قصة قصيرة
المطاردة
محمد عبد المطلب
تبينت وجوده فى الشارع، رغم الظلمة التى تلف المكان، وعندما أوشكت على الاقتراب منه خالجنى شئ من الخوف، فخيل إلى أنه يرفع رأسه صوبى ويقذفنى بنظرة قاسية ولما صرت قريبا منه تماما اكتشفت أنه ليس وحيدا فى المكان، وأدركت على الفور أن أنثى تؤنسه فى وحشه الشارع، ورأيته يشيح عنى بنظراته ويجرى وراءها إلى مدخل أحد البيوت ثم ينحنى ليتشممها .
(لماذا صارت نوافذ كل هذه البيوت خرساء لا تأتى منها حركة أو تشع بضوء ؟؟)
داخلنى شئ من الارتياح – رغم الظلمة – لأنى تركت لهم الشارع الأول وتخلصت من النظرة القاسية التى قذفنى بها، لكنى شعرت بحركة مفاجئة فى المنطقة التى خلفى مباشرة، فنظرت فى خوف شديد إلى الوراء معتقدا أنه قد تعقبنى وفكر فى الانفراد بى بعيدا عن أنثاه، فرأيت هذه المرة أكثر من واحد وأكثر من أنثى وقد بدوا منهمكين فى تناول وجبة دسمة، وبعد فترة شديدة القصر رفعوا رءوسهم فى حذر وقلق وقذفونى بالنظرة القاسية التى تعودتها – وان بدت هذه المرة فىعيون كثيرة ومتوهجة مثل جمر النار.
(أنتم أيها المتوارون خلف الجدران الصماء . . . أشعلوا ضوءا فى طريقى)
فكرت أن أجرى لأنسلخ من قبضتهم وقد بقى أمامى شارع لأصل للبيت فرأيتهم يتحركون فى اتجاهات عديدة لكن فى اطار المساحة التى حولى تماما، وفكرت مرة أخرى ربما يحاولون حصارى وفوجئت بهم يتسربون إلى مداخل البيوت المظلمة كل مع أنثاه التى يتشممها .
(ياشرفتى . . . توهجى ولا تكونى مثل كل الشرفات).
لاحظت ساعتها أن خطواتى صارت سريعة وأن قلبى بدأ يدق بعنف وأن عرقا غزيرا صار ينبت فى أنحاء جسدى وينزلق إلى ثيابى الداخلية التى أحسست أنها ابتلت، وعندما استدرت لأقتحم الشارع الأخير، شعرت أن قدمى تصطدمان بأجساد دافئة مسترخية، أدركت على الفور أن كمية مذهلة منهم تسد الطريق أمامى وحاولت أجد لقدمى موضعا فتبينت أن الشارع بامتداده الطويل مباح لهم، واستشعرت فجأة خطورة السكون المحيط بالمكان، واكتشفت أنهم يحدقون فى بتلك النظرات المتقدة ويحركون رؤوسهم المدببة ويخرجون ألسنتهم المستطيلة كأنهم يلهثون، وبفعل الخوف الشديد استدرت للخلف لأطلق ساقى للريح ففوجئت بهم يحيطون بى من كل جانب وأخذ نباحهم المرعب يرتفع مثلما ارتفعت سحابات الغبار التى اقتحمت أنفى وقبل أن استغيث شعرت بهم ينشبون أسنانهم المسمومة
محمد عبد المطلب
سوهاج