جريدة التحرير
الثلاثاء 10 ديسمبر 2019
أ.د.يحيى الرخاوى: المرض النفسى أصبح “شماعة” للأخطاء فى المجتمع
- المنتحر مهما برر أسبابه فهو هرب من المسئولية
- ليس كل معاناة أو ضيق “مرضا نفسيا”
- إحصائيات المرضى النفسيين فى مصر “اجتهادات”
قال الدكتور ييى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى إن المبالغة فى وصف الناس العاديين بالمرضى النفسيين هى من أخطاء الإعلام وبعض الزملاء ووصفها بـ “نفسنة المتجمع” مشيرا إلى أن المرض النفسى أصبح “شماعة” يعلق عليها السلبيات ، وأكد الرخاوى فى حوار لـ “التحرير” أن المنتحر مهما برر انتحاره لنفسه هو فى النهاية هرب من المسئولية،
إلى نص الحوار:
1- هل توجد عيادات تابعة للدولة بخلاف مستشفيات الأمراض العقلية؟
د. يحيى:
طبعا، توجد فى كل مستشفى عام فى المحافظات على الأقل قسم للأمراض النفسية، وكل قسم ملحق به عيادة نفسية، وكل هذه الأقسام والعيادات ليست لها علاقة بمستشفيات الأمراض العقلية وهى تقوم بخدمات يومية غالبا فى حدود علمى تشمل الكشف والتشخيص والتزويد بالعقاقير اللازمة لكل الأمراض من أول القلق حتى الفصام.
2- أسعار الفيزيتا والجلسات فى العيادات الحكومية والخاصة؟
د. يحيى:
أغلب المستشفيات والعيادات الحكومية التى أعرفها تقدم خدمات مجانية أساسا أو بأجر رمزى شديد التواضع، كما توجد بها أقسام داخلية مجانية، وبعضها بأجر يقل كثيرا جدا عن تكلفة أى مستشفى خاص مهما بلغ رخصه.
أما أسعار الفيزيتا فى العيادات الخاصة فهى تختلف حسب موقف كل طبيب من تقديره لوقته وعدد من يستطيع مساعدتهم، وأيضا على قيمه الخاصة وعلاقته بمهنته وناسه وأنا أعرف صعوبة التوفيق بين النجاح وبين زيادة قيمة الكشف لكننى لا أرى مبررا لأى ربط مباشر يبرر المغالاة فى الزيادة المضطردة باستمرار، فالأعباء التى تتزايد على المرضى هى أكثر كثيرا من الأعباء التى تتزايد على الأطباء.
3- علامات تكشف إصابة الشخص بالمرض النفسى؟
د. يحيى:
بصراحة تتوقف هذه العلامات ليس فقط على شدة المرض أو درجة الإعاقة وإنما أيضا على مدى وعى المريض أو أسرته بماهية المرض النفسى ومضاعفاته، ولا بد من الإشارة أنه ليس كل معاناة أو ضيق تعتبر مرضا نفسيا، ولا يصح فتح هذا الباب على مصراعيه وإلا اصبح المرض النفسى مبررا للانسحاب أو السلبية، ولا ينبغى إطلاق صفة المرض النفسى إلا على المعاناة الشديدة أو الإضرار بالغير بما يهدد المحيطين بالخطر.
وأرى أن المبالغة فى وصف الناس العاديين بالمرض النفسى هو من أخطاء الإعلام وأيضا بعض الزملاء حتى سميت هذه الظاهرة “نفسنة المجتمع” وأصبح المرض النفسى فى كثير من الأحيان شماعة يعلق عليها السلبيات والتقاعس وأحيانا بلا إيذاء.
4- هل توجد إحصائية بأعداد المرضى النفسيين فى مصر؟
د. يحيى:
طبعا توجد إحصائيات متعددة، من أول اجتهادات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية حتى أقسام الطب النفسى فى الجامعات وهى تسمى “أبحاثا انتشارية” وهى من أضعف الأبحاث مصداقية لأنها لابد أن تجرى على عينة “ممثلة” للمجموعة التى يجرى عليها هذا البحث أو ذاك، وتحديد العينة الممثلة لبلد ما أو لفئة ما هو من أصعب خطوات البحث، وأود أن اشرح هذه النقطة، فخذ مثلا لو أجريت بحثا على سكان مدينة متوسطة مثل – بنى سويف – فلابد أن أنتقى عينة تمثل الأعمار المختلفة، والمستوى الاجتماعى المختلف، والمستوى التعليمى وهكذا، وهذا أمر شديد الصعوبة، وتعاون الناس فيه ضعيف جدا.
5- لماذا ارتفعت أعداد المنتحرين فى الفترة الأخيرة؟
د. يحيى:
تتناسب أعداد المنتحرين عادة ليس فقط مع شدة المرض، أو مع مدى بما يعانيه المريض من آثاره، وإنما هى مرتبطة بموقف المنتحر من الحياة أساسا الذى هو مرتبط بموقفه من الله واهب الحياة فهو الذى يحق له سبحانه أن يسحبها، وكذلك هى ترتبط بموقفه وعلاقته بخطته فى الحياة وطموحه وشعوره بالمسئولية، واخيرا بدوره فيها، والمنتحر مهما برر انتحاره لنفسه فهو فى النهاية هرب من المسئولية، ليس فقط مسئولية استمراره، ولكن مسئولية أهله وناسه بل مسئولية الناس جمعيا وأرى أن الآية الكريمة التى تقول: “من قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً” تنطبق على المنتحر مثلما تنطبق على القاتل سواء بسواء.