نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس:11-1-2018
السنة الحادية عشرة
العدد: 3785
فى رحاب نجيب محفوظ
إعادة تقديم الأحلام المتبقية (53 – 210)
استجابة لطلب بعض الأصدقاء أن يواصلوا بمتابعة هذه الطريقة فى النقد قررت أن أواصل نشر بقية الأحلام الأولى حتى 210 بنفس طريقة “التناص” أو تقاسيم على اللحن الأساسى مع التذكرة بأن هذا العمل هو أقرب إلى الشعر ولا ينقد الشعر إلا شعرا.
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ) تقاسيم على اللحن الأساسى
الحلم (53)
سألت عن صديقى فقيل لى إن الموسيقار الشيخ زكريا أحمد(1) يسهر فى بيته كل ليلة شاديا بألحانه حتى مطلع الفجر فقلت يا بخته ودعيت لحضور سهرة فذهبت إلى الحجرة الواسعة المزخرفة جدرانها بالأرابيسك .. ورأيت الشيخ زكريا جالسا على أريكة محتضنا عوده وهو يغنى ‘هوه ده يخلص من الله’ وفى حلقة جلست الأسرة نساء وأطفالا وبينها رجل معلق من قدميه وتحت رأسه على مبعدة ذراع طست ملئ بمية النار.
وضاعف من ذهولى أن الجميع كانوا يتابعون الغناء دون أدنى التفات إلى الرجل المعذب.
التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)
… قالت المرأة المتنقبة للرجل الأملس، إن هذا هو آخر ما كنت أتصوره من الشيخ زكريا بالذات، ردّ الرجل بصوت عالٍ مع أنه كان يتلفت: ما عليك، المهم هو ما سيكون بيننا بعد السهرة، فقالت هامسة: إخفض صوتك.
وصاح طفل من المتحلقين حول الرجل المعلّق صياحا غامضا كأنه يطلب ماء أو أماناً، فزع الجميع لأن صياحه أخذ يتصاعد حتى بدا كعواء ذئب جائع، بل مسعور، وتحرك العطش فى الجميع دون استثناء.
نبه الشيخ سيد درويش أنه “ما هكذا يكون الغناء”،
سأله محمد عبد الوهاب: إذن كيف يكون؟
قال السيد أحمد عبد الجواد: يا جماعة دعونا نستمع الله يخليكم، هل هذا وقته؟
ويلاحظ الجميع، أن الرجل المعلق مازالت تدب فيه الحياة جدا. ويسأل جار جاره: ألا يشبه وجهه وجه “أحمد عاكف”، فيرد: لست متأكدا، لكن صوت سعاله يشبهه.
ثم خطف الأطفال طست ماء النار وجروا به وهو يترجرجر بين أيديهم إلى خارج الدار فرحين مهللين، فولولت النسوة وهرولت إحداهن وراء الأطفال، فاصطدمت بالرجل المعلق الذى ابتسم وغمز بعينه اليسرى برغم رعبه وألمه، فزغردت بقية النسوة ورحن يتراقصن معه وهن يصنعن كورسا مع المحيطين بالشيخ، مرددين من جديد:
“هوا دا يخلص من الله”.
1- حين قرأت اسم الشيخ زكريا أحمد فى هذا الحلم تذكرت بعض ما حدثنى شيخى عنه، فعدت إلى أوراقى، وقلت أقتطف هذه الأسطر مما سجلته آنذاك، (وهو مقتطف ليس له علاقة مباشرة بالحلم)
الخميس: 19-1-1995
…. ثم عاد الأستاذ يهاجم مرض السكر ويذكر الشيخ زكريا أحمد, وأنه كان مصابا بالسكر حتى ظهرت له دمامل في كل جسمه، وأنه كان يذهب ليعوده في الفجالة، فيفتح الشيخ زكريا الصوان فى حجرة نومه ويريهم ما تفضل عليه أهل المزاج بالهدايا المناسبة تقديرا لفنه، وحين زاره محمد عبد الوهاب، وأطلع علي ذلك فزع خائفا وتراجع … الخ.
… وتوالت الذكريات بشكل هاديء رائع ولم أستطع أن أتابع كل ما قيل من أسماء وأغاني ومخرجين، حتى قال الأستاذ: هذه هي الفترة التي كنا فيها واقعين في أسر الشيخ زكريا أحمد ونكثر من التردد عليه.