جريدة التحرير
9-6-2012
تعتعة التحرير
إعدلوا هو أقرب للتقوى..!!
الله سبحانه وتعالى هو العدل، هو الحق العليم، سوف يحاسبنا على الجهل ونحن نردد هتافات، وندلى بتصريحا “لا نلقى لها بالا” بعقوبة الـ “سبعين خريفا”!! على الأقل، هذا غير عقابنا فى الدنيا.
أغلبنا لم يعد يعرف أن العودة إلى نقطة الصفر (25 يناير 2011– 12 فبراير 2012) يمكن أن تكون نكسة لا استمرارا، كل وقت وله أذان، ومن لا يتغير يكرر، ومن يكرر يتراجع، أكاد أجزم أنه من أول المرشح للرئاسة فى الإعادة (وغير الإعادة) حتى أصغر صبى فى الميدان لم يعد أحد يميز بين غضب الثورة، وبناء الدولة، وإرساء الحضارة، بالعمل على تعمير الأرض ونفع الناس، كل الناس، ونحن نعبد ربنا بكل ذلك.
التمست العذر للشباب الذى لا يميز بين قانون العقوبات، والقوانين الخاصة فى ظروف استثنائية، كما كررت مرارا فى تعتعات سابقة أنه: إما محكمة استثنائية (لا أوافق شخصيا عليها) وإما احترام مطلق للقضاء وأحكامه فى حدود مبدأ الشرعية ، الذى يقول “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” أشرت فى إحداها إلى ما تعلمته من أساتذتى المستشارين قائلا:
“حكى لى سيادة المستشار سمير ناجى عن عبد العزيز باشا فهمى، وكيف أن محاميا شكر المحكمة على “حسن إنصاتها وسعة صدرها”، فانبرى له عبد العزيز باشا منبها أن“المحكمة تؤدى واجبها، وهى لا تقبل الشكر من أحد لأن من يملك المديح يملك الذم”، إلى هذه الدرجة كانت المؤسسات عزيزة برجالها، ونحن الآن نسمع تهديدات للقضاة وصلت إلى التهديد بالقتل إن حكم القاضى حكما لا يرضى الشارع.
فى تلك التعتعة الباكرة قدمت هذ الاقتراح المؤلم هكذا:
“…نصيحة للشبان – إن شاؤوا برغم اعتراضى شخصيا – بمطالبة مجلس الشعب أن يصدر غدا قانونا بإنشاء “محكمة الغدر” أو “محكمة الثورة”، ليُحاكم خلال شهر على الأكثر عشرة أو خمسة آلاف، ولتحكم المحكمة المستعجلة بالإعدام على ألف، أو من تشاء، وليكن منهم ثلاثمائه أبرياء، فهم سيفوزون بالشهادة ..إلخ “، كنت وما زلت على يقين مطلق أن الله – سبحانه وتعالى- سوف ينصر المظلوم فى الدنيا، فما بالك لو أعدم وهو برئ؟
قلت فى تعتعة أخرى:
“..إن اكرام شهدائنا الأصليين يكون بالدعاء لنا بأن نلحقهم حيث يكرمون،…..، ثم نروح نحن نواصل إتمام رسالتهم لبناء مصر دون التوقف عند سعار الانتقام من قاتليهم”
وأضيف الآن إن الشهيد الذى بذل حياته من أجلنا يفرح أكثر حين يرانا قد أصبحنا بفضل شهادته متحضرين معمّرين ارض الله مبدعين حاملين أمانة البشر جميعا، يفرح بذلك أكثر من تصورنا فرحته بتركيزنا على الانتقام ممن قتله، ليرى وهو فى جنة الخلد جثث أبرياء، بين القتلة، وهى تتدلى من مشانق ميدان التحرير، هذه إهانة له واستهانة بتضحيته وتشويه لشهادته.
وفى نفس التعتعة أضفت أننى أرى:
“…. إن الإسلام (الحقيقى) يتحيز للعدل حتى بعد أن تثبت إدانة المتهم باجتهادات بشرية، كنت أتمنى أن ينبرى أحد النواب الإسلاميين الأفاضل، يعلّم الناس أداب وأخلاق الإسلام:….. وأن ما يجرى فى الشارع هكذا من اتهامات .. وأحكام هو ضد الإسلام :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. لو أن واحدا فقط من هذه الأغلبية انتبه كيف يمكن أن يوصل المعنى التكاملى لهذه الآية الكريمة للناس، – مثلما حاول الأزهر الشريف – لأدرك من تشككوا فى شعارهم “الإسلام هو الحل” أن هذا الشعار استطاع أن يواجه ما يجرى فى محاكم الشوارع والميادين وهل يقوم بديلا عن القهر والقتل وحروب الشوارع، إذن لعرف الناس المتحمسون ألما أو تهييجا من آداب هذا الدين وأحكامه أنه ليس من حق أى مخلوق أيا كان أن يصدر أحكاما على غيره …..، حتى فى ميدان التحرير، يصدر أحكاما تصل إلى الإعدام، ناهيك عن الأحكام الأخلاقية الفوقية وغير الفوقية على القضاة؟
ثم أضفت:
“.. إن بناء الدولة يعنى بناء المؤسسات، وأول من نحترم هو مؤسسة القضاء، لا أنكر أن مؤسسة القضاء هى مؤسسة من البشر، وبالتالى فالخطأ وارد، والظلم محتمل، والتفتيش القضائى جاهز، ودرجات الاستئناف والنقض قادرة، والله موجود، لكن أن يحل محل كل ذلك ما يجرى هكذا، فهو التخلف، وعصيان ربنا، وتفكيك دولتنا”
وأضيف – الآن- أنه إن جاز كل ذلك من أم مكلومة ندعو لها بالصبر والسلوان، أو من شباب متحمس غير ناضج فهو لا يجوز من مرشح لرئاسة الدولة يعد العدة لاستلام منصبه، ولا من مرشحين كرام لم يوفقوا أن يتجهزوا لمثل ذلك، فما وصلنى من اجتماعاتهم ونزولهم التحرير هو مزيد من الرشوة للانفعالات العشوائية، غير منتبهين أنهم لم يعودوا يحتاجون لذلك.
خلاصة القول: إما محكمة العدالة الثورية فورا وحسما، طالبين الرحمة من ربنا لما قد يصيب أبرياء، لعل الضرورات تبيح المحظورات، وإما شكر القاضى أحمد رفعت، ممثِّلا لكل رجال القضاء، والالتزام بالطرق الأخلاقية لنقد قراراتهم، والطرق القانونية لنقض أحكامهم.
ثم دعونا فى النهاية نستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنكم تختصمون إلىّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار “
هل تعرف يا سيادة الدكتور مرسى، والدكتور أبو الفتوح، والإبن حمدين صباحى أنكم معهم بما تفعلون وتقولون لا تحافظون على الثورة، بل تجهضون كل أملنا فى أن تتطور إلى دولة فحضارة مصر أولى بها، وقادرة عليها بامتياز
للعدل مستويات وللقضاء قدسيته، وإلا فلا دولة، ولا دين ولا حضارة،
للعدل، واللاعدل مستويات نتعلمها من ديننا ومن تاريخنا ، أختم بها اليوم وأنا أغلى كمدا:
1) “لاعدل” الانفعال فى محاكم الشوارع
2) العدل النسبى الاستثنائى فى محاكم الشعب أو الثورة
3) عدل الشرعية فى محاكم القضاء العادية الراسخة
4) عدل البصيرة ومحاكمة الشخص لنفسه (بل الإنسان على نفسه بصيرة) (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)
5) عدل الله سبحانه الذى يطال المتهم والمجنى عليه، والقاضى جميعا
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.