أسئلة حول الأسرة والمرأة
مع أ. د. يحيى الرخاوى
ــــــــــــــ
الكذب عند المرأة
– هل هو طبيعة أنثوية، أم هو عادة، ومتى تكذب المرأة ؟
طبعا لأ. حكاية أن توصف المرأة بطبيعة خاصة وبالذات فى المسائل الأخلاقية، وتحديدا الأخلاق السلبية هى حكاية ضعيفة وخاطئة، علميا، وموضوعيا، صحيح أن هناك فروقا بين الرجل والمرأة بصفة عامة، والمساواة أمر مضحك ليس كمثله شذوذ إلا ما نشر مؤخرا عن إمكانية حمل الرجل فى سبعة أشهر بزرع بويضة ملقحة فى التجويف البطنى إلخ، (ياساتر!!)
الفروق بين الرجل والمرأة فروق نوعية تساعد وظيفة كل منهما البيولوجية، لا الوظيفة الأخلاقية، ولا الوظائف الذهنية العليا (مثل الذكاء العام مثلا)، وهذه الفروق النوعية لا يدخل فيها الصدق والكذب، ولكن الذى حدث أن المجتمع فرض على المرأة قهرا شديداً طول التاريخ، وحتى اليوم، وحتى فى البلاد المتحضرة، فمرتب المرأة حتى الآن فى أمريكا - مثلا- وهى تؤدى نفس الوظيفة أقل من مرتب الرجل، وبالتالى فإن المرأة اضطرت إلى الرد بأى سلاح ومن بينها الكذب، ثم إن المرأة تكذب إذا وجدت الرجل أمامها لا يريد أن يفهم الصدق، الرجل الغبى هو الذى يضطر المرأة للكذب فى رأيي
أما أن الكذب عادة فهذا أمر أيضا يحتاج إلى وقفة، لأن أى سلوك لا يصبح عادة إلا إذا تكرر وتأصل، وبالتالى فالكذب عند المرأة ليس عادة ابتداء بقدر ماهو محتمل- مثل أى سلوك – أن يكون عادة، وذلك بالتكرار أساسا، والتكرار قد يكون استسهالا نتيجة لمكسب سابق من كذب سابق، فهو نوع من تعلم السيء، وقد يحدث التكرار نتيجة لاستمرارالظروف التى تضطر المرأة للكذب مثلما ذكرنا.
وأعتقد أخيرا أننى أجبت ضمنا على ” متى تكذب المرأة”
*****
الرجل المطلق والزوجة الجديدة
– هل هناك مظاهر نفسية يمكن أن نصف بها الرجل المطلق؟
أعتقد أن التعميم لا يجوز، فليس كل مطلــق كالآخـر، كما لا يوجد سبب عام أو مشترك للطلاق وعموما فإن الطلاق فى ذاته يعلن صعوبة (أو استحالة) استمرار علاقة حميمة مشتركة بين فردين، ولا يمكن أن نضع اللوم على أحد الطرفين دون الآخر، وعادة ما يكون الطلاق نتيجة لتصرف الاثنين معا بغض النظر عن من ذا الذى بدأ بشرخ الجدار
بل إن علم نفس الضحية victimology يجعل الضحية مشاركا فى الجريمة التى لحقت بها وذات مرة كتبت فى ذلك شعرا عاميا يقول:
” تبقى جريمة عاملها اتنين – كل جريمة عاملها اتنين
ذنب المقتول ذنب القاتل – أصله استسلم….””
هل إذا تزوج الرجل المطلق يكون عرضة أكثر لطلاق جديد أم أنه يكون قد أخذ درسا فيصبح أكثر تحملا وأكثر تكيفا.
أظن أن الاحتمالين قائمين، فالاحتمال الأول هو التكرار وهو ما يسمى إعادة النص، يشير إلى أن الذى لا يتعلم من الخبرة السابقة يميل إلى تكرارها على وهم أنه سينتصر عليها هى هي، وكأنه لم يفشل، ويظهر هذا فى حالة الزواج من زوجة جديدة تشبه الزوجة الأولى تماما أو كثيرا.
وهناك من يتعلم من الخبرة السابقة فيصبح أقدر على فهم هذه المسئولية الصعبة، ويفرق بين أحلام ما قبل الزواج وصعوبات الزواج.
– فماذا عن الزوجة الجديدة وموقفها؟
يتوقف هذا أيضا على شخصيتها وتاريخها، فأحيانا ما يذهب المطلق إلى المقارنة بين القديمة والجديدة بشكل أو بآخر، وتكون المقارنة لصالح القديمة فى كثير من الأحيان، وهذا ظلم بين، فلو أن القديمة كانت… وكانت… كما يتصور أو يزعم، فلماذا حدث الطلاق؟
والزوجة الجديدة مسكينة، وخاصة إذا كان الأمر متعلقا بأدق تفاصيل الحياة الزوجية، إذ يحدث أحيانا أن يناديها الزوج باسم القديمة وهكذا والمثل العامى الذى يقول ” القديمة تحلا… ولو كانت وحلة” هو مثل يشير إلى مثل هذا الاتجاه إلى التقدير بعد الفراق عند الزوج صاحب السوابق، وعلى الزوجة أن تعمد إلى عدم المواجهة، وإلى رفض المقارنة حتى لو كانت أسهمها أرجح، لأنها إذا انزلقت إلى مثل ذلك هزت ثقتها بنفسها، وضيعت حقها فى حياة جديدة مستقلة فى واقع جديد مختلف.
– المشاجرة بين الأزواج؟ الخلافات الزوجية لماذا تزيد فى شهر رمضان، ولماذا يكون الزوج دائما هو السبب فيها؟
ليس إلى علمى – إحصائيا أو حتى انطباعيا- أن الخلاف بين الأزواج يزيد فى شهر رمضان، أكثر من الخناق بين أى اثنين فى مجال احتكاك عادى.
وهناك احتمال أن الشجار يزيد بصفة عامة بشأن ما يشاع عن عدم احتمال الجوع والعطش بما يجعل عتبة الإثارة منخفضة تماما.
أوبسبب هبوط السكر فى الدم بما يجعل التوتر عالى الحدة أصلا. أو بأسباب ” التلكيك” الذى يدعيه البعض لإطلاق طاقةعدوانه ( وهو فى الأغلب).
أما بين الأزواج فقد يكون السبب اقتصاديا قبل أن يكون نفسيا أو بيولوجيا فنحن نعرف مدى تزايد الالتزامات – بغير داع - فى شهر رمضان.
ونحن نعرف كيف يصبح قدوم العيد هما بدلا من أن يصبح فرحة لو أن أفراد الأسرة لم يضعوا فى الاعتبار واقع الحال واشتداد الأزمة، وبالتالى تصبح المسائل جاهزة للشجار.
وأخيرا: فلا أعتقد أن الزوج دائما هو السبب، من أين لكم بهذه المعلومات، اللهم إلا إن كنتم تعتبرون علو الصوت، هو دليل الاتهام (والزوج أحيانا كثيرة يكون أعلى صوتا) ثم نتناسى الإغاظة والقمص النسائى وهما ( فى تصوري) أصل الحكاية.
*****
اتجاه الرجل لامرأة أخرى غير زوجته
– ما هى الأسباب النفسية لاتجاه الرجل لامرأة أخرى غير زوجته؟
الزواج ليس عقد ملكية احتكارية، ولكنه تنظيم اجتماعى ودينى، ولابد من التفرقة بين القدرة على الحب وهى قدرة مطلقة نحو كل ما هو جاذب، ومتناسق وجميل، وبين ما يترتب على هذه القدرة من احتياجات وتنظيمات وعلاقات، فالأصل فى الإعجاب والإنجذاب أن يكون عاما وشائعا، والمتفق عليه بالنسبة للإرتباط والزواج هو أن يكون خاصا ومحددا ومعلنا وملزما، واتجاه الرجل (أو المرأة) نحو الإعجاب بأخرى، أو حتى حبها ليس شاذا ولا هو غريب، أما أن يترتب على هذا الاتجاه خلخلة للعلاقة الأولى، أى أن يكون على حساب العلاقة الزواجية المعلنة والملتزمة فهذا هو ما ينبغى الوقوف عنده.
وأحسب أن هذا الجو الإنسانى من السماح والطيبة والعلانية، هو الوقاية الحقيقية ضد الألعاب السرية، والانحرافات التحتية، كذلك فإن الانصراف عن أفكار الملكية الخاصة والاحتكار، مع الالتزام بالعدل والمصارحة والثقة هو السبيل لجعل العلاقة الزوجية تنظيما شريفا ملتزما، وليست سجنا خانقا يحاول المسجون فيه أن يقفز من فوق أسواره حتى لو كان ما ينتظره فى الخارج أسوأ مما يتمتع به فى داخله
– ماذا تفعل الزوجة لإعادة زوجها من أحضان امرأة أخري؟
أولا: على الزوجة أن تثق بنفسها فعلا، وألا تهتز وتنهار، أو تستعطف وتتمادى فى الاستجداء، أو تثور وتصاعد فى العدوان.
ثانيا: عليها أن نعيد النظر فى حقيقة العلاقة القائمة بينها وبين زوجها، وفى دورها فى ذلك، وعما إذا ما كانت قد استرخت واطمأنت حتى أهملت وكسلت،
ثالثا: عليها أن تدرك أن تعود زوجها عليها يعطيها مزية مؤكدة، حتى ولو كان هذا التعود يحمل مظنة الرتابة والتكرار، فإنه أيضا وقبلا يحمل معانى الطمأنية والألفة
رابعا: عليها ألا تعتبرها معركة كرامة، ولكننى أنصحها أن تراها فرصة إعادة نظر، وأنها ستكسب إن آجلا أو عاجلا.
خامسا: كما أحسب أنها ينبغى ألا تقع فى فخ الانتقام بالمعاملة بالمثل، لأنها قد تخسر نفسها أيضا، ولا تكسب زوجها أصلا.
– وماذ تفعل حتى لا تنتهى المسألة بالطلاق؟
تفعل كل ما سبق شرحه، وفى نفس الوقت لا تعتبر الطلاق هو نهاية العالم، فبعد أن تؤدى دورها بشرف، وتعيد النظر، وتصلح ما أمكن، لتكن على يقين أنها ليست وحدها المسئولة عن هذه النزوات، وأن من لم يقدرها بعد كل هذا فى نهاية النهاية، هو لا يستأهلها أصلا، وهذا وحده يكسبها قوة على قوة مادامت قد صبرت والتزمت وتعلمت وأمهلت وأصلحت.
*****
أخفاء الرجل عمره
لماذا يخفى الرجل عمره؟
ولماذا لا يخفى عمره، وهل مسموح للمرأة أن تخفى عمرها وغير مسموح للرجل بمثل ذلك، أليس المناسب أن يكون السؤال عاما لكل من الرجل والمرأة.
ونبدأ من البداية بـم يقاس العمر أساسا (بشهادة الميلاد - بدرجة الصحة الجسدية – بالموقف من الحياة)
العمر هو كل ذلك معا، فشهادة الميلاد تحدد كـم من الزمن قد مر على فرد بذاته منذ ولادته، لكنها لاتحدد ماذا تم فى هذا الزمن، وهل مازال العد تصاعديا أم بدأ العد التنازلى.
إن إخفاء العمر هو كذب هروبى يعلن أن الانسان (الرجل) قد سرقه الزمن؟ وأنه لا يملك إزاء ذلك إلا أن يوقف الزمن أو يسرق الزمن كما سرقه، وهذا الكذب فى ذاته يضاعف العمر ويجعل الكاذب أكثر كهولة.
ثم إن الرجل المعاصر هو أحوج إلى إخفاء عمره من المرأة ( فى رأيى ) فالرجل المعاصر مغترب مقهور، وهو يعوض هذا وذاك بادعاء شباب زائف، أما الشاب رغم شهادة الميلاد فهو الذى يستطيع أن يعيش العمر الذى يريده بإيجابية متحدية، ليس بأن يتشبه بالشباب فى الملبس والمظهر، وإنما بأن يمارس شبابه بالحفاظ على قدرته على الدهشة، على رغبته فى التغيير، على مغامرته للبدء من جديد، على احترامه لسنه باعتبار أنه جماع خبرته، على احترامه لحكمته إذ تنبض بشباب قادر، شباب منتصف العمر (الذى يمتد حتى بعد الستين) هو أقدر على العطاء من شباب العمر الأول الطائش أو المتعجل أو سهل الإحباط.
ثم إن الرجل يخفى عمره حين يدخل صفقه خاسرة يرشو بها امرأة أصغر منه، ليس بحضوره الراسخ المخترق، وإنما بكذبة سرعان ما تعريها التجربة.
العمر هو ماتقرره أنت لنفسك، بصراحه، وفاعلية ومسئولية واحترام ومغامرة وتجديد وإبداع وفرحة.
فلماذا – بعد ذلك – يخفى الرجل عمره.
*****
أخفاء الزوج مشاعره تجاه الزوجة
– لماذا يخفى الرجل مشاعره عن زوجته؟
أولا ينبغى أن نتعرف على ما هو المقصود بالمشاعر، وكذلك ما هو المطلوب من الرجل أو من المرأة إزاء مشاعره.
إن العصر الحديث لم يعد يحتمل الأشكال القديمة لإظهار المشاعر، ومسألة “شايفة القمر يا ليلي” هذه أصبحت نكتة لها دلالتها، بل إن سلسلة كاريكاتير (مما كاد يصبح موسوعة مستقلة) ” الحب هو: لأحمد رجب ومصطفى حسين” إنما تعلن موقف ناقد يكشف بشكل واضح عن الهزل الذى يمكن أن تحمله مثل هذه الصيغة القديمة
– هل تعنى أن المفروض حتى يكون الزوج عصريا أن يخفى مشاعره عن أقرب الأقربين إليه؟
لا طبعا، هذا غير وارد إطلاقا، الإنسان يحتاج دائما إلى أن يتواصل مع إنسان آخر يشعر به ويشاركه، ولكن إبداء المشاعر بألفاظ شاعرية ليس هو النوع الأمثل للمشاركة بل إن إبداء المشاعر قد يكون أحيانا ضد هذه المشاركة إذا أخذ شكل الشفقة المفرطة أو المجاملة المبالغة.
المهم فى العلاقات الإنسانية هو أمران أساسيان:
الأول: وجود مشاعر حقيقية تجاه موضوع (آخر) حقيقى.
والثانى: أن تصل هذه المشاعر عبر قنوات التعبير إلى صاحبها.
وحتى يتحقق الشق الأول بين الزوج والزوجة مع التركيز على موقف الزوج: لا بد أن يرى الزوج زوجته على أنها كيان مستقل، وفى نفس الوقت يرى العلاقة بينهما أنها علاقة تكاملية، وليست إستعمالية، وكذلك تكون الرابطة هى رابطة إضافة ( يضيف كل منهما إلى الآخر ما ينقصه) وليست رابطة جوع واحتياج فحسب.
أما الشق الثانى فلا يصح أن نعتبر أن التعبيرات اللفظية مثل: أنا أحبك، أنا لا أستطيع الاستغناء عنك..إلخ هى المقصودة بالتعبير عن المشاعر، فمثل هذا هو إما تحصيل حاصل، وإما تسطيح فارغ، وإنما يكون التعبير بالمبادرة بأن يرى الزوج حقيقة ماتعطيه زوجته، وأن يكون شاعرا بالجميل والطيبة والود، وأن يبادر فيرد الجيمل عملا واقعيا وتحملا ورؤية، وأن يرى الضعف والخطأ فى نفس الوقت الذى يرى فيه الجمال والألفة، وأصدق التعبير عن المشاعر هو ما كان فعلا حقيقيا، وتعاونا بناء، وحمل هم الآخر بشكل جدى وفعال.
ولكن دعينى أعترف لك أن كثيرا من الزوجات يفضلن كلمات حلوة (ولو كاذبة) عن موقف شهم غير واضح المعالم، ولا أظن أنهن مخطئات على طول الخط، لأنه ليس من المفروض أن تظل المشاعر حبيسة حسن النية، أو أن يظل التعبير عنها مظهر ضعف كما يتصور بعض الأزواج المصريين والعرب خاصة، وفى نفس الوقت إن التى تطلب الإكثار من عبارات الحب والتودد قد تخطئ حين تطلب أكثر كلما أخذت أكثر، لأنها قد تفعل ذلك لأن العطاء يصب فى وجود مثقوب: مثل الذى يشرب الماء المالح يزداد عطشا كلما شرب أكثر.
خلاصة القول: إن لحظة من المشاعر الصادقة تصل عبر نظرة حنان عميقة أو فعل شهم صامت أفضل مائة مرة من تعبير لا يدل إلا على الشفقة أو الاستعلاء أو النفاق أو السطحية.
*****
الأسرة المصرية والفروق الثقافية
– ماذا عن الأسرة المصرية والفروق الثقافية (وصراع الأجيال)؟
- الأسرة المصرية مازالت بخير نسبى إذا ما قورنت بالأسرة فى البلاد الأكثر تحضرا أو الأكثر تخلفا ففى البلاد الأكثر تحضرا يوجد اهتمام هائل بالطفل ولكن لمدة محدودة، وهذا الاهتمام هو أكثر من خلال منظمات الدولة أكثر من الأسر نفسها وفى البلاد المتخلفة يتوارى دور الأسرة فى وحدات أكبر مثل العائلة (الكبيرة) أو القبيلة، والأسرة فى مصر، هى أسرة متضخمة ممتدة، يمكن أن يظل فيها الإبن والإبنة ملتصقين بها حتى سن متأخرة (حول الثلاثين) لأسباب اقتصادية واجتماعية، فى حين أن الأسرة فى البلاد المتقدمة يستقل فيها الأطفال استقلالا حقيقيا حول الثامنة عشر على الأكثر، وفى البلاد الأكثر تخلفا يعمل الزواج المبكر على تكوين أسر جديدة مبكرا.
فهل معنى ذلك أن الأسرة المصرية أكثر تماسكا أو أقوى بنية..؟
ليس بالضرورة فالأسرة الآن يجمعها المكان ولكن لا يربط بينها حوار حقيقي، أو نشاط مشترك، أو هدف واحد، أو لغة واحدة، فوجود عدة أجيال مع بعض فى نفس المكان لم يجعل الفرصة أكبر للحوار بين الأجيال، بل كما يقول التعبير العامي: “كل من هو فى حاله، وهذا التعبير لا يشير إلى الاستقلال ولكن إلى الانفصال، والفرق بين الاستقلال والانفصال هو أن الأول (الاستقلال) يشير إلى تكوين كيان جديد قادر على الحوار مع الكيانات التى انفصل عنها مثل ما يحدث فى التكاثر البيولوجى فى الكائنات الأولية حيث تتكون كيانات كاملة من الجزء الذى يترك الكل، أما الثانى (الانفصال) فهو يشير إلى أن الجزء المنفصل يظل جزءا ولا ينمو إلى وحدة كلية جديدة مثلما تفصل أرجل مقعد عن قاعدته ثم تتكوم الأرجل والقاعدة متجاورة، فلا هو يظل مقعدا يقوم بدوره كمقعد، ولا تطورت الأجزاء المنفصلة لتصبح مقاعد جديدة ولو كراسى حمام.
أما حكاية الصراع بين الأجيال فهو أيضا له طبع خاص فى الأسرة المصرية، فقد اعتدنا أن نستورد مثل هذه المصطلحات ثم نصكها على ما يجرى عندنا، بل نجرى الأبحاث فى اتجاها بنفس فرض المشاكل المستوردة، ولا بد من الانتباه مشددا إلى اختلاف نقطة الانطلاق فى رؤية المشاكل قبل أن نندفع للبحث فيما هو غير موجود عندنا فرحين بالمنهج متحمسين للتقليد، ومن خلال خبرتى المحدودة أستطيع أن أقول إن الصراع يحتاج إلى قوى متقاربة تتصارع، وإلى قضايا خلافية تكون موضوع الصراع، وعندنا فى الأسرة المصرية لا يملك الجيل الأصغر مقومات قوى الصراع، فإذا امتلكها (بالسفر أو بالاستقلال المادى النادر) كف عن الالتفات إلى الجيل الأكبر وانصرف إلى الصراع خارج الأسرة فى مسيرة أكل العيش أو تكوين الوحدة الجديدة فى المجتمع، وهذه “المناقشات” التى تحدث فى سن المراهقة ليست صراعا بالمعنى المعروف، ثم إن الجيل الأكبر منهك ومشوش حول القضايا الأساسية التى يمكن أن يتصارع بها مع الجيل الأصغر، بل لقد ظـهر عامل غريب فى صراع الأجيال فى الأسرة المصرية جعل المنطق معكوسا، فمع الاندفاعية الدينية الإيجابية والسلبية للجيل الأصغر أصبحت النصيحة وشبه النصيحة، وأوامر الالتزام أو الإلزام، تصدر جميعها من الأصغر المتدين (أو الذى يعتقد أنه كذلك) إلى الأكبر المتسامح أو الضعيف، وكل هذه الفروق ينبغى أن توضع فى الاعتبار ونحن ننظر إلى الأسرة المصرية.
– وماذا عن التغيير الذى طرأ على دور الأب والأم ( الزوج والزوجة من سلبيات مؤخرا)؟
أما عن دور الأب والأم فهو قد تغير بشكل يستدعى النظر فعلا، فمن ناحية تراجع دور الأب الحازم الحاضر، وكلمتا الحازم الحاضر غير القاسى اللحوح، أو القاسى المدير، وعلى الجانب الآخر تراجع دور الأم الحانية الودود التى تتركز أمومتها فى أنها متلقية ومنصتة ومسامحة (مفوتة) رغم إنذاراتها الطيبة الجوفاء !!!
فماذا حل محل هذا وذاك؟ طبعا لا يصح التعميم، ولكن ثمة الأب: (1) مهزوز بدرجة أو بأخرى أمام زوجته وأمام أولاده، وهو الذى لا يحسم الأمور بالقدر الكافى الذى اعتادته الأسرة المصرية من قبل (2) وأب مهزوم، ولا أعنى بالهزيمة نتيجة معركة ما، وإنما أقصد أنه مهزوم بلا قضية، وبهدف غامض، ومستسلم تحت عناوين مختلفة، مثل أنه لا فائدة، أو أن الظروف أقوي، ومثل هذا الأب هو الذى يكرر للأولاد حكاية “أنتم أحرار”، فى حين أنه هو شخصيا ليس حرا، و(3) أب غائب، والغياب هنا ليس فقط الغياب بالجسد، وإنما هو غائب بمعنى أنه إذا تكلم إليه لم يسمع، وإذا حضر لم يستشر، وإذا استشير لم يفت، وإذا أفتى لم يعلن مسئوليته عن فتواه، وبالتالى فهو إن غاب لا يسأل عنه و (4) أب مستثمر وهو الذى يعامل أولاده فى الدراسة وغيرها باعتبارهم مشروعا استثماريا يكمل نقصة ويحقق طموحاته هو لا ما يكملون به ذواتهم، أو يحققون إبداعاتهم.
أما الأم: الآن – ولا أعمم أيضا- فهى أكثر اضطرابا: مابين (1) أم بعض الوقت، وهى الأم التى تتوهم المساواة فى حين أنها تقوم بعملين (على الأقل) دون تقدير أو رد جميل، عمل يزيد مصدر الأسرة، وعمل ربة المنزل، و (2) أم متفرغة مع وقف التنفيذ !! فالأولاد لا تتحاور معهم، وتكاد لا تعرف عنهم شيئا، رغم أنها مشغولة طول الوقت بالحديث “عنهم” لا “معهم” فهى تنقلب مديرة منزل لا أكثر و (3) وأم ممتلكة تعامل أولادها وكأنهم ملكية خاصة، لا ينقص إلا أن تسجلهم فى الشهر العقارى، وهى بالتالى تتدخل أكثر مما يجب، وتتجسس أكثر مما يجب.
وأكتفى بهذا لأنتقل لآخر نقطة وهى علاقة الزوج بالزوجة:
وأحسب أن هذه العلاقة أيضا أصبحت تحتاج إلى وقفة، فالأسرة المصرية الآن تفتقر إلى رابط يربط الزوج بالزوجة قبل وبعد الأولاد، قبل وبعد الخوف من المجتمع، وكأن الزوج يرتبط بالزوجة إما بضغط خارجى (الخوف من المجتمع) وإما لعامل مساعد سرعان ما يصبح هو كل شيء، وهذا العامل (الأولاد ) يقع بينهما ولا يجمع بينهما إلا فيما يخصه، والأصل فى العلاقة الزوجية أن يكون ثمة جذب متبادل مباشر، فكل طرف يكمل الآخر إذ يحتاجه لنفسه، وأن يكون لها توجه مشترك، بمعنى أن يجمعهما هدف ضام، يجعل حركة كل منهما كل على حدة تقرب الواحد من الآخر، مثل هم عام مشترك، أو توجه معرفى مشترك، أو حتى مشروع استثمارى (غير الأولاد) مشترك، لكن اختفاء هذه العوامل فى معظم الأحيان يجعل الزوجين متجاورين بالالتصاق المؤقت أو الالتصاق المكانى بحكم العادة، وليسا متكاملين بالحركة المتوجهة إلى نفس الوجهة، وحتى العلاقة الجسدية الحميمة، يمكن فى مثل هذا الجو، وخاصة بعد خفوت صوت حيوية الشباب، يمكن أن تصبح روتينا، أو واجبا مفروضا، أو لإرضاء الطرف الآخر.
ويتصور الوالدان أنه إذا كان الأولاد هم الذين يجمعهما فهذا أفضل للأولاد وأقل أنانية، مع أن هذا خطأ، إذ أن ما يحسن نشأة الأولاد و هو أن يجدوا علاقة صحية حقيقية تحيط بهم ينمون فى رحابها،لا تتخذهم ذريعة لعمليات لصق تعسفية.
– اتجهت مؤخرا المشاكل العائلية والزوجية إلى الجريمة، فالأب والأم يقلدان أولادهم والعكس؟
1- لم تتجه مؤخرا المشاكل العائلية والزوجية إلى الجريمة، فالذى زاد وباخ هو نشر هذه الحوادث واعتبارها ظاهرة، وهى ليست كذلك، فالتاريخ يحكى لنا جرائم أبشع سواء كانت أوديب أم عطيل، والدول التى تدعى أنه أكثر تحضرا ترصد عددا يصل إلى عشرات الآلاف حيث يقتل الإبن أباه أوأمه بسبب سلوك الوالدين غير الملتزم، ويتخلص الأب أو الأم من أولادهما بسبب الفاقة أو طلبا لمزيد من الحرية الشخصية.
2- لا أعرف من يقتل من ؟ ولا أظن أن الجريمة متأصلة فى أحد الطرفين دون الآخر حتى يصبح هو القدوة السيئة فى هذا المضمار.
3- إن تناول الجريمة بهذا الخوف، والإعلام، والتعميم خليق أن يشيع الجريمة أكثر.
والمسئولية الحقيقية لكل من يهمه الأمر هو تحجيم الحديث حول هذه المواضيع لا بالمنع أو الرقابة ولكن بالتدريب على الموضوعية، وذكر حجم الحقيقة المقارنة والبعد عن الإثارة وتحمل جانب من المسئولية لكل من يتصدى بالنشر أو الفتوى فى هذه المواضيع.
خلاصة القول: إن الجريمة موجودة منذ وجد الإنسان، ولم تزد والحمد لله فى مجتمعنا زيادة تحتاج إلى تنظير جديد، والجريمة موجودة داخل الأسرة مثلما هى خارجها، وقارئ الإخوة كارامازوف (وديستويفسكى بوجه عام) يستطيع أن يدرك كيف أن الجريمة داخل الأسرة هى الأصل.
ولم نذهب بعيدا أليس أول جريمة سجلها الدين والتاريخ هى جريمة قابيل وهابيل، ألم يكونا إخوة؟ ألم يكتشف القاتل أنه أقل وعيا بطبيعة جريمته من غراب استلهم فطرته ليدارى سوأته؟
فما الجديد إذن؟
*****
الأم نفسيا وبيولوجيا
– من هى الأم نفسيا وبيولوجيا، هل هى فقط التى حملت وأرضعت أم هى أيضا التى ربت ورعت؟
- الأم هى الرحمة الممتدة فهى الرحم النفسى القادر على الإحاطة والرعاية لفترة بذاتها ثم لابد لكى يكون رحما (لا قبرا) أن يكون قادرا على المخاض، وعلى السماح بالاستقلال، والأم بهذه الصورة يمكن أن تكون الأم التى حملت وأرضعت كما يمكن أن تكون الأم التى رعت وأينعت.
لذلك فإن الطفل قد يكون قد لقى الرعاية والأمومة من غير من حملته سواء كن ذلك جنبا إلى جنب مع أمه، أو كان بديلا عن أمه.
وفى تقديرى أن هذا شىء طبيعى، وخاصة فى مجتمعاتنا حيث ما يسمى بالأسرة الممتدة أو الأسرة الكبيرة مازال قائما، فتقوم الجدة (للوالد أو للوالدة بدور الأم فى مثل هذه الأحوال)
– وهل هذا مفيد للطفل؟
بصراحة تتوقف الإجابة على ذلك على كيفية التبادل بين الأم الفعلية والأم البديلة، فإذا كانت الأدوار محددة، والأوقات محددة، والتعاون حقيقى فإن الطفل قد يصدق عليه المثل القائل زيادة الخير خيرين.
أما إذا كانت العلاقة بين الأم الحقيقية، والأم البديلة علاقة تنافس خفى، أو تـملك شديد، فإن الطفل لابد أن يعانى معاناة شديدة، والخطر أن هذه المعاناة قد لا تكون ظاهرة بوضوح فى أول الأمر لكنها قد تظهر آثارها حين يكبر ويصدم بما يثير هذا الأثر الذى مزقه فى الصغر.
– وهل توجد أمهات بديلة غير الجدتين؟
طبعا، فالشغالة “أم”، رضينا أم لم نرض، والمدرسة وخاصة فى مرحلة الحضانة، ثم الابتدائى، ثم أيضا الجارة أحيانا تقوم بدور الأم.
– وهل يسرى على كل هؤلاء ذلك التحفظ الذى ذكرناه حالا؟
لا شك أن التربية تحتاج إلى نوع من التماثل والتناغم الذى لابد أن يتفق عليه كل من يتصل بالطفل وخاصة من يقوم بدور مثل دور الأم بالتعريف الذى ذكرناه.
– وما رأيك فى بقاء الأم فى المنزل لترعى أطفالها مادام الأمر بهذه الخطورة؟
أنا لم أقل أن الأمر بهذه الخطورة، ولاأوافق على هذا التفرغ للطفل، فالطفل لا يحتاج أن يرى ويحتك بجسد أمه ماثلا أمام حواسه طول الوقت، ولكنه يريد أن يطمئن إلى أن أمه فى المتناول، أى أنه إذا احتاجها وجدها، ليس فى التو واللحظة، ولكن من حيث المبدأ … بمعنى أن يستقر فى وعيه ووجدانه تحديد وقت ظهورها وظروف بعدها، ثم تأكيد عودتها، الطفل يضار أشد الضرر من التذبذب وعدم الوضوح وعدم الاستقرار، ثم ماذا يمكن أن تفعل الأم لطفلها إذ بقيت بجواره طول الوقت إذا هى جثمت على أنفاسه هكذا، وأخيرا فقد تحمل الأم طفلها مسئولية تركها عملها، وإهدار فرص استقلالها، وبالتالى يدفع الطفل بعد مدة تزيد أو تنقص ثمن تضحية لم يطلبها، وبضاعة لم يستثمرها تماما بالقدر الذى احتاجها فيه وبالطريقة التى طلبها.
وأدق ما وصف به الفصام هو بيت الشعرالعربى:
هذريان هـذر هذاءة موشك السقطة ذو لـب نـثـــر
وكذلك قول امرؤ القيس:
ولكنها نفس تساقط أنفسا
بقيت كلمة عن العلاج:
1- العلاج كيميائى فى البداية، وللحالات الحادة أساسا.
2- الفصامى يحتاج إلى من يفهم تناثره، وهذا ممكن.
3- وهو فى حاجة إلى من يترجم أفكاره إلى اللغة السائدة: وهذا ممكن.
4- وهو فى حاجة إلى معبر يعبر به إلى الواقع من جديد.
ذلك أن الفصامى ثائر فاشل، لكنه ثائر فعلا.
5- وإذا أزمن الفصام فلا بد من تأهيل، وصبر، وأمل وكل هذا جائز قبل التدهور.
*****
الأم المثالية
– على من تنطبق شروط الأم المثالية؟
كل أم هى مثالية، بمجرد أنها أم وعندى تحفظ شديد ضد كلمة مثالية بصفة عامة، فكثيرا ما شاهدت الطالبة المثالية، وهى تنهار تحت ضربات مرض نفسى خطير، مما أكد لى أن المثالية التى يحبذها المجتمع فى مستوى سطحى، قد تكون من أقبح أنواع الدفاعات النفسية، ثم إن التضخيم فى قيمة المثالية عادة ما تحرم الفرد – أما أو طالبة أو غير ذلك- من الجرعة الواقعية البسيطة للحياة العادية.
وكثيرا ما شاهدت أبناء الأم المثالية ( بعد أو قبل أن تنتخب رسميا) وهم يعانون من أقسى أنواع الحرمان النفسى والتزييف التربوى.
وكنت أعزو ذلك إلى ما يقال من أن أمهم والعياذ بالله – مثالية.
– من هى الأم المثالية من وجهة نظرك؟
سبق أن قلت حالا أن كل أم هى مثالية حتى يثبت العكس، والعكس عندى وأن تكون الأم ليست أما.
والطبيعة قد وهبت كل أم، حتى الحيوانات غريزة لتكون بها مثالية، والأم التى تخالف الطبيعة أيا كانت المبررات لا تكون مثالية حتى لو أنجبت وربت عباقرة العالم، فالأم التى لا ترضع طفلها من ثديها ليست مثالية مهما فعلت وهكذا.
– ما رأى سيادتكم فى شروط مسابقة الأم المثالية التى تنظمها وزارة الشئون الإجتماعية؟
وهى أن تكون الأم متعلمة – وأن يكون لها عدد أثنين فقط من الأبناء وحاصلين على شهادات عليا؟
أعتقد أن هذه هى الصورة التى بدأت برفضها حالا، فنحن نستعمل كلمة الأم المثالية للترويج لأفكار فى أذهاننا، فنشوه الأفكار، ونشوه الأمومة فى ان واحد.. فهذه الشروط هى دعاية لتنظيم الأسرة وتشجيع على التعليم الجامعى والعالى (الذى لم يعد مرادفا للثقافة أو المعرفة أو الانتماء، بل إنه لم يعد مرادفا للتعليم أحيانا أو العلم، كقيمة حقيقية)
وحتى أثبت لك أن المسألة سياسية لا هى أخلاقية ولا تربيوية، يمكن أن تراجع اختيار الأمهات أيام الاتحاد الاشتراكى وما بعدها، لترى حقيقة ما نفعل بأنفسنا وقيمنا تحت عناوين براقة، واحتفالات سطحية.
– فهل هذه الشروط مناسبة أم ظالمة للأمهات غير المتعلمات واللاتى بذلن الكثير
افضل عالم نفسي وافضل رؤية تناسب المستقبل والقرون القادمة