الخرافة المفقودة:
من مجموعة خرافات أيسوب[1]
د. محمد السماحى
عثر على هذه الخرافة (ولا يرجح أنها ترجع أصلا إلى المجموعة الحقيقية التى وصلت إلينا منسوبة إلى أيسوب فى مدينة رومانية قديمة وداخل أنقاض مكتبة خاصة يبدو أنها كانت مملوكة لنبيل رومانى مرموق.
وهى وإن كانت مكتوبة باليونانية القديمة مع تذييل لاتينى قصير, إلا أنها بغير شك تظهر فى روح أحدث من روح عصر أيسوب الذى ترك لنا خرافاته ذات الشبه بحكايات كليلة ودمنة بغير مغزى أخلاقى أو سيكولوجى عميق حسب معاييرنا.
وهذه الخرافة المكتشفة حديثا تحكى أيضا كأخواتها على لسان الحيوانات ولكن كيفية وصولها إلى جنوب روما تبقى غامضة وإن كان الأرجح أنها ” نقل شفهى” انتهى إلى أسير يونانى مثقف عمل كمرب ومعلم لابناء سيده الرومانى النبيل على عادة علية القوم من الرومان فى ذلك الوقت, حيث كان مما يتسابق عليه كبارهم أن يلقن أولادهم الحكمة والخطابة معلم يونانى مثقف.
تقول الخرافة:
“كان هناك طائر يضع على رأسه قناعا يخفى وجهه عن الآخرين ويحب أن يتخلف عن سربه ويطير منعزلا فلم يعرفه أقرانه جيدا”.
وفى يوم بدأ يتعلم الطيران إلى ارتفاع أعلى مما يصل إليه الأخرون من الطيور لكى يرى الأرض من تحته أوضح وبطريقة أوسع. وكان فضوله يدفعه إلى أن يزداد ارتفاعا يوما بعد يوم حتى خشى عليه أقرانه الوهن والوقوع فريسة للثعلب ورغم تربص الثعالب به لمعرفتهم بأنه يخاطر بالارتفاع إلا أنه حاول الصعود أكثر وأكثر غير عابئ بتحذير أقرانه. ولما أراد المزيد من الارتفاع ضعفت أجنحته وشعر بثقل أنفاسه حتى هوى إلى الأرض ساقطا والثعالب تجرى إليه, لولا أنه ضرب سطح الأرض بقدمه فى عناد وقوة فى لحظة السقوط: فرفعته هذه الضربة إلى أعلى من جديد, وراح يعاود محاولة الطيران من جديد حتى أصبح يتقن الارتفاع إلى سماء عالية لا يصل إليها إلا النادرين من الطيور
ثم كتب على هامش المخطوط تذييل باللاتينية يعتقد أنه بخط يد النبيل الرومانى صاحب المكتبة المكتشفة يقول:
” واعتاد العبد اليونانى المتعلم الذى عهدت إليه بتعليم أولادى الفلسفة والحكمة أن يضيف بعد أن يتلو الأسطورة فى إلقاء بديع أنه لولا أن تعرض الطائر للسقطة فضرب الأرض بقدميه فى قوة وبأس , لما دفعته ضربة قدمه ولا أى شئ آخر إلى ما وصل إليه من علو فى السماء وأن الطيور تتعلم من السقوط أن تحلق أكثر فى سماء أعلى.
[1] – أيسوب هو شخصية يونانية تضاربت حولها الأقوال وعاشت فى منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وقد تحدث عنه هيرودوت وورد ذكره فى كتابات الأثينين القدماء مثل أفلاطون وارسطو وزينوفون وغيرهم، وتنسب إليه مجموعة من الخرافات تشبه فى نمطها حكايات كليلة ودمنة.