حالة شـاذة
محمد خالد محمد
ـ أنتظرتك طويلا
دفقة، دفقة، دفقات، دفقات شعور طافح جانح فاض بنشوة عربدت فى جوانحه فاقشعرت بها انحاؤه،جنحت به، طفرت من عينيه دموعا، تأوه حتى اللاوعى، تأوهت فى فمه الكلمات، لم تنطلق
ـ أنتظرتك طويلا
فتح عينيه ما يزال يحمل شعوره اللاوعى، الواعى بجدب حاد فى أعماقه، اتسعت عيناه واتسعت يحتوى منها كل الأجزاء، يتشرب فى هدأة وروية وابتسم فمه واتسع واتسع، مد ذراعيه، قد كورهما معا، احتوى، احتوى، احتوى، مادت به ماد بها، تشبع ذاته بشعور صارخ متدفق منطلق أعقبه هدأة واسترخاء.
ـ انتظرتك طويلا
فتح عينين متعبتين، كليلتين حتى الشبع، مدثرا بغطاء سميك فى حرص بالغ، متقوقعا فى مشهد دامى تداخلت أجزاؤه فى أجزائه، احتوت أجزاءه فى أجزائه فبدا صغيرا، صغيرا وأن منحه الغطاء حجما أكبر، ذلك الغطاء الذى قد تدثرت به كل أنحائه خشية شعور البرد الرقراق الذى يتلمس مداخل للجسد، يشيع فيه الفوضى والاضطراب.
ما يزال يتدثر بالغطاء، يحلم بانتفاضة عنترية تلقى بهذا الغطاء اللعين بعيدا، تمنحه فرصة المشاركة فى صخب العالم المتدافع يتناهى إلى أذنيه صخبه ومرحه، تتدافع فى جسده المتوقع سحابات وأتربة، غبار وأفكار، فتتدافع ذكريات بها أعتياد عفن كأنها أجترت مرات عدة، تتدافع فى رؤى مشوشة متداخلة، تطل عليه تقول فى أصوات عدة.
ـ أنتظرتك طويلا
يدفن رأسه أسفل المخدة الثقيلة (كان يشك دائما انها محشوة بالقطن) فتنقره نبضات قلبه فى حدة متتابعة، يضيق، يطفو مرة اخرى ما يزال متدثرا بالغطاء، يحويه شعور كثيف بالتقاعس.
مد يده فى حذر، خرت الأصابع أولا مكسوه، فجزء من الذراع، تلمست أصابعه المكسوه الساعة الرقمية بجانبه.
تشير إلى الثالثة عصرا، نعم أنتصف النهار فى مرارة، تذكر أنه أبعد تباشير الصباح قبل ان يدركه النوم، لاحت لعينيه كتب عدة بجانبه.
مايزال متدثرا بالغطاء، وألم برأسه يتناوب الأماكن، تارة فى اليمين، تارة فى اليسار، ثالثة فى المؤخرة، رابعة يشمل كل الأنحاء، ما اشد كراهيته لهذا الألم.
هل حلم؟! انتابه السؤال فجاة، حاول ان يتذكر اجهد ذاكرته، زاد ألم رأسه، كف عن المحاولة وهو حانق.
تلمس مخرجا من شعوره المتقاعس، قام فى بطء تصويرى بارع، دافعا الغطاء برفق، خرجت أجزاؤه واحدة تلو الأخرى، انتصب على قدميه اخيرا.
يمم شطر الشباك، فتح زجاجة، صدمه فوج من الهواء البارد، تسلل لخياشيمه، سعل، سعل، وضع يده اليمنى على فمه وانفه.
انسل من تقاعسه، مد يده، فتح(الشيش)، أه رمشت عيناه بلا انتظام، عيناه متعبتان فى محاولات حذرة للتجاوب: تنفتحان، تنغلقان بين الومضات رأى نورا.
ـ أنتظرتك طويلا
تضع ملابس مبتلة لأطفال صغار على الحبال
غبار،أتربة، أمطار، ذكريات اختناق جائرة، نكص على عقبيه بحث عن مكان فى الغرفة يحتويه عن عينيها الفضوليتين النهمتين باللائمة والعتاب.
ـ من زمن بعيد، زمن الطهر والبراءة اعتدت أن أستشعر اهتمام بنت السابعة عشر تصطفينى من شباب الحى، تخصنى بفيض بكورة مشاعرها الوثابة الطموحة، تتحسس سبلى، تتلمس مسالكى تبذل كل مكنونات جعبتها وما أكثر ما فى جعبة بنت السابعة عشر الحالمة.
صامت، يبغى محاذر الأسباب، يعض عليها بالنواجز، يترك حدود شارع ليقتحم حدود شارع آخر فى مدينته الممتدة الأطراف، الصاخبة الأجواء يحمل أمله الواهى بين جوانح تشعبت بشعوره الدامى المستحيل حتى الثمالة.
يسير، يدق بقدميه، يداوم التساؤل عن كنه الأشياء مما لا تزال تحمل ذات المعانى القديمة، يدميه شعوره الحاد بالاغتراب، يصبغ دمه عن شعيرات رأسه إلى أسفل قدميه.
- انتظرتك طويلا
أشك فى ذلك، تراكمت طبقات فوق طبقات
اندثرت حقيقة الأشياء، أى بعد يتحكم فى الأشياء، أى اغتراب، أى ملاله، أى احتراق يدق قدميه فى شوارع المدينة، ينشد شارعا خاليا لا تنمو فيه آلامه وتتعاظم.
الأرض تنبت ناسا، يغطون كل المساحات، يتدافعون فى غير سأم، يتصايحون بغير سبب.
يدق قدميه فى شوارع المدينة يتلمس فيها كالمجنون وجها حقيقيا.
- انتظرتك طويلا
- نكست عيناه فى يأس مبرح، اندثرت حقيقة الأشياء… … … صدمته جلبة فاقت ما اعتادنه أذناه، منذ أن بدأ المسير، أضواء مبهرة، جمع غفير من الناس تتدافع فى شئ من الحماسد، أدام البصر، جلية الأمر، خطيب يقوم فى الناس.
- انتظرتك طويلا
خث خطاه فى عدة حذر، أرهف أذنيه يأمل فى ما يبدد اغتراب نفسه عن نفسه.
الخطيب بريق يلمع، كلماته اجترار لعفوية نفس تتوالى بريق يلمع.
تحالفت ضده الأشياء، تمثلت أمام عينيه بشاعة الاختيار.
- يا عذرائى لا تلوذى بأوحالى وطينى، اتركينى فى نهمى لذاتى، فى خضم لذاتى،
- استجدى منى الذات ارضاء ذاتى، تبتل الأشياء، تترطب أشياء وتتعجن أشياء..،
- واتمثل دائما بشاعة الاختيار.