يحيى الرخاوى طبيب نفسى
الفشل الحاد للمخ(1)
Acute Brain Failure (2)
الجزء الأول: الافتراضات الأساسية (النظرية)
د. رفعت محفوظ
الموجـز
يطرح هذا البحث فرضا يقول: إن فشل المخ الحاد قد يحدث بواسطة ميكانيزم نفسى لشخص مخه مهيأ لذلك من الناحية الوظيفية, ولقد ناقش البحث – باختصار – عدة مسائل تتعلق بالموضع هى: علاقة المخ بالنفس – أنماط التنظيم المخى – مفهوم نقط الانبعاث المخية – علاقة المخ بالبيئة المحيطة, ووذلك بغرض توضيح وتدعيم هذا الفرض من الناحية النظرية.
من المعروف فى مجال الطب الفيزيائى أن هناك حالات فشل حادة تحدث لبعض أعضاء الجسم (مثل الكليتين, القلب, الكبد, المخ..) ومثل هذه الحالات متفق على تشخيصخا ومظاهرها الكلينيكية, وبالرغم من أن المخ ما هو إلا عضو الجسم, فإن تشخيص فشل المخ الحاد لم يرد ذكره فى التراث المنشور – على قدر علمنا – بصورة محددة كما هو الحال مع باقى أعضاء الجسم, ومع ذلك فإن المخ البشرى فى أثناء الغيبوبة العميقة Deep Coma يمكن أن يوصف بأنه فى حالة فشل, ونفس الأمر يسرى على حالة الإغماء Syncope, ولكن مثل هذه الحالات لها أسبابها العضوية المسئولة عن المظاهر الكلينيكية.
والسؤال الآن: هل يمكن أن نشخص فشل مخى حاد مع عدم وجود أسباب عضوية ; أى يكون ناتجا عن عوامل سيكودينامية نابعة من البيئة؟ وتحت أية ظروف هذا؟ وهذا البحث الذى بين أيدينا يهدف إلى جمع بعض الافتراضات المتعلقة بالموضوع, والتى قد تلقى مزيدا من الضوء على هذا الفرض وتدعمه من الناحية النظرية (3)
(1) علاقة المخ بالنفس
Brain – Psyche Relation
إن مسألة علاقة المخ بالنفس كانت – ومازالت – موضع نقاش واختلاف, ومع ذلك فيمكننا أن نقول أن السنوات الأخيرة شهدت من الحقائق ما يجعل النظرة الإزدواجية Dualistic للإنسان تفسح المجال لوجهات النظر الأخيرة تري, كما يقول سميث Smith 1970, أن الحالة النفسية ما هى إلا حالة المخ منظور إليها من زواية أخري, وبناء على ذلك فإننا نرى أن بعض المراجع العلمية الحديثة تعرف النفس (أو العقل Mind) بلغة مخية مباشرة, فمثلا نجد أن روز Rose 1973 يعرف العقل على أنه النشاط الكلى للمخ وكذلك نجد عند الرخاوى 1980 تعريفا للنفس على أنها النشاط الكلى للمخ بوجه خاص وإن كان ذلك يتضمن ويشترك مع نشاط سائر الأعضاء جميعا لذلك يمكننا أن نقول أن المجال أصبح مفتوحا الآن أمام المفاهيم الجديدة المتعلقة بطبيعة المخ البشرى وأنماط تنظيمه وطريقة عمله.
(2) أنماط التنظيم المخى (الأنماط التنظيمية للمخ)
Organization Patterns of the Brain
يعمل المخ البشرى كتنظيم متكامل يشمل كل مستوياته العصبية ليعطى لنا نمطا سلوكيا متكاملا – أو ما يسمى حالة الأنا Ego state بلغة إريك بيرن 1961 – ومن المعروف أن هذه الأنماط السلوكية أو حالات الأنا تتغير فى الشخص الواحد , فى السواء والمرض على حد سواء, وبالتالى يمكننا القول أن المخ البشرى يغير من نمط تنظيمه بشكل يفسر لنا هذا التغير فى أنماط السلوك.
ولكن كيف يتسنى للمخ أن يغير من نمط تنظيمه؟ هذا السؤال يمكن الإجابة عليه باعتبار المدى والنسق اللذان افترضهما الرخاوى 1978, 1979 ويمكن فهمهما على النحو التالى:
1- إن حالة الأنا هى مظهر لتنظيم مخى محدد فى شكل شبكة من المشتبكات العصبية(4) Synapses ويختلف مدى ونوع هذه المشتبكات فى نسق الشبكة الواحدة حسب النمط التنظيمى للمخ.
2- تغير نمط التنظيم المخى يظهر فى شكل تغير نمط السلوك.
3- إن الموصلات الكيميائية Chemical Transmitters فى المخ يختلف نوعها, وكثافتها, وتوزيعها حسب النمط التنظيمى للمخ, وكذلك التغيرات الفسيولوجية فى المخ.
4- إن مدى نوع الجزئيات العظيمة Macromolecules الموجودة فى نواة الخلية العصبية يختلف حسب اختلاف التنظيم المخى.
(3) مفهوم نقط الانبعاث المخية
The Concept of Brain Pacemakers
إن التنظيم المخى يحتاج إلى مركز يبدأ منه نشاطه, ولقد افترض بعض الباحثين (مثل سميث 1970) أنه من المحتمل أن تمثل هذه المراكز نقط انبعاث Facemakers شبيهة بنقط الانبعاث فى القلب ويوجد هذا المفهوم واضحا ومتطورا فى أعمال الرخاوى 1978 , 1979 والذى يفترض أن هناك نقط انبعاث فى المخ, وكل نقطة انبعاث مسئولة عن بدء عمل تنظيم مخى بعينه, والذى يظهر فى شكل نمط سلوكى وافترض كذلك أن نقط الانبعاث هذه لها مواضع محددة فى المخ , وقد يحق لنا أن نستنتج من كتابات بعض الباحثين أمثال: سميث, 1970 وبنفيلد Penfield 1975 أنها موجودة فى المخ المتوسط Dicncephalon أو الجذع المخى العلوى Higher Brain Stem
ويمكن أن نلخص الموقف فى الآتى: لكل نمط مخى محدد نقطة انبعاث تتحكم فى نشاطه وتغير النمط السلوكى يعنى نقطة الانبعاث المسيطرة فى المخ, كما أن وجود أكثر من نمط سلوكى فى وقت واحد – فى الحالات المرضية عادة – يعنى وجود أكثر من نقطة انبعاث تعمل فى نفس الوقت.
(4) الفشل الحاد للمخ
Acute Brain Failure
بالمقارنة بما يحدث فى القلب يمكننا أن نقول أنه عندما تتوقف نقطة انبعاث معينة فى المخ عن أداءوظيفتها لأى سبب من الأسباب, فإن نقطة انبعاث أخرى بديلة وكامنة تحل محلها فى التحكم فى عمل المخ, وإذا مضت فترة من الزمن بين توقف الأولى وعمل الثانية, فإن المخ يتوقف عن أداء وظائفه الطبيعة فى هذه الفترة ما عدا المراكز الحيوية(5)Vital Centres مراكز القلب والتنفس الموجودة فى النخاع المستطيل Medulla oblongata والتى تحافظ على الحياة, وهذا هو ما نريد أن نطلق عليه فشل المخ الحاد.
وحيث أن المخ البشرى فى علاقة تفاعلية مستمرة مع البيئة المحيطة روز 1973 جرنكر 1975 الرخاوى 1979 فإنه من المفروض أن يعامل الاثنان على أساس أنهما يمثلان وحدة كبيرة واحدة, فإذا كانت البيئة المحيطة تدعم حالة معينة من حالات الأنا (كيان وجودى معين) فإن ذلك سوف يؤدى إلى أن تستمر نقطة الانبعاث المتحكمة فى هذا النمط فى العمل, وبالتالى فإن فترة عدم نشاط نقط الانبعاث الأخرى البديلة سوف تطول, ويزداد بعد الشخص وخوفه من الأنماط السلوكية الكيانات الوجودية المقابلة, وهذا يعنى أن تغير البيئة المحيطة قد يؤدى إلى قطع دائرة التدعيم القائمة بين البيئة القديمة ونقطة الانبعاث هذه, وتحت شروط معينة قد يؤدى ذلك إلى فشل مخى حاد ويمكن تلخيص هذه الظروف فى الآتى:
1- إذا كان تغير البيئة فجائيا, ونوعيا كليا فى نفس الوقت.
2- إذا هددت البيئة الجديدة الوجود القائم النمط السلوكى بطريقة سريعة وغامرة.
3- إذا لم يعد الشخص الإعداد الكافى لتقبل هذا التغير.
4- إذا كانت مقاومة الشخص لمثل هذا التغير كبيرة.
وقبل أن نصل إلى النتائج يجب علينا أن نؤكد أن المستويات المختلفة التى ينظر إلى الإنسان, ومن ثم إلى مخه, من خلالها عديدة ومترابطة وأن أى فرض يركز على مستوى معين دون غيره يجب أن يوضع فى مكانه من خلال نظرية شاملة تأخد فى اعتبارها كل المعطيات والفروض على المستويات المختلفة.
الخلاصة:
وفى نهاية هذا البحث نرجح الافتراضات الآتية:
1- النفس ما هى إلا من مظاهر عمل المخ, وهى تظهر فى صورة أنماط سلوكية متكاملة (حالات الأنا)
2- كل حالة من حالات الأنا لها مقابل فى المخ يأخذ شكل التنظيم المحدد الذى تتحكم فى عمله وتكامله نقطة انبعاث موجودة فى مكان ما بالمخ (قد يكون المخ الأوسط)
3- المخ والبيئة المحيطة فى علاقة تفاعلية مستمرة, ويجب أن ينظر إلى الأثنين معا كوحدة واحدة.
4- قد يحدث فشل المخ الحاد عند انتقال نشاط المخ من تحكم نقطة انبعاث معينة إلى أخرى فى شخص مخه مهيأ لذلك من الناحية الوظيفية.
5- قد يفسر حدوث فشل المخ الحاد على أساس عوامل سيكودينامية نابعة من البيئة.
المراجع العربية
يحيى الرخاوى: 1978 مقدمة فى العلاج الجمعى. القاهرة: دار الغد للثقافة والنشر.
يحيى الرخاوى: 1979 دراسة فى علم السيكوباثولوجى. القاهرة دار الغد للثقافة والنشر.
يحيى الرخاوى: 1980 دليل الطالب الذكى: فى علم النفس والطب النفسى الجزء الأول: فى علم النفس. القاهرة: دار الغد للثقافة والنشر.
المراجع الأجنبية
- Berne, E. 1961 Transactional Analysis in Psychotherapy. New York: Grove Press, Inc.
- Grinker, R.R. 1975 The relevance of general systems theory to psychiatry In Arieti, S. Ed American Handbook of Psychiatry. Sencond ed. VoI. VI. New York: Basic Books.
- Penfield, W. 1975 The Mystery of the Mind. Princeton: Princeton University Press.
- Rose, S. 1973 The Conscious Brain. London: Weidenfeld and Nicolson.
- Smith, G. M. 1978 The Brain: Towards an Understanding. New Yourk: Capricorn Books.
[1] – النص الكامل لهذا البحث كتب اصلا بالانجليزية، وكا نالمفروض أن ينزل فى القسم الانجليزى من هذا العدد، إلا أننا عدلنا فى آخر لحظة عن النشر بالانجليزية استجابة لآراء القراء، ولعل فى ما نشر منه بالعربية ما يغنى مرحليا.
[2] – هذه التسمية اقترحها الأستاذ الدكتور عبد المنعم حسب الله أستاذ الأمراض الباطنية بكلية طب قصر العينى، وذلك أثناء المناقشة التى دارت بينه وبين الأستاذ الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى فى نفس المستشفى، حول حالة “الفشل الجهازى العام” Generalized systemic Fauilure التى أصيب بها أحد المرضى النفسيين أثناء العلاج المكثف، ولقد تبنى الدكتور الرخاوى هذا المفهوم وطوره، ويعتبر جزءا كبيرا من هذا البحث قائما على أساس مناقشاته التى أثارها حول الموضوع.
[3] – سوف يعرض البحث القادم (الجزء الثانى) بعض الحالات التوضيحية التى قد ترجح هذ الفرض
[4] – يتكون المخ البشرى من حوالى ثلاثين بليون خلية عصبية وقد يصل عدد المشتبكات العصبية التى تتصل بالخلية الواحدة إلى ستين الف (سميث، 1980)
[5] – إذا لم تسترجع هذه المراكز وظائفها، وهو المفروض أن يحدث تلقائيا، فأن ذلك ي}دى إلى الموت مما يمكن أن يكون أحد تفسيرات حالات الكاتاتوليا الحادة الممينة(Acute Lethal Catatonia)