عدد ابريل 1981
مقتطف وموقف
المقتطف:
يقول شيخ المعـرة:
هل صح قول من الحاكى فنقبله أم كل ذاك أباطيل وأسمار
أما العقول فآلت أنه كذب والعقل غرس له بالصدق إثمار
الموقف:
للقاريء أن يفهم ما يريد هذا المقتطف وهو يحوى من التراث والإثارة ما يفتح آفاق الفكر ويجعل لكل ذى حس سليم أن يراجع ما يجرى حوله من حوار سطحى وأكاذيب اجتماعية وسياسية ومذهبية، بل ما يجعله يقف موقف المراجع للقاءات الزائفة بقصد السمر وقتل الوقت, ولعل هذه الأسمار هى هى التى أسماها أريك بيرن Pastime، وهى إذ تقبل فى جرعة مناسبة هامشية لا ينبغى أن تكون هى الأصل وهى الفخر وهى الغاية من تواجدنا معا وإلا فالكلام باطل وقبض ريح، وما خلق الوقت للقتل وما كانت الكلمة للباطل.
القاريء يذهب حيث يستطيع، أما نحن فنقرأ له ومعه أثارنا فى هذا المقتطف وهو قول أبى العلاء المعرى أن العقل غرس، مشيرا بذلك إلى أن ما يسمى عقلا ليس جهازا جاهزا يستعمله الإنسان كام هو بعيوبه ومزاياه, ولكنه غرس يغرسه بالممارسة والتجريب والاستعمال الجيد لما خلق له، يكرمه برفض الشوائب وخداع الهرب الكذب، وشيخ المعرة وشيخنا ينبهنا إلى قضية جوهرية كادت تضيع فى زحمة المخاوف والأرقام وهى علاقة الصدق (ربما يعنى الموضوعية والأمانة والجهاد الذاتى فى مواجهة المعلومات المعطاة) بإثمار العقل وهو العلم الموضوعى النافع. وهذا النوع من الصدق هو الضمان الأوحد لنتاج العقل، ويستحيل أن تحل محله أى تحفظات رقمية أو معملية جامدة، قد تنفع فى شحذ الصدق وتوجيهه، ولكنها أبدا لا ينبغى أن تكون بديلة عن الصدق الذاتي، والموضوعية: الجهاد الخلقى الداخلي، ولا يصح بحال من الأحوال أن تخلف من عبثية بعض العقول المستسهلة لدرجة نقبل معها الوصايا على عقولنا جميعا مهما بدا الأوصياء حكماء وحذرين، ولا يوجد ضمان لإثمار العقل إلا هذا الصدق الذى أشار إليه شيخ المعرة، وقضية سير / سيرل بيرت الذى ثبت بعد عشرات السنين أنه لفق أبحاثا بالأرقام ليثبت تحيزا غبيا مازالت تطن فى الآذان، ولا يوجد هناك حل سهل لهذه القضية إلا تربية العقول والعناية بها على الأقل كما نعتنى بالأجهزة التى تستعملها هذه العقول، وتستحيل التربية التى تثرى الصدق إلا فى مناخ إنسانى شجاع يسمح بها فيعيد كرامة العقل للعقل ويؤكد حقه فى الإثمار بالصدق.
****
يا ترى يا شيخنا ماذا كان يمكن أن تقول فينا لو عشت حتى رأيت ما نفعله بأنفسنا وبعقولنا فى المعمل والمذاهب والسياسة والدين على حد سواء؟؟