اليوم السابع
الجمعة: 10-1-2014
استفتاء الدستور: فرض عين؟!
فلسفة الفقه التى أشرنا إليها أمس مثلها مثل فلسفة العلم وفلسفة القانون، تعطى مساحة للتحرك داخل النص إلى ما بعده، فهى مساحة محكمة مسئولة للاجتهاد والتقرب إلى الله بما هو فى صالح البشر، وبرغم أن كلمة فلسفة أصبحت بعيدة عن نبضها الصحيح حتى يحسبها سامعها العادى أنها تنظير معقد لا يقوم به الإ المختصون، إلا أن توظيف التفكير النقدى والعمق الإدراكى فى تسيير الحياة المعاصرة أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وهذا وذاك هو بعض جوانب عطاء الفلسفة الحديث فى الفعل اليومى.
فلسفة الفقه غير قاصرة على ما يسمى حكمة التنزيل أو حكمة الحكم الفقهى وفائدته للفرد والمجتمع، وإنما هى نشاط معرفى يعمق الرؤية ويجلى البصيرة بما يضيف إلى صالح البشر انطلاقا من قواعد فقهية قابلة لإعادة النظر فى أبعادها وأعماقها وجوانبها المتعددة المتداخلة، وليس وقوفا عندها.
سوف أتناول اليوم مسئولية المشاركة فى الفعل العام بمناسبة الاستفتاء على الدستور:
يعلمنا الفقهاء الأفاضل أن هناك فرق بين ما هو “فرض عين” وما هو “فرض كفاية”، ففرض العين واجب على كل فرد مكلف دون استثناء، إذا قام به البعض لم يسقط عن الباقيين، أما “فرض الكفاية” فيكفى أن يقوم به البعض فلا يُلزم الباقيين، رحت أتامل هذه التفرقة الرائعة وأحسب القيم التى تحملها، والرسالة التى تبعثها من موقع المسئولية والحرية، وهما جناحا حمل الأمانة التى حملها الإنسان حين أنعم الله عليه بنعمة الوعى، والوعى بالوعى، ومن ثَمَّ التكليف والاختيار، فانتبهت إلى إمكان الاستفادة والإفادة من هذه التفرقة فى توجيه الناس إلى أبعاد التزامهم بما يتعلق بتكليفهم بواجباتهم للحفاظ على الحياة، وتعمير الأرض، وتأنيس الإنسان، وهو ما سوف تحاسبهم عليه ضمائرهم، والأهم أن الله سبحانه يحاسبهم عليه عاجلا وآجلا.
هل الذهاب للإدلاء بالرأى فى استفتاء الدستور “فرض عين” أم “فرض كفاية”؟ هل يكفى ذهاب البعض للإدلاء بهذه الشهادة التى تتعلق بأسلوب إدارة بلده، وربما مصير أهل وطنه لإسقاط هذا التكليف عن بقية المواطنين المؤمنين؟ وبالتالى لا يسأل المتخلف – أمام الله – عن تقصيره فى حجب الشهادة؟ أم أنه فرض عين على كل مكلّف وقادر أن يقوم به شخصيا وإلا سوف يحاسبه الله على تقصيره (بغض النظر عن رأيه فى الدستور المطروح بـ نعم أو بـ لا).
وبنفس القياس، من مدخل فلسفة الفقه أيضا، هل يمكن النظر إلى النزول إلى المظاهرات لمطلب مشروع (أو غير ذلك) على أنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقيين!! طيب!! وإذا أضرم به البعض نار فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة، أين ستصنِّف فعلته هذه أمام الله؟ وهل وضع فى اعتباره أن الله سبحانه سوف يحاسبه وحده؟ أم أنه يتصور أنه سوف يحاسب المظاهرة جماعةً معا؟، وأنهم سيردّون عن بعضهم البعض مع أن كل واحد سوف يسأل فرداً؟!!
إن تقديم هذا الفرع المشرق من المعرفة المسمى “فلسفة الفقه” يمكن أن يضيف إلى فاعلية وإيجابية الانتماء إلى الإيمان الحقيقى وهو يدفعنا دفعا إلى لزوم المشاركة ونحن ننتبه إلى أن الذهاب إلى صناديق الانتخاب، للإدلاء بالشهادة، هو فرض عين على كل المؤمنين إذا قام به البعض لم يسقط عن الباقيين، أو على الأقل هو سنة عين (فثمة سنة عينٍ أيضا، وسنة كفاية!).
فلتحسبها عزيزى القارئ، وتتوكل على الله، وأنت تعمل حساب لقائه وحدك.