من نشاط الجمعية الثقافية
لا يعرف أغلب الناس عن هذه الجمعية الا مجلتها، وهذا مناسب تماما لحقيقة النشاط الذى تم، وأن كان لا يتفق تماما مع الطموحات الفائقة التى صاحب انشاؤها، وبدءا من هذا العدد سيحاول التعريف ببعض أوجه النشاط الأخرى الثقافية (أيضا)، فهذه هى حدودنا المرحلية.
أولا: أثناء انعقاد الجمعية العمومية العادية تم اشتراك أغلب الاعضاء العاملين فى لجان النشاط المختصة، وتولدت لجنة تهتم أساسا بندوات علمية مختصة (طب نفس) بالاضافة إلى الندوات الثقافية العامة، كما تم تأسيس لجنة مختصة بالنشر، حيث مازالت حدود النشر ضيقة، وامكانيات الاسهام فى تنشيط هذا الجانب لمن هو خارج الجمعية محدودة، ورغم أن كل ما ينشر عن طريق داى النشر التابعة للجمعية – أو مباشرة – أيضا فى أى عائد مادى، إلا أن المساحة التى تغطيها خدماتها فى النشر، والنوعية التى تقدمها مازالت شخصية لا توحى بانتشار كاف أو سريع، ويبدو أن ذلك (الانتشار) غير مطلوب أصلا، أو حاليا على الأقل.
ثانيا: ندوة هيجل وفلسفة التاريخ (فبراير 1983)
عقدت هذه الندوة بعد توقف مؤقت – غير واضح الأسباب – لنشاط الندوات، حيث مازالت الندوات “مغلقة” قاصرة على الاتصال الشخصى، وهادفة لأمر آخر بجوار النشاط العقلى المعرفى، وان كان هذا الأمر الآخر لم يتحدد تماما، فهو يتصل بما نواصل التنبيه إليه من أن المعرفة بمعنى “العمل” والتحريك الارادى وتعميق الشعور الباعث على علاقة حقيقية بالحياة هم الأصل – ويبدو أن اختيار هيجل فى هذه الندوة كان يحمل هذه الخلفية الآملة، حيث قدمه لنا المسئولون عن الندوة م. إبراهيم عادل، د. رفعت محفوظ، محمد يحيى، باعتباره التحدى المعرفى، شديد الصعوبة، عظيم الخطر، مستحيل التصنيف استقطابا إلى مثالى أو واقعى كما اعتاد المصنفون، وتذكرنا هذه المحاولة بأمل جوهرى من أمال الجمعية، وهو توظيف الفلسفة فى الفعل اليومى وليس للديكور العقلى كما قال م. إبراهيم عادل فى الندوة “ان لم تتصل الفلسفة بالضرورة أو بالوجوب فإنها تتحول إلى نوع من الرياضة الذهنية أو ما يشبه الشطحات الصوفية أو التحليق الحرفى فى الفضاء التام”.
وقد قدم المسئولون الثلاثة فلسفة التاريخ عن “هيجل” باجتهاد رائع يعلن قدرة غير المختص على النهل الشجاع من مصادر المعرفة الكبرى وضرورة اعادة القراءة (أو المعايشة) لهذه الأفكار الجوهرية الرائدة بشكل مباشر ومتجدد فى أن، اذ يبدو أن كثيرا من عطاء البشر الحقيقى لم يأخذ دوره المناسب فى الوقت المناسب، فمازال هيجل رغم زعم أبوته لبعض الفكر اليسارى من جهة، وبعض الفكر الفاشى من جهة، بعيدا عن التناول الكافى للنهل من بحوره متعددة الأغوار، وكان موضوع التاريخ كما قدمه المعدون تحديا جديدا يطرح قضية المسئولية الفردية ومدى قدرة الفكر الفاعل فى صناعة التاريخ (الآن).
تعرض المسئولون عن تحضير الموضوع لعرضه فى البداية، فتعرض م. إبراهيم عادل لعرض بعض الجوانب الأساسية التى قامت عليها فلسفة هيجل باختزال شديد ووضوح ولزوم فائقين، فتعرض للمفاهيم الهيجلية الأساسية التى تقوم عليها فلسفات الطبيعة والروح والمنطق، وكان العرض فى اطار لزوم الفلسفة ووجوبها سعيا نحو الوعى بدورها.
ثم بدأ محمد يحيى فى التعرض لفلسفة التاريخ موضحا بعض النقاط الأساسية التى اتخذها هيجل هيكلا يبنى عليه مسار عرضه الجدلى لرؤيته للتاريخ التى تبدأ من التساؤل عن “الخطة النهائية للعالم”، ويتخذ هيكل اثبات الاجابة التى تقول أن هذه الخطة هى عرض لتطور الروح فى سبيل الوعى بحريتها، يتخذ الهيكل شكل الاجابة عن التساؤلات: ما هى الخصائص المجردة لطبيعة الروح؟
ماهى الوسائل التى تطور بها الحرية نفسها فى العالم؟
ما هى الصورة النهائية التى تتحقق فيها هذه الحرية؟ (الدولة).
ويثور تنبيه لازم على ضرورة الالتزام بمعانى المصطلحات الهيجلية للتوصل لمضمون التفسير الفلسفى كما قصده هيجل.
ويتكلم د. رفعت محفوظ عن مسار التاريخ الكلى وكيف حققت الروح (عند هيجل) هويتها ووعيها وكيف تناول هيجل التاريخ بالتفسير الذى يبدأ عند بداية الوعى البشرى ويتخذ مسارا كانت فيه الحرية هى “حرية فرد واحد” (فى الهند والشرق عموما)، ثم أصبحت عند اليونان فالرومان “حرية بضعة أفراد”، ثم تكتشف الأمم الجرمانية أن الجميع أحرار، أو أن “الانسان بما هو انسان حر”.
ثم بدأ النقاش، فكان أن استوضح بعض الحضور رؤية المعدين لبعض المفاهيم، استيضاحا ابداعيا، مما خلق بعض القضايا التى أصبحت كالرتوش تعطى الاطار لجوف الموضوع، فأثيرت قضية التسيير والتخيير والاغتراب النفسى والعلاقة الذاتية بالموضوع والعلاقة بالروح، وجلها قضايا تعرض لها المعدون فى عرضهم لما تناوله هيجل، وكما يقتضى الالتزام الضمنى للجمعية بأنه لا يوجد حل أو رأى نهائى فصل فى القضايا موضوع بحث الندوات، لم ينته الحاضرون لمثل هذا الحل الفصل، فكان تحقيقا مناسبا لمدى اتفاق روح الجمعية مع واقعها المعاش على مسار تطورها الداخلى.
ورغم صعوبة الموضوع فان النقاش الذى تم عقب التقديم أظهر شدة الحاجة الى مثل هذه الندوات، ومع بذل المزيد من الجهد المشارك فى الاستعداد لتلقى مثل تلك الجرعات المعرفية المتحدية المشكلة فى آن.
واتفق المنتدون على أن تكون الندوة التالية حول رواية “فتحى غانم” الأفيال (بناء علىاقتراح م. محمد فتحى عبدالفتاح).
رابعا: – ندوة إبريل: عن الأفيال لفتحى غانم
وكلف المجتمعون صاحب الاقتراح م. محمد فتحى بالاشتراك مع د. عادل مصطفى و د. يحيى الرخاوى بتقديم الندوة وتحدد موعدها فى 15 / 4 / 1983 ونأمل أن يكون هذا العدد من المجلة ماثلا بين يدى القارئ حتى يشجعنا اذ يقبل دعوتنا أن نخطو الخطوة التالية لفتح الباب للمشاركة من الخارج، فالدعوة له لحضور هذه الندوة فى مقر الجمعية الساعة السادسة مساء، آملين أن يكون فى البعد الفنى والاجتماعى والنفسى التى يمثلها العمل المقدم “الأفيال” ما يغرى بالمشاركة بالاستعداد المناسب فالحضور.
خامسا: البيت الزجاجى والثعبان: شعر يحيى الرخاوى
كما أصدرت الجمعية الديوان الثالث للدكتور يحيى الرخاوى، وأن كان يعتبر الديوان الأول من حيث تخليه عن ادعاء تقديم “ما هو علم” بأسلوب فنى، بتزايد الجرعة الذاتية فى المعايشة الشعرية، وان كان بعض هذا الديوان مازال يمثل اسبقية الفكرة – بدرجة ما – على الخلق الشعرى، مما يجعله – كما يقول ناسجه فى مقدمته “فليكن – مهما يكن – علامة على مرحلة”.
وقد يكون مناسبا للجمعية وللقارئ والشاعر جميعا أن نقدم بعض مقتطفات من قصائد الديوان كنوع من التعريف والدعوة معا.
1 – من قصيدة: الأغنية الثكلى
…………
يا أسرع من هرب بسرداب الكلمة
يا أجبن من أعطى الجوعان اللقمة
مسمومة، مسمومة، مسمومة
بعتم للأطفال العزل وهم الحرية
وهو سمك قد ترك الماء بحسن النية
وتقلب فوق الرمل الساخن
فاحت رائحة شواء
عبثت أصبع زان فى أوتار العانة
وانغمس السيف الخشبى المشهر داخل غمد الظلمة
فانطلقت حشرجة الأغنية الثكلى:
“ليس بجوف الناس عصاره،
…. أغلقت الخماره”
2- من قصيدة: النشوة والمنزول:
فض الشيخ بكارة عقل الأطفال السذج، أقرأهم فأعادوا:
لغة العصر الأعرج: باسم الموت الذهب الأصفر والأسود=
الأشطر الزج، والأعوج أغنج، والقرش لمن يحذق
خطفه، أوساس الناس، لا تسأل عن شئ أن يبدو
لك تكفر، فاشكر، وأصبر.
3- من قصيدة: اليمامة والهدهد:
نظرت للأرض الرحم الأم
ناداها الهدهد
فتذكرت العش المجدول
طارت مثل يمامه
تبحث عن صدر وليف لم يولد ابدا
وتهادت فى زفة عرس
…………….
…………..
دارت دوره
نبتت زهره
كتبت همسات الريح على الأوراق بدمع الهجر:
“لا يطلب أى منكم ما ليس يحق له طلبه”