اليوم السابع
الثلاثاء 22-10-2013
“إنى أحب العدل أكثر مما أحب الحرافيش وأكثر مما أكره الأعيان”
رحم الله ضحايا وشهداء كنيسة الوراق، وميدان رابعة، ورجال الشرطة الأبطال الشهداء ورجال الجيش الفدائيين الكرام. أعرف، وأعيش، وأتقمص، وأحاول أن أشارك كل من يحب مصر، ليس لأنى لو لم أولد مصريا لوددت أن أكون مصريا، ولا لأن مصر أم الدنيا، ولكن لأنى أحبها دون إبداء أسباب. حب الوطن لا يحتاج إلى مبررات وتفسير، تماما مثل حب الأم، مثل حب الله، من يحب الله يحب وطنه ممثلا لأرض الله التى أوجده عليها ليعمرها، ويعبده عليها، وينطلق منها إليه، حمل أمانة الأرض، هى مثل حمل أمانة العرض، مثل حمل أمانة الحياة برمتها، وقد حذرنا ربنا أننا إن لم نفعل ظلمنا أنفسنا وجهلنا قدر الأمانة التى تصدينا لحملها، دون أن نجهل مدى مسئوليتنا عن ذلك، أو احتمال ظلمنا لأنفسنا إن قصّرنا.
ما هذا الذى يجرى؟ من هؤلاء الذين يخربون مصر؟ يسعون حثيثا لإفلاسها، يجرجرونها لتنبطح أمام إسرائيل وأمريكا والقاعدة معا، وأمام كل من يريد أن يستعملها، ويستغل طيبة أبنائها، ومواردهم، وهم يلوثون وعى أبنائها ويدوسون كرامتهم، هل هم يعرفون كلمة “مصر” أصلا؟ هل هم يعرفون الله؟ هل يعرفون ما يراد بها لتنوب عن العدو فى شلّ عدوه لحساب عدو الله.
أى سبيل يمكن أن أسلك لعبادة الله من خلال حبى لبدى، أشعر تجاه الجندى الذى يموت من أجلى وأجل أحفادى بديْن لا أعرف كيف ومتى أوفى بسداده، أشعر بشفقة ورفض وحزن وأنا أرى شابا خلقه الله مثلى، ربما أحسن منى، وهو يصيح بما لا يفهم ولا يتحمل مسئولية ما يفسد، أمام الله وليس أمام من حرّضه وأثاره، “أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ”؟.
أقف أمام عناوين الصحف كل صباح، عادة مؤلمة لم أستطع أن أتخلص منها كما تخلصت من التليفزيون، وأسأل نفسى أمام كل مقال تقريبا، وكل خبر “إذن ماذا”؟ “ماذا بعد”؟، تصر زوجتى وبعض الذين هم أطيب منى أنه لن يأتى بعد ذلك إلا كل خير، أفرح بطيبتهم وأرجع إلى عملى أكثر اجتهادا وألما، أحاول أن أساهم فى تحقيق أمانيهم.
اليوم قرأت أن شباب ماسبيرو سوف يتظاهرون احتجاجا على حادث كنيسة الوراق، يحتجون على وزارة الداخلية أنها لم تحمِ الكنيسة والفرح، أغلب ما فى الخبر مفهوم ومقبول نتيجة انفعالات الفقد والحزن، لكن بقية الخبر يقول إنهم يطالبون باستقالة وزير الداخلية؟!!! يا سبحان الله، هكذا مرة واحدة؟ دون تحقيق ودون إثبات تقصير، ودون النظر إلى دوره وزملائه وأبنائه والجيش والطيبين من عامة المصريين، فى كل المواقع على كل الجبهات، الحزن حق، والألم وارد، لكن هل هذا هو الحل لمن يحب مصر: أن نلوم أولئك الذين لا يألون جهدا، ولا يخافون موتا، ليحموننا مسيحيين ومسلمين، أطفالا وشيوخا طول الوقت؟، لا فرق عندى بين اغتيال مريم، واستشهاد عريف مثل حمادة دسوقى يؤمن نقطة حدود فى رفح، واستشهاد الطالب بلال جابر، رحم الله الجميع؟
العدل هو الحل، نجيب محفوظ يعلمنا على لسان عاشور الأصغر (الأخير) وطيف عاشور الناجى الكبير، “المهدى الشعبى المنتظر” ما يلى فى نهاية ملحمة الحرافيش:
“إنى أحب العدل أكثر مما أحب الحرافيش وأكثر مما أكره الأعيان”. ملحمة الحرافيش (ص 559)
و”الحرافيش” هم الناس، عامة الناس، لكن العدل أوْلى بالحب لأنه يحميهم، وهو الذى يمنع أذى واستغلال “الأعيان” لهم.