من يتحملنى ..؟
د. سيد حفظى
ترى، أنا التى بداخلك، من أين لك بأن تحملنى وحدك؟ كيف لك أن تعيش بما أحمله من مشاعر مختلفة، من ضيق وألم وفرح ونجاح؟ بالرغم منك أننى منك، ولك، أنا جزء من كيانك، وبالرغم منك أيضا فأنا منهم، أنا نتاج أعمالهم، وبالرغم منك أيضا فأننى لهم، لمصلحتهم، لنفعهم، لتوضيح الأمور لهم.
كيف اليك بهذه الطاقة على تحملي؟ أننى أشعرك أنك تحمل ثقلا يزيد من وزنك، لا يبطيء منها، أشعرك أنك بدون قيمة، كما أشعرك أنك ذو قيمة انسانية ووجودية….. و….. وأننى… أزيد من العبء عليك، بالرغم من أننى أخفف عبئا من عليك… أننى أنا المك…. أننى دموعك… أننى جرحك.
أننى قد أجعلك مكتئبا، قد أجعلك حزينا، قد أجعلك تهرب منى فى نوم متعب غير مستقر؟ كما أننى قد أجعلك ترى الدنيا ضيقة، ليس فيها غيرك، أنت وكلمتك…..
ترى هل يستطيع أحد أن يتحملنى وحده؟.لو كان هكذا، لكنت أنت تحملتنى وحدك… ولكنك تسعى الى أن يتحملنى معك آخر، انسان ذو نظرة، أو انسان يسمعك، أو يفهمك… أنك تحاول هذا مرة ومرات، بوعى ودون وعى، وفى كثير من الأحيان، فى أغلبها، لا يكون هذا الانسان على قدر من المسئولية الواضحة للاستماع الى، كما أنه قد يكون لا يملك القوة الكافية لحمل هذا العبء، بل قد لا تكون لديه قوة الابصار اللازمة لرؤية هذا العبء بوضوح، وقد يكون… وقد يكون…
وقد يكون من فرط اهتمامك بى، ومن جراء وجودك وحدك معى، دون احساسك بالعالم من حولنا، قد تكون لا ترى أحدا غيرى، ولا تسمع أحدا غيرى، قد تكون بانشغالك بى لم تحسب ولم تبحث عن الملاءمة اللازمة بين المؤثر والجسم للحصول على الاستجابة الملائمة… حينئذ قد تكون أنت الذى جرحت وأصبت: جرحت الأذن التى استمعت، بل التى تبحث… قد أكون قد اخترقت جدار هذه الأذن دون داع أو مسئولية أو حتى اهتمام، أو حتى دون أن يكون بهذا الجدار ما يشوبه، قد تكون فقط الطاقة كلها، بى، أحملها، أنا، التى يجب أن توجه للمسئولية والبناء وليس للتخريب والدمار….
قد أكون قد أصبت فعلا، ولكن أصابة خطأ… ليست هى المراد… وليس هذا هو الهدف….
الهدف…. من يحملنى معك ويتحملني؟
****
فى هذه الأحيان الكثيرة، التى تتكرر كل يوم، أجد فى هذا التصرف الذى يتصرفه الناس كلهم، أنه ما من عائد يعود عليك، مامن شئ تكسبه، ما من فائدة تجنيها…. قد تشعر بآلم أكثر، قد تشعر بضياع أبعد، قد تشعر بمهانة أشد… أننى آرى أنك تشعر بفقدان قيمتك… تشعر أنك أعجز، بل أضعف، بل لست على مستوى قيمتى… لست أنا نفسى.. أننى أرى أنك تشعر أنك ما تستحق أن توجد.. أشعر أنك فرطت.. فى وجودك… وانسانيتك… قد تشعر أنك تخلصت من وجودك… من كيانك.. من نفسك.. قد تشعر أنك فقدت جزءا منك.. أضعته.. أهملته.. لم تحسن القيام عليه.. فأنما تستحق ما يصيبك فكان آهمالك وتقصيرك…..
لا أرى أنك قد بلغت شيئا… لا أشعر أنك أفدت أو استفدت.. أشعر بأنه ما كان يجب أن يحدث هذا.. أنها مسئولية وأمانة… كيف أنك لم تقدر هذا الذى يستمع؟ كيف أنك لم تتحين الظرف لمن يستمع؟ كيف أنك لم تقدر مسئوليتى … أنا … نفسى… وأمانتى….
****
وحينما تفكر فى هذا، قد يثنيك هذا عن قرارك، بنطقى.. فأما أن أنزوى أنا فى ركن من أركانك، وأما أن تسربنى بعيدا عن هذه الأذن الضعيفة.. أنك تفكر فى هذه الأذن… تريدها أن تبلغ أشدها… ولكن… الزمن.. القدر… فليصلح ما آفسده. ومالك أنت…
ماذا دهاك… آه.. دورك؟. واجبك؟… با صاحبى.. أذن، فلتبحث عن من يتحملنى معك !!….