يحيى الرخاوى طبيب نفسى
عدد أكتوبر 1985
افتتاحية
(مشهد مكتوب)
عصام اللباد
كان وقت الغروب، عندما هبطت العجوز على رصيف الميناء.
قادمة كانت، بعد ألف عام من البعد والهجرة.
عجوز جميلة.
وقورة فى تواضع، وطيبة.
هبطت وقت الغروب.
…………………….
اعتصرت السماء سحاباتها الوردية. التى تخلصت من بعض قطرات الماء الرطب.
نشرت العجوز الجميلة مظلتها الواقية للمطر فوق رأسها الملتحف بقطعة من النسيج المزخرف
……….الوقور أيضا.
طرقت عصاها العتيقة الأرض المرسى الخشبية تتأكد من حسن تمهيدها….
وتختار للقدم الواهنة الطريق الأفضل تمهيدا.
……………………
على خشب المرسى تساقطت بعض قطرات كبيرة الحجم من المطر.
أحدثت صوتا مكتوما يوحى بالبلل والرطب.
……………..
وعلى ايقاع طرقات العصاة…. والخطوات التالية لها سارت العجوز الجميلة، مخترقة ــ ببطء ـــ
جسد المرسى الخشبى الممدد تحت أقدامها الضعيفة.
……………….
………………
علىالطرف الآخر من المرسى… كان ينتظر ذلك العجوز المتجعد الوجه، متحايلا على برودة الطقس بالدخول فى دثار أسود متواضع.
نحيفا…. منحنيا…. وصلدا كان الرجل.
ناشرا مظلته أيضا كان…. ومتكئا على ععصاة عتيقة أخرى.
………………
ألف عام من الوحدة عاش…
وأنتظرها.
……………..
اشتدت حدة المطر..
استقرت بعض ذرات ثلج الميناء كالدقيق الناعم على احدى كتفى العجوز.
……………..
……………..
و عن بعد ، أصابت عينا العجوز الخاليتان من أى عدسات مقربة هدفه الرائع.
……………
تحركت تجاعيد الوجه قليلا فى محاولة ابتسامة، وتبعتها طرقات النهاية المعدنية لعصاته على الأرض الخشبية….. ثم تحركت أقدام بطيئة……. مرتعشة
……………
أيضا فى الناحية الأخرى كانت تجاعيد الوجه تتحرك، والعصاة تطرق الأرض الخشبية،
تتبعها القدمان الواهنتان…… مغتربة.
…………………..
والتقت يدان جافتان كثيرا متصافحتين.
وتوقفت الأعين كثيرا…. واثقة ، وفاحصة.
تمتم العجوز…. مؤكدا دعوة عمرها ألف عام مضت.
كانت لرحلة طويلة معا…. يضيعان فيها كطفلين.
يذوبان.
ويشردان بعيدا، كالطيور المنشقة فى طريق الهجرة
…………….
…………..
وفى اتجاه المسافرين تحركت عصاتان… تتبعهما أربعة….. من الأقدام.
………………….
غربت الشمس تماما……
لازال المطر يتساقط.