عدد اكتوبر 1985
قصة قصيرة
بيان رباعى
أحمد زغلول الشيطى
كان الليل، وصعب علينا أن نتراجع، ضحكنا حتى شعرنا برؤوسنا فارغة …… وقتلناه . ذبحناه بسكين، تدفق الدم حارا بين أصابعنا . قال ورد” ندفنه تحت الشجرة” شربنا خمرا رخيصا، وصلينا الفجر فى الحسين، بينما كان ينتظرنا فى الشقة مذبوحا و صامتا الى النهاية. قرأ ورد مقتطفات من رباعيات الخيام…. وصاح فينا” وما أطال النوم عمر معمر” وكان علينا نحن الثلاثة ولا رابع لنا أن نضع نورا تحت الشجرة حسب وصيته، ذلك لأنه كان يعتقد أن روحه ستتجسد فى الشجرة عندما تزهر وأنه بهذه الطريقة سيخلد بشكل من الأشكال، ولأن الصباح صار أزرق، حملنا أكياس البخور وذهبنا الى نور، كانت رأسه بين يديه كزجاجة خمر فارغة، وعلى شفتيه نفس الابتسامة الماكره ….أحرقنا البخور وصلينا عليه ….. قال عزيز” نصلى عليه صلاة الجمعه”
قال ورد” لافرق عنده حتى لو صليت عليه صلاة ماجوسية”
قلت : لم يكن من عبدة النار .
حفرنا حفرة تحت شجرة الصفصاف العتيدة، وألقينا الرأس.. ثم وضعنا نورا وأهلنا عليه التراب. قال عزيز” أراد أن يحول النفايات الى ذهب فابتلعته النفايات “. ورجعنا وتمرغنا فى فراشنا بعض الوقت. ثم هدنا التعب فنمنا أياما كثيرة، قال ورد” أنها عشرة” وقال عزيز “ تسعة لأننا ولاد تسعة” قلت لهم” لافرق اننا جياع” فأكلنا وشربنا ودخنا .
وكان الليل، وصعب علينا أن نتراجع ضحكنا حتى شعرنا برؤوسنا فارغة. أحرقنا”وردا” حتى تفحم وصار جسده رمادا. قال عزيز” سنستحم فى النيل” وكان المطر فى الخارج بلا قيد. رأينا الناس يهرولون ويحتمون من المطر فى المقاهى، ومداخل البيوت، وكنت أنا وعزيز جالسين فى الباص، أمسك عزيز بساق المرأة التى وضعت بطنها على كتفه، رأته المرأة فصرخت، ارتمينا فى النيل. غصت حتى القاع، هالنى عدد الموتى. كانت أجسادهم مهترئة… ومثقوبة ومغروس بها خناجر ران عليها الصدأ. قرأ عزيز أيات من سورة مريم “ قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا” … “ فأجآءها المخاض الى جذع النخلة قالت ياليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا “ “ فأتت به قومها تحمله” وحملتنى أمى اليهم فربطوها من أطرافها الأربع فى أربعة بغال بعد أن مزقوا صدرها … وطارت أشلاءها فى زوايا الكون…. ذنبى أننى لم أكن طفلا ربانيا ولم تكن أمى بتولا فحقت عليها لعنة الصعيد الى الأبد ، وعلى لعنة الآلهة حتى الآلهة الكافرة … أنا عزيز….. أبول فى وجوهكم ياكل الكهنة … واذ قلت لهم “ انى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا” قالوا لأمى بعد أن صارت مزقا “لقد جئت شيئا فريا” وبكى حتى هده التعب فنمنا على رصيف النهر. واذ أصبح الصباح أزرق. ذهبنا الى ورد . كان رماده ينتظرنا . وضعنا الرماد فى قارورتين من قوارير الخمر،أخذت زجاجة ألقيتها فى نهر النيل بفرع دمياط، بينما ذهب عزيز الى فرع رشيد ورجعنا بينما كان النهار حريقا متقدا، نمنا بعد أن تمرغنا فى الفراش. ولا نذكر بعد ذلك من استيقظ أولا، ذلك لأننا وجدنا أنفسنا نزحف على البلاط البارد فى ليل ما .. قال عزيز أن وردا كان وثنيا هندوسيا …. وأنه واهم فى تصوراته عن النيل… لأنه تحول فى الآونة الأخيرة الى بركة وسخة يصب فيها نفايات خمسين مليون بنى آدم، وكنا جياع. أكلنا وشربنا ودخنا الحشيش، وشربنا خمرا كثيرا، صاح عزيز غاضبا” أراد ورد ميتة أسطورية لأنه لم يكن الا نفاية ”وحطم قارورة الخمر الفارغة“ لسنا الا نفايات تنشب أظافرها فى جدران الكون”وأتت ليال كثيرة متشابهة، خرجنا دائما الى الصحارى، وطلب عزيز أن يرى جبل الطور، وقال أن النبى موسى كلمه فى الحلم وقال له أن بنى اسرائيل سيعبئون هواء مصر فى زجاجات فى أحد الأزمنة الآتية بالاتفاق مع بعض المصريين الخونة، ثم يبيعون نفس الهواء للمصريين مقابل الأرض، حيث سيصبح المصريون فى هذا الزمن شحاذين ولصوصا عتاه .
وكان الليل، وصعب علينا أن نتراجع، ضحكنا حتى شعرنا برؤوسنا فارغة. ركبنا جملا سرقناه من البدو، وكان عزيز شرب الكثير من الخمر الرخيص ، وكان يهذى طيلة الوقت. قال موسى كلم الله هنا ……. ولابد أن بقايا من رائحة الاله موجودة فى الهواء والجبل وباطن التربة، وكان على أن أقطع عزيزا أربع قطع ، ولم يكن أمامى أى سبيل للتراجع، وكانت سخونة الدموع على وجهى تحرق جلدى، أحرقنا بخورا هنديا كثيرا… ورتل عزيز أجزاء من العهد القديم وتغنى بنشيد الانشاد.. وسألنى بينما وجهه مختبئ بين يديه” هل الله موجود حقا؟ “ قلت له” الأمر يتوقف على ما تراه أنت” قال”اذا تيقنت منه قل له عزيز مات” وضحك بينما استدار وصار ظهره ناصيتى، كان ضحكه متقطعا ورفيعا كما لو كنت تفرغ قربة منفوخة من الهواء، رفعت السيف عاليا وشققت عزيز نصفين… سمعت بقايا صوته يتردد” من يبقى أكثر يصير مجرما أكثر”…
وكأنما يلفظ وصيته الأخيرة بالنسبة لى، شققت النصفين نصفين، فصار عزيز اربعة أجزاء ، ونمت أسفل الجبل، ولأن الصباح صار أزرق. حملت أجزاء عزيز كوصيته، وألقيت جزءا فى الجنوب اللعين… من حيث أتى عزيز ذات يوم . صعيديا مغلوبا، حالما بأنه قد يجمع أشلاء أمه ويحدث تغيرا جذريا بحياة أهل طيبة !
وكان الليل، وصعب على أن أتراجع، ضحكت حتى شعرت برأسى فارغا . وقفت فى أكبر ميدان . خلعت ملابسى وألقيتها فى وجه الجموع الغفيرة … وصحت بأعلى صوت : هذا هو عصر الحمير فاعبدوا كل ذى ذيل ! .