نشرت فى الدستور
22- 3 – 2006
اختبار الأحزاب “بالرنين السياسى”
الرنين المغناطيسى هو آخر صيحة فى تشخيص بعض الأعراض والأمراض، والمظاهر التى لا تظهر فى الأشعّات العادية أو بالكمبيوتر. خيل لى أنه يمكن – قياسا- أن نتصور اختبارا يقيس تنويعات الأحزاب، ومشروعاتها، القائمة والواعدة، بما أسميته “الرنين السياسى”. أنهيتُ تعتعة الأسبوع الماضى كالتالى: “لكننى … أنتظر ولادة قادمة لحملٍ غامض بحزب حقيقى يتشكل فى رحم الشعب المصرى برغم كل الجارى”، لعبة الخيال هذه أكدت لى أنه قد تبين – بالرنين السياسى- أن فى رحم الشعب علامات وإشارات وظلال تشير إلى حمل (أو أكثر) ينبغى تحديد طبيعته وصدقه ومساره، كانت تفاصيل نتائج الفحص كما يلى:
أولا: أحزاب الحمل الكاذب: هذا نوع تنتفخ فيه البطن باضطراد وتنقطع الدورة الشهرية، وتمضى الشهور وأحيانا السنين، ثم يتبين الوهم والفراغ داخله باختبار الزمن فى انتظار مخاض لا يأتى أبدا. أحزاب القمة رسميا (إن صح التعبير) وعلى رأسها الحزب الوطنى، هى من هذا النوع بعد أن أعلن اختبار الزمن، وتكرار إجهاض محاولات التغيير، أنه ليس هناك جنين أصلا، هى أحزاب لم تنشأ من تلقيح وعى الشعب بجهاد وقيادة زعيم أو مجموعة نشأت من عمق نبض الناس، لتقودهم إلى الأفضل.
ثانياً: أحزاب الحمل خارج الرحم: وتشمل الأحزاب التى أجيزت، من لجنة الأحزاب، بأوراق قدِّمت وأسماء أدرجت، وبرامج أعلنت…. الخ، لكنها لا تمثل وعيا عاما، بقدر ما تمثل ضجرا طافحا، أو انتهازية ذكية، أو انتفاضة أفراد آملين، أو إعلان فقر دم سياسى مزمن، وقد أجيزت لمجرد أنها نجحت أن تعدل فقرة هنا، أو تعبيرا هناك وكأنها تضيف جديدا. إجازة هذه الأحزاب تتناسب طرديا مع حذق صياغة البرنامج كلاما على الورق، ولا علاقة لها بنبض الناس أو الوعى العام الغالب.
ثالثاً: أحزاب حمل الأنابيب: هى أحزاب تحت التفكير (وليست تحت التأسيس)، يُحسن أصحابها النقد والتفكير والتنظير السياسى، هى تتجلى فى الإعلام أحيانا، وفى الكتب أحيانا، وفى الصالونات الثقافية كثيرا، ويمكن أن ينشأ منها تجمعات تحمل كل المقومات النظرية لأى مشروع حزب، لكنها ليست لها حضور حقيقى فى رحم الشارع/الناس القادر على احتوائها حتى تتم الولادة بالسلامة، هم جماعات متحمسة على الورق، وفى مناقشات الندوات، لكنها عاجزة عن تلقيح وعى عامة الناس بحيث يتحوطون حوله ليكون حملا ناجحا، وولادة جديدة، فيضطر أصحابها لمواصلة محاولات التلقيح الصناعى فى الأنابيب الخارجية (الصالونات الخاصة، والندوات، والكتابة مثل هذه الكتابة التى أمارسها حالا) بلا فاعلية حقيقية قادرة على التغيير. (هل حركة كفاية منها أم أنها تجاوزت ذلك إلى الشارع؟ لست متأكدا من رد سليم).
أحزاب الحمل غير الشرعى: رصَدَ الجهاز أن ثم حمل طبيعى موجود، برغم أنه غير شرعى بمقاييس السلطة والقانون، لكن الشكوك فى نسبته إلى أهله ثارت أيضا لتدعى أنه غير شرعى بمعنى آخر غير المعنى السلطوى الغبى، فالإشاعات تسرى أن الطفل الناتج منه، برغم سلامة الجنين، عمره قصير، لأنه تم الحمل فيه نتيجة غياب الأب الشرعى والأم الأنسب، باعتبار أن الأب الشرعى لأى حزب قادر على التغيير والتطور إلى أعلى فعلا هو الحوار الحقيقى، وأن أمه هى الحرية الممارسة على أرض الواقع بلا وصاية من سلطة رسمية، أو سلفية، أو جامدة. فعدم الشرعية هنا لها وجهان وجهاز الرنين أعلم.
أحزاب الحمل بتوائم غير متماثلة أفاد جهاز الرنين السياسى، بالإضافة، أن ثمة علامات تشير إلى أن بويضات كثيرة يجرى تلقيحها فى السر أو فى العلن، تَعِدُ بمشاريع أحزاب سياسية تتخلق فى رحم الشعب المصرى، ليست كلها إيجابية، لكنها تتخلق بالرغم من عدم أحقيتها باسم حزب، ومن ذلك: حزب المحجبات، وحزب الشباب الجائع إلى وطن والذى ظهر فى كأس الأمم الافريقية، وحزب الموالد الشعبية، وحزب المدارس الأجنبية، وحزب المدن السياحية، وحزب الهجرة الهاربة، وأحزاب الإنترنت الهزلية والجادة.
صفـَّـر جهاز الرنين يعلن احتمال الخطا بتسمية هذه التجمعات أحزابا، لكن تبعت هذه الصفارة صفارة أخرى تشير إلى أنه خطأ يمكن أن تـُثبت الأجهزة الأحدث – بمرور الزمن- أنه ليس خطأ تماما. من يدرى.
برغم شطح الخيال هكذا، فقد أكد لى أن رحم شعبنا قد أصبح قادرا على احتواء عدد من الأجنة قد تتمخض عن مواليد أصحاء مهما تأخر المخاض.
نعم، سوف تتألف جماعات، وسوف يتصاعد العدل، وسوف يتكاتف القضاة، وسوف يتجمع العمال، وسوف يظهر منا من لا يكتفى بالنوايا، “إذ يأبى نبض الناسْ، أن يسكن فى تابوتِ الحُكْم الميت”.
(رحم الله صلاح عبد الصبور)