“يوميا” الإنسان والتطور
13-11-2007
استطرادات طريفة وسخيفة !! حول كتاب جيّد
عن “السعادة”، برغم كل شئ!
كتاب برتراند راسل “انتصار السعادة” (الذى لن أتناوله تفصيلا اليوم) ظهرت طبعته بغلافها الورقى سنة 1975، وقد كتب قبل ذلك ربما بأكثر من ربع قرن، ربما، فى حين أنه توفى سنة 1970 بعد أن ناهز المائة عام (ولد 1872)، والكتاب إسمه بالإنجليزية the Conquest of Happiness وقد ترجم إلى “انتصار السعادة”، رجعت إلى أصل كلمة Conquest ولم أرتح للترجمة، ولم أجد بديلاً، فرضيت بالترجمة.
هو كتاب إنسان، فيلسوف، شجاع، عالم رياضى: لعله وجد السعادة بطريقته الخاصة، بعد رحلة طويلة من البحث والمحاولة، حتى وصل إلى مرحلة الحكمة المِعْطاء، ويبدو أنه رفض أن يحتفظ بما وصل إليه لنفسه، أو لعله خجل من ذلك، أو ربما وجد أن سعادته تكتمل إذا أهدى خلاصة خبرته التى أوصلته إلى ما وصل إليه، إلى القارئ العادى، فقد أقرّ فى أول خمس كلمات أن “هذا الكتاب ليس موجهاً للعلماء..” وأنه ليس إلا بعض الملاحظات التى يمكن إدراكها عبر ما يُعرف بالحس المشترك (أظن الكلمة بالإنجليزية هى common sense وهى تعنى المنطق البسيط العام العادى)
المقدمة لا تتجاوز صفحة ونصفا (قطع صغير) شغل نصفها المؤلف بمقتطف من شعر “والت ويتمان” يقول:
“أعتقد أن باستطاعتى الاتجاه للعيش مع الحيوانات
فهى مسالمة للغاية…ومتمالكة لأنفسها
إننى أقف وأنظر إليها طويلاً طويلاً
هى لا تعرف الأسى والعويل على أحوالها
ولا تستيقظ مستيقظة فى الظلام..تبكى من خطاياها
ولا تجعلنى مشمئزاً بمناقشة واجبها تجاه الله.
فلا واحد ساخط
ولا واحد منها مصاب بهوس تملّك الأشياء
ولا أحدها يركع لآخر أو لواحد مثله عاش منذ آلاف السنين
هذا بعض ما كان فى المقدمة!
أما ما جاء على ظهر الغلاف فكان مقتطفا من كلمات لبرتراند راسل شخصيا، قال فيها:
“الحيوانات سعيدة طالما كانت بصحة جيدة، ولديها ما يكفى من الطعام، ورغم أن البشر يجب أن يكونوا كذلك، إلا أنهم فى عالمنا الحديث ليسوا سعداء، على الأقل فى الغالبية الغالبة من الحالات”
اقتطاف شعر “والت ويتمان” هكذا لا يسمح لنا أن نتصور أن برتراند راسل يصدقه كله، لكن ماذا عن ما ورد على لسان المؤلف شخصيا على غلاف الكتاب؟ هذا وذاك هو الذى جعل الاحتجاج يقفز منى، لتهجم علىّ استطرادات متلاحقة، قد لا تكون لها علاقة مباشرة بتفاصيل محتوى الكتاب.
نبدأ بالنظر فى شعر ويتمان، دعونا نتفق معه ونختلف.
نتفق على أن الإنسان قد ورط نفسه فيما أدّى إلى حرمانه من السعادة مثل:
(1) العويل على أحواله
(2) الشعور بالذنب
(3) السفسطة العقائدية
(4) هوس التملك
(5) الشرك وعبادة الفرد
(6) التعاسة
ثم نختلف معه فى:
(1) أن الحيوانات مسالمة للغاية
(2) وأنها متمالكة نفسها
(3) وأنها باختصار، سعيدة بحيث نأمل أن نكون مثلها، أو نعيش بينها
ثم توالت الذكريات والاستطرادات هكذا:
الذى استوقفنى فى البداية هو احتمال قبول برتراند راسل نوع سعادة الحيوان مع تواضع مستويات وعيه التى تسهل له هذا التآلف الظاهر، أو احتمال وقناعة راسل أو ويتمان بما يغرى بالعيش مع أو مثل هذا الحيوان السعيد، وبالتالى هو يقدم لنا وصفة تؤدى إلى مثل ذلك، أو قريب من ذلك.
ذكرنى ذلك ببعض ما شاع من طُرَفٍ ونوادر فى هذا الاتجاه حين يخيل إلينا أن الحمار هو الأسعد، وأن النفس المطمئنة هى النفس الهادئة الساكنة الراضية البيضاء، وأن الراحة والكسل الاختيارى هما الدليل على القناعة بما جرى ويجرى، فهى السعادة!
عن والدى أنه قال:
حين أشار رسل هكذا مباشرة إلى نموذج السعادة الحيوانى، تذكرت والدى وهو يعابثنا مردِّدَّا:
“كَبِّرْ على العلمِ يا صديقى، …. ومِلْ إلى الجهل مَيْلَ هائمْ”
“وعِشْ حماراً تعشْ سعيدا، …. فالسعدُ من طَالَع البهائم”
رجعت أيضا إلى حوار الجمعة السابق وقرأت الإبن د. كريم شوقى وهو يقول:
” .. والجهل نعمة، وفيه كرامة، زيه زى الجنون”
ثم يردف
“وحضرتك مصمم تفوقنا من الجهل والكسل اللذيذ والعته البليد”
وعلى ذكر الكسل كان والدى يردد أيضا رجزا يقول
“إن البلادة والكسلْ … أحلى مذاقَ من العسلْ
إنْ لم تصدقنى فَسَلْ … من كان قبلى فى كسلْ
بل إن والدى أيضا كان يعابثنا وهو ينبهنا إلى ضرورة النطق العربى السليم، وأن المعنى يتغير بعدم الدقة فى الالتزام بالتشكيل، ثم يروح يثبت لنا ذلك وهو يحكى لنا عن ما فعله بعض المشايخ الجاهزين لتبرير أى كلام حرفى بتفسير جاهز، (والدى كان شيخا بجبة وقفطانا حتى سنة 1924 قبل أن أولد بتسع سنوات، وهو مدرس ثم “مفتش” عربى ودين) حكى رحمه الله (نكتة أو حقيقة) أن أحد زملائه الطلبة المعممين فى المعهد الأحمدى قرأ الحديث الشريف “المؤمنُ كيِّسٌ فطِنْ” قرأه “المؤمن كِيسُ قُطْن”، فذهب إلى شيخه متعجبا كيف يكون المؤمن كيس قطن، فانبرى شيخه مفسِّرا: أنْ طبعاً، لأن المؤمن مطمئن طيبُ، فقلبه أبيض مثل القطن، وأنه باله رائق، وهو هادئ مستقر، فهو بدين مثل الكيس، ثم يؤكد أبى أنها نكتة، فنضحك، ونفهم، ونحذر الاستسلام الأعمى، كما نحذر التفسيرات الجاهزة، لكنى أعود إلى أصل الحديث الشريف فأسأل والدى عن المعنى الدقيق لكلمة “كيّسٌ”، المؤمن “كيِّس” بتشديد الياء وكسرها، فيفُهمنى أنها من أرق وأجمل الكلمات العربية وأنها ربما تقابل كلمة “جنتلمان” بالإنجليزية، ثم يضيف ضاحكا هل تعرف أن كلمة “جنتلمان” ترجموها بسبع كلمات هكذا “رجل ظريف لطيف مُجَلْجَلٌ لاعيب فيه” ويضحك، فنضحك.
استطراد طويل، لكن هكذا تواردت الأفكار والذكريات تبرر رفضى لهذا الكسل العقلى إذا سمى “سعادة” (وهو مالم يَقُلْ به راسل)
يبدو أن موقفى الحذر من هذه السعادة كما جاءت فيما أورده الصديق المرحوم د. أحمد مستجير فى تلخيصه كتاب “علم اسمه السعادة” يومية 10-11-2007، وأيضا من السعادة التى ترتسم على وجوه صور النساء المرسومة على أوراق الدعاية للأدوية اياها، صورهن وهن يبتسمن بعد أن يتعاطين الدواء الفلانى، يبدو أن هذا وذاك قد صبغا موقفى من الكتاب بمجرد أن قرأت هذه الإشارة فى المقدمة وعلى ظهر الغلاف.
فاجتمع لدى رفض جاهز ضد كل ما هو سعادة جاهزة، وضد سعادة الحيوانات، وضد سعادة شركات الدواء، وضد سعادة الكسل اللذيذ، فلم أستطع أن أوقف الاستطرادا والذكريات، فيقفز عنوان كتاب ترجمه أيضا د.أحمد مستجير فى سلسلة كتاب الهلال باسم “أفكار تافهة لرجل كسول” (يونيو 2000) تأليف جيروم ك جيروم (1989) ربما قفز لى هذا الكتاب أيضا لأترحَّم على هذا الصديق الجميل د. مستجير وأغفر له تلخيصه حَسَن النية لكتاب “علم السعادة”، وكتاب جيروم هو –عكس عنوانه- راح يحركنى ضاحكا فى اتجاه نشط ضد كل كسل، فأقرص أذنى وأقول لنفسى، كفى سخفا وشجبا لكتاب برتراند راسل، وانتظر حتى تناقش محتواه، لكن الاستطرادات تتواصل ويفرض كتاب جيروم نفسه، فأقتطف منه هذا المتقطف الطويل، وأقرر أن أضمنّه اليومية، وهو من فصل اسمه “عن الكآبة“، يقول فيه جيروم:
“…أستطيع أن أتمتع بالشعور بالانقباض، وهناك شعور ضاف بالرضا عندما تكون تعيسا..لكن ليس مَنْ يحب نوبة من الكآبة، ورغم ذلك فكلنا يصاب بمثل هذه النوبات. أياً كان نوع النوبة، فإن أحدا لا يدرى لها سببا. ليس ثمة تبرير لها. فلقد تصيبك بعد يوم واحد من وقوعك ثروة هائلة، مثلما قد تصيبك فى اليوم التالى لنسيانك مظلتك الحريرية بالقطار.
فإذا تمكنت منك النوبة فلن تستطيع أن تفعل شيئا، ولا أن تفكر فى شئ، لكنك ستحس فى نفس الوقت بضرورة أن تقوم بعمل ما. لن يمكنك أن تجلس ساكنا. ستضع قبعتك فوق رأسك وتخرج لتتمشى، ما ان تبلغ أول ناصية حتى تتمنى لو أنك لم تخرج، فتكر راجعا إلى منزلك، تحاول أن تقرأ، فتكتشف أن شكسبير ليس إلا كاتباً مبتذلا، وأن ثاكرى ممل، وأن كارلايل عاطفى أكثر من اللازم. تلقى بالكتاب جانبا، وتجلس تسب الكتُّاب واحدا واحدا. تطرد القطة الملعونة من الحجرة، وترفس الباب مغلقا إياه خلفها. تفكر فى أن تكتب خطابا، فتبدأ: “خالتى العزيزة . وجدت الآن أن وقتى يسمح لى بخمس دقائق، فأسرعت أكتب إليك”. لن تجد غير هذه الجملة، فتجلس أمامها ربع ساعة دون أن يلهمك الله جملة أخرى. تلقى الورقة فى درج مكتبك، وتقذف بقلمك مفتوحا فوق مفرش المنضدة فتلوثه بالحبر.
تحس الآن أنك شخص محطم مسحوق، وتتمنى أن يأخذك الله إلى سماواته ويريحك. تتخيل نفسك راقدا فى فراش المرض ومن حولك كل أصدقائك وأقاربك ينتحبون. تباركهم جميعا –لا سيما الجميلات منهم. سيقدرونك حق قدرك عندما تقضى- هكذا تقول فى سرك- ثم تقارن، والمرارة تملؤك، بين ما يبدونه من احترام لك عندما تقضى، وبين قلة توقيرهم لك الآن .
تتسبب هذه الأفكار فى أن تحس ببعض البهجة، لكن ذلك لا يستمر طويلا، إذ سرعان ما تتذكر مدى بلاهتك إن أنت تخيلت للحظة أن هناك من سيحزن من أجلك. بالله من سيهتم حقا بك إذا أنت نُسفت أو شُنقت، أو تزوجت، أو غرقت؟ لا أحد يهتم بك، لا أحدَ! من قدَّرك يوما حق قدرك؟ من منحك يوما ما أنت جدير به من تبجيل ؟ تستعيد ماضى حياتك كله. إن الواضح الجلى أنهم جميعا قد أساءوا استخدامك منذ كنت فى المهد صبيا
تغرق نصف ساعة تتفكر فى هذه القضايا، فتستشيط غضبا من كل الناس، لاسيما من شخصك. ولولا تلك الأمور التشريحية التى تعرفها لأعطيت نفسك “شلوتا”
إلى أن قال:
هذا –على الأقل- ما نفعله نحن العزاب فى هذه الظروف . أما المتزوجون فلهم طرقهم الأخرى . فهم يشرعون فى التنكيد على زوجاتهم، وفى الدمدمة أثناء تناول الطعام …الخ
صحيح أن المقتطف طويل، لكننى لم أستطع أن أختزل منه مايكفى، ولعل به دعوة لأصدقائى زوار الموقع ليقرأوا الكتاب، وأيضا هو مثير للتساؤل: كم من الأطباء يعرف هذا الوصف للكآبة هكذا؟! لقد خفف هذا الفصل عنى كآبتى دون تعاطى حبوب السعادة اياها، ولو تركت نفسى لفرضت عليك –عزيزى زائر الموقع- الفصل كله حتى تصدقنى قبل أن أنتقل إلى استطرادٍ شخصى أسخف.
هل الحيوانات سعيدة؟
عندنا فى الطب النفسى عرض اسمه Ecstasy ولم أجد له ترجمة دقيقة فى لفظ واحد حتى الآن، هذه الحالة الخاصة من اضطراب الوجدان، هى خليط من “الهدوء الحالم والافتتان لدرجة تقترب من الذهول” الجميل، وحين كنت أشرح لطلبتى الفرق بين هذه الحالة وبين “فرط المرح” Elation أو “فرط الابتهاج“، كنت أقارن بين ذلك الهدوء الجميل الذى كنت أشاهده والجاموسة بكل حجمها الضخم تتمايل بجسدها بهدوء رائع وهى تستحم فى ترعة بلدنا، وبين قفز كلبتنا الصغيرة أمام والدى وهى تستقبله فى حديقة بلدنا مهللة فرحة بقدومه محتفظة بالمسافة التى قررها هو لها، فتعلّمتْ ألا تتجاوزها، فبقدر ما كان أبى يحبها ويأتنس بها فى وحدته باستراحته فى حديقتنا خارج القرية، كان يضع لها حدوداً لا تتخطاها، ولفرط تعلقها به كانت تحترم هذه الحدود، التى لا تمنعها من استقباله مبتهجة بكل هذا القفز والتهليل الصاخب، مقارنة بنعومة السعادة الذاهلة عند جاموستنا حين تستحم فى الترعة.
نفس هذه الحالة من الذهول الجميل الذى وصفتُهُ فى جاموستنا فى الترعة يمكن أن تشعر بمثلها على وجه مواطن صالح فى الحزب الوطنى يتابع خطبة الرئيس، كما يمكن أن تشعر بما يقابلها أو يشبهها –من الظاهر- فى وجه بوذى يتأمل، أو صوفىّ وَصْل، أو خيل إليه أنه وصَلْ، أو مبدع توافق مع إبداعه، الفرق بين سلاسة وانسياب حركة هذا الجسم الضخم فى الترعة، والمواطن الصالح عضو الحزب الوطنى، وبين نشوة وانجذاب متصوف لاح له نور ربه، هو فرق بين السماء والأرض برغم، ظاهر التشابه (وسوف نرجع إلى توضيح ذلك يوما).
أنا لا أدعى أن كتاب برتراند راسل قد تناول السعادة بالمفهوم الذى توحيه ظاهرة كلمات “ويتمان”، أو حتى ما جاء على ظهر الغلاف. وأعترف أن كل ما جاءنى بكل هذه الاستطرادات ليس له علاقة بالكتاب، وإنما أنا أنبه إلى ضرورة البدء بالحذر من طرح مفهوم لكلمة بهذه الأهمية الشائعة مثل كلمة “السعادة” فى “سوبر ماركت” الكلام بما لا يتناسب مع استحالتها، مهما كانت حُسْن نية كهل حكيم جميل كريم لم يبخل علينا بخلاصة تجربته.
من أهم ما يميز هذا الكتاب هو انه بدأ بالتعاسة “مسببات التعاسة“، هذا هو الجزء الأول، أما الثانى فهو “مسببات السعادة”، فقفز لى تحيز مضاد جديد، فأنا لا أنكر أنه أصبح عندى نوع من الحساسية كلما ركز أحدهم على السؤال عن المسببات، أوتبرع بتعدادها، حتى لو كان براترند راسل، من أين لنا أن نعرف السبب بعد السبب بهذا الربط الخطى بين أكوام الجارى حولنا أمس واليوم ودائما.
ولحين أن أتخلص من بعض مواقفى المضادة هذه، دعونا نؤجل مناقشة هذا الكتاب الذى أفادنى بحق فى أمور كثيرة كانت غائبة عنى، كما نبهنى إلى أخطاء كثيرة كنت متورطا فيها، (ألا يكفى هذا لأعتذر عن كل ما أصابه منى قبل تقديمه).
هأنذا أعتذر، وأدعو له – للمؤلف- برغم أننى أعرف موقفه من دعواتى هذه، لكننى أدعو له رغم أنفه، وأثق أن الله سيرحمه دون أن يستأذنه.
وأترك الكتاب مؤقتا حتى أعود إليه باحترام مناسب، وشكر هو أحق به، وأقدّم –مضطرا رافضا ما أقدّمه- موقفى من هذا المفهوم الغريب “السعادة“، كما تحدَّدَ لى من طول ممارستى الحياة أنا أيضا (أصغر منه وقت ماكتب الكتاب بربع قرن فقط)، داعيا الله أن يأخذنى قبل أن أصبح أكثر حكمة!!
وفيما يلى، ما خطر لى “الناحية الثانية” (!!)
خطوط عامة (وفروض) للمناقشة :
1- إنه لايجوز الحديث عن السعادة أصلاً، (أو البحث عنها)، فهذا فى ذاته: ضدها(1)
2- إن الوعى بها (أو بأى مسمّى باسمها) هو نتاج جانبى لحياةٍ قادرة على إفرازها من ورائنا، بما يسمح لها أن تتسرب إليك من باب تركته مفتوحاً دون قصد .
3- إنها حركة نابضة، عميقة وغامضة، وجميلة وساحرة دون إعلان ذلك، وهى لا تتعارض مع الألم الحى، والحزن الخلاّق .
4- إنها متعددة التجليات بتعدد التباديل، والتوافيق مع سائر مستويات وجود الفرد وتقلباته، لكنها فى النهاية حضورٌ كلىّ مشتمل
5- إنها مسامّية (تسمح بالدخول) انتشارية (يستحيل حبسها فيمن يتمتع بها وحده لنفسه)
6- إنها نمائية (من النمو)، إذْ تواكب وتدفع إلى ما بعدها، والذى هو هى، لكنه مختلف
7- وهى غير حاضرة بما هى إلا “الآن جداً“، “الآن فقط“، “الآن الممتد أبدا”،
8- وهى القادرة على أن تملأ الوقت بما يستحق أن يُملأ به، بغض النظر عن نوع محتواه
9- وهى غير قابلة للتعريف، ولا حتى بأنها ضد ما هو عكسها!!
10- وهى ما تبقى فيك رغما عنك مما سبق ذكره، ما تبقى من كل ذلك، مما هو ليس أيا من ذلك!!
وبالتالى فهى أبعد ما تكون :
– عن سعادة الحيوان
– عن النفس الساكنة (المطمئنة خموداً)
– عن الرضا المغلق
– عن الدوام (الخلود)
– عن الإجابات الحاسمة النهائية، مهما كانت صحيحة.
وبعد
لو أنها هى كما ذكرنا الآن، فهى “ليست السعادة” التى يتحدثون عنها
ولو أنها “السعادة” فعلاً فلن يجرؤ أحد أن يدّعى أنه سعيد .
اقتراح عملىّ (لا تأخذ به من فضلك):
“تصورتُ أنه …، أننا… يمكننا أن نكتشف، بما نحن فيه “الآن”، دون أى جهدٍ إضافىّ، أن كل ما ذُكِرَ سالفا هو موجود لدى أى واحد منا، حالاً،
وأننا لا نشعر به لأننا لم ننتبه إلى أنه يدخل فعلاً من الباب الذى نسينا أن نغلقه (بند 2)،
وأن كل ما علينا هو أن ننتبه إلى هذا الباب المفتوح أصلاً،
لعلنا نستقبل منه بعض كل ذلك،
برغم كل ما هو ليس كذلك !!
آسف والله العظيم
لم يكن قصدى
ولكنه صدر منى من فرط الغيْظ المُحِبّ لكتاب برتراند راسل العظيم
– أى والله.
[1] – يقول ألبير كامى: إنك لن تحقق السعادة أبداً ما دمت تبحث عنها، كما أنك لن تَحْيا أبدا طالما أنت تبحث عن معنى للحياة .
تقول إديث وارتون: … لو فقط توقفنا عن محاولة أن نكون سعداء، لأتيح لنا وقت طيب (أطيب).