نشرة “الإنسان والتطور”
17-11-2010
السنة الرابعة
العدد: 1174
اعتذار آخر وقصيدة أخرى
تمهيد وتراجع:
أنهيت يومية أمس بقولى: “إن شيخى نجيب محفوظ قرر أن يحضر غدا بنشرة إضافية ليهنئنا بالعيد”، لأننى كنت قد شرحت له موقفى، وعجزى عن أن أواصل كتابة الفصل الأول فى كتاب الافتراضات الأساسية فرأى أن يعبر بى المأزق بهذه الطريقة، وفعلاً بدأت كتابة مقدمة النشرة اليوم على أنها “فى شرف صحبته” هكذا:
الثلاثاء
…..السادسة إلا ربع، استقبلنى هاشا باشا كعادته، وإن كان لم يخف دهشته من قدومى اليوم، ليس لأننى بكّرت ربع ساعة، ولكن لأننى لا أمر عليه يوم الثلاثاء، سألنى عن زكى سالم وهل اعتذر، قلت له: لا أبدا، أنا الذى جئت أهئئك بالعيد، كل سنة وحضرتك طيب، قال : وانت بالصحة والسلامة، لكنك قلت لى أنك مسافر كالعادة، قلت: لم أستطع هذا العيد، أنت تعلم أننى أكتب كتاب الأساس فى الطب النفسى، وخصصت له يومى الثلاثاء والأربعاء من نشرات الإنسان والتطور من كل أسبوع، وشعرت أننى لن أتمكن من مواصلة التزامى بذلك لو أننى سافرت، وهو عمل يحتاج منى إلى تركيز آخر، ومراجع، وكلام من هذا، صحيح أنه يكتب فى حلقات، لكنه كتاب، قال فى رفض حانٍ: ” ما هذا؟ ما ذا تقول؟ وهل سافرت أسرتك؟ قلت له: طبعا، كما تعلم، قال : ما هذا؟ إذهب حالا، والحق بهم، قلت له: ولكن ماذا أفعل وأنا لم أكتب نشرة الغد، بعد أن أحللت قصيدة قديمة محل نشرة أمس؟ قال: لا عليك، دعنى أعتذر عنك، ولتنشر يوميتى الغد وبعد الغد عن علاقتنا وأجعلها تهنئة منى لأصدقائك، قلت له: يا خبر هذا أفضل ألف مرة مما كنت أنوى كتابته، قال: لا ليس هكذا، فأنت تعرف كم أحب ما تكتبه، وسوف نلتقى يوم الخميس، أليس كذلك؟ قلت: طبعا، إلا الحرافيش.
قبلت يده، ودعوت له، ولم أسمع دعوته لى وأنا أنصرف لكنها وصلتنى.
لكن
…… قبل أصل إلى الباب نادانى، وقال: “هل نشرت قبل ذلك قصيدتك المؤلمة عن العيد فى نشراتك اليومية هذه، قلت له: لا أظن، لكننى أذكر أنك لم ترض عنها تماما حين قرأتها عليك، أو هذا ما وصلنى، قال: بالعكس برغم ما كان بها من آلام ووحدة، اقترح أن تنشرها ما دمت قد نشرت اليوم قصيدتك “دوائر” قلت له: إيش عرفك؟ قال: وهل هذا سؤال؟ إبحث عنها فإن لم تكن نشرتها فانشرها فهى أنسب، ودعنا نحتفظ بنظامنا ونقتصر على نشرة الخميس.
قبلت يده من جديد وانصرفت فرحا أكثر، وحين عودتى رحت أبحث عن القصيدة التى اقترحها، وإن كانت قد سبق أن ظهرت فى هذه النشرات، فوجدت أننى لم أنشر منها إلا مقتطفات فى بريد الجمعة،
قبلت اقتراحه وأنا أدعو له مرة أخرى،
وها هى ذى (كتبت منذ حوالى ثلاثين سنة أيضا):
عـيـد
-1-
مارتَّبَ مهدى قبلَ النومْ،
بعد النومْ.
ما مرّت كفُّ حانيةُ -غافلةَُُّ- فوق الخصلهْْْْْْْْ.
ما أعطانى اللُّعبهّ.
……
فحملتُ الآلهْ،
حدباءََ بغير علامهْ.
-2-
ما حاكت لى جلباباً ذا صوتٍ هامسْْْ.
لم يمسسه الماءُ الهاتكُ للأعراضْ.
لم يتهدّل خيطـُـــه.
لم تتكسَّر أنفاسُــه.
-3-
صدّقتُ بأن الماحدثَ طوال العامْ،
يأتينى الآن.
لم يأتِِ سوى الطيف الغامضْ.
-4-
أجرِى بين الأطفالِِ وأرتقبُ “العادهْ،
ذات بريق وحضورٍ وروائح وكلامْْ.
يقطر ثدىُ العمَّّ رحيقََ الرُّضَّعْ.
أتلفع بُالورقةِِ تُدْفئنى،
تتمايلْ.
تتأرجحُ مثل الأيام .
تتفتَّح أكمام الحبَّّ الآخرْ،
فأخاف النوم وصبحا يترقَّبنُىِ.
-5-
أقف بذيل الصَّفَِِّّ وأفركُُُُ كَفِّى،
أيديهم فرِحَه.
تبحثُ عن ظِلِّ البسمهَْ،
وذراعى مبتورهْْ.
تختبئ بثنيات الوعد الميّت.
أنزعُها..تنَزَعنُى.
أهربُ من كومة ناسٍٍٍ مختلطهْْْْ.
أخرج من باب الدرب الآخرْ
-6-
دربى بكرٌ فوق حصاهُُ تسيل دماءُ القدِم العارِى.
يتبعنى الناسُُ الـمِثلْى،
ليسُوا مثلى.
مَنْ مِثلى لا يسلكُ إلا دَرْبَهْ،
يحفره بأنين الوحدهْْ،
يزرع فيه الخطوات الراسخة الأبقي،
يرويه من بَهْر الرؤية”.
تتفتح أكمامُ العيد بلا موعدْ.
ذات بريقًٍٍٍ وحضورٍٍٍ وحياءٍ وكلامْْ.
21/7/1982
أول شوال 1402