وآخذنى بيدى إلى الأفق الممتد
ضرورة الفلسفة
الحلقة الثانية والأخيرة (الآن)
وفاء خليل
كأنه الموجز
حين طالعت العدد الأول من مجلة الإنسان والتطور، وجدت بالمجلة إشارة لهدف جمعية الطب النفسى التطورى المنبثقة عنها المجلة وهو أن الجمعية تهدف إلى البحث فى ماهية الإنسان” ككل” واستوقفتنى كلمة” كل” هذه، وأحسست بأن هذه الكلية التى تنحو الجمعية إلى البحث عن ماهية الإنسان من خلالها هى مدخلى لكتابة الجزء الثانى من مقالتى المتواضعة والتى تعرض خبرة ضئيلة بلا أدنى شك.
فى نهاية المقال السابق وقفت عند أن الفلسفة قصر منيف عالى الجدران، وأن المعارف الإنسانية كلها تسلم نتائجها للفلسفة، تلك التى تحلل وتركب نتائج العلوم لتكون كلا منتظما على شكل رؤية للإنسان والكون من حوله وعدنى شيخى بالبدء بحدوتة الوجود العام؛ قال شيخى: لنبدأ بمحاولة النفاذ للفظ (الوجود العام): حين يوجد فى الغرفة كوب ماء، أو زجاجة ماء ممتلئة، يمكننى القول بأن الكوب موجود فى الغرفة أو أن الماء موجود الزجاجة أو أن وجود الكوب سيسهل الارتواء وشرب الماء .
قلت: لاأتصور أنه فى الفلسفة يستخدم لفظ الوجود مثل هذا الاستخدام السطحى.
قال: أنت لا تعرف فضلية الصبر. فتمهل
قلت: الكون من حولى غامض مبهم وداخلى تيه سحيق، وأنت تقول: الماء، والكوب، والظمأ.
قال: سامحك الله. فلنتفق إذن على ماورد بألفاظك أنت….. الكون والداخل ما الكون؟وما الداخل؟ ببساطة الكون هو الطبيعة – والإنسان أرقى نتاج تطورها- الممتدة أمامنا. أراض وجبال وكواكب ومجرات وفضاء……هو ما يدخل فى نطاق حواسى هذه اللحظة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أو كما يقولون فهو”العينى”،وهو يوجد مستقلا عن وعي وخارجه، هو لامتناء فى الزمان والمكان، والداخل: أتعرف أن تضع يدى على مقصدك من كلمة الداخل؟
قلت: أحاسيسى ومشاعرى.
قال: وأفكارك .
احترت، وترددت، التقط شيخى الكرة ، قال: ليقل إن التعريف ليس بمهم، والمهم هو أن نوحد مصطلحاتنا ورموزنا. لنقل أن الداخل هو كل ما خطته الطبيعة على صلب تكوين الإنسان البيولوجى سواء فى جانبه الغرائزى، وما يتعلق به من أحاسيس ومشاعر، أو جانبه العقلى ومايتعلق به من فهم وإدراك وتصور، ولهذا الداخل جانب واع، وآخر لا واعى .
قلت: موافق، وأرجو أن تتمهل قليلا وأنت تحكى .
قال:لنتفق أيضا على أن الكون كله وحدة واحدة وليس تراكما عرضيا للأشياء والظواهر، ولا حوادث منفصل أحدها عن الآخر ومستقل ومنعزل عنه. إنها فى حالة حركة وتغير دائمين، تجدد وتطور إلى مالانهاية يعتمد على بلوغ التناقضات إلى درجة يتحول فيها التغير من كم إلى كيف جديد. وهذه الحركة أزلية وباطنة. من أجل ذلك لا تحف من التحريف فهو مرحلى وهو يعبر عن نسبية الحقيقة فى نموها المتصاعد .
قلت: أنا لا أرى مانقول ولا أرى وحدة الكون ولاكليته. أتصور أن ذلك جاء بعد نتائج العلم ياشيخى، وهو أمر أفتقده فى تجربة وجودى.
قال: هاأنت ذا لا تخاف من كلمة” وجودى “، ولا أتصور أنه يستحيل عليك أن تعى أكثر من النتائج المباشرة المعطاة لك من تجربة وجودك، فالأفق متسع والعلم أحد قوراب الإبحار فى النهر المتدفق دوما، العلم ،والفن ، والفلسفة
قلت: أخشى أن تفقدنى النظرة الكلية- التى تشير إليها – عناصر الحياة والخبرة المعاشة، أخشى أن تكون هذه النظرة الكلية إعداما بشكل ما للنظرة الجزئية وعلى حسابها. وكيف لى من ضمان أن هذه النظرة الكلية ستكون أغزر من حاصل جمع جوانب التجربة الجزئية .
قال: حسنا، هذا الخوف أليس دليلا على شوقك لمعانقة” التجربة” و” المعنى” بشكل أجمل من التجربة الجزئية ؟
قلت: بالطبع .
قال: إذن ما قلنا أنه وجود للكوب ليس هو وجود الإنسان، فوجود الإنسان فى الغرفة شكل من أشكال الوجود الذى يصبو إليه الإنسان لو حسبنا أشواقه وآماله فى وجود إنسانى .
قلت: إنسانى ؟ …. ماذا تعنى كلمة” إنسانى ؟
قال: تعنى أن يقترب أكثر وأكثر من نداءات الحياة الحية القابعة بداخله، والتى تتطور دوما نحو غايات أبعد وأبعد .
قلت: داخلى نداء غامض للموت
قال: كيف ؟
قلت: أحس أن ما يشدنى برباط حقيقى للحياة هو تعاسة مشتركة بينى وبين آخرين يموتون كل يوم، وأن ما يوحدنى بهم شئ لن أبلغه إلا بالموت، وأراها أمراة عجوزا بائسة ترتدى جلبابا أسودا ممزقا تصدمها سيارة فى شارع رمسيس فترقد على الأرض مشجوجة الرأس، ينزف من أنفها خيط دم على ” أسفلت” الشارع، وهى شاخصة بعيونها إلى السماء عبر أشجار الشارع، فأنحشر وسط المتفرجين وأحس وكأنها أمى الوحيدة فى هذا العالم وأنها هى وليس غيرها صدرى المملوء باللوعة المكتومة، هى صدرى وما بصدرى، وهى ترحل وتتركنى وحيدا فى هذا العالم البارد، وأتسلل إلى القصر العينى كلص حقيقى وأسال عن مصابة فى حادث بشارع رمسيس صباحا، واعلم أنها ستعيش فقد أجريت لها عملية تربنة بالرأس، ولا أفهم ماهى التربنة، ولا أتبين مشاعرى بعد علمى بحياتها: هل هى الفرح، أو الحزن، أوشئ آخر وينقض على الغموض الأسود، ولتأكدى وإحساسى بالعجز عن أن أحادثها دون سابق معرفة أشم رائحة الموت تتخلل نسيج الحياة، وتسرى فيه سريان الهواء فى الكون. كانت الحادثة وكل ما علق بها حقيقة واقعة، أما الحلم فكان أن أموت فى حادث سيارة وكان شرطا ملحا أن تنزف الدماء من أنفى خيطا رفيعا، وان أرى القمر بين فروع الشجر بنفس العين المرتاعة المستسلمة، ويتكرر الحلم كلما ضاقت السبل ويهون كل شئ، وتهون كل معرفة، فليس أقل من الدم لغة ومن الموت نهاية لتستوعب بؤس الداخل .
قال: زد الأمر إيضاحا
قلت: فى الأماكن الخربة و فى البحر، هناك صوت ينادى على، مصدره غامض ونبراته أكثر غموضا، لكن الصوت مسموع مسموع… الخرائب توأم إحساسى بروحى…. خراب ومكان للقاذورات والأشباح يخاف الناس من اجتيازه خاصة فى ظلام الليل وأنا لا أجرؤ على الدخول إلى الداخل، ولا مجرد أن أرنو ببصرى إليه. الخوف كان ومازال تربة وجودى وسمائها وخلفيتها .
قال: وماذا أيضا؟
قلت: فقط .
قال: ولكنك موجود وأمامك أن تكون موجودا كوجود كوب الماء فى الغرفة: أى مجرد حضور وتواجد جسدين، وأمامك أن تسمع وتنصت للداخل ليكون وجودك شاملا لحقيقتك الداخلية ولرؤيتك لنسبية الخارج…. وبالمناسبة هل تحب أن تقترب من حقيقتك الداخلية ؟
قلت: أشك أن لى حقيقة داخلية .
قال: لقد اتفقنا على نسبية الحقيقة….. أنت الآن حالا لك حقيقة ولكنها تتغير باستمرار، ومرحليتها…
قلت: ( مقاطعا) أخشى أن تسألنى من أنت!
قال: أنت الذى تسأل وأنت الذى سيجيب.
قلت: أتمنى أن أمسك بأطراف حقيقتى لأتجه إليها.
قال: كيف ذلك ؟
قلت: أحلم بأن أرى الخارج فى الداخل ، وأرى الداخل فى الخارج، وأرانى سحابة حزن غامض أتوق لتفسيره. أتصور أننى أسمع الداخل نوعا، وأراه وإن كنت أتصور أننى أراء من خلف زجاج، أرى المتكلم يحرك شفتيه فأدرك أنه يتكلم وأستنتج الكلمات من حركة الشفاء. وأنا يا شيخى مسعور لأن أتصل اتصالا شخصيا مطلقا بى، بوجودى، بنفسى وهى تجرى فى رحاب الدنيا تائهة مرة، هاربة مرات، وبحثى فى الفلسفة الذى قادنى إلى قصركم المنيف لابد وأن يشير لى على علاقة الداخل بالخارج بشكل عام لأكمله أنا بالتعرف على الملامح الشخصية لتلك العلاقةة لدى، وذلك من خلال وجودى وفاعليتى فى الكون، وأرانى عاجزا ياشيخى.
قال: عاجز عن ماذا ؟
قلت: عن الفهم ياشيخى. الفهم المغروس فى أعمق أعماق باطنى، وتجربتى الشخصية، ومجالها جسدى أنا أولا، وىلآخرون من بعد. فهم تجربتى وما أنا عليه من كيف، وعلاقته بهذه التجربة،فهم لايبعدونى عن نفسى، ولا يبعدون نفسى عن العالم من حولها، لعلنى أخرج من هذا المجال الضيق لكوننا الرحب .
هل تتصور أننى سأستريح من التساؤل وأهدأ من لسع نيران الأشواق؟ هل البحث
فى قضية الوجود يكفينى مهانة الثرثرة ومخاطرة الاغتراب …..
قال: أشكال الاغتراب كثيرة. والخطر داهم، وأنت الضمان، وها هى ذى خلفية اللوحة أمامك: الإنسان مغترب عن الطبيعة، مغترب عن عمله، مغترب عن مجتمعه الذى خلقه، وعن نفسه، مغترب عن ماهيته( التى يخلقها باستمرار) ،وقد يكون الوعى نفسه اغترابا عن الذات، ونضاله ضد كل هذا لا يرحم. فهل ستفهم لتفتح أذنيك أم لتغلقهما. هأنت ذا ترى الأفق يتحرك باستمرار، فهل تود أن تركب البحر، أو تحفر قبرك فى شجاعة ؟
قلت: مهلا يا شيخى! مازالت أحلم كثيرا بسعادة لا تتعلق بالأمل ولكن تتعلق ببعد انه ، فتغرسنى” فى الوجود الموجود “، حيث أجد الأرض معبدا وجسدى أرضا لروحى، لأتلفت وأعاشر الأشياء حاضرة موجودة مغروسة فى ولافى وعى ولا فى معرفتى، أحن لتألف بين يدى ورجلى وعينى، والشجر، والبحر، لتفاهم بينى وبين الأرض ، لتجاوب بينى وبين الوجود الذى أعيشه… أود أن أسمع زفرات العالم وأنفاسه، وأحس حركة سحبه وغيومه وانبثاقات شمسه الحارقة، وقمره المضئ أحن بذلك الحنين أحيانا يشير لى بشكل غامض على النسيج المشابه للرعب والسكينة وحقيقة الوحدة الأزلية بين كل شئ. أحن لقبول الفكرة قبولا لا يقيد حضور وجودى وإنما يحرره لأقصى درجة .
قال: كم أود ألا أقسو عليك ياصاحبى. أنا أحس بيدى اليمنى تتحرك لتطعنك ويدى اليسرى… وسكت .
قلت: ألاتكفى قسوة ما بداخلى .
قام الشيخ وأمسك بيدى، واقترب منى.كنا جالسين تحت شجرة عند الشاطئ والموج هادئ، والصمت يلف المكان بسحر عتيق. نظر الشيخ إلى عينى بعينيه الواسعتين…. رأيتها مترقرقة…. لمعت … قفز ….. سأل .
قال: أترى ؟
جمدت الألفاظ فى حنجرتى، وشل لسانى الاحتمال……
قال: سنكمل من “هنا”.
قلت: من …………هنا !؟
قال: لنسبح فى البحر .
وفى لمح البصر، كان الشيخ فى المساء، ووجدتنى أطعن ترددى فى القلب، وبوحشية كنت معه ، أمسكنى من يديه والسؤال المرعب يلف رأسى: ” من هنا” كان التردد قد فات وقته، والباب قد فلتت مغاليقه .
قال: لنذهب إلى حيث تريد
قلت: تكوينى اليونان فى القلب. أرى فيها شاطئ لبحر يرشف الصخور بحفيف سقوط أوراق الشجر، وقبلات الشهوة اليائسة، والرضاب يصرخ من الشوق….. حكومة الكولونيلات فى قمامة التاريخ….. أرى الصيادين والنبيذ والزوجة المرتجفة، فى عيون الصيادين أراهم، وأرى معلمهم، سقراط وأفلاطون وأرسطو والبحث فى الوجود بما هو موجود، وعالم المثل، والمفارق والمتعالى، والمحايث والوجود…. وآه يا سقراط يا حبيبى والسم يكوى معدتى وأحشائى، وأتلوى وأنت ترفض الهرب سداً منيعاً ضد الخيانة وضد……… مشيداً” المثل” الأخلاقية على الأرض . آه ياسقراط، وأنت تغرس المثل فى أحشاء الأرض والسم فى احشائى ، والنيل يا صديقى … ياحبى….. ياأخى، آه ياسقراط يهون العذاب أمام تواضعك أيها الشهيد النبيل الأمين…. أهرب من اليونان فأراه يسير فى الشارع مسلولا مهجوراً بائساً
يتبعه المهووس. ظلام الشارع وبرده والطعنة فى الرقبة تماما، والدم ساخن. لست وحدى فى جهنمى….. أنت سلواى يا سبينوزا التعس، حتى نحن نقاسى من الناشرين يانيتشة ويبدو أنا سنكتب كتابنا بخط أيادينا عجزاً …. أرقد فى هدوء ، فمعك فى بطن الأرض كثيرون ، ولعلهم يؤنسونك بدلا من وحشة “ مور ستان تورين”
قل لى أين أذهب أنا يا شيخى وسط هذا البحر البارد .
اقترب متأرجحا مهتزرا منى، عاريا يكسوه الشعر الأبيض. قال: لنغص فى الماء، شهقت .. وتحت الماء قابلته، رأيت ابتسامته ويا للجمال ويا للتصميم.
احتضننى، أحسست دمائى لهيبا حاراً، والدفء يجتاحنى، فى ثانية كنا خارج الماء، سابقته، غششته، ضربنى على ظهرى. عند النهاية رقدنا على الرمال معاً بعد أن سبقنى
قلت: هل تروى ظمئى ياشيخى وتخبرنى عن” العموم” الذى يلحق بالوجود ويسمى بالوجود العام…. ماهو الوجود العام ؟
قال:إنه وجود حاضر وغائب فى نفس الوقت، يبدأ من الوجود المائل أمامنا، والذى هو فى حالة تغير مستمر، وولأدة مستمرة، وحركة لا تنقطع تتسع لتشمل … هل تفهم
تتسع لتشمل ؟
قلت: سأفقد صوابى يا شيخى .
قال: مم ؟
قلت: من الكتابة وأنا عاجز عن إدراك الجزء، من الحركة وأنا عاجز عن النفاذ لما أراه ثابتا نسبيا وماثلا أمامى. لكنك يا شيخى فيما يبدو تقول أنه ليس هناك “وجود” سوى ” الوجود الإنسانى” و” الوجود الاجتماعى”، وأن الوجود إذا كان له جوهر فهو وعى وإدراك. وهكذا فأنت توحد بين الوعى وبين الوجود، بين الذات وبين الموضوع، ألا ترى ياشيخى أن هذه الوحدة لم تنقذنى من إحساسى بلا عقلية الواقع ( مغروس فيه الموت) من حولى، ولا بآلام الجبر، والضرورة وهى تفتك بى. وكم يبعدنى ذلك عن رغبتى فى أن أقترب من نفسى. من” وجودى” لعل لى وجودا حقيقياً . لعل هناك بداخلى” آخرا” موجوداً. إنى عاجز عن الفهم وهناك أشواقى تصطدم باللغة وبشئ غامض بداخلى لا أدرى كنهه، أشواق تتدحرج على سطح حياتى فتسقط وتضيع منى، جزاءاً من صلب كيانى، أشواق لا تعرف الهدوء على جدار المعرفة ولا تحدها المعرفة، أشواق تستخدم المعرفة ولا تصطدم بحدودها. أدخل إلى داخلى فأرى ضبابا باهتا وأحس وراءه كتلة الزيت اللزج السميك ومن تحتها قدر الماء المغلى. تتناثر قطرات الماء فتكوينى وتنبهنى إلى العوز الشديد، إلى أن أنفذ إلى …. وأحاول أن أحدده، أحدد ماذا!؟ وأراه جنونى، أو بشاعتى، أو جمالى… لست أدرى…. ولن.. يستحيل، البحر منطبقة عليه السماء السوداء المزرقة الداكنة، ونجوم قليلة، وصوت الماء موجات متعاقبة هادئة على الشاطئ، وعن بعد، حركة الماء تنبئ بغدر ماكر، والريح تعوئ عواء حزيناَ وذرات الرمال واليود.. مشربيات الأزهر، وطولون، والجمالية، والقلل والصوانى… عمر مكرم..لاإله ألا الله..، وحوز الخيل، سليمان الحلبى… فى الحلم يسقط الزمن.. ويسقط المكان، ويبقى… أتحمل كلمة” النزوع” ما بصدرى؟
ما أتعس اللغة وأولها جملة” ما أتعس اللغة”.. الصخر حول البحر ناتئ مجوف كعيون جاحظة مرتعبة. القرافة والقرص والمجاديل، والقماش الأبيض، والقطن، والأكل كان ثدياها صرخة ملتاعة تنادى وتقول: الضرير، وربع الجنيه. ” فبأى ألاء ربكما تكذبان. كل من عليها فان ” ويتسع المنظر: البحر ،والأزهر، والقرافة فى الشتاء وحين يهبط الغروب تخرج من صدر شعبى آهة أعرفها فى صدرى. وأسمعها فى جنهم أغسطس ظهرا، حين تتشقق الشفاه، أن يلملم الرجال هممهم المرتجفة بردا، ويبقى السؤال: وماذا بعد ؟
وتسقط الفراشات على الأرض، ويطير الحمام ليعود… وآه ياقلبى المغرى على الفراشات، وعلى الحمام، وعلى زمن الحلم وسماحته، وسعته وسهولته…. سليمان الأعسر… البقرى وخميس….آه أيتها الجبال الغليظة الناتئة . تنجرح ساقى . طعم الدم فى فمى، فى لعابى. تواجهنى كتلة السواد الكثيفة. وأجمد. البحر ، والأزهر، والقرافة طبعا يقتلونهم ما داموا قد لبسوا الخرقة، ألم يشيروا للعامة أن” وجودهم الاجتماعى” يتعارض مع ” وجودهم الخام” و” وجودهم الأصلى”…. ووجودهم الأصلى! ياعروسة البحر. لاتهربى لقمر البحر.. وإن كنت أتمناك فى قعر قعر قاع البحر، الريح تصفر يا عروسة، والصغير يشدنى.. لليابسة طعم وأنت. أنت ماذا؟ هل تدخلين مهى المغارة الصخرية السوداء. إنها بين اليابسة والبحر..الناى… الناى…
الخرقة” فعلت فعلا فعالا”، كان” الفعل” هو الإشارة إلى…
[ لو كان بإيدى كنت أفضل” جنبك” وأجبيب لعمرى ألف عمر وأحبك ]….
يا عروسة. كان الفعل تعبيراً صادقاً عن ماهيتهم. هل تدخلين معى خطوة اخرى ….
سأظل معك ولن أستيقظ…. هأنذا أنام بإرادتى حتى لا أستيقظ فأرى أشواقى وهى – عذابات النوم وأحلامه – أخف. كسرت الأقلام وطويت الصحف. الكوكايين ياسيد درويش ..
قال: أما عن عقلية الواقع فهى طبيعة المرحلة، ووعى الفرد المغروس فى الموضوع والمغروس فيه الموضوع، يزداد ويكثف وتقل لاعقليته، أما عن الجبر أو الضرورة فالسيطرة عليها وتوجيهها متكاملا، بزيادة الوعى والنفاذ إلى أسرار الوجود والواقع من حولنا .
قلت: أراك مطمئنا
قال: قلقى شرفى، ورؤيتك مسئوليتك.
قلت: ولكنى لا أراه
قال: لا تنس أنك ستعود للواقع على قدميك متجها إلى أن تكون نفسك وتحدد ماهيتها، وتنقذها من اللغو بأن تتطابق معها، بأن تكونها لا أن تتكلم عنها ، كذا يكون البحث فى الوجود هو الوجود لأقصى الطاقة والنأى عن الكلام المغترب متسلحاً بكل أسلحة الإنسان ” العلم.. الفن..الفلسفة….” مدركا لأبعاد الضرورة، متجها صوب كل ما هو إنسانى فيك .
قلت: وأقابلنى ؟
قال: وتقابلك .
قلت: وآخذنى بيدى إلى الأفق الممتد .
قال: وتزداد حلقات التطور حلقة رائعة .