الأهرام: 17/6/1985
إلى الأستاذ خالد محمد خالد
دعوتك – يا حبيب المؤمنين بالدين والحياة – على اثر مقالاتك عن الاسلام والديمقراطية تلك التى شرعت فيها لتطبيق ديمقراطى حديث تماما واصيل جدا، للشريعة الاسلامية، وعدتك ان اكتب لك رسالة مفتوحة اقول لك رأيى فيها عن هذا الموضوع بأكمله وكان فى نيتى أن أكتب لك رسالة مطولة ومسهبة، ولكنى بعد ترو، وجدت ان رسالتى اليك اذا طالت ستتحول الى نوع من’المونولج ‘ ولتسمح لى باستعمال هذا التعبير الجنبى الذى يعنى الحديث الى النفس والتعبير عن النفس، وكان العرب الاقدمون صناع اللغة لم يكن شائعا لديهم هذا النوع من التعبير,اذ هم دائما كانوا يتحدثون عن الاخرين وللآخرين، ونادرا ما كان الواحد منهم يحدث نفسه أو يناجيها,فما بالك ان يحاورها وينقدها، وجدت انها ستتحول الى مونولج، مع ان الممتع قيك ومعك ان يكون الامر – ليس سجالا معاذ الله – لكن حوارا صادقا خلافا لا تأخذ فيه الانسان العزة برأيه ونفيه الى درجة قد تدفع الى مجافاة الحق والعدل .
حوار,لأنه,ما أكثر ما شاع ‘المونولوج’ فى حياتنا الى حد كدنا نتحول فيه الى ما يشبه مسرحية الصديق الكبير سعد الدين وهبة التى نصف الناس فيها ‘طرش ‘ لا يسمعون ولكنهم دائما يتكلمون، ونصفهم الآخر خرس يسمعون ولكنهم دئما لا يتكلمون.
نحن فى حاجه ماسة اذن الى حوار تطبيق الشريعة الاسلامية، بطريقة ديمقراطية أو شمولية، ولكن فى كل امور حياتنا بحيث يسمع الجميع ويتكلم الجميع فلا يدفع انعدام السمع الى ثورة الطرش على المتكلمين ولا تدفع كثرة الكلام الذى لا يسمعه احد إلى ان يؤوب مجتمعنا إلى نعاس أو تؤول حياته ؤلى كابوس على أوهن الفروض .
نحن فى حاجة إلى الحوار,وبالذات حول قضية تطبيق الشريعة، لأن السيل قد بلغ الزبى كما يقولون,وأصبح الشغل الشاغل لصحف الحكومة والمعارضة ‘والمعارضة بالذات وهذا هو وجه العجب ‘ هو تطبيق الشريعة الاسلامية وتطبيق الحكم الاسلامى .
ولقد قرأت كثيرا من آراء سادتنا علماء الدين الاجلاء حول هذا الموضوع وعن وجوب تطبيق الشريعة الاسلامية فورا ودون ابطاء . وكنت اطوى الجريدة أو المقال واحدث نفسى :
أى حكم اسلامى يريد تطبيقه هؤلاء الافاضل ؟ هل هو الحكم الاسلامى الخمينى أى تحويل المشايخ إلى حكام كما حول آية الله ‘المولات ‘ إلى حكومة وحكام ؟ ام هو حكم اسلامى وهابى كالسائد فى السعودية ودول الخليج ؟ أم هو حكم اسلامى قذافى كالسائد فى ليبيا؟ أم هو حكم كحكم ضياء الحق فى باكستان حيث اعلن أن الاستفتاء على رئاسته يعنى الاستفتاء على تطبيق الشريعة الاسلامية وانه هو ومن يرتضيهم من علماء الدين الذى سيتولى صياغة الشريعة مثلما فعل نميري,ويفكر غيره فى فعله:؟
هل هو تطبيق فقه المام الشافعى الذى يعتنق مذهبه معظم المصريين,أم فقله الامام مالك أم الامام ابى حنيفة ام ابن تيمية أو مذهب ابن حنبل؟
وكيف نشرع فى تطبيق هذا المذهب أو ذاك اذا اخترناه، هل نعتبر ان كل حياتنا المعاصرة التى جدت بعد وفاة هؤلاء الائمة الكبار، ووقفل باب الاجتهاد، كل ماجد على حياتنا تلك، من ملابس معاصرة، و’بدل’ وراديوهات وساعات وتليفزيونات وسينمات ومسارح بالطائرات والسفر إلى الخارج ومشاهدة النساء السافرات هناك، والبنوك والمعاملات والتصنيع والتكنولوجيا والنظريات الكثيرة فى تفسير الكون والحياة والهندسة البيولوجية، وآلاف غيرها من الأشياء، هل نعتبر كل هذه الأشياء جميعها خروجا على الشريعة، باعتبار أنه لم يرد بها حديث أو اجتهاد، فنلغيها كلها ونعود نحيا فى خيام أو مساكن من الطين ونرتدى الجلاليب ولا يعود لنا من عمل إلا العبادة فى المساجد أو البيوت اذ ان بعضهم يفسر الامر هكذا استشهادا بالآية الكريمة : ‘وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ‘ وفى الحديث الشريف: الهمل عبادة؟!
هل يعن يتطبيق الشريعة ان نتبع نظام البيعة الذى اخذ به المسلمون فى صدر الاسلام فيجتمع 46 مليون عربى فى مكان واحد ليختاروا واحدا يبايعونه اماما للمسلمين جميعا وحاكما اليه ليست امرا ملزما؟
كيف يتم اجتماع كهذا، وعلى أى أساس نعرف نوع الخليفة لنبايعه، لقد بويع ابوبكر لأنه كان صديق النبى وحبيبه ورفيق رحلته العظمى فى ابلاغ الرسالة، وبويع عمر لأن ابابكر اوصى ببيعته، وبويع يزيد بين معاوية بسيف معاوية وذهبه وأثناء حياته، فماذا نفعا نحن الآن، وعلى أى أساس نبايع أمير المؤمنين فى قدرته على الخطابة واسر النفوس أو عدد مرات ظهوره فى التليفزيون مثلا، أم نختار رئيس جمهوريتنا الحالى باستفتاء ؟وما الفرق حينذاك بين نظام الانتخابات الحديثة ونظام البيعة ؟ أم لابد ان تكون البيعة لفقيه من فقهاء الدين ؟ بمعنى ان المسألة فى النهاية ليست فى كيفيه الحكم ولا فى تطبيق الامر الطريقة الوحيدة لكى ‘يحكم ‘ وجال الدين.
وأنا شخصيا لا اعتراض عندى ان يحكمنا رجل دين، بل أنى لأحلم بهذا، شرط ان يكون هذا الحاكم الدينى فى سعة افق الامام محمد عبده وفى طهارة الشيخ الغزالى وف يتفتح الشيخ خالد محمد خالد وعنف الشيخ كشك ‘فى مواجهة الاعداء فقط وليس فى صب لعناته على مذيعات التليفزيون ‘ ورقة الشيخ عمر التلمسانى .
اجل ياأيها الكاتب الذى قرأت له ‘من اين نبدأ ‘ وكنت ايامها اتساءل انا الآخر من اين نبدأ وهدانى تفكيرى مثلما هداك تفكيركك الى أن بدايتنا الحقيقية هى بالترتيب التالي:
أولا: طرد الاستعمار البريطانى من ارضنا.
ثانيا:خلع الملك والملكة واقامة نظام جمهورى ديمقراطى حقيقى يتم فيه كل شيء بالانتخاب المطلق، من العمدة إلى مأمور المركز، إلى النائب العام، إلى رئيس الجمهورية .
ثالثا: عن طريق هذا الانتخاب يختار الشعب ممثليه فى مجلس تشريعى يصبح فيه اعضاؤه اولى الامر، وتحت رقابة الشعب والصحافة ايضا.
رابعا: ان تقوم فى بلادنا نهضة تعليمية صناعية نستعيد بها اسرار التقدم العلمى الذى اخذته منا اوروبا وطورته إلى ان استعمرتنا وأذالتنا بتطويرها لحياتها وأسلحتها به .
خامسا: أن تبدأ مرحلتنا الحضارية الحقيقة مبنية على الأسس السابقة بحيث نتعرف على حقيقة ديننا ولغتنا وهويتنا ونطور مفهوماتنا إلى درجة تصل بنا إى ان نصبح مصدرى فكر وثقافة وحضارة وتمدين وليس كما صرنا الآن مجرد مستهلكين لمواد تمدين نشتريها بالقروض من امريكا .
هكذا قرأت كتابك أذن : من هنا نبدأ، وآمنت بما اء فيه لأنه كان يتمشى مع معتقداتى الشخصية كطالب وطنى يحب بلده وشعبه ودينه إلى درجة لا يتردد فيها لحظة ان يضحى بحياته من أجل هذا الدين وهذا الشعب.
ومازالت أحمل عواطف ذلك الطالب إلى الآن . وما زالت احلم أننا سنتغلب على كل عقباتنا، وفى النهاية سننتصر.
ولكن ………….
ولكن يا أستاذ خالد…….
لا أريد ان اقرل فى الوقت الذى يذبح فيه المسلمون بأيد مسلمة وتقوم حرب ضروس بين شعبين مسلمين، ويبتسم الاسرائيليون من اكمامهم لأن المسلمين والعرب انفسهم قد كفوهم عنا. أفناءهم أذهم يتولون الان وبايديهم افناء بعضهم البعض!!
ألا ترى معى أن هذا الحديث، الحديث عن تطبيق الشريعة وقطع يد السارق ورجم الزاني، فى هذا الوقت بالذات، وعلى صفحات الجرائد المصرية والسعودية بالذات، يشكل فى حد ذاته تساؤلا لابد ان يطرأ لأى انسان لديه ذرة من العقل، لقد كان نبينا صلوات الله عليه وسلامه ‘ يبشر’ بالرسالة، وهى بعد فى حيز عدد قليل من المؤمنين وهو ‘يحارب ‘ اعداء الاسلام واعداء الرسالة. لم يكن هم المسلمين بقيادة الرسول عليه السلام ان هذا المسلم الفرد قد سرق أو زنى بقدر ما كان همهم الاوحد ان يقهروا أولا عدو الله وعدوهم، ثم يتفرغوا بعد هذا للتشريع والتهذيب والعقاب. لم يكن هم المسلمين فى ذلك الوقت ان امرآة زنت وجاءت تعترف لرسول الله الذى حاول اثناءها عن اعترفها فأصرت ‘تأملوا هذا يا قوم : الرسول الكريم بجلالة قدره يحاول أثناء ‘زانية’ لأن نفسه العظيمة تدرك مدى ضعف البشر وتعرضهم الدائم للخطأ وللخطيئة، بمعنى آنهكان يتلمس لها العذر أو البراءة’ وأصرت، فأقيم عليها الحد. حالة واحدة أو عدد قليل من حالات السرقة أو الزنا حدثت، اذ كان هم المسلمين الاكبر ليس هو ‘الحكم ‘ ولكنه رفع راية الاسلام والمسلمين، اذ تلك هى المهمة العظمى الجديرة حقا برسالة النبى الكريم، أنا تلك الحوادث التى بالضرورة لابد ان تكون فردية ولا يمكن ان تشكل ظاهرة عامة تصبح خطرا على الاسلام والمسلمين، فأنها ليست هى الخطر، انما الخطر الاكبر يأتى من اعداء الاسلام والمسلمين، القابعين فى غرف مكيفة، لديهم الاحصاءات والمعلومات والخطط ويعرفون كيف يوقعون بين الشيعة والسنة وبين اللبنانيين والفلسطينيين، وبين المصريين والعرب، وبين السودان ومصر، وبين مصر والعرب وليبيا وسوريا، وبينايران والعراق، وبين افغانستان وباكستان، كيف يستقطبون ماليزيا لتصبح اسلاما نموذجا وحده، ويوقعون بين الصومال والحبشة، ويهربون الفلاشة ويقنعونهم انهم يهود ابناء يهود، ويرشون، ويتلمسون نقط الضعف ومن خلالها ينخرون.
هذا هو الخطر الحقيقى على الاسلام والمسلمين يا مولانا الشيخ خالد. واذا كان البعض منا يريد تطبيق الشريعة فأول بنودها – كما هو واضح لكل ذى عينين – حماية الاسلام نفسه من اعدائه الخارجيين أولا، أعدائه الحقيقيين، فأعداؤه فى الداخل قلة ممن يسمون فاسقين أو مارقين أو ماركسيين، أمرهم سهل تماما، أما الامر الصعب فهو ان يواجه هؤلاء الزاعقون باسم الاسلام، أعدا الاسلام، ويشيرون اليهم بجماع ايديهم وحناجرهم، ويحضون المسلمين على التكتل لاتقاء شرهم.
اذا لم يكن هذا هو العمل الأول للمنادى بتطبيق الشريعة، فماذا يكون عمله اذن، قطع يد 200 سارق كما حدث فى السودان، وجلد عشرين زان وزانية بينما يموت كل يوم فى ايران والعراق ولبنان مئات من مسلمين أبرياء، تركهم ولاتهم وشيوخهم لأنهم متفرغون لقضية اهم بكثير : تطبيق الشريعة باعتبار ان اعداء الاسلام هم داخل الاسلام نفسه، هم هؤلاء النساء اللاتى لا يظهرن بأزياء شرعية محتشمة .
اللهم اذا كان اعداء الاسلام هم هؤلاء، فما اسهل قضية المسلمين اذن.
حاضر يا أسيادنا، سنعيد كل نسائنا إلى البيوت، وسنغلق التليفزيونات والمسارح والفنادق وسنرتدى الجلاليب ..فهل تكف اذن الحرب بين ايران والعراق؟؟
هل تتوقف بهذا مذابح صبرا وشاتيلا الاسلامية ضد الفلسطينيين ؟ المسلمين بأيد مسلمة ؟
هل سينصرنا الله أنذاك على ‘الكفار’ القابعين بيننا، أم اننا سنعصى الله حينئذ عصيانالن يغفره لنا سبحانه، اذ سنفعل مثلما فعلوا فى واحد، وننشغل بالغنايم الصغيرة عن معركتنا الكبرى .
معركتنا مع عدو لا يرحم، ولن يرحمنا.
الاستاذ العظيم خالد محمد خالد..
لقد قلت لنا يوم كنا نحلم .. كيف نبدأ، من اين نبدأ .. والآن ونحن مازالنا نخوض معركة البداية الشرسة، ضد أعداء شرسين جدد، دخلت انت الحلبة لتساهم فى معركة تطبيق الشريعة أو تطبيقها على الاصح بشكل متحضر يستوعب كل ماآلت اليه حياتنا المعاصرة…
ولكن يبقى السؤال يا أستاذ خالد : ألست ترى معى أنهم قد شغلوكم جميعا، يا فضلاءنا وعلماءنا ومشايخنا بقضية داخلية ليتفرغوا هم للأجهاز علينا من الخارج، ليتفرغوا هم ‘للطوفان’ الذى يريدون به القضاء علينا…
كتابك اتذكره جيدا : هذا أو الطوفان
وقد أعطوكم ‘هذا’، وامتلكوا هم ناصية ‘الطوفان’ يأتون علينا به . فما قولك* دام فضلك، ودام فضل أستاذتى وشيوخى وعلمائى الاجلاء؟؟