نبذة: رصد لمعالم الافاقه الشعبية (الناس) إبداعا وتوصيلا، مظاهراتنا والكترونيا فى أمريكا وخارجها، عبر العالم فى مواجهة التكتل المركزى السلطوى المالى. وتجديد الأمل فى إفاقة قادرة على مستوى الناس ضد الغطرسة.
الأهرام: 24-2-2003
إفاقة واعدة، وسط الآلام والمخاوف!
نحن – البشر- نعيش هذه الأيام خبرة غير مسبوقة عبر التاريخ، نعيش أزمة شاملة أدت وتؤدى إلى تعرية مفزعة، لكنها واعدة بخير ما.
من خلال هذه الأزمة تعرت السلطات، وأصحاب الأموال القاتلة (الشركات العابرة للقارات وللحكومات وللأخلاق)، كما تفجر غضب الناس فى الشارع فى كل أنحاء العالم. كذلك انطلق الإبداع الناقد يرفض الجارى بالمقالات والكتب وكل أدوات التواصل الحر.
أليس كل ذلك مشرقا واعدا برغم الدماء التى سوف تسيل، وأرواح الأبرياء التى سوف تزهق.
لم يعد هناك ما يمكن أن يكتب أو يقال أشرف أو أعمق أو أبلغ نقدا أو أصرخ شجبا مما كتبه الشرفاء الأمريكيون، وأهل الغرب ذوو الضمائر الحية بالإضافة إلى بعض أهلـنا (من أول نيلسون مانديلا حتى مهاتير محمد : مؤتمر دافوس). دع الحكومات جانبا تعد أوراق المكسب والخسارة، فهذا واجبها (وهو أيضا مهربها)، ودع المؤتمرات جانبا مع كل احترامنا للمناقشات الهادفة والبناءة!!، ودع المسرحية السياسية الدبلوماسية تكرر نصا فاترا برغم خطورة النهاية، ودع مفتشى الأسلحة يلقون بياناتهم وهم يتمزقون بين ضمائرهم وضغوط آلة الحرب وأهل الأموال القذرة. لا تدع كل ذلك بمعنى إهماله، ولكن بمعنى محدودية دوره فى الحيلولة دون الحرب والقتل والدمار. كل ما يمكن أن تفعله المظاهرات والكتابات والاحتجاجات هو تأجيل الكارثة بعض الوقت أو تغيير موقعها الجغرافى (من أفغانستان إلى البلقان إلى فلسطين إلى العراق، إلى حيث أى بترول وعبيد).
فى تقديرى أن المسألة تجاوزت قضية ‘حرب أو لا حرب’، بل لعلها تجاوزت قضية البترول وإبادة شعب فلسطين أو أفغانستان أو العراق. لقد تكشف القناع عن مخاطر تهدد الأمريكيين (أليسو بشرا؟)، بقدر ما تهدد جوعى أثيوبيا وأطفال العراق. أنا لا أريد بذلك أن تموع المسألة حتى نتراخى أو نقلل من قيمة المظاهرات والكتابات الشريفة والمقاومة المسلحة طول الوقت، لكننى أنبه أنه: مع هذا كله، ومن خلاله، لا بد أن نستفيد – نحن البشر – من هذه الإفاقة التى تبلغنا من هذا التعرى على الجانبين بما يمكن أن يفرز خيرا أبعد من مجرد الحيلولة دون الحرب .
إن ما يجرى الآن إنما يعلن أن ثم خطأ تطوريا قد لحق بمرحلة تطور الإنسان الحالية مما يجب الإسراع بتداركه. لم يعد القانون هو القانون، ولا الأخلاق هى الأخلاق، ولا القيم هى القيم. لم يعد المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، ولم يعد القاضى الطبيعى هو المرجع الأوحد للبت فى مصداقية الأدلة الإلكترونية الملفقة، واقتطاع النصوص من سياقها، ولم يعد الحياء يغلف التهديد بالإبادة. ولم يعد الندم يلحق قتل الأبرياء. كما أصبح للمشاركة فى القتل ثمن قابل للمساومة (راجع الصفقات مع تركيا).
دون الإقلال من قيمة كل ما يجرى (كتابة. ومظاهرات. ومؤتمرات)، ودون نسيان انتصار فيتنام على أمريكا، فإن ما يحدث لا بد أن يدعونا فردا فردا لإعادة النظر فى كل شيء.
بعد كل هذا التعرى المرعب، ومع كل تصريح مسئول أمريكى أو رؤية نعش شهيد فلسطيني، تقفز أسئلة إلى و عيى أى إنسان شريف يحب الحياة ويحرص على تعميق إنسانيتها، أسئلة مثل: ‘هل يمكن أن يستمر تقديسنا للديمقراطية (الأمريكية) هو هو ؟ هل يمكن أن يتمادى كل صاحب دين أو أيديولوجى فى تصور أن غاية مراده هو أن ينجح فى دعوة بضع آحاد أومئات للدخول فى دينه؟ هل يمكن أن تزيد الغفلة تحت تأثير إعلام مغرض، يدار لصالح أصحاب الأموال القذرة ؟
حين جاءتنى الإجابة بالنفي، قفز إلى السؤال الجاهز المتحدى يقول: هل عندك بديل؟ ليس عندى بديل جاهز، لكن حجم الأزمة، وصرخة الناس عبر العالم، وحركة الوعى البشرى معا هكذا، تعلن جميعها أن إرهاصات إيجابية تتراكم، ليس لمنع الحرب فحسب، ولكن لإعادة النظر فيما يفرز مثل هذا الزيف فالدمار.
نحن على أبواب إبداع بشرى يواجه هذا التهديد بالانقراض بعد أن تولى قيادة العالم من يملك كل أدوات الدمار الشامل من مال وسلاح، يخدم بها مصالحه الزائفة دون سائر البشر، وكل همه أن يحتكر تدمير الحياة بنفسه دون غيره.
لا. سوف ينتصر الناس، كل الناس معا، قبل، وبعد، ومع، وبدون حرب، مهما طال الزمن.