم ونتحطم.
شكرى: تعنى المشروع القومى الذى يتحدثون عنه؟
ى.الرخاوى:لا أظن ذلك تماما، أعنى ما هو أبسط من ذلك، أعنى أملا يشغل بال كل واحد على حدة، وخاصة الشباب، ليس فقط أمل المكسب والمسكن والستر، ولكن أمل الشاب أن يكون، أن يضيف، أن ينتقل من طور إلى طور، أن يزداد، أن يتزود، هذا كله أكاد أفتقده الآن، ربما زادت عزلتى ولم أعد أرى إلا مرضاي، لكن لى أولاد وطلبة، وأكاد أقول ذلك من واقع كل شيء.
عدلى: والأمل فى الجنة.
ى.الرخاوى: جاء الكلام.
عدلى: أى كلام؟
ى.الرخاوى: المرة القادمة.
-2-
عدلى: مسألة الحضارة الغربية، وتحديها، ذلك الموضوع الملح المعاد، وموقف الإسلام الآن، لم أفهم موقفك من أن الإسلام قادر على الوقوف فى مواجهة إغارة الحضارة الغربية، أية إغارة وأى إسلام؟
ى.الرخاوى:هذا موقف تعرفه و قد تكلمنا فيه مليون مرة.
عدلى: نعم ومازلت أتساءل: لماذا هذا الإصرار على أن تصف فكرك هذا بصفة الإسلام؟ وهو ليس له أية علاقة لا بالإسلام الشائع، ولا بالإسلام المكتوب، ولا بالإسلام التشريع، هذه تسمية تعد ولا تفي، تلوح بلا معالم. وإذا أعلنت فكرك هذافأول الرافضين له هم المسلمون لا محالة، وربنا يستر ولا يضعوك حيث لا تحب.
ى.الرخاوى: بصراحة معك حق، لكن دعنى أعترف لك أننى لم أختر أن أسمى فكرى هذا إسلاما أو غير إسلام، أنا أظن أننى كنت أسجل واقعا ليس لى فضل فيه، فلا شك أنه قد تصادف أننى ولدت مسلما والحمد لله، دعنى أقول لك بأمانة أن الله ستر، ولو لم أولد مسلما لما عرفت كيف أكون مسلما حتى لو أردت، حتى لو حاولت، أكون مسلما مثل من حولى ممن يمكن أن يغرينى أن أكون مثله؟ أو يسمح لى أن أبحث فى فكره لأقتدى به؟ ياعم ربنا ستر لا أكثر، ثم خذ عندك إسلام جارودي، هو إسلام مكفر بكل فتاوى الأرض، جارودى هذا يستعملونه المسلمون من الظاهر، شئ هكذا أشبه بإعلانات شاى القويرى (على فكرة لا يوجد فرق بين أى شاى وأى شاي!!!)
عدلى: أليس الأكثر وفرا للجهد والوقت أن تقول رأيك الخاص دون صفة إسلام أو غير ذلك
ى.الرخاوى: أظن أن الأمانة تقتضينى أن أنسب الفضل لأصحابه، ومن أهم أصحاب الفضل على فكرى هم لغتى ودينى ، دينى هو الفطرة السليمة، وقرآنى ينزل على كل مرة أقرأه من جديد، ولا إله إلا الله ترحمنى من الأهداف الوسيطة والأهداف الكثيرة والأهداف اللاأهداف، وأخيرا فإننى لا أستطيع أن أعيش بلا امتداد، وإسلامى يعطينى هذه الفرصة: أن أمتد، فكيف أتنكر له وأسمى الأشياء بغير أسمائها.
عدلى: كل ما ذكرت ليس قاصرا على الإسلام على كل حال
ى.الرخاوى: فماذا أنا صانع إذا كنت قد استلهمته من إسلامى ومن لغتي، ثم إننى أكتشف أولا بأول الفروق بينى وبين الغرب من واقع الإيمان بالغيب (لا بالخرافة)، والامتداد فى الكون لا فى الولايات المتحدة أى الأمم المتحدة (إسم الشهرة)، ومن واقع وجودى الذى لا يستقيم إلا بالكل، ومن واقع التوحيد لواستطعت أن أمارسه فعلا يوميا ثم وجودا لحظيا، ليكن كل من يعيش مثل هذا مسلما، لكننى لست فى موقع يسمح لى بأن أزعم ذلك الموقف المائع أو المحتوى الذى يقوم بترجمة كل الأديان إلى دين واحد حتى لو كان هذا الدين هو الإسلام، و فى نفس الوقت لست مستعدا للتخلى عن إسلامى لمجرد أنه يشبه أديانا كثيرة يا أخى.
عدلى: ليكن، ألسنا هنا نكرر حكاية دراسة الجدوى: أيهما أجدى: أن ننهض بكل ما تقول وبغيره دون إسم، أم أن تسمى ذلك إسلاما وأول من يكبلنا ويعوقنا هم من احتكروا هذا الإسم لنصوصهم؟
ى. الرخاوى: بصراحة أنا لم أستقرعلى شيء، ولكن ألا تلاحظ أننا تتكلم وكأننا نحن الأربعة علينا مهمة مواجهة الحضارة الغربية برمتها، سواء بالإسلام أو بغيره، وكأن عندنا نظرة أو نظرية فى مواجهة كل هذا، وكأن هناك مواجهة أصلا، أخشى أن تكون القضية زائفة أصلا، أو أن تكون طعما يلهينا عن العمل التلقائى الموازى أو المتكامل، ثم أين الشباب من كل هذا، أنا أشفق على الشباب هذه الأيام بشكل مخجل لأننى أرجح أننى لا أختلط بأسويائهم بالقدر الكافي، كل من أتكلم معهم من صغار السن (المسمون شباب) هم إما كهول أكبر منى بعشرات السنين، وإما حيوانات تجتر اللذة بلا لذة، أفتقد فيهم الأمل الآن، بقدر ما أفتقد فيهم الحلم، الشباب لم يعد يحلم، تصور؟.
فهمى: يحلم بماذا؟ هذا التعميم الذى تزعمه خطير، حتى لو كان هو الصدق نفسه
الرخاوى: بصراحة أنا أشعر أننى أصبحت كهلا كلما سمعتــنى أو ضبطت نفسى أترحم على الزمان الغابر، وأنا لا أفعل ذلك تماما، حيث إنى مدرك مخاطر البدعة الأحدث هذه الأيام التى أسميها (الغزل فى الماضي)، (حكاوى القهاوي، ألحان زمان، كان ياما كان،( هناك شيء خطير ينبغى أن يوقف)، ومع كل هذا الحذر فأنا لم أعد أرى شبابا حولي، شبابا قادرا على أن يحتفظ بالحلم
عدلى: الحلم الحقيقى ليس بديلا عن الواقع، الحلم لكى يكون حلما كما تعني، أو كما فهمته منك، ينبغى أن يكون قادرا على التغيير بقدر ما هو لا يتحدث بلغة الواقع، وأحسب أننا نحلم، ونحلم جيدا، بل إن الصعوبة هى أننا لا نستطيع أن نكف عن الحلم، فأنا أحلم دائما بأنها ليست إلا فترة ثم تنصلح الأمور
الرخاوى: لكنها فترة إذا طالت مات الحلم.
منجى: وإذا تعجلنا ننكفئ.
نصحى: هل هناك حقيقة وفعلا قضية تجعل ما يسمى حوار الحضارات احتمالا مطروحا لدفع البشر؟، وهل يمكن أن نتصور صدق الزعم القائل أن صراع الحضارات قد حل محله حوار الحضارات، وماذ عن دورات الحضارات، ولماذا نتكلم أصلا عن الحضارات ونحن تحت حد الفقر الإبداعى أصلا
الرخاوى: بل يبدو أننا رغم كل المحاولات ما زلنا نفتقر إلى ماهو قبل الحلم وقبل الحوار، نحن نفتقر إلى نظام دولة، دولة حديثة لها قانون عام ووراءها شارع سياسي، إننا نردد كلمات مثل الديمقراطية للاستعمال الظاهرى لا أكثر، الديمقراطية هى أساس قيام أى بناء يسمى دولة، وفى نفس الوقت هى مظهر لوجود نظام يسمى كذلك “دولة”، ونحن ليس عندنا دولة بهذا المعنى الذى يسمح لهذه الكلمة وأشباهها أن يصبح لها مضمون حقيقى متفق عليه، الديمقراطية هى نتاج الحرية المنظمة وليست سببا لها، ينبغى أن نكف عن ترديد ما لم نحذق مضمونه جيدا، دعونا نتكلم عن الوعى والمشاركة، عن العدل والقانون العام، حين يسرى النظام على كل الناس حتى لوكان فاسدا ينصلح الناس وينصلح النظام، فإذا رجعنا إلى مسألة الحضارات هذه دعنى أعترف لك أننى متى سافرت إليهم انبهرت حتى خجلت، ووجدت نفسى أقرب إليهم من أهلي، ومتى عدت انتميت إلينا حتى شقيت، ووجدتنى أحمل همنا حتى لو وحدي، يبدو أن المسائل كلها تحتاج إلى مراجعة، لكن المصيبة أن المطروح على الساحة الآن هو ضبط التشكيل لا أكثر ولا أقل، هذه شدة على الحاء وتلك فتحة على الواو وهذه شدة وضمة وهكذا. ثم إنى فى سن الآن يسمح لى أن أعلن أن مؤسسات الدولة التى تصادف أننى عرفتها من الداخل مثل الجامعات ومراكز الأبحاث (العلمية) وغيرها، هذه المؤسسات قد أصبحت عبئا على الحركة، على النهضة، على الإبداع.
نصحى: لماذا تلقى فى وجوهنا كل هذا الغم الأزلى هكذا فجـأة؟
الرخاوى: ولا فجأة ولا يحزنون، إذا كانت المؤسسات مخلخلة، والشارع خال، فمن أين يأتى عكس الغم!!
نصحى: خال من ماذا؟
الرخاوى: خال من أى حركة حقيقية، خال من القوى الدافعة إلا قوى التشنج والظلام فى ناحية، وقوى الصوت العالى والوعود فى ناحية.
شكرى: هم يكتسبون أرضا باستمرار، هذه هى المصيبة.
الرخاوى: من هم، تعنى الغرب أم إسرائيل؟
شكرى: أعنى الجماعات.
الرخاوى: وهل هناك فرق؟ هم واحد حقيقة وفعلا، و أنا لا أميل إلى تكرار الزعم أن هدف الغرب هو تحطيم الإسلام وأن الحروب الصليبية مازالت مستمرة ومثل هذا الكلام، المسألة كلها هى أن مجتمع الكم والرفاهية اختلـت حساباته حين اكتشف أنه غير ممتد إلا بالعرض على أحسن الفروض، وأن مجتمع الرؤى والفقر تصور بعض آحاده أن رؤيتهم هى ثروتهم ورصيدهم، وأنهم بالتالى قادرون على الإسهام بفقرهم وصدق حسهم ليس فقط فى إنقاذ أنفسهم بل أيضا فى إنقاذ الأثرياء السابقين الأولين، لكننا حين هممنا أن نتجمع انقض علينا الماضى ، إما لضعفنا مع فرط الطموح، وإما بفعل فاعل، فانقلبت الرؤية إلى سخرية وتعال بلا أساس، وظل فقرنا وضعفنا هو الأمان الأكبر لمن نتصور أنهم أعداءنا.
عدلى: لهذا أصر أن الحل هو أن نتخلص من الفقر أولا، الحل هو فى النجاح الاقتصادى وليس فى الرؤية، وهذا ما يقوم به الناس الأقدر منا من تلقاء أنفسهم هذه الأيام.
الرخاوى: بصراحة أنا خائف، خائف أن ينتهى بنا التركيز على الفقر لنصبح مثلهم تماما (أهل الكم والرفاهية) ولا أعرف حلا لضبط الجرعة بين ضرورة الاحتفاظ بالرؤية المختلفة والممتدة، مع ضرورة التخلص من الفقر.
لمعى: مجتمع الكم والرفاهية، أليس هذا تعبير جارودي؟
فهمى: أظن أن هذا هو توجهه حقيقة، ولكننى لا أذكر ألفاظه؟
لمعى: وهل تعنى المجتمع الغربى تحديدا، أليست اليابان كذلك؟ أليست الصين تهدف إلى ذلك؟ ماذا يخيف فى الوفرة والرفاهية؟
الرخاوى: أولا إسمح لى أن أقول لك إننى أعنى اليهود، عندى فكرة ثابتة، خطيرة، أن اليهود هم الممثلون الحقيقيون لهذه الأزمة التى نعيشها فى مواجهة العالم الغربى أساسا
حلمى: تعنى إسرائيل، وليس اليهود .
الرخاوى: لا طبعا أعنى اليهود .
حلمى: اليهود دينا أم الصهاينة تعني؟ .
الرخاوى: لا يوجد دين إسمه الدين اليهودى أصلا، الدين اليهودى الحقيقى -بقدر ما وعيت وبلغني- هو الإسلام، (كذا المسيحية، وبالعكس) لكن هذ الدين الحالى فى إسرائيل وأمريكا والشركات المتعددة الجنسيات وشركات الدواء وشركات السلاح، هذا الدين المغلق على أهله الذى لا يسمح أن يدخل فيه حتى من كان أبوه يهوديا، الذى يجتمع فيه مجلس تشريع موقر يناقش تشريعا يحدد من هو اليهودى (وهو يبدو أسهل من تحديد من هوالعامل والفلاح للتأكيد من نسبةالـ 50% عندنا) هذا ليس دينا، لم يبعث الله دينامغلقا هكذا، الله سبحانه ليس عنده ثللية، لم يخلق الله جنة تختص بها ثلة سرية بعد أن التهمت الدنيا لحساب البعد عنه سبحانه.
عدلى: أليس منطقك هذا ضد اليهودية هكذا، هو تبرير ضمنى لقيام الجماعات عندنا، أليس الجزاء من نفس العمل، أليس صحيحا أنه لا يفل التعصب إلا التعصب، كما لا يواجه الدولة الدينية إلا الدولة الدينية .
حلمى: ثم إن هذا الخلط بين اليهود، واليهودية وإسرائيل والغرب يربكني
الرخاوى: ويربكنى كذلك ..
قدرى: إذن ماذا؟
الرخاوى: لا أعرف ..
-3-
فهمى: وبعدها فى أولاد الكلب هؤلاء، يبدو أنهم لن يأتوا بها لبر، وماذا نحن فاعلون بهذا الكلام وهذا اللقاء الأسبوعى المضحك، والناس تموت فى الشوارع بلا ذنب.
عدلى: لا أظن أن المصيبة هى موت الناس هكذا بالصدفة، فكل الموتى حتى الآن لا يكملون عدد ركاب عربتا داتسون نصف نقل تقع فى بحر وهبة بالفيوم، المصيبة هى فى أن مصر لم تعد مصرا، وأن هناك روحا تختفى ، وأن هناك جنونا ينمو ويكتسب شرعية جماعية، وأن هناك ملايين تتفرج وتنتظر،
فهمى: مسلسل يجرى أفضل إسم له هو على وزن” الجميلة والجسور” (الترجمة الأصح)
الرخاوى: هل يمكن حقيقة أن تصبح مصر ليست مصرا .
نصحى: دعهم يأكلون بعضهم بعضا
الرخاوى: وهل سيتركوننا؟
فهمى: لا يهم،
نصحى: ما هو جوهر المسألة، ولماذا لا يلوح حل فى الأفق؟
الرخاوى: جوهر المسألة عندى هو فى استمرار وجود هذا الشيء المسمى بالحزب الوطنى. حزب ليس له وجود، فهو ليس إلا نظام عبد الناصر الممتد تحت أسماء مستعارة، وديكورات مزركشة، وهذا الوجود الزائف يحتل مساحة هائلة من الحياة المعلنة، والنتيجة هى:فقد الأمل، وإجهاض الحلم.
نصحى: لم أفهم، كدت أحس أنك تلقى خطبة مثل خطبهم .
الرخاوى: حرام عليك يا رجل: أبصق من فمك يا شيخ، أحاول تبسيط رأيى: المسألة هى أنه منذ جمال عبد الناصر والناس تخلوا للسلطة عن كل شيء بلا مقابل، رهنوا، إرادتهم، وأقفلوا على وعيهم الخزانة .
عدلى: تساوى بين كل العهود بدءا بعبد الناصر، هل يصلح هذا التعميم؟ .
الرخاوى: صحيح هو تعميم خطر، لكن لى وجهة نظر، ذلك لأن الانهيار الأول مازال هو هو، وكل المتغيرات اللاحقة بعد ذلك هى تنويعات على اللحن الأساسي، الشارع خال إلا من صحف جيدة، ومرتزقة شطار، وشرطة سرية، وعقول خاوية، وبنادق جاهزة .
عدلى: أكاد أشم رائحة لهجة ضد كل ما نجلس من أجله، هناك إيجابيات بحق، إيجابيات تعلنها تلك الجهود الذاتية المتلاحقة فى الصناعة والزراعة وبعض العلاقات التجارية والفرص التقنية والخدمات الأكثر قدرة مما يسمى البنية التحتية .
***
(ثم توقف الحوار: الخيالى الحقيقي، فى انتظار المشاركة، عارضين رؤوس مواضيع ما شغلنا أثناء هذه اللقاءات وما نحسب أنه أيضا يشغله، وهاكم بعض التساؤلات:
1- هل عاد للجامعة أى دور من أى نوع الآن أم مستقبلا؟
2-هل مجرد اختفاء الحزب الوطنى – الذى لم ينشأ أصلا كحزب – قادر على تخليق حركة بديلة تملؤ الساحة؟
3- هل القضية التى أثيرت حول حد الردة هى دليل صحوة أم نذيرقهر؟
وهل يضر الإسلام حقيقة أن يرتد بعض معتنقيه، يضره لدرجة تفزع كل هؤلاء الناس؟
4 – وهل يرضى المسلمون أن يعامل من يعتنقون الإسلام من أديان أخرى فى الغرب أو غيره أن يحل دمهم من أهل دينهم قياسا؟ فكيف إذن سينتشر الإسلام إذا عومل الذين سوف يدخلونه من أديان أخرى معاملة المثل؟
5- وأين يقع البحث العلمى حالا وسط قيود المنهج، وعدم الاتقان؟
6-وهل يمكن لإيجابيات من يسمون أنفسهم جمعية رجال الأعمال أو جمعية مستثمرى رمضان أو لست أدرى ماذا، هل يمكن لإيجابياتهم التى بدأت تتجمع أن تجذب رجل الشارع رويدا رويدا حتى يتكون شارع سياسى تلقائى حقيقى له مصالح حقيقية معلنة.
7-وإلى أى مدى سوف يخدم السلام البادئ حركة الفكر والإبداع بالذات (تاركين تحديات الإنتاج والأسواق على جنب)
8-وما هو الموقف من إعادة طبع كلام قديم هو تنوير قديم، ألا توجد تفجيرات أحدث، تواكب الآن وتحمل مسئولية الغد، بدلا من إعادة طبع ونشر نصوص تصلح أولا تصلح،
دعوة ملحة فهل من محاور؟
*** *** ***
وخيال مشارك آخر:
قرر رئيس التحرير أن يكتب ما استقبل فى شكل حوار أو كنظام الحوار، وطلب إن كان لدى أى منا نحن الملتقين تعليقا أن يكتبه، وكنا بعد خروجنا من عنده عادة ما نجلس معا على مقهى أو ما شابه، فكان للقاء عادة امتدادات، فقررت أن ألحق بحواره بعض ما عشت معهم فى المقاهى .
”لأة”:أو كنظام الـ “لأة”
حلمى: ما هو الذى لأة هذه؟
محمد يحيى الرخاوى: كل شيء. شيء ما ينبغى أن يقال له لا، لست مستعدا لمحاولة إعادة صيغ قديمة فى ظروف جديدة، بل هى دنيا جديدة، سواء بنظام عالمى جديد أو بدون نظام أصلا. كما أننى منتبه بشدة لمحاولات التملص من الصيغة المنظمة فعلا، التى اتضح لى بحق أنها التحدى الحقيقى الأول، ولا أقول الوحيد وإن تمنيت أن أقولها، واللجوء لصيغ جمالية، قد يصح على المستوى الأدبي، ولكنه لا يصلح أبدا لمستوى التفاصيل التى تحتاج إلى تشريع. حتى صيغة هذا الحوار لا بد وأن تترجم إلى فعل مغير، ممتلئ بإدراك تفصيلى لواقع معاش، فعل متكامل. حين دعيت لهذا اللقاء الأسبوعى وذهبت، واطمأننت إلى أنه لقاء لن يقال فيه “إنت كويس وانت وحش”، أو “إنت شاطر وانت خايب”، قلت: خيرا، سنكف عن النظر إلى أنفسنا وسنبحث عن فعلنا. ولأنى أعرف يحيى الرخاوى فقد عرفت أن الأمر لن ينفصل عن فعل ما، أى فعل يا أخى.
حلمى: وها هى الإنسان والتطور فعلا فى طريقها للصدور، ثم إنى شخصيا أعتبر أن مجرد لقائى مع من هو مثل يحيى الرخاوى ليتحفز وعيى وأتعلم من رؤية هذا الرجل فعلاإيجابيا، ثم إننا معا أسبوعيا وهذا فعل، ثم إن وجودك فى وظيفتك الجامعية معيدا فى موقع للبحث والإنجاز العلمى والمعرفى فعل، ثم إنك متصل بأعداد كبيرة نسبيا من أصحاب الأعمار المناسبة للفعل وهذا مجال فعل، ثم إن حقول الفعل بكافة مستوياته التى استصلحها يحيى الرخاوى -وأنت ابنه ووريثه الشرعي- كلها أبواب للفعل ليست متاحة لأينا وأنت المقصر. كل هذا ثم تجيء أنت دوننا جميعا وتصرخ لأة؟ ماذا تنتظر إذن وما هى حكاية اللأة هذه؟
م.ى.الرخاوى: آه يا أخي، تفتحها على نار جهنم وأنا الذى كنت أقول لن نقول إنت وحش وإنت حلو. ولكن دعنا الآن من مصائبى الشخصية، ودعنا نرى ما يمكن عمله معا، نحن معا، نتلاقى لكى نرى معا ونفعل معا، فما الذى يمكن عمله معا.
حلمى: خلـنا فى “الإنسان والتطور”.
م.ى.الرخاوى: شاخت منذ أربع سنوات.
حلمى: و لماذا “اللأة” الآن، وها هى تحاول أن تستعيد شبابها؟
م.ى.الرخاوى: لأنه لم يعد هناك مكان لالتهاب الوعى وفتح الأبواب وتجريب العقول دون صيغة تصب فى فعل منظم ومغير على مستوى العام. لا، هذا المستوى شديد الخصوصية. إنها كسوق الفن الشعبي، لا يدخله الفقراء لأنها مجرد سوق للفن، ولا يدخله الأغنياء لأنها مجرد سوق للشعب، أما موضة الفن الشعبي، فلا هى تغير ولا نحن موضة.
حلمى: عينك على الأغنياء أم على الفقراء،؟ ريحنى يا أخى …
م.ى.الرخاوى: عينى على سلطة التغيير.
حلمى: تعنى حزبا سياسيا؟
م.ى.الرخاوى: الحزب ليس مؤسسة تفتتح فى يوم كذا، هو سعى للتغيير من خلال امتلاك مقوماته، ومقومات التغيير لا بد وأن تمر بسلطة التغيير، وسلطة التغيير هى تحالفات مع الفقراء والأغنياء، مع خطة مفصلة المعالم، مع تشابكات اقتصادية فعالة، هى باختصار نزول للسوق، والإنسان والتطور تتعالى على السوق بتواضعات خبيثة وصيغ رخاوية قادرة فى كل الأحوال على التملص من النزول فى أى سوق. والحق أقول لك، إننى أتصور يحيى الرخاوى لا يريد أن ينزل أى سوق إلا راكبا متمكنا من ركوبته، ولا أرى أن هذا لا بد أن يكون حالنا نحن الأصغر، خاصة وأنه دائم التذكير بأنها ركوبته وليست ركوبة أحد منا، وهذه حقيقة فدعونا نبحث الآن عن ركوبة لنا، لعلها تسعنا معا. ولكن أرجوك يا أخي، لا تتصور أن لنا مكانا مع يحيى الرخاوى إلا بأخذ زمام المبادرة بعمل فعال، حتى لو كان الإنسان والتطور كخطوة، ولعلك تعترف معى أنه حتى هذا العدد ما هو إلا ركوب مع يحيى الرخاوى وتحميل لأمتعتنا على ركائبه.
حلمى: تتحدث عن يحيى الرخاوى -أبيك- أكثر مما ينبغي، ولم تكن القضية هو بل كانت ماذا نفعل؟ ليس ذنبنا أنه أبوك وأنك تعانى كل هذه الدونية، أنا شخصيا أتمنى الركوب معه لو استطعت، هل أنا فى ديك الساعة؟ إن ركوبى هذا يجعلنى أقترب من مناطق الفعل التى تتحدث عنها وتتناسى ما تحت قدمك من إمكانيات انطلاق.
م.ى.الرخاوى: عدنا للتلويح بالاتهامات، يا أخى يحيى الرخاوى جيل، أراد أم لم يرد، إعترف أو لم يعترف، قاوم أو لم يقاوم، وأنت تريد التحدث بلغة جيل ليس هو جيل الجنجا ترتر (على رأيه: أنظر الناس والطريق)، ولا هو جيل الجماعات، كل ما أريد أن أحدده الآن هو: من أنا وأنت إن لم نكن من الجنجا ترتر ولا من الجماعات؟ هل نحن جيل الهاربين فى كل اتجاه؟ ليكن، فلنؤسس أنفسنا اقتصاديا بدل المعايرة، ولكن ما هو تعريف من لم يهرب بعد؟ أو من لم يستطع الهروب؟ أو من لديه فرصة ألا يهرب؟
حلمى: الآن انتقلت للرغبة فى التعريف بعد أن اكتشفت أنك عاجز عن تحقيق الرغبة فى الفعل؟
م.ى.الرخاوى: إرجع لكلامنا عن السلطة واسأل نفسك: ما هى التحالفات التى أقمناها؟ وما هى الخطة التى صغناها؟ وما هو الاقتصاد الذى ننتجه؟ العمل هو الإنتاج هذا البناء هو الاقتصاد الذى أعنيه؟ أجب عن هذه الأسئلة تجد أن الفعل هو هو التعريف الذى لا تعريف غيره، وأنه لن يصلح أبدا أن تأمل فى أى حل سابق، فرديا كان أو جماعيا، وأن غياب هذه الإجابات هو هو فراغ الشارع السياسي، فالشارع السياسى لا هو الآراء المذهبيه من أى لون، ولا هو الصحف المعارضة فى أى اتجاه، ولا هو القنابل الإسلامية من كل صوب ولا هو حتى الهياكل الحزبية الفخيمة ذات اليفط.
الشارع السياسى، ساحة الفعل المأمول لابد أن يكون عملا فعالا فى المقام الأساس، العمل على كافة محاوره، وإنى لأراك ملتصقا فى محور العمل الرخاوى (إن صح التعبير وهو صحيح)، وهو ما لن يجدى.
حلمى: ها أنت قد بدأت تشير بإصبعك، فاحتمل الآن، كيف وأنت المؤهل -كما أشرت لك مسبقا- موقعا علميا، وأنت المؤهل موقعا اقتصاديا، وأنت المؤهل اجتماعيا حتى باسمك ولقبك الذى ورثته مستصلحا جاهزا، تطلب ممن هو مثلى أن يحرث شارع السياسة بالفعل الاقتصادى والفكرى والتنظيمي؟ كيف تطلب وأنت لم تفعل؟ دعنى يا أخى فى المتاح واسرح أنت بتجريداتك بعيدا عنى أنت ورفضك المبهم.
م.ى.الرخاوى: حتى إذا تراجعت عن رفضى لن أتراجع عن عدم اكتفائي، وسأوافيك بما أفعل أولا بأول، ولكننى لن أستسلم بسهولة لرفض السياسة والانتشار سعيا للتأثير والفعالية، كما أننى لن أتخلى عن انتظار شيء كبير مختلف، ولن أكتفى بهذه اللقاءات أو مثلها تسمح لها أن تشفى غليلك بأن تقلب فيها أفكارك. إننى أنتظر فعلا ما للأمام الآن، ولتكن “الإنسان والتطور” خطوة، ولكنى أعتقد أنه آن أوان أن نقول للسلطة السياسية إنه فعل لا تقدر عليه إلا سلطة سياسية، فهل من أذن، وهل من مستثمر.
*****
والدعوة عامة: من بقية الملتقين إسبوعيا فى ذاك الملتقي، ثم من القراء كافة.