يحيى الرخاوى طبيب نفسى
“يوميا” الإنسان والتطور
16-4-2008
العدد: 229
اعتذار دون تراجع:
عن تقسيم الإبداع إلى “خالقى” و”تواصلى”
الشعر ليس له محتوى.
الشكل هو نفسه المحتوى.
لا يجوز أن تبحث فيه عن رسالة أو معنى،
الشعر يكون شعرا إذا نجح أن يحرك وعيك إلى ما تحرك إليه،
لا أكثر.
أنت تستقبل القصيدة فتقول “هذه هى”،
أو تصمت وتكتشف أن ثَمَّ شيئا قد تحرك داخلك، أو خارجك،
أو لعلك ترفضها،
لكن ريحها يعاودك دون استئذان.
عثرتُ على هذه القصيدة، ولا أذكر هل نُشِرَت من قبل أم لا
غالبا لا
فأنا لا أنشر شعرى
ولا أحد يطلب نشره
سألت نفسى السؤال الذى سأله لى الإبن “د. كريم شوقى“، فى حوار/بريد الجمعة 28-3-2008 أين أصنف محاولات إبداعى، هل هى من النوع الخالقى أو من النوع التواصلى؟ وكنت قد عجزت عن الرد عليه، وقلت له عليك أنت أن تقوم بذلك وتخبرنى إن نجحت، وكنت أكاد أعلم أنه لن ينجح، وحين عثرت على هذه القصيدة ، وهى آخر قصائد ديوان “مقامات” الذى لم ينشر أصلاً، رحت أحاول أن أصنفها فعلا كما طلبتُ من كريم، وفشلت، مع أنه خيل لى أننى صنفت المقامة الأولى من النوع الأول والخامسة من الثانى، ثم عدت فنظرت فى التصنيف، وتراجعت.
قلت أنشر هذه القصيدة هنا الآن بهذه المقدمة التى آمل أن يكون فيها اعتذار كافٍ عن هذا التقسيم لأنواع الإبداع، مع أننى ما زلت لا أتنكر له، أو للفكرة من ورائه، لكننى أشعر بعد كل الاعتراضات التى وصلتنى أنّ علىّ أن أراجع الأمر، وفى نفس الوقت أشعر أننى لن أتراجع عنه إلا من حيث كلمة “تقسيم أو تصنيف”، ربما ينتهى الأمر إلى توصية بنوع مختلف متنوع للنقد لا أكثر.
أوافق كل من اعترض، ومن واقع هذه التجرية، أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر، أو إعادة تسمية أو إلى مزيد من الإيضاح، أو غير ذلك.
ثم لعل إقدامى على نشر مثل هذه القصيدة فى هذه النشرة يشجعنى أن أستسمح القارئ (الزائر) الصديق فأسأله: هل أعاود مثل ذلك بين الحين والحين؟.
القصيدة أيضا بدون عنوان آملاً فى أن يتفضل “مبدعو التلقى” بوضع العنوان الذى يرونه مناسبا؟ فكم أثْرَتْنِى تلك العناوين التى وصلتنى تعنون تلك القصة القصيرة التى نشرتها مؤخرا (قصة قصيرة جديدة “برجاء وضع ما تشاء من عنوان)،وخاصة عناوين الصديق جمال التركى، حيث وصلتنى باعتبارها نقدا إبداعيا متميزا، وكأنه أعاد كتابة القصة من جديد كما وصلته، فنبهنى إلى ما كتبتُ ،
أليس هذا دور النقد!!؟
(1)
كلُّ البشرْ، مثل البشرْ،
كل التفاهةِ ترتوى من فيض نهر التافهينْ،
كل الأمانى الطيبة، هى طيبةْ،
إلا الأمانى الطيبةْ،
والناس أيضا طيبون،
إلا أنا…
إلا قليلا نحرقٌُهْ
أو نسـرقٌُهْ
إلا كما لاح الأزلْ
إلا كما عاد الأملْ
إلا كما قال المثلْ
إلا خرافة أننا نحن الذينَ “كذا” “كذا”!
من قبل أنْ قالَ القدرْ
(2)
وتفتحتْ آفاقُ ما بعد الأفقْ،
وترعرعتْ أشجارُ سهل الخالدينْ،
وامتدَّ وعىُ الناسِ نحو المُنتهَى،
وترددتْ ألحانُ كونِ الكونِ حتى زُلزِلتْ زلزالُهَا، فى جوف ليل تمامِها،
وتكامل المجهولُ فى المعلوم فى المنظورِ فى الخافى على كلِّ البشرْ،
وتجمّع التاريخُ فى أعماق خلق الله قبل تَشوَهوا،
وتخايلتْ أشواقُ أنــَّـا مثلهم :
(3)
نـمضى حثيثا فى ثنايا نبضِهَا
تقسو، إذا سدّ المُحالُ طريقََهَا
وتلينُ عندَ المقصلةْْْ
يرنو إليها جوعَ كلِّ الطامعينْ
إلا الذى عاش الأنينَ فارتوَى
ثـُـمَّ: على العرش استوَى
لكنّهُ :
ليس كماَ…
(4)
ما زلتُ أخطرُ فى بقايا ذِكْرِهَا
ما زلت أنتظرُ الوفاءَ بوعْدِهَا
ما زلت ألتمسُ الطريقَ لوُدّها
مازلت أحتملُ الوقوفَ ببابِهَا
ما زلت أفزعُ من بوادر صدِّها
فتـُوزِّع البركاتِ حَسْبَ مِزاجها،
وينال كلُّ الناس منها ما تيسر من عطايا حُبِّها
لكنهم لا يرتوُون بفعل فاعلٍ بهمْ
إلا إذا…
(5)
لا لم تكن تلك “الأنا”: هى ما “أنا”
ما كان إلا ظـلُّ ظنِّ الوهم أحلام المُنى
دعْهمْ كما حَسِبوا بأنّا مثلما نبدو لَهُمْ،
وليُقسِموا، أنا “كذا”…..
أو أنّ من قال الذى هو قاله،…… “قد قالَهُ”،
أو أننا لسنا سوى ما لاح: “أنّأ أننا…”.
وليرْقـُصوا “معه” كمثلِ عرائسِ الظل التى قد علَّـقوها من خيوطٍ، خافيةْ،
حتى إذا….
(6)
أمّا أنا ، …..
فـلسوف أرفض أن أكونَ أنا : “أنا”
ولسوف أمضى باحثا “عنها” “لنا”
سأظلُّ وعداً غامضاً،
ليس “أنا”،
لكنّه، لكنّه،
هو ليس إلا ما أكونُه “أنا” .
(7)
إلا كما طارتْ ولمّا تنْجَلِى
إلا كما عادتْ، كما خـُـيِّل لِـى
إلا كما هىَ أينعتْ،
فترعرعتْ،
وتكاملتْ،
وتمايلتْ،
فتماوجتْ.
“فلوْ جُـنَّ إنسانٌ منَ الحُسْنِِِ: جـُـنَّـتِ”