نشرت فى الدستور
27-8-2008
تعتعة
استعمال الجسد: فى سعار التنافس وقطع الغيار!!
كل أربع سنوات، تقام هذه الاحتفالية المسماه الأولمبياد، فأدعو الله أن يتوب علىّ من رفض ما اتفق عليه الجميع، لكن الله يحبنى غالبا فلا يستجيب لدعائى. هذا العام زادت حالتى سوءا فرفضت حتى مشاهدة حفل الافتتاح، وحين فازت الصين لم أفرح لها مع أننى تمنيت فوزها على أمريكا بالذات فى أولمبياد أثنيا 2004، أنا أحقد على الصين حقدا جما، وأتمنى أن تضرب أمريكا فى مقتل، تنافسا فى كل مجال، لكننى أتمنى أيضا أن نضربهما معا لما هو صالح الناس جميعا، وهو غير هذا الذى يجرى استهلاكا واغترابا.
بدأ تقليد ما يسمى الألعاب الأولمبية سنة 776 قبل الميلاد، كانت الفكرة هى البحث عن تنافس أرقى بديلا عن الحروب، على شرف الإله زيوس. هذا ما نسميه فى تخصصنا بآليات (ميكانزمات) الإزاحة، والتسامى، ولا تكون الإزاحة ناجحة إلا إذا نجحت أن تحل محل ما هو أكثر بدائية وأشد خطرا، إلى ما هو أرق حاشية وآمن عاقبة، ولا يكون التسامى محترما إلا إذا أدى إلى ارتقاء حقيقى محتويا ما تسامى عنه من غرائز، لا كابتا إياها، فشلت الأولمبياد فى تحقيق أى من ذلك، حروب اليوم هى أشد قسوة وأقل فروسية، وأخبث مخابرات، وأكثر ضحايا، وأخفى وسائل، وأعم إبادة، فلماذا نستمر فى الضحك على أنفسنا عبر العالم وكأن هذا النشاط الجميل الرائع هو قادر يوما ما على أن يحل محل ذلك التوحش البربرى الانقراضى الغبى.
علينا أن نظل نرفض الخداع بالحلول الكاذبة مثل الديمقراطية المزيفة والأولمبياد المنظرة، حتى لو لم نجد البديل الآن، إن الرفض مع الرضا المؤقت اضطرارا غير الاستسلام والتقديس الدائم لأصنام مغشوشة، أما القبول المتألم المؤقت هو الذى يحرك الإبداع نحو الحل الحقيقى، حتى لو تأخر ظهوره مما تأخر.
… منذ قديم، وأنا أراجع مسألة استعمال الجسد لغير ما خلق له، حتى لو سمى ذلك إعجازا أو إنجازا، كما أراجع مسألة التنافس ومجالاته ومعناه وفائدته، ظللت دائما أتحفظ على فكرة تنافس الأحياء على مبدأ البقاء للأقوى. إنما البقاء للأنفع لنفسه ولنوعه وللحياة تناسبا وتناغما مع نبضها على مختلف المستويات: ومازلت – أنهى مرضاى- عن لعبة كمال الأجسام، متضمنة رفع الأثقال، حتى لا يزداد تمركزهم على أجسادهم فذواتهم، دون الناس والطبيعة والكون الممتد.
الجسد البشرى كما يصلنى كل يوم أكثر فأكثر: (من معايشتى للجنون، والشعر والجنس والموت والحلم) هو شريك رائع فى الحوار الإنسانى والإبداع والإيمان منذ خلط صُهَيب الإيمان بلحمه ودمه، حتى إنجازات العلم المعرفى الأحدث، بعد أربع سنوات من المحاولة والخطأ، والمعاودة والنظر، وبحلول أوليمبياد بكين، ازددت يقينا بعلاقتى بالجسد كما خلقه الله، فما عدت أرى نشاطا إنسانيا فائقا إلا من خلاله، حتى الروح – التى هى من أمر ربى – ليست نقيضا له، ومن هنا زاد رفضى لاستعماله للتنافس والتصارع حتى لو أوهمونا أن المسألة هى بديل عن الحروب، ثم يواصلون الحروب بنفس الهمة ونفس التنافس، ليست فقط الحروب الجارية بالسلاح فوق أنهار الدم وكثبانات الجثث، ولكنها الحروب الجارية أيضا على قدم وساق، على يورو ودولار، على بترول وطاقة حيوية من قوت الناس، الحروب قائمة وتتزايد وتتخفى وتستعر طول الوقت، لم يخفف منها، ولا جمّل صورتها أى من هذه المزاعم الديمقراطية والأولمبية.
المفروض أننى أحزن لخروجنا من المولد بلا ميدالية (تقريبا)، لكننى لم أحزن، ولم أفرح طبعا، فما دامت هذه هى اللغة السائدةَ، فقد كنت أتمنى أن نتقنها، ثم نستغنى عنها إلى أحسن منها، أما هكذا فالخيبة بليغة، وحتى الرمز الدال على أننا نعيش فى هذا العالم مثلنا مثل الأمم المحترمة عجزنا عن الحصول عليه.
رفضت مرارا الفرحة بمنظر الصغيرات الفاتنات الرشيقات وهن يرقصن فى الهواء رقصات الإعجاز الجميلة فى تنافسات ألعاب القوى، كيف تصل بنا شهوة الفرجة والتنافس أن نستعمل أجساد هؤلاء الصغيرات بمثل هذا الامتهان القاسى، لنحصل من خلاله على الذهب (بفارق واحد على ستة عشر من الثانية مثلا )!! ما معنى هذا؟ ما جدوى هذا للفتاة نفسها مهما فرحت الصغيرة، من أجل ماذا؟ بديلا عن الحرب؟ لا يا شيخ؟!!
ومع ذلك تمنيت لو كنا شاركنا فى أن نبيع أجساد صغيراتنا لنحصل على الذهب ميداليات، فهذا أفضل وأشرف مليون مرة من أن نكتفى ببيع أجزاء أجسادنا كقطع غيار لمن يملك ثمنها من الأثرياء الذين يتمددون على أرائكهم يتابعون أرقام البورصة والأولمبياد وقوة التدمير وعدد الأشلاء.