نشرة “الإنسان والتطور”
29-9-2011
السنة الخامسة
العدد: 1490
استلهامات حول تشكيلات “الصبر”
مازلنا فى صفحة: 37 من الكراسة الأولى
قلت فى النشرتين السابقة وما قبلها، كيف لمحت حضور نبض القرآن الكريم فى أصول جبل الوعى الذى تطفو فوق قمته التدريبات صفحة فصفحة، وبإلحاح لا يهدأ، وبفرحة لا تنضب، وبصبر لا يتراجع، وكيف أن هذا جعلنى – حتى الآن – أربط بين هذه الحركية الإلهية المحيطة، وبين مغزى حضورها هكذا فى كل الصفحات دون استثناء تقريبا، ولعل هذا ما جعل استلهاماتى واستطراداتى تتجه فى كثير من الأحيان إلى القرآن الكريم أبحث فيه وأستلهم منه بدورى ما يضيف إلى مهمتى انطلاقا من احتمال أن “كلمة واحدة” أو “آية” أو “بعض آية” وردت فى التدريبات، يمكن أن تكون قد تحركت بكل أبعاد ما تعنيه فى طول كتابى الكريم وعرضه أثناء تدريبات الأستاذ، فمدى علمى أن وعيه الإيمانى جاهز لذلك بقدر ما هو قادر عليه.
ربما يبدو كل هذا تبريرا لا يقبله أحد، وأنا أعترف أننى وأنا أراجع ما كتبت، كثيرا ما ضبطت نفسى متعسفا، ولكن هل أنا جزمت بتأويل ملزم أو مغلق، وهل أنا حسمت مغزى أى استلهام أو استطراد إلا بما استوحيته من صحبة شيخى المليئة بالتجليات والوعود؟ ثم هل يستطيع أحد منعى من أن أنتهز الفرصة وأزور كتابى الكريم من زوايا مختلفة بفضل شيخى وأنا أدعو له مع كل صفحة تدريب؟
كل ما كتبه محفوظ فى هذه الصفحة “37” التى لا تريدنا أن نتزحزح عنها هو “الصبر طيب”، وحين جمعنا ما كتبه عن الصبر فى رُبْع صفحات التدريب (250 صفحة) كعينة مطروحة للاستكمال فالفحص، لم أتطرق إلى قراءتها أو استلهامها مؤجِّلا ذلك إلى الدراسة الشاملة.
ما عايشته معه لأكثر من عشر سنوات بعد الحادث كان تجسيدا لأنبل صبر يمكن أن نتعلم منه حب الحياة، وحب الناس وحب الله، وكذلك أقول حب القدر مهما اشتدت صروفه ، هذا الرجل لم أسمعه مرة واحدة ينعى حظه أو يحتج على ما أصابه، فتصورت أنه بلغ به قبوله بالقدر مبلغا يبدو معه وكأنه يحب القدر فعلا مهما بدا قاسيا، لا أحد يستطيع أن يحب القدر إلا إذا أحب الله، وقد خطر لى من خلال صبر هذا الرجل فهما جديدا لمعنى الحديث القدسى “لا تسبوا الدهر، فأنا الدهر”.
لم أحتج أن أبحث عن معنى كلمة الصبر فى أى معجم، أو ربما عزفت عن ذلك قصدا، ورجحت أنها أشد ارتباطا بوعى الناس المصريين من معناها الوارد فى أى معجم مهما بلغت دقته، المعاجم – كما كررت مرارا- ليست وصية على اللغة، وإنما هى علامة دالة محدودة سجلها التاريخ فى زمن معين ليحدد رموز التواصل بالكلمات بين جماعة معينة، فكيف نقيمها وصية دائمة على وعى الناس وتطور لغتهم ما داموا أحياء فما بالك بالوصاية على كلام الله عز وجل؟!
أول ما بلغنى معنى الصبر مجسدا كان من خالتى (أمى)، كانت مطلقة بلا ولد، تعيش وحيدة قوية طيبة رائعة، وكنت طفلا أتعجب من لوحة عريضة من القماش معلقة فى صحن دارها عليها كلام بخط كبير جميل بعد أن اعتزلتْ القاهرة إلى قريتها تعيش وحيدة تماما إلا من صلات رحم طيبة بين الحين والحين، لم أكن قد تعلمت القراءة بعد، فلم أسألها عن المكتوب على القماشة لكننى كنت أحب هذه اللوحة لأنها هى كانت تحبها، وحين أتقنت القراءة جعلت خالتى تطلب منى (أعتقد كما كانت غالبا تطلب من إخوتى أيضا) أن أقرا لها ما باللوحة على هذا القماش المشدود، وكانت لا تكتفى بقراءة واحدة، ولا بقارئ واحد، قرأت لها عشرات أومئات المرات دون أن افهم أو أسال هذين البيتين:
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبرى وأصبر حتى يأذن الله فى أمرى
وأصبر حتى يعلم الصبر أننى صبرت على أمرٍ أمرّ من الصبر
أنا أكتب الآن من الذاكرة بعد أكثر من سبعين عاما، ولست متأكدا من الشطر الأخير إنْ كانت كلماته هى “صبرت على أمر…” أم “صبرت على شىء…”، حفظت هذين البيتين دون قصد من كثرة تكرار طلب خالتى أن أقرأها لها علما بأنها لم ترددها ورائى ولا مرة واحدة، كانت أمّية مثل أمى لا تقرأ ولا تكتب، ولم يكن لهما أشقاء ولا شقيقات أخر، وكنت حين أنتهى من القراءة تنزل الدموع من عينيها فى صمت بليغ، فلم أجرؤ طفلا أن أسألها عن سبب دموعها، لكنها كانت تصلنى مرارة قطرات الصبر علقما غريبا بشكل ما، أما بكاءها حتى النشيج فكان يغلبها حتى يهتز جسمها البدين نسبيا كله فى كل مرة تسمع فيها أغنية أحلام “يا عطارين دلونى الصبر فين أراضيه ولو طلبتو عيونى خدوها بس الاقيه”، ولم يكن أيامها يوجد كاسيت، ولم تكن الأغنية مسجلة على أسطوانة تستطيع أن تعيدها كما تريد، فكانت توصينا أن نناديها فورا بمجرد أن نكتشف أن “أحلام” تغنيها فى الراديو، وكانت تسرع الخطى بسرعة نحو الصوت الدافىء وهى تأسف لما فاتها، حتى حسبت أن مطلع الأغنية هو الذى كان أهم ما يهمها، وكانت تبكى مع الأغنية بصوت مسموع، بعكس نزول دموعها وأنا أقرأ لها اللافتة،
أعتقد أن ما بلغنى أيامها عن ماهية الصبر كان أكبر بكثير من الشائع عنه.
ربما هذه القيمة النبيلة الجياشة التى بلغتنى طفلا هى التى جعلتنى أرفض التشوية الذى لحقها، وأنا أستمع – وأشاهد عبد المنعم مدبولى يغنى أغنيته “يا صبر طيب” فى فيلم “مولد يا دنيا” وهو يترنح سكراً، وهو يترحم على أيام زمان، لم يصلنى أبدا أن هذا هو ذاك، وربما مثل هذا هو ما دفعنى إلى أن أحرص على أن أحذر أكثر فأكثر من التعميم، أو أن فهم أى لفظ منفصلا عن سياقه، بالإضافة إلى تحفظى على نغمة التحسر على أيام زمان كما جاءت فى هذه الأغنية القبيحة برغم حبى الشديد لعبد المنعم مدبولى، فرق بين أن تأتى كلمة الصبر فى “يا عطارين دلونى”، وبين أن تأتى من بائس سكران مهما تعاطفنا معه “..طيب: يا صبر طيب”!!!
ثم عدت فتصالحت مع كلمة الصبر مع موال فايزة أحمد كلمات: مرسى جميل عزيز 1957
أمرّ من الصبر صبرى على اللي راح ولا جاش،
وف بعده عني أحوش الدمع لم ينحاش ،
ياميت ندامة على القلب اللي ما تهناش ،
واللي حبيبه ياعين بيلوف على غيره ،
يقضى ايامه فى الدنيا لا مات ولا عاش
هذا المقطع الأخير عرّى أمامى نوعا من الصبر شديد الإيلام والإزعاج، غير مرارة الصبر وأيضا غير مناحة الصبر.
صبر محفوظ النبيل الرائع:
الصبر الذى عايشته مع شيخى طوال هذه السنين ليس له علاقة بكل ذلك، كان صلاة دائمة وحمدا طيبا، وجمالا خالصا وقد جاء فى هذه الصفحة فى سطر مستقل يقول:
بعد سطر آخر قبله مباشرة يقول:
“الهدى من الله”
ليلحقه مباشرة سطر تال يقول:
الله غفور رحيم
ثم يليه مباشرة:
هو مالك السماوات والأرض
ثم التوقيع (انظر الصورة)
هكذا تم تشكيل اللوحة لتقدم لنا هكذا دعوة ضمنية أن نتجول خاشعين فرحين فى رحاب جنة القرآن الكريم.
رجعت إليه وعرفت أننى لن أستطيع أن ألم بكيف تحركت قيمة الصبر فى القرآن الكريم بكل ما يمكن أن نستلهمه من هذه الكلمة وسط هذا الفيض القرآنى الرحب ونحن نسعى إلى وجهه تعالى، وصلنى أن كل ما نأمله معا ونحن نتجول مسبحين مصلين فى هذه الجنة الوارفة ظلالها أن نصبر ليكون الله معنا “إن الله مع الصابرين”، فيعيننا على ما نجاهد فيه “واصبِرْ وما صبرك إلا بالله”، ونحن ندعوه أن “… رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ”،(حتى لو لم يكن ديننا هو الإسلام)
وإليكم بعض ما خطر لى من إشارات قد أعود إلى تفصيلها فى الدراسة الشاملة، أو لا أعود:
أولاً: بماذا اقترن الصبر فى القرآن:
اقترن الصبر بعديد من التجليات سوف أبدأ بالإشارة إلى اثنتين منها هما “الصلاة“، و”التسبيح” ثم أكتفى بذكر عناوين الباقى:
- ” وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ” (الآية: 45 سورة البقرة)،
- ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ” (الآية: 153 سورة البقرة).
- “وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ” (الآية: 22 سورة الرعد)
- “الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” (الآية:35 الحج)
أى شىء فى الصلاة يجعلها قرينة الصبر هكذا إلا أن يكون الصبر نفسه هو صلاة من نوع آخر،
بصراحة رأيت فى الصبر صلاة أكثر مما رأيت فى الصلاة صبرا،
عايشت شيخى هذه السنوات العشرة تقريبا، ولم أره قد كف ثانية عن الصلاة والتسبيح صبرا، صبْرُ شيخى صلاة متجددة، وتسبيحه حمد راض متناغم محب.
للصلاة معان كثيرة، كلهاهامة وصحيحة ومفيدة، منها الدعاء ومنها الرحمة (من الله سبحانه على نبيه وعلينا)، ومنها الاستغفار، الصلاة التى وصلتنى من الأستاذ هى التى اقترنت بالصبر كما وصلنى من القرآن الكريم فى الآيات السالفة الذكر كأمثلة، وبصراحة أنا لم أستطع أن أفصلها عن التسبيح والحمد فى نفس اللحظة، كان شيخى فى صلاة دائمة ، هكذا وصلنى صبره جميلا، وتسبيحه حمدا متناغما، قلت فى نفسى وأنا أجمع ما اقترن بالصبر فى القرآن الكريم، وبدأت باقترانه بالصلاة، قلت: “… هكذا استعان الأستاذ على ما ألم به وبنا، لعلنا نتعلم منه”، هكذا وصلنى كيف يستعين المؤمن بالصبر والصلاة على امتحانات القدر، وعلى معوقات السن من ضعف الحواس أو قصور الأداء، كنت أتساءل بينى وبين نفسى : ما كل هذا الصبر؟ وكيفه؟ وأين ما نألفه من الصابرين من آلام ومعاناة؟ وكنت أرد على نفسى وأنا فى صحبته دون أن أطرح عليه هذه الأسئلة طبعا: إنها الصلاة والتسبيح ابتغاء وجه ربه، وأكتشف من خلال ذلك كيف أن الحياة فى ذاتها عبادة، وأن قبولها بكل ما تعنيه وتفاجئنا به هو صبر جميل، وأن ممارستها بما تستحق هى تسبيح متصل
لم يقترن الصبر فى القرآن الكريم بالتسبيح بتواتر مثلما اقترن بالصلاة، فنجده فيما يلى مثلا:
- “فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا” (الآية 130 سورة طه)
- “فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ” (الآية 39 سورة ق)
- “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ” (الآية: 55 سورة غافر)
- “وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ” (الآية: 48 سورة الطور)
لا ينبعى أن نتوقف فى استقبالنا لتشكيلات التسبيح عند معنى تنزيه رب العالمين، أو حتى عند التسبيح بحمد ربنا العظيم، وإنما تبدأ رحلة التعرف على التسبيح من التعرف على كيف تسبح الطبيعة له تبارك وتعالى، الطبيعة الحية والطبيعة التى نحسب أنها ليست حية كلها بلا استثناء تسبح لربها، لربنا. أهم ما وصلنى من بين معانى السَّبح معجميا برغم تحفظى على المعاجم أنه “الفراغ” وأنه أيضا “المجىء والذهاب”، ومن يتابع فكرى يعرف لماذا وصلنى هذا المعنى متميزا أكثر من غيره، المهم تعالوا ننظر فى تسبيح الطبيعة وكذا تسبيح أعم هو تسبيح “كل شىء” هكذا،
نبدأ بما لم أتوقف عنده قبلا: ونتعجب ونتعلم من الرعد (نعم الرعد) وهو يسبَّح:
- “وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ….” (الآية: 13 سورة الرعد)
ثم انظر كيف تتسع الدائرة:
- “فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ” (الآية: 79 الأنبياء)
- “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ …….” (الآية 41: سورة النور)
- “إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ” (الآية: 18: سورة ص )
- ” يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (الآية 24:سورة الحشر)
- “سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (الآية: 1: سورة الصف)
- “يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ” (الآية: 1 سورة الجمعة)
- “يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (الآية:1 سورة التغابن)
- ” تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً” (الآية 44 سورة الإسراء)
الإنسان وهو امتداد لكل ذلك، والمفروض أنه جزء من كل ذلك، مدعوّ لأن يدرك بشكل ما كيف ينضم إلى كل هؤلاء المسبحين ليل نهار، وكيف أنه إذا تناغم مع كل هذا لا يحتاج إلى الكلام عموما أو إلى كلام بذاته خصوصا
لقد كتب الأستاذ بعد الحمد مباشرة “مالك السماوات والأرض”، وحين رجعت إلى مالك لم أجد إلا “مالك يوم الدين”، أما السماوات والأرض فهى من الكثرة بحيث تحتاج إلى نشرة مستقلة أؤجلها الآن طبعا، ثم خطر لى أن السماوات والأرض حضرت بعد “الصبر طيب” ثم “غفور رحيم” لصلتها بالتسبيح أساسا كما نلاحظ فى الآيات السابقة حالا.
“الصبر طيب” التى كتبها الأستاذ فعشتها معه عشر سنوات. لم تكن إلا صلاة وتسبيحا وحمدا كما قلت وتعلمت وفهمت وحاولت أن أشاركه فى بعضه بجهد جهيد.
وبعد
كنت أنوى أن أكتب عن باقى تجليات الصبر فى القرآن الكريم ولو الأسبوع القادم، لكننى وجدت أننى زودتها
وما لم يطلب منى الاصدقاء أن أكمل، فلن أفعل فى هذه المرحلة خشية أن نبعد أكثر مما ينبغى عن مواصلة قراءة التدريبات صفحة فصفحة.
وأكتفى فيما يلى بالإشارة إلى بعض العناوين التى خطرت لى:
أولاً: بماذا اقترن الصبر فى القرآن الكريم: (بالإضافة إلى ما ذكرت من صلاة وتسبيح)؟
ارتبط الصبر بكل ما يلى:
- بعمل الصالحات
- الجمال
- التقوى
- التوكّل
- الاستعانة
- القوة والرباط
- المرحمة
- الشكر
(ملحوظة: تجنبت ذكر الآيات هنا لطولها ووفرتها)
ثانيا: جزاء الصبر: تنوعت تشكيلات رحمة ربنا بالصابرين وتجلياته عليهما – مما قد أعود إليه- فى الدراسة الشاملة وأدرج هنا بعض فحسب، تحت العناوين التالية:
- عدم إضاعة الأجر :
- “وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (الآية 96 النحل)
- أن يؤتهم أجرهم: “أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا” (الآية 54 القصص)
- بأنه سبحانه “لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” (الآية 115 هود)
- “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (الآية 10 الزمر)
- “” أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً” (الآية 75 الفرقان).
- “لهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون”َ (الآية 127 الأنعام)
- “وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً” (الآية 12 الإنسان).
- “إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ” (الآية 111 المؤمنون)
- “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ” (الآية 24 السجدة)
- “لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (الآية 64 يونس)
- “وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ” (الآية 12 الإنسان).
- “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” (الآية 35 فصلت)
- “وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ” (الآية 120 آل عمران).
- “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ” (60) الروم
- بحب الله:
- “وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” (الآية 146 آل عمران).
- بمعية الله وصحبته:
- “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” (الآية 46 الأنفال).
- النصر:
- “فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (الآية 66 الأنفال).
- “بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ” (الآية 125 آل عمران)
- “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (الآية 249 البقرة).
ثالثا: ورد الصبر فى الحكى عن الرسل تشجيعا أو لوما:
- “وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنْ الصَّابِرِينَ” (الآية: 85 الأنبياء)
كما نهى على التمثل بمن لم يصبر
- “وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ” (الآية: 48 القلم)
رابعا: تجليات أبسط للصبر
كما أظهرالصبر بمعان أبسط مثل التأجيل، وتعليق الحكم:
- “قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً“(الآية 67 الكهف) …. الخ.
- “وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ” (الآية 109 يونس).
- “قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً” (الآية 69 الكهف).
خامسا: وكان أيضا اختًباراً للكدح والإيمان وتحمل الخلاف والاختلاف ورفض الخُسْر
- “وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرا”ً (الآية 20 الفرقان).
- والصبر على ما نجهل:
- “وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً” (الآية 68 الكهف)
- ” إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” (الآية 3 العصر).
- التمسك بالحاضر ولو خطأ، ومن ثم العقاب عليه:
- “إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا” (الآية 42 الفرقان).
- “رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” (الآية 250 البقرة).
سادساً: آخرى
- “وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ” (الآية 7 المدثر)
- “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ” (الآية 77 غافر).
سابعاً: لكنه جاء أحيانا بمعنى عكسى:
- الصبر على النار … بعد مواجهتهم بالنار التى كانوا يكذبون بها أو بعد شهادة الجلود (الدنا DNA غالبا)، على الخاسرين وتعجبهم لذلك.
- ” وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ “ (الآية : 23، 24سورة البقرة)
- “هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ” (الآية : 14 – 17سورة الطور)
* * * *
خاتمة:
إن لم يصلنى من التعقيبات ما يدعونى إلى تفصيل ما سبق، فسوف انتقل الأسبوع القادم إلى صفحة التدريب “38”
كفى هذا
أليس كذلك؟