نشرت فى الدستور
6/8/1997
أكثر الله العزاء
ليس عندى مانع أن أقوم بواجب العزاء لأهل والعشرين “ضحايا إسرائيل الأبرياء” الذين توفاهم الله إلى غير رجعة فى الحادث الأخير، بل إنى أتمنى ألا يفوتنى عزاء فى عدد أكبر، فهو واجب قومى عظيم (بعد أن توارت الواجبات القومية الأخرى)، وحرصا منى على أداء هذا الواجب المتبقى، فإنى أدعو الله، ولا يكثر على الله، أن تتاح لمثلى- من أهل الواجب- فرصا أكثر وأكثر لأدائه فى مائة، أو ألف، أو مائة ألف “ضحية بريئة”، والناس لبعضها بحكم الجيرة فى المشروع الشرق أوسطى.
ثم إنى أعترف أننى فزعت ورفضت واغتظت حين سمعت لأول وهلة حرارة عزاء الرئيس حسنى مبارك، ثم عزاء عمرو موسى، وقلت: حتى أنت يا عمرو، لكننى سرعان ما أدركت أننا أصحاب واجب، فقفزت عندى الأمنية السابقة، لنظل أهل واجب طول الوقت، بشروط، أعددها فيما يلى:
أولاً: أن يظل ما فى القلب فى القلب، ثانياً: أن نقدم واجب العزاء لأهل الشهيد المنتحر فى نفس الوقت وبنفس الحرارة (فلا ننسى أنه مات أيضا، وأنه من الأبرياء كذلك)، وثالثا: أن نتذكر أن براءة عن براءة تختلف، فهذا الشهيد المنتحر قد فعلها مضطرا، بعد أن بصقوا فى وجهه، ووجه أمّه، وبعد أن عاد إلى بيته فوجد البلدوزر قد سواه بالأرض، وبعد أن حرموه حق الجنسية الفلسطينية بل والإسرائلية، وبعد أن قتلوا إخوة له بالقطاعى (واحدا إثر واحد، وكأن موت الإسرائليين بالجملة هو الموت فقط)، أما الضحية الإسرائلية البريئة فهى بريئة لأنه قد غرر بها، والاستشهاد لا يحمى المغفلين، وعلى كل برئ حضر خطأ لإسرائيل أن يشد الرحال إلى موطنه الأصلى حتى لا يضطر أبرياؤنا أن يقتلوا أبرياءهم على سبيل الخطأ.
هل معنى ذلك أننى أدعو-لا سمح الله- إلى مزيد من الدماء، أو أنى ”جبلة ” لا أتأثر بقتل الأبرياء؟ أبدا والله، والمصحف الشريف أبدا لكن هذا هو ثمن نوع السلام الذى يفرضونه علينا، أنا أقبل الاستسلام (حرب المائة عام)، أو الحرب الممتدة (حرب العشرين عاما) ولكن هذا الذى يجرى ليس له إلا هذا الذى يحدث، وأنا لا أعرف بلدا حارب عشرة أو عشرين عاما ثم خرج خاسرا، حتى لو كانت حربا أهلية (تذكر لبنان وفيتنام)، وإلى أن نفهم ويفهمون ذلك إليكم اقتراحات محددة:
أولا: يمنع منعا باتا أن يعمل أى فلسطينى فى إسرائيل حتى بمائة دولار يوميا ثانيا: على دول العرب الثرية أن تدفع نفس أجر هذا الفلسطينى يوميا حتى يبنون له المصانع، ثالثا: على الدول العربية الثرية أن تسلح - دون مقابل- رجال الدول العربية الفقيرة كثيرة العدد بالغة الفتوة، فورا، وطول الوقت، والسلاح موجود فى كل مكان لمن يدفع أكثر (عند الفلوس فيه خلوص)، رابعا: على الحرب ألا تتوقف أبدا إلا باستسلام متوعد به من الألم والصراحة ما يؤكد حتم النصر ولو بعد حين، فإذا لم يمكن كل ذلك، وهو ممكن، فلنوقع معاهدات السلام كما تأمر أمريكا، أو تتطلب الدبلوماسية الذكية، أوالنظام العالمى الجديد، وليدفع الأبرياء على الجانبين ثمن براءتهم. لكن كلّه إلا البصق على الوجه، والضرب على القفا، والفيتو، وتمزيق قرارت الأمم المتحدة، وإن كان عاجب!! مرّة أخرى: عزائى الحار للجميع، أهالى القاتل والمقتول، الشهيد المنتحر، والضحية المغفل الذى خدعه أهله المغرورن!!