قصة قصيرة
الغوص باتجاه العمق
محمد محمود عثمان
فى المساء.. حين عاد، كان الخواء يعربد بأحشائنا، أخوتى الصغار وأنا.. وحين فغر فاه، ظهرت أسنانه السوداء المتآكلة… قال وهو يخلع عمامته: “النوم عافية”، قلنا:”يا أبى.. الجوع كافر”. فاحت رائحة خفة النتنة قبل أن يصفع به وجوهنا، قذفنا بالسب.. تضاءلنا. وباللكمات.. تهاوينا. قال أبى وهو يغالب النعاس:” النوم سلطان”، “والنـو..”.
***
يرتفع صراخنا:” يا أبى أضعت الكثير”، قبل ان يشيح بوجهه يقول:” انا؟.. طرح البحر قليل، والسوق دائر”، نتوسل إليه:” ياأبى البحر دائم العطاء.. وأنت واسع الحيل، يا أبى.. قوتنا”، يرد أبى:” أوتينه على علم عندى”، نحتار.. نغضب. يقول أبى” البحر أمامكم”.
***
يوما قصدنا اليم.. وكما ذهبنا رجعنا… كان أبى مقامرا فى مزادات السمك.
***
فى فجر، اتانا صراخة … لاهثا بدا أبى، غارقا فى العرق، قبل ان ترتخى جفونه قال لنا:” فى المنام رأيتنى.. وحيدا.. أسير .. فزعت. نظرت حولى. رأيته. كان يتبعنى. أسود.. ظلى..ممتدا. بطول المسافات التى طويتها. هرولت. كان ملتصقا بى. وصوته المرعب يدوى: لن تفلت منى مهما حاولت”. امتقع وجه أبى. مد يده. قبض الهواء. زعق: “أوقفوه.. أوثقوه..آ..آ..” هوت يد ابى. وصمت إلى الأبد. وظله.. رأيناه محددا بانحناءات حجمه.
***
عاريا كان ابى، مثلما حئنا صغارا… واريناه التراب… وما بكينا ..