نشرت فى روز اليوسف
27-1-2006
سلسلة الإنسان
أ.د. يحيى الرخاوى
أما قبل
فى الأسبوع الماضى تناولنا فكرة أن من نسميهم “جانا” ونتصور أنهم يلبسوننا، يمكن أن يكونوا ببساطة من “الكثير” الذين بداخلنا. الشطارة ليست فى أن ترفض السائد بين الناس إن لم تجد له سندا فى علمك، الشطارة هى فى أن تعرف لماذا هو سائد بين الناس دون علمك، أو أكثر من علمك. هذا ما حاولته فى العدد الماضى. فى هذا العدد سنحاول أن نتعرف مع القارئ أننى (أنه) إذا قبلت فكرة أننى “كتير”، فسوف تتفتح لى آفاق جديدة لفهم نفسى والناس بشكل مباشر بسيط عميق فى آن، فى هذه المرة سوف نتناول طبيعة وموقع هؤلاء “الكثيرين” بداخلنا، وكيف ينشطون من وراء ظهورنا فيما نسميه حلما (وليس ما نحكيه باعتبار أنه “الحلم”) ، وكيف نلتقط بعض هؤلاء الأشخاص ممن لم ينسحب أغلبهم قبل إسدال الستار على مسرح الحلم، فنؤلف لهم سيناريو آخر بعيدا عن النص الأصلى، ونحكيه باعتباره الحلم الذى كان، مع أن الأرجح أننا نكون قد قمنا بتأليفه مما تبقى من الحلم الحقيقى فى ثوان ونحن نستيقظ. هذا هو موضوع اليوم.
أنا واحد ولاّ كتير؟ (4)
…. رقصة المعلومات على مسرح الأحلام!!
ما هى حكاية الأحلام بالضبط؟ كيف شاع ما شاع عنها، ثم ما هو وضعها الآن؟ وما هو موقفنا منها؟ وما هى فائدتها لنا؟ وما علاقتها بهذه المقولة اللحوح “أنا واحد ولا كتير؟”.
لا أظن أن أحدا يتذكر أول مقال نشر فى هذا الباب فى 19 أغسطس 2005، فى أول عدد. كان أهم ما فيه هو التنبيه ألا يحتكر العلماء العلم، ليس استهانة بجهدهم ولا تقليلا من شأنهم، لكن احتراما لضيق منهجهم (ووقتهم!!)، وعلو برجهم العاجى عن تراب نبض المعرفة فى المصانع والحقول والبارات وحلقات الرقص ودور العبادة. جاء فى ذلك العدد الأول أن “العلم أخطر وأنبل وأهم من أن يـُـترك للعلماء”، كما استشهدنا بأينشتاين وهو يقول “العلم ليس سوى إعادة ترتيب لتفكيرك اليومى”. تصور أن هذا الذى قاله أينشتاين هو أقرب إلى نشأة فكرة “تعدد الذوات” (أنا كتير) كما نقدمها هنا فى هذه السلسلة
“حكاية” نظرية “أنا واحد ولا كتير”
كان ذلك بمحض الصدفة : وصل إريك بيرن بحدسه إلى هذه النظرية (التى هى ليست جديدة إلا فى التفاصيل والتطبيق الأحدث)، حين اكتشف أن كل واحد منا هو “ليس واحدا، بل كُـثْر” ولم يكن ساعتها متخصصا فى الطب النفسى، أو علم النفس، كان مجرد إنسان يستعمل حدسه، وليس عالما يجرى تجاربه. صحيح أنه كان طبيبا، لكنه كان ممارسا عاما، مجرد طبيب عادى بالجيش، وكان يجلس بجوار زميل له وهما يقومان بالكشف اليومى على المترددين من المجندين فى العيادة الخارجية للقوات المسلحة الأمريكية، المهمة عادية ومملة، وأغلب المترددين لا يشكون من شىء حقيقى جدا، لكنه الجيش، وهى العيادة الخارجية. اقترح د.إريك بيرن على زميله أن يكسرا الملل بأن يحدس كل منهما الوظيفة الأصلية للمجندين الداخلين إليهما للكشف الواحد تلو الآخر. أخذا ورقا وقلما، وراح يكتب كل ما خّمنه بالنسبة لوظيفة المجند الأصلى القادم للكشف، بمجرد دخوله من الباب، هذا يكتب أن المجند رقم 7 مثلا كان “مكوجى”، فى حين أن زميله يكتب أنه كان “عجلاتى”، ثم يكتب أحدهما أن المجند رقم 35 يعمل مهندسا، فى حين يكتب الآخر أنه مدرس رياضيات، ثم بعد انتهاء العيادة راح الزميلان يراجعان ما كتبا، كما بحثا عن مدى اتفاق نتائج حدْس كل منهما مع حقيقة عمل كل مجند (حينما كان مدنيا قبل التجنيد)، وإذا بإريك بيرن، صاحب نظرية “أنا كتير مش واحد بس”، يكتشف أن حدسه كان أكثر صوابا من زميله بمراحل.
لم يفترض بيرن فى نفسه ذكاء فذا، أو قدرة خارقة على التخمين، لكنه شعر أن هناك فى داخله يجرى نوع من الإدراك الأشمل، بطريقة أخرى غير تجميع المعلومات الظاهرة، وأنه ينبغى أن يحترم هذا الشخص فى داخله الذى استطاع أن يتفوق على زميله هكذا. كرر الزميلان التجربة، وتأكد تفوق إريك بيرن مرة أخرى، ثم بدأت الفروض، فالتأمل، فالاختبار، فالتنظير، وظهرت نظرية “التحليل التفاعلاتى” (هذه ترجمة أستاذنا المرحوم أ.د. عبد العزيز القوصى، وهى ليست حرفية، فالاسم بالإنجليزية هو Transactional Analysis)
حين ظهرت هذه النظرية بدت شديدة البساطة لدرجة الرفض، وذلك بالمقارنة بنظرية التحليل النفسى الفرويدى المليئة بالأسرار والعقد واستلهام الأساطير واللغة الجنسية، والمحارمية ..إلخ. لم يخجل إريك بيرن من هذه البساطة، (التى ثبت من اللعبة التى قدمناها العددين الماضيين، أنها أقرب إلى الحدس العادى جدا). راح صاحب النظرية يدافع عنها فى مقدمة أحد كتبه بالاستشهاد بما يسمى “عقدة جوردون”.حين حل أحدهم إشكال إطلاق سراح قرد مربوط بحبل معقود بعقد مركبة، ليس بأن يحاول أن يحل العقد الواحدة تلو الأخرى دون طائل، ولكن بأن يقطع الحبل بسكين فى ثانية، فينطلق القرد طليقا بكل بساطة. شبه نظريته القادرة على إطلاق سراح داخلنا بهذه السهولة مقارنة بتلافيف التحليل النفسى ، بهذا الحل المباشر بديلا عن محاولة “فك العقد إلى مالا نهاية.
لا تقتصر نظرية إريك بيرن على التقسيم الأشهر الذى يقول إن كل واحد منا فيه “طفل”، و”يافع” و”والد”، وأن هذه الذوات تتبادل الأدوار حسب الموقف والهدف، وإنما امتدت لتتكلم عن وحدات الذوات Ego Units وليس فقط حالات الذوات Ego states، وكان يعنى بهذه الوحدات: أننا لسنا فقط ذوات ثلاث (“طفل”، و”يافع” و “والد”)، كما اختزل أغلب الناس النظرية إلى ذلك، وإنما نحن نتكون من كيانات متعددة: كل خبرة، وكل تجربة، وكل معلومة نابضة هى بمثابة لبنات “بيولوجية/وجودية”، متكاملة مع بعضها البعض ليتكون منها الكيان البشرى الرائع من هذه اللبنات معا. لكنها لبنات ليست ثابتة ملتصقة بالأسمنت المتجمد، بل هى وحدات حركية بيولوجية تتشكل باستمرار، حتى تستطيع أى مجموعة منها، لها ما يميزها معا، أن تقوم بدور القيادة (صدارة المبنى البشرى وإدارته فى لحظة بذاتها) إذا ما أتيح لها ذلك، أو لزم الأمر، فى الوقت المناسب.
أرجو أن أكون بهذا قد رددت على تساؤلات لمْ تردنى!! لإعادة توضيح المسألة التى هى واضحة عند عامة الناس، برغم تحفظ الكثير من العلماء.
قبول هذه الفكرة (أنا “كتير”) عند الشخص العادى ظهر لنا واضحا بسلاسة فى العددين الماضيين من استجابات المتطوعين فى برنامج “سر اللعبة” فى قناة النيل الثقافية (الذى أشرنا إليه سالفا). لم تقتصرالكثرة على الاعتراف بهذه الذوات الثلاث (“طفل”، و”يافع” و “والد”)، حين عبر أغلبهم عن الزحمة، والكثرة، من “خمسة ستة” إلى “زحمة قوى” إلى “عالم بأسره” مرورا بـ”عدة أشخاص”، نتذكر الإجابات :
1- موسى: هو أنا واحد ولا كثير؟! دانا بيتهيألى إنى 5 أو 6
2- د. ممدوح: هو أنا واحد ولا كثير؟! دانا بيتهيألى إنى كوم لحم جوايا
3- د.يحيى: هو أنا واحد ولا كثير؟! دانا بيتهيألى إنى زحمة أوى
4- م. فايقة: هو أنا واحدة ولا كثير؟! دانا بيتهيألى إنى عالم بأسره
5- أ. ريم: هو أنا واحدة ولا كثير؟ دانا بيتهيألى إنى عدة أشخاص فى بعض
الحلم، كالعلم، إعادة ترتيب
اقتطفنا حالا من العدد الأول قول أينشتاين “… العلم ليس سوى إعادة ترتيب لتفكيرك اليومى”. هل تتصور أن مقولة موازية لهذه المقولة يمكن أن تشرح وظيفة الأحلام بشكل موجز رائع؟! قياسا على أينشتاين نوجز ما تقوله آخر أبحاث معامل الأحلام قائلين: ” الحلم ليس سوى إعادة ترتيب لما وصلك من “معلومات” أثناء صحوك”.
حتى نفهم هذه المقولة، وكيف يرتب الحلم المعلومات أساسا، دعونا نتفق على أنه:
أولا : لابد من أن نعيد تعريف ما هو “معلومة”
ثانيا: لابد من أن نفرق بين ظاهرة الحلم ووظيفته ، وبين محتوى الحلم وحكْيه.
ثالثا: لابد من أن نتحمل التفكير فى قبول بعض الآراء والرؤى، غير ما شاع عن الحلم وتفسيره
رابعا: لابد من أن نتحمل تخيل وحدة الزمن متناهية الصغر التى نعرض من خلالها بعض ما تيسر.
نوعان من المعلومات
المعلومة نوعان، تلك التى ألفنا الحديث عنها ونحن نتكلم عن عصر المعلومات، ونحن نحفظ المحفوظات، ونحن نسمّع جدول الضرب. هذه المعلومات لها وظيفتها باعتبارها أبجدية مستقلة نافعة، تستعمل من الظاهر إلا قليلا، هى تقع فى منطقة الرموز والتجريد أساسا، وهى تسمى أحيانا ذكريات، وأحيانا كلاما، وأحيانا (خطأ غالبا) “لغة”، وهى ليست مستقلة تماما عن كياننا الحيوى، لكنها تعتبر بمثابة حروف هجاء، أو أدوات صنعة التواصل والتفاهم أكثر منها كيانات حيوية نشطة بما هى.
النوع الآخر من المعلومات هو المنغرس أو الملتحم بيولوجيا بكياننا الحيوى، بدءاًً بالدماغ، شاملا الجسد كله، وليس فقط المخزون فى مخزن الذاكرة، تلك هى المعلومة “الوحدة البيولوجية، المعنى”، التى تدخل إلينا باعتبارها “كيانا متكاملا من نبض، ووجدان، وحفز، ونشاط.”. نتذكر اللعبة وكيف أن المتطوعين فى لعبة “أنا واحد ولا كتير” اختبروا هذا الفرق بتلقائية سهلة مباشرة، حتى، تبين أغلبهم أن ذكريات الطفولة ليست مجرد ذكريات، بل “هى كيانات” قائمة جاهزة للتنشيط.
ممدوح: يمكن الطفل اللى جوايا مش مجرد ذكريات طفوله،الظاهر إنه..: عايز يطلع دلوقتى لبره
د.يحيى : يمكن الطفل اللى جوايا مش مجرد ذكريات طفوله، الظاهر إنه.. : حقيقه واقعة
أ. ريم: يمكن الطفل اللى جوايا مش مجرد ذكريات طفوله، الظاهر إنه ..: حقيقة واقعة فعلا
أ. موسى: يمكن الطفل اللى جوايا مش مجرد ذكريات طفوله، الظاهر إنه هو أنا
م. فايقة: يمكن الطفل اللى جوايا مش مجرد ذكريات طفوله، الظاهر إنه عايش معايا وبيتهيألى إنى باحبه
النشاط الحالم الذى يسجله رسام المخ الكهربائى يتعلق بحركية المعلومات الكيانات، أى المعلومات النابضة الحيوية الجاهزة للتنشيط. أما الأحلام التى نحكيها حين نستيقظ، فهى ليست هى هى الأحلام التشكيل التى تحركت أثناء نومنا، إنها نتاج ما استطعنا أن نصطنعه، ربما بأبجدية تنتمى فى أغلب الأحيان إلى النوع الأول من المعلومات الرمز التجريد
الحلم تثبيت، وتنظيم، وتعلُّم
كل واحد منا يحلم بانتظام حوالى ساعتين كاملتين، إذا نام ثمان ساعات إلى تسعه. الذى يحدث أننا كل تسعين دقيقة نحلم عشرين دقيقة بالتمام والكمال، وبهذا الانتظام. إن ظاهرة الحلم من منطلق فسيولوجى، تُرصد بما يسمى رسام المخ الكهربائى، حيث يسجـّل هذا الرسام ما يسمى “حركة العين السريعة” أثناء النوم، تلك الحركة المتواصلة التى تتم كما ذكرنا لمدة عشرين دقيقة كل تسعين دقيقة. أثناء النوم ، تنشط المعلومات (من النوع الثانى: الكيانات الحيوية) فتتحرك ليعاد ترتيبها، ونتابع نحن حركتها هذه بما يسمى حركة العين السريعة التى يرصدها رسام المخ، فيكون المنظر كله بمثابة متفرج فى مسرح نشط ، وإن كان نشاطا يبدو عشوائيا فى ظاهره، لكنه يهدف فى النهاية إلى إعادة ترتيب تركيبنا حتى يصبح الدماغ جاهزا (رائقاً) عند الصحو استعداد للقيام بنشاطه العادى أثناء اليقظة.
مزيد من الإيضاح:
أقدم نموذجا آخر يوضح حركية النشاط الحالم أكثر: نحن الآن فى أيام معرض الكتاب، هب أنك اشتريت كل يوم خمسين كتابا من تخصصات مختلفة ثم لم يكن عندك الوقت لترتيبها فورا فى زحمة نهارك، فخصصت فى الليل ساعتين لوضع كل تخصص فى المكان اللائق فى مكتبتك، لكن جهدك لا يسمح بالعمل المتواصل فى هذه المهمة إلا لمدة عشرين دقيقة فقط، فقررت أن تستريح سبعين دقيقة، ثم تعود للترتيب لمدة عشرين دقيقة وهكذا. أثناء عملية الترتيب، تستخرج القديم تضعه على الأرض، وقد تعيد تنظيم أماكن التخصصات فى رفوف المكتبة، وقد تستغنى عن نسخ مكررة، فيبدو المنظر مهرجلا مضطربا خلال الترتيب، لمدة عشرين دقيقة، ثم تهدأ الأمور لمدة سبيعن دقيقة وهكذا. ثم تعاود الترتيب بنفس الإيقاع. هذه العشرين دقيقة هى الحلم الفسيولوجى.
ثم قبيل وفور استيقاظك، وقبل ان يُسدَلَ الستار تماما على النشاط الدائر، قد يتبقى أمام وعيك المتأهب للاستيقاظ : كتابا هنا، وكراسة هناك، موسوعة هنا، وورقة طائرة هناك، صورة هنا، “وتابلوها” هناك، فتروح تجمع هذه المتناثرات لتؤلف مما التقتط من بقايا التنظيم هنا وهناك تفاصيل الحلم الذى تحكيه، يحدث ذلك أثناء عملية التيقظ وقبل أن تستيقظ تماما، فى هذه البرهة الشديدة القصر ثم تحكى، أو تنسى، أو تنكر، كل ما كان.
مستويات
من هنا يمكن تصوير النشاط الحالم على مستويات متصاعدة:
- مستوى تنشيط المعلومات القديمة والجديدة لإعادة ترتيبها وهذا لا نعرف عنه شيئا إلا ما يبدو فى رسام المخ الكهربائى
- مستوى ترتيب المعلومات، وهذا ما لا نعرف إلا آثاره، حين نستيقظ وقد شبعنا نوما وأحلاما (فنشعر بالتجدّد والوضوح)، نشعر أن النوم حقق هدفه بما حدث أثناءه من ترتيب (بالحلم)
- مستوى التقاط ما تيسر مما تبقى على سطح الوعى أثناء الاستيقاظ، (قبل انزال الستارة) مما قد نحكيه كأحلام ناقصة أو مهزوزة.
- ثم مستوى تأليف الحلم، من المفردات التى كانت فى متناول الحالم قبيل وأثناء وفور يقظته، والذى قد يصل الأمر فيه إلى تزييف حلم كأنه العلم ، إذا ابتعد
عن المعلومات (الكيانات المستثارة).
الحلم يثبت أننى لست واحدا
- إن هذه الكيانات التى تتحرك أثناء الحلم هى فى واقع الحال “نحن” الذين أسميناهم “كتير”
- إن معظم المعلومات (البيولوجية الحية) تختلط بنا، فتصبح “نحن” بشكل أو بآخر(الكتير)
- إن هذه الكثرة هى الثروة التى إذا أحسنا هضمها: أثناء النوم بالنشاط الحالم، وأثناء اليقظة بالاستيعاب الذى به معنى وحفز وعلاقة، (الإبداع) ، هى اللبنات التى ننمو من خلالها بانتظام
- تتضاءل أمام هذه المعلومات الأحدث المبالغة فى تفسير الأحلام وتأويلها سواء شعبيا أو بأساليب التحليل النفسى التى تبالغ فى التعامل مع الرموز والميكاميزمات دون الكيانات والتشكيل.
وظيفة الحلم
أمكن التعرف على الوظيفة الحقيقية للحلم، بغض النظر عن محتواه، من خلال تجارب، الحرمان من النوم، ثم الحرمان من الحلم فقط (الحرمان من الـ 20 دقيقة كل 90 دقيقة)، حيث أجريت التجارب على متطوعين، فتأكدت الوظائف التالية:
1) الحلم يرتب المعلومات التى ازدحمنا بها فى اليوم السابق (وما قبله)، وهذا ما يسمى “إعادة تنظيم”repatterning، وهو جزء لا يتجزأ من عملية التعلم.
2) الحلم صمام أمن ضد الجنون، لأننا لو لم تتح لنا فرصة هذا الترتيب أولا بأول بهذه الدورية المنتظمة، فإن الدماغ (وكل الكيان الحيوى) سوف تزدحم بالمعلومات كيفما اتفق، حتى تضغط وتنفجر أو تتفسخ أو تتناثر (فهو الجنون)
3) الحلم فرصة للإبداع اليومى بمعنى التشكيل الجديد للمعلومات القديمة بشكل جديد منتظم.
4) الحلم فرصة للكيانات الداخلية (وهو ما عبرنا عنه بـ :”أنا كتير”) أن تأخذ حقها فى التعبير، والحضور، والتشكيل، وبالتالى فإن الحلم يسمح بدرجة من المرونة أثناء اليقظة، لإعادة التشكيل، واضطراد عملية النمو، أو بإبداع متميز مما نعرف( الإبداع العلمى أو الأدبى أو الفنى ..إلخ).
مشاهدات وتطبيقات
- إن الذين ينكرون أنهم يحلمون أصلا، لا يستحيل أن ينكرون النشاط الحالم الراتب الذى يحدث بحتمية بيولوجية منتظمة طالما نحن ننام ونصحو. كل ما يحدث هو أنهم، يخافون من مواجهة هذا التنشيط الحتمى المنتظم لكياناتنا فى الداخل، فهم ينفون الوعى بأحلامهم أولا بأول.
- إن الذين ينسون أحلامهم فورا أو بعد برهة قليلة يفعلون نفس الشىء، ولكن بدرجة أقل
- إن الذين يحكون أحلاما محبوكة جدا، ومسلسلة جدا (المرحوم جوزى جالى فى المنام، لابس أبيض فى أبيض، وقاللى يا “تُرُنجل”، أنا خايف عليكى من الوحدة) هم يؤلفونها تأليفا – دون أن يدروا- فتكون صلتها بمسرح الحلم الحقيقى ضعيفة جدا.
- إن الذين يشكون من الأرق برغم أنهم ينامون ساعات كافية، لكنهم يعلنون أنهم “ولا كأنهم ناموا” يعلنون بذلك أن التنشيط انتهى حيث بدأ، فلم يقم الحلم بوظيفته على الوجه الأكمل.
خلاصة القول
إن مسألة أن الواحد منا كتير، هى واقع بيولوجى حى، يتجلى فى الأحلام ، كما يتجلى فى الابداع (العدد القادم) لكنه قبل هذا وذاك، يعلن ضرورة استمرار الكائن البشرى ناميا متحركا منشطا مفيدا له ولجنسه وللتطور.
فمن أين يأتى التعصب؟
ولماذا الجمود؟