نشرت فى روز اليوسف
20-1-2006
سلسلة الإنسان
أ.د. يحيى الرخاوى
أما قبل
ولما كان الجزء الثالث من هذه الخماسية، ولم يصلنى أى تعقيب أو رد أو حوار، أو اعتراض قلت، ولو، سوف يصلنى عندما أحضّـر الجان من داخلنا بالصلاة على النبى. هذه ليست نكتة، فنحن نعرف جيدا أننا نعيش هذه الأيام نمارس ما يسمى “حقوق الجان”، أكثر مما نمارس حقوق الإنسان، أى جنى لبس أحدنا أو إحدانا باسم الله الرحمن الرحيم، بمجرد أن يطلب أى طلب (أظن إلا لبن العصفور)، سوف ينبرى الملبوس وأهله, وربما الحكومة، إذا كان الملبوس أو ابنته من ذوى الشأن يجيبونه إلى طلبه، أما إذا طلب شاب عفريت آدمى من عفاريت ناصية الشارع المقابل، وظيفة أو كشك على الناصية فحدث ولا حرج. كلما ذكرت كلمة جان، حتى لو كان جان جاك روسو، انبرى السامع قافزا من مقعده منبها أن الجان ذُكِر فى القرآن. تـُفهـّمه أننا لا نناقش هنا إن كان قد ذكر فى القرآن الكريم أم لا، وتقسم له أن كل ما ذكر فى القرآن هو مذكور فى القرآن لما ذكر له، لكنه يقفز من جديد ويفترض أنك أنكرتَ وجود الجان (مع أنك لم تأت بسيرة بعد) وتصبح خناقة، أو إن كان طيبا فهو قد يدعو لك/لى بالهداية. ليكن. لكن لا بد مما ليس منه بد.
أنا واحد ولاّ كتير؟ (3 من 5):
..هل مَنْ بداخلنا “هم” الجان ولامؤاخذة!؟
قبل أن نواصل نذكـّر القارئ بفكرة اللعبة التى ناقشنا نصفها فى العدد الماضى، كما نقدمها موجزة لمن لم يقرأ العدد. هى جملة ناقصه يكمّلها المشاركون بالاشتراك مع كاتب هذه السطور (المسؤول عن تحريك الوعى واللعب). المتطوعون: الذين شاركوا فى اللعبة هما سيدتان (على المعاش، متزوجتان، وجدتان، فوق الستين أو السبعين، خلّيها فى سرك)، وطبيب فى العشرينات ممارس متدرب، ومحام فى الأربعينات. الأسماء البديلة: السيدة فايقة، والسيدة ريم، والدكتور ممدوح، والأستاذ موسى، بالإضافة للطبيب الكاتب الذى يظهر هنا باسمه الحقيقى على مسئوليته..، قدمنا فى العدد الماضى اللعبات الخمس الأولى بالحرف الواحد مع المناقشات واحدة واحدة، وسوف نقدم الخمس لعبات من 6-10 هذه المرة مكتفين بالإجابات فالتعليق.
اللعبة الأولى هذه المرة (السادسة: ترتيبا)
طيب لو أنا أكثر من واحد؟ يبقى مين فينا المسئول أنا شايف………………
الفكرة: الخوف أننا إذا نحن اعترفنا أن الواحد منا “كتير”، وأن هذا الـ”كتير” فيه الشرير وفيه الطيب، وفيه المجرم، وفيه الطفل العابث، وفيه الشيخ الحكيم، الخوف أن يكون هذا الاعتراف مدعاة لإلقاء اللوم على واحد من هؤلاء، فتصبح المسألة سائبة، فلا مسؤولية. فيغلط أحدهم ثم يقول: عفوا سامح طفلى، وعندنا يقول الشباب أو أهل البلد: “جرى إيه عيل وغلط”. المنطق يقول إن هذا التخلى عن المسؤولية استسهالا قد نتصور أنه يمكن أن يمتد من المعاملات المسؤولية القانونية أو المهنية ..إلخ, فكيف فحصنا هذا الاحتمال من هذه اللعبة السادسة؟ المناقشة:
أجمع الجميع على أنهم مسؤولون معا (هم ومن بداخلهم) عن كل شئ، مسؤولون عن الواحد وعن الكتير، بل وعن الآخرين أيضا. كنت أحسب أن سهولة الاعتراف بأن فى كل واحد منا كثير، هو نوع من الاستسهال لتجنب اللوم أو التخلى عن المسؤولية.حدث العكس: قالت م. فايقة أن “كلنا مسؤولين:، وقال موسى “إن احنا الاثنين مسؤولين”، فى حين قالت م. ريم “أنا شايفة إن المسؤولية ما بتتجزأشى، وقال د. يحيى أنا مسؤول عنه وعنى”، ثم د. ممدوح: قال أنا مسؤول عنهم كلهم.
هكذا خاب ظنى، وتحمل الجميع مسؤولية الجميع!!!
اللعبة السابعة:
المسألة مش مسألة صراع ولا خناقه، المسألة إنى لو كتير يمكن……
شاعت مسألة الصراع هذه من منطلق التحليل النفسى التقليدى، وكأن الأصل هو أن نتصارع مع داخلنا، وألا ينتهى هذا الصراع إلا بانتصار أحد الأطراف على الآخر، الخير على الشر،الالتزام الأخلاقى حتى لو كان مسطحا على الغرائز، وهكذا. إلا أن اللعبة أظهرت غير ذلك. إن كثرة الشخوص بداخلنا لا يتبعها ما هو صراع حتما ، فماذا هى من واقع الاستجابات ؟
قال د. ممدوح “يمكن أحبهم كلهم !!وقالت أ. موسى: يمكن ما اعرفشى أسيطر عليهم، وقالت م ريم: يمكن أصاحبهم حتى لو ما اديتهومشى حقهم، فى حين قالت مدام فايقة:”يمكن أبقى انا أقوى من كده، أما د. يحيى فقال: يمكن يعطلوا بعض.
إن إشاعة الصراع التى روجها فكر التحليل النفسى التقليدى ينبغى أن تـُراجع. إنهم يربـُّـوننا وكأن بـداخلنا وحشا ينبغى أن نروّضه، أو شيطانا ينبغى أن نتخلص منه، تثبت اللعبة أن ذلك ليس الأصل، ذلك التلقائية التى استجاب بها المتطوعون أظهرت كيف أن التركيب البشرى أجمل وأسهل من هذه الإشاعات التى روجتها أساليب الترهيب والترغيب والتفكير الاستقطابى والتحليل النفسى. نلاحظ كيف أن الكثرة أعطت لمدام فايقة قوة ، وسمحت للدكتور ممدوح أن يحبهم جميعا، وجعلت م. ريمتصاحب من بداخلها، حتى لو ظلمت بعضهم أو ظلمتهم كلهم، أما أ موسى فتجهز للسيطرة (لا للقهر) وأعلن ضمنا – كما أتصور – أنه لن يستطيع، وكأنه يفوت لهم سرا، ثم جاء دور، د. يحيى ليعلن تخوفه من التنافس العشوائى بين ذواته حتى الإعاقة.
مرة أخرى نفاجأ أن الصلح بين الذوات هو الأرجح ، وأن الاعتراف بهذه الكثرة يدل على القوة والرحابة والاستيعاب واحتمال العدل.
اللعبة الثامنة
يكونش الكثير اللى جوانا هو الجن اللى بيقولوا بيلبس الناس معنى كده بقى…..
صيغت هذه اللعبة (الموضوع الرئيسى اليوم) كاحتمال(“يكونشى”)، ربما صاغها المسؤول ليستدرج المتطوعين إلى موافقته على فرضه، ثم إن صيغة اللعبة لم تقرر أنها تقصد الجن عامة، بل قصرت الاحتمال على أنه الجن إللى بيقولوا عليه بيلبس الناس، حتى لا يشمل الجن الذى نزل فى القرآن الكريم، تجنبا لمناقشات فرعية، حتى أن اللعبة لم تقرر أنه “إللى بيلبس الناس، وإنما “إللى بيقولوا إنه بيلبس الناس” (أخذت بالك؟) نحن نتعامل مع ما جاء فى نص اللعبة. اتفقنا؟ (برجاء عدم الخروج عن الموضوع). نستمع إلى الاستجابات ، يبدو أن المشاركين كانوا أقل حماس لقبول الفكرة فيما عدا د.يحيى الذى قلبها درسا دون أن يدرى “.معنى كده إن حل المسألة ديه إن احنا نقبل الجن اللى جوانا بدل ما نستسلم له غصبن عنا” أما د.ممدوح، فقد تجنب الأمر من بابه “معنى كده بقى إنى لازم أبعد عنه (كيف يبعد عن اللى جواه؟) جاء ت استجابة موسى تجنبه المواجهة أ]ضا: “معنى كده إنى أخليه جوه ما اطلعوش برة”، أما م. فايقة فهى الوحيدة التى اعترفت بسهولة بإيجابة الاحتمال، فقالت: “معنى كده بقى إنى أنا مجموعة من الجنيات”، أما م. مدام ريم:”معنى كده بقى أنا من الشخصيات المزدوجة.
الخلاصة أن الفكرة لم تقبل بالسهولة التى أرادها واضع اللعبة، والتى شرحها بسخف فى استجابته، والتى تلكأ معظم المشاركين فى قبولها، ففى ماعدا مدام فايقة، تراجعت م.ريم عن العدد الكثير الذين فى الداخل إلى “ازدواج الشخصية”، بدا أن الأغلبية يزوغون من قبول الاحتمال، هل ياترى لغرابة الفرض؟ أم لأن ثقافة الدين الشعبى تلزمهم – دون أن يدروا – بالتحفظ على الفكرة.
نؤجل شرح الفرض ودعمه لآخر المقال.
اللعبة التاسعة
أنا كده أتلخبطت، لكن يتهيألى ممكن أستفيد بإنى …..
بعد هذه المفاجأة التى قلبت التسليم بأن كل واحد منا كتير إلى احتمال تفسير ما يشاع عن لبس الجن، يبدو أن واضع اللعبة افترض أن الأمور هكذا تحتاج توضيح ما حدث من “لخبطة”، ربما لأن حشر لعبة الجن فى الوسط هكذا كاد يفتح باب التراجع أن الواحد منا “كتير”، لكن أبدا ، لم يتراجع أحد:
. قال د. ممدوح (وهو الذى تجنب الجن اللى جواه)، قال:…. ممكن أستفيد بإنى شفت حاجات كثير ما كنتش شايفها، أما م. ريم فكانت أكثر استيعابا لمدى الفائدة بصفة عامة:” … ممكن أستفيد بإن اللى حصل ده وضحلى أمور أقدر أتعايش معاها”، واستمرت م فايقة فى مزيد من الاطمئنان: ” ممكن أستفيد بإنى بقيت مش خايفة. نفس التصالح بدا فى رد موسى “…ممكن أستفيد بإن ما اخجلشى منهم، أشوفهم شويه، أتصالح شويه، يمكن أعمل حاجه كويسه”. أما د. يحيى فقد تمادى فى “الدرس الخائب” قائلا: ممكن أستفيد بإن الحاجات إللى بتوصلنى من العلم .. واجب علىّ أبحث عن اللغة القادرة على توصيلها للناس بدل ماتبقى خناقه.
اللعبة العاشرة (الختامية):
أنا نفسى الكثير اللى جوايا يتصالحوا مع بعض، بس مش على حساب………..
فى نهاية الحلقة، بدا وكأن اللعبة الأخيرة تحاول أن تطمئن المشاركين إلى ترضية ما، بالتصالح الإيجابى، قال د ممدوح .. بس مش على حساب إن حد فيهم يظلم التانى. أما م. ريم فقد ضَبطت أن احتمال التصالح قد يظهر ما لا تحب: ” بس مش على حساب كرامتى، أما م فايقة فقد وضعت ناس الخارج فى الاعتبار ولم تنس نفسها: “الاصل”: بس مش على حساب الناس اللى أنا باتعامل معاهم بره، وأنا برضه. ، نفس الاعتبار هو الذى وضعه د يحيى: “…، بس مش على حساب الآخرين”، أما أ موسى فقد خاف على عقله: “… بس مش على حساب عقلى”.
المناقشة
قلنا فى الأسبوع الماضى كيف أن الحس الشعبى (الحدس الشعبى) يعرف أن بداخل كل رجل منا كيان امرأة، وداخل كل امرأة كيان منا رجل، (حين يقع أحدهم على الأرض تهتف أمه: ..اسم النى حارسك وضامنك وقعت على اختك، تحت الأرض، أحسن منك) يمتد هذا الحدس الشعبى لقبول نقيضنا داخلنا حين نلاحظ إلى تداوى بعض المسلمين بالذهاب للكنائس، وتداوى بعض المسيحيين بالذهاب إلى الشيوخ (وليس للمساجد عادة)، هذا إقرار شعبى آخر بأن “الضد” كامن فينا، وأنه يحتاج للإلقرار والقبول، فإذا انتقلنا إلى مستوى المس بالجان, أو لبس الجان، ثم التداوى باستخراجه (دع جانبا الآن التداوى بالقرآن، لأنه ليس مرادفا للتداوى بإخراج الجان أو مصالحته)، فنرصد بعض ما يلى من مشاهدات:
1- عادة يتم تلبس الجان فى الظلام
2- كان قديما يعتقد أهل الريف أن المرحاض (وكان بلا ضوء وبلا ماء أحيانا) هو مسكن الشياطين، وهو مكان الجان المفضل.
3- كذلك كانت البيوت المهجورة
4- يعـلن اللبس بالجان فى حالات كثيرة من أهمها الإصابة الجسدية، وبالذات إصابات الرأس، أو أية صدمات فيها رعب مفاجئ شديد، حبذا لو صاحبها غياب عن الوعى مهما قصرت مدته، ولو ثوان (ذكرنا مثل ذلك الأسبوع الماضى، أو بعد صدمة عاطفية، أو بعد ارتكاب ذنب كبير، أو بعد اشتراك فى حديث هرطقة هزلا أو جدا، أو بعد قهر ترهيبى وعظى تأثيمى شديد، أو فى مواجهة موقف مثير لم يكتمل، كل هذه الأحداث هى ما نسميها فى الطب النفسى صدمات يمكن أن ترسّب، تهير نوعا من انشقاق الوعى، وهذا تعبير تقليدى يستعمل باعتبار أن االوعى واحد يمكن أن ينشق إلى شقين أو أكثر، أما من المنظور الذى نقدمه هنا، فهو نوع من تعدد مستويات الوعى معا، أى أن الذى ظهر بديلا أو مواكبا هو وعى آخر ، واحد من هذا الكثير فينا، يقفز إلى الظاهر إما كبديل، وإما ليحل معه، وهو ما يسميه العامة “يلبسه”.
يعترف الوعى الشعبى بكل ذلك لكنه يسميه باسم آخر هو “الجان” (مرة أخرى وهو ليس بالضرورة الذى ذكر فى القرآن الكريم)، الوعى الشعب لا يخطئ فيما يراه، لكنه يخطئ فى التفاصيل، وكل المصائب لا تأتى إلا من التفاصيل، الحس الشعبى يـعتبر هذا الذى يلبسنا هو من خارجنا تماما، وهو يسميه جانا، هو يفعل ذلك ببساطة لأنه يستشعر حقيقة التعدد التى لا يعايشها الأطباء ولا المجتمع المبرمج أحاديا واستقطابا بالإقرار والاحترام الكافيين. موقف الوعى الشعبى أقرب إلى الحقيقة الماثلة فينا التى تقرها النظريات القائلة بالتعدد، يستتبع ذلك أن العلاج الشعبى الذى يقر هذه الحقيقة، (التعدد، يكون أقرب إلى المتعالجين من الناس، ثم هات يا مصائب من خلال تمسية ذوات الداخل بالجان، ووضعها فى الخارج، وبالتالى هى تأتى من الخارج منقضة، لا تبسط من الداخل منسلخة أو متعتعة. يواجه الحدس الشعبى ثم الحس الشعبى ثم العلاج الشعبى هذا التعدد الذى انفلت (عكس ما حدث فى اللعبة) بالاعتراف أولا، ثم يتعامل معه بطرق مختلفة منها:
(1) الاستجابة لطلبات هذ الكيان المنسى الذى انتهزها فرصة وقفز خارجنا أو علينا، فيحضر له ديكا أبيض بلا علامة، أو حلة كان نفس البنت فيها، وهادة يتقاسم الشيخ الغنائم
(2) وقد يواجهه بالنهر أو بالضرب (الذى قد تفلت جرعته حتى تصل إلى القتل) بقصد الطرد، وهو ما يساهم فى الإسهام فى إعادة كبته تحت مستوى الوعى السائد الظاهر القائم،
(3) وقد يعامل فى بعض الأحيان بالنصب أو بالمضاجعة الفعلية لفتاة أو امرأة محرومة.
قد تنجح بعض هذه الأساليب فى إرجاع الحال “كما كُنت”، أى إدخال الذى خرج من الداخل إلى حيث كان. أو عقد يتم التصالح بعقد صفقة – غير معلنة – بأن يُسمح – با قصد معلن- لهذا الداخل بالحضور فى الحلم، أو فى بعض النشاطات النكوصية (الطفليةالحرة)، أو فى بعض الاحتفالات الهائصة جسديا (مثل الزار وغيره
البديل العلاجى (التطبيبى):
تكاد تتم كل ما يقابل هذه الخطوات فى العلاج الجمعى الذى يعترف بتعدد الذوات باستثناء الضرب والمضاجعة طبعا، كل الحكاية أن ما يسمى جانا يسمى باسم المريض نفسه أو باسم يختاره المريض (العدد الماضى كان هناك أحد عشر محمودا فى العلاج الجمعى). ، وأحيانا – فى السكودراما- تسمى ذات الداخل باسم أنثى للذكر، زكية للمريض محمود مثلا، إذا كانت السيكودراما تسمح بذلك، فى هذا العلاج يتم تحضير هذه الذات الأخرى “هنا والآن” من داخلنا نحن، وتسمى حسب السياق كما ذكرنا، ثم إن الأدوار تتبادل فى وعى كامل، فيتكلم المريض –واعيا فى الدراما-مرة باسمه، ومرة باسم الذات الأخرى، ويلعب دور كل منهما مع نفسه أو مع أحد أفراد المجموعة أو مع المجموعة ككل، ليس هذا فحسب، بل إن المرضى (والمعالجين) الذين ليس عندهم أية شبهة لانطلاق هذا التعدد، يدعون للمشاركة بتصور التعدد من خلال لعبة علاجية مثل تلك التى قدمنناها حالا، أو بغير ذلك من الأساليب.
عرض حالة
تسمى هذه الكيانات الكثيرة التى هى فى كل منا فى أهم مدرسة اعترفت بها (مدرسة التحليل التفاعلاتى transactional analysisوليس التحليل النفسى) تسمى حالة الذات Ego State . فى إحدى الجلسات كانت مريضة لا تقرأ ولا تكتب، من حى شعبى فى القاهرة تشكو من أنها “ملبوسة” بجان اسمه بطرس، وأثناء الحوار فى العلاج الجمعى طلبتُ منها أن تسمح بتصور أن بطرس هو من داخلها، وليس من خارجها، فوافقتْ بعد لأى. كان حول حلقة العلاج عدد من الأطباء المتدربين. اقترحت على المريضه أن نسمى هذا الجان (بطرس) باسم آخر وأن يكون الاسم “إيجو ستيت”، (كان الهدف عرض ذلك على الأطباء ليروا التعدد بأنفسهم رأى العين، وبالإسم العلمى)، ولم تعرف المريضة كيف تنطق الكلمات ذات الأصل الإنجليزى، فقلت لها نصرانى بنصرانى خليه خواجه، فوافقت ضاحكة، أخذت أعلمها نطق الكلمات: “إيجو” كما يقولها الشراقوة (كانت أصلا من الشرقية) بمعنى جاء (إيجا) وجاؤوا (إيجوا) فضحكت ونطقتها “إيجو”، ثم قلت لها: وس”ستيت” مثل “ستيتة” وهو اسم حريمى ريفى طريف، لكنه هنا دكر “ستيت”، فنطقتهما معا “إيجو ستيت” (وهى تضحك أيضا) وبدأنا الدراما بينها (وليكن اسمها فتحية) وبين الذى اسمه “إيجو ستيت”، وأنه من داخلها وليس من خارجها، وقامت بالدراما بصعوبة متوسطة، ثم بانطلاقة سلسلة، واستطعنا أن نقلب الجان إلى Ego state حالة ذات، وأن نحل الانشقاق بالقبول المزدوج والتبادل، ليس طبعا بشكل نصائحى مباشر، ولكن بحرفية مهنية فنية، استغرقت وقتا لجلسات لاحقة ليست قليلة.
هكذا تم الاعتراف، والقبول، والاستجابة، والاحترام، والانتظار، ومحاولة التصالح ، والتنظيم ، أملا فى نمو لاحق (العلاج المتوجه نحو إطلاق النمو).
فى حالات أكثر خطورة وأصعب تشخيصا، قد نضطر أن نعطى بعض العقاقير ، لنهدئ من ثورة واقتحا ذات (مستوى وعى) بدائية حتى نروضها، ونعيدها ليس إلى مكانها، ولكن إلى مشاركة ممكنة مثل ما شاهدا فى اللعبة
الخلاصة
المسألة إذن ليست نظرية بديلة نواجه بها التحليل النفسى التقليدى على ناحية، حتى لا يختزلنا إلى شعور ولاشعور، وميكانزمات وعقد، كما نواجه بها الاختزال الكيميائى الطبى الذى يحول الإنسان إلى مجموعة من المركبات الكيميائية التى تنقص أو تزيد فيظهر هذاالمرض ويختفى بتعويض الناقص أو معادلة الزائد، وإنما هى محاولة احترام اقتراب آخر من فهم الإنسان، فى طبيعته النابضة الحيوية المتعددة، أملا فى احترام التبادل (الحلم) والنمو (الإبداع) من خلال قبول هذا التعدد.
وهذا ما سنتناوله فى العدد القادم آخر هذه الخماسية عن
“تعدد الذوات فى: الحلم والإبداع”.
لتلحقها الحالة الأخيرة عن “تناثر الذوات والجنون”.