مجلة الإنسان والتطور
عدد أكتوبر 1983
حــــوار
حول الغائبة.. والقضبان الفكرية.. وحتمية المحاولة
د. عادل مصطفى - محمد يحيى
د. عادل: لقد بدأت هوامشك (1) بثلاث مقدمات مؤداها:
1- أن هناك إتجاها نحو الأرقى.
2- أن الأعقد تال “زمنيا” للأقل تعقيدا.
3- أن المسيرة مازالت مستمرة لحظة كتابة هذا الإستدلال.
ومن هذه المقدمات الثلاث استنتجت نتيجة هائلة تقول:
”اذن أجزاء الكون تتجه نحو تحقيق أفضل صيغة فى الوجود.
وكما ترى، فالنتيجة ذات الحجم الكونى لا تلزم بالضرورة عن هذه المقدمات الثلاث المحدودة بحدودها. ولو صح ان نتيجتك تلزم عن مقدماتك تجريبية داروينية يقرها كل علماء الطبيعة والبيولوجيا وكل فلاسفة العلم وكلهم ينكر مبدأ الغائبة كما تعلم ويكتفى بالتفسير السببى.
كما أنك تريد لمقدمتك الثالثة أن تجود بما لا تملك. فإذا لم يكن هناك مبرر لإفتراض توقف عملية التطور، فليس هناك – بنفس المنطق – مبرر لإفتراض استمراره إلى النهاية. لذلك أرى استدلالك الثانى فى نفس الصفحة واقعا فى نفس المحظور فأنت تقول:
بما أن المسيرة لم تتوقف (لحظة كتابة هذا الإستدلال).
اذن:
1- هناك مستقبل
2 – وهو أرقى من الحاضر.
3- وهو غاية.
ألا ترى معى مرة ثانية أن النتائج هائلة المقاس، ولا تلزم بالضرورة عن مقدمة ضيقة محدودة تقول أن “س يسير فى اللحظة ن”.
محمد: أسمح لى أولا أن أشكرك على إهتمامك المثابر، والذى أتحت لى به (وتحرير المجلة) فرصة المشاركة الملتزمة.
أما بعد:
يتناول مقطعك السابق بضع نقاط أراد عليها مقسمة إلى:
1- تقول النتيجة “لا تلزم بالضرورة” عن المقدمات، وهذا فى حد ذاته صحيح، وما أردت لها أن نلزم، وأتعجب كيف تطالبنى بلزومها، أنها ليست ألا “تحصيل حاصل :لا جديد فيه أو منه، ليس له أى دور معرفى حقيقى (اللهم إلا فى تعلم الطرائق المبتدئة للمنطق والرياضة وكلاهما وسائل لا مواضيع معرفة).
فما أردت لحديثى أن يكون تحصيل حاصل وانما حاولت أن يكون “فرضا ذا إحتمال صدق”، وفى هذا نستطيع أن نجرى حوارا أكثر ثراء من جدال همنا منه التبارى فى اصطياد زلاتنا المنطقية (أن ثبت أن هناك ما يدعو لاعتبارها كذلك) واظننى – بادعائى هذا – أقترب من موضعية البحث المرجوة، فما بالك ترفضها وتطالبنى بلزوم وضرورة ما سعيت لهما؟ وما أظن أى دار بأوليات المعرفة يطالب بهما بداية كما تفعل.
2- وها أنت بعد إذ تعترض على نقصان اللزوم، تذكر أنه لو توفر “لما كانت هناك مشكلة ولا جدال” (!!) حيرتنى والله. وأذكرك بتحفظ بسيط حول لفظ كل (علماء الطبيعة) و (فلاسفة العلم) كلهم، علك تلاحظ تنافيهما مع دقة الصياغة (موضوع اهتمامك الأول أن لم يكن الأوحد).
3- أما أننى أريد لمقدمتى الثالثة أنت تجود بما لا تملك، فتعال لنرى هذا بهدوء: فإن أقول:
1- العملية تحدث.
2- لا يوجد ما يوقفها.
فهذا يجعلنى أستطيع افتراض أنها لن تتوقف، بقياس ما سيحدث فى المستقبل على ما حدث فى الماضى ويحدث فى الحاضر، وأظن هذا القياس التعميمى مشروع فى حدود ترجيح الاحتمالات، وما ادعيت أكثرمن هذا.
ولايصح اعتراضك (أو حتى يرجح) ألا فى حالة كونى أقول:
1- العملية لا تحدث.
2- لا يوجد ما يوقفها.
وعندئذ يحق لى التعميم والقياس بنفس الطريقة فى الاتجاه المعاكس، ولكن ما أظننى قلت هذا.
ألا ترى الآن أن هناك فارقا كبيرا بين الافتراضين ومقدماتهما، فحيث لا يوجد مبرر للتوقف، يوجد مبرر للاستمرار. وهذا يعنى (وهنا نقول “بنفس المنطق”) أنه حيث لا يوجد مبرر لبدء السير، يوجد مبرر لإستمرار التوقف، فماذا ترى يا أخى؟ أما أنا فأرى أن قليلا من الإنتباه مع قليل من الرؤية قد يفيدان المنطق كثيرا.
4- أما إستدلالى الثانى، فما أظن أننى سقته على هذا النحو، ولكن الأهم من هذا هو كيفية تعاملك مع ما استنتجت (بضم تاء الفاعل) لتخرج بما فهمت. أما ما استنتجت فكان “أن هناك (فى المستقبل) ما هو أرقى من الوجود الحالى لأرقى الكائنات”.
ولعلك ترى أولا أننى لم أستدل على وجود مستقبل ولكنى أتعجب أكثر إذا افترضت أننى فعلا قد استدللت، فهل معنى هذا أن هذا هو دليلى (الذى أحاسب عليه) على توقعى للمستقبل؟؟ ألا ترى أن منطقك قد تغافل كثيرا عن طبيعة الأمور فجنى الكثير من المظالم على بسيط قول مرتبط بمشاهدات (لا حصر لها) لا يلزم ذكرها إذ هى مفترضة ومتفق عليها مسبقا.
أما أن هذا المستقبل أرقى من الحاضر، وأنه غاية، فتراك الآن تراجع هاتين المقولتين فى ضوء تسلسل الهوامش، لتحكم حكما أكثر دقة واضعا فى حسابك ما نظرت به إلى الغاية من داخل الزمان نظرة جزئية (موضوع استدلالى الثانى الذى تهاجمه) عددتها طريقى لطرح المفهوم الأكبر للغاية معزولة عن الزمان، شاملة له، متغلغلة فيه فى آن معا، وذلك حتى يتسنى لنا حوارأكثر ارتباطا بنظرة أطرحها متكاملة، تؤدى الخيوط فيها إلى بعضها البعض، فلا أستسلم لمعاملتك لمقدمتى على أنها أدلتى، بينما تصورتها مدخلا ألج به إلى بعض ساحات القضية التى أتساءل أن كان اهتمامك أصلا بها، أم تتخذ هوامشى ساحة تدريب على مبادىء بسيطة للمنطق.
د. عادل: أود الآن قبل أن نوغل فى الحوار، أن أتحدث إليك عن منهجى الذى أتبعه إزاء الغائية وغيرها من الأفكار الميتافيزيقية، دفعا لشبهة الخروج عن الموضوع. وهومنهج يستند إلى فكرة فتجنشتين عن “العلاج الفلسفى” كما رضيتها مدرسة كمبردج. فقد كانت الفلسفة بالنسبة لهذا الرائد الكبير نشاطا “علاجيا” قبل كل شئ. فليست مهمة الفلسفة – ان شاءت أن تكون نشاطا مجديا – أن تبحث عن إجابات غريبة على أسئلة أغرب ولا أن تفتى فى “الوقائع” التى لا يمكن أن تفسرها سوى العلوم الوضعية. وليس هناك فى الواقع مسائل فلسفية من حيث هى كذلك، وما يبدو أنه مشكلات فلسفية هو نتيجة لسوء فهم منطق لغتنا. فعلينا أن نعد الشخص الذى تقلقه مشكلة فلسفية شخصا يعانى نوعا من “التقيد العقلي” أومن ضغط واقع على العقل، يتسلط على تفكيره “نموذج لغوي” معين. وحينما يتسم الكشف عن مصدر هذا لاضغط أو التسلط عن طريق “التحليل”، وحين يراه “المريض” على ما هو عليه، فإنه يتوقف عن رغبته فى الحديث حديثا “خاليا من المعني”، ويتوقف عن رغبته فى وضع أسئلة لا إجابة عليها، فيستطيع المرء اذن أن يجيب عن المسائل الفلسفية بإظهار أنها لا يمكن أن توضع، ويحل المشكلات الفلسفيةبالكشف عن أها لا يمكن أن تثار، (شارلس وورث: الفلسفة والتحليل اللغوي).
لذلك لن يعدو نقدى للغاية أن يكون تحليلا منطقيا – علاجيا بالضرورة – لكل عبارة غائبة، وليس هذا خروجا عن الموضوع. من الوجهة المنطقية التحليلية فمبدأ الغائبة فى رأيى لا يعدو أن يكون وسوسه عقلية وورما لفظيا يجب أن نكشف عنه ونستأصله، غيرمصطحبين سوى أدوات التحليل المنطقى ورأسا رياضيا باردا.
محمد: يقول الشاعر:
قوم إذا استعصى عليهم منال هونوا بالترك ما قد صعب
مالى أنا وما لقدرتك الشخصية على فهم الأسئلة وتناولها، عجزك لابد له أن يكف عن إيذاء الناس إذا تطاولوا إلى ما لم تسمح لعقلك بفهمه، إذا أنا حاولت (معترفا بضعفى) تناول ما لم تجرؤ على تناوله، أسقطت على وصفا رغم رمزيته، يكاد يتهمنى بالمرض واحتياجى للعلاج.
قف سيدى، أقولها من منطلق معرفى بحت، كل ما تفرز من ملفوف الصياغات مرفوض رفضا هو من صميم حقى فى التساؤل، أيا كان السؤال، والبحث أيا كان الموضوع، طالما أننى التزم بالإستمرار فى الحوار. أيا كانت اللغة، والمتابعة والمراجعة أيا كان المنهج… أما وصايتك (أو وصاية مراجعك) على عقلى وما يدور فيه فمرفوضة أخلاقيا ومعرفيا، من أعطاك حق علاجى وأرجاعى إلى مدارس لم أتبنها أو انتمى إليها لتفرض وصايتها على. إن كنت تجد فى نفسك القدرة، فتعال لنلتزم بالموضوع على ساحة الحوار (التحام المعايشة) أما أن تحتمى بمدارس وكأنها فى حد ذاتها دليل، فهذا شأنك لا دخل لى به. أما أن الأسئلة لا يمكن أن توضع، والمشكلات لا يمكن أن تثار، فإنك بنفس المنطق لا يمكن أن توجد.
لقد وجد السؤال قبل أن يوجد السائل، كل الأسئلة موجودة قبل التساؤل عنها، سواء وعيناها أم لم نعها إلا أنن امستوعبونها، مرغمين فى ذلك أو راغبين.
ما أشبه علاجك وصحتك التى تطلبها بلعبة شطرنج لا يحكم منطقها مكوناتها فى طبيعتها الأساسية (معدن اللوحة والقطع يظل لاعب الشطرنج متألقا لامعا فى نطاق لعبة وضعها لنفسه يتحكم فيها فى ضوء احتمالات معدودة محدودة (مهما زادت وتضخمت)، فإذا وصلت الاحتمالات لصور لا نهائية (فى الواقع الحقيقى حربا وسلما) لا تقع كلها تحت سيطرة حساباته، فقد عقله بريقه وانهد مجده. وكل تساؤلات اللاعب لا تتعدى منطق اللعبة والعلاقات القائمة بين رمزها وقطعها (التى يمكن الإستغناء عن وجودها العينى مع استمرار اللعبة بنفس الكفاءة لو اتقنها اللاعبون) واحتمالات التحرك. فإذا تساءل عابرعن دور الطبيعة الأساسية للقطع واللوحة واللاعبين (خشب أو معدن أو.. الخ) كان هذا سؤالا لا يوضع ومشكلة لا تثار.
فهل تريد للفلسفة أن تنحصر فى علاقات شطرنجية محدودة؟ فلتختر وحدك المستوى المناسب لك، وتغلق على نفسك وتكف عن علاج من لم يشتك لك. فعلاجك مرفوض أساسا فللفلسفة تاريخ إذا أجريت عليه علاجك، كنت كمن يجذب طرف خيط ظاهر من نسيج سميك متماسك، يلتف به ويجرى، فيسعى إلى تشويه النسيج الذى فاق سمكه قامة الجاذب الذى قطع الخيط وانكفأ يسب النسيج ويصلى للخيط أن يظل معرقلا. فليس علاجك المزعوم إلا محاولة إغراق مبنى شاهق فى شبر من الماء.
أعذر لى حماسى المغيظ ولنرجع لصلب القضية.
د. عادل: لنعد إلى العبارة الغائية التى خلصت إليها من مقدماتك الثلاث:
”أجزاء الكون تتجه نحو تحقيق أفضل صيغة فى الوجود” تنطوى هذه النتيجة الهائلة على لفظين خطرين غامضين من الوجهة المنطقية وهما على الترتيب: “الكون” .. و “أفضل”.
أما لفظ “الكون” فقد نستخدمه بحرية ومشروعية على سبيل المجاز الفنى البلاغى، وذلك حين نقصد من اللفظة مجرد “اجزاء من الكون وقعت فى شباكنا المعرفية”. وهو ضرب من “المجاز المرسل” فى علم البلاغة يبيح لنا أن نستخدم الكل ليعبر عن الجزء. فحين أقول “لقد لمست الفيل” فإنما أعنى لمست جزءا أو أجزاءا من الفيل. وحين تقول الآية “يجعلون أصابعهم فى آذانهم” فإنما تقصد أطراف الأصابع على سبيل المجاز.
أما “الكون” بمعناه الدقيق المكتمل الذى يشمل كل ما هو موجود مما نعلم ومما نجهل، فهو لفظ خطر يوقعنا فى أخطاء منطقية لا تنتهى، فهو لفظ “فئوى“. وهناك قاعدة منطقية تقول أن العبارة التى تضم لفظ فئويا هى عبارة ناقصة. أو قل – بإصطلاح الرمزى – هى ليست قضية ولكنها “دالة قضية” ودالة القضية لا معنى لها بذاتها، ولا نحظى بالمعنى إلا إذا أمكن ترجمتها إلى عبارة ليس فيها أى ذكر للفئة (رسل، هويتهد: برنكبيا ماتيماتيكا) فما بالك بفئة تحتوى كل ما هو موجود مما نعلم ومما لا نعلم. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن هناك قاعدة منطقية تقول: “ان الفئة ليست عضوا فى ذاتها”-عدا إستثناءات خارجة عن موضوعنا – وما يقال فى الأعضاء لا يصح أن يقال فى الفئة التى تشملها وتنتمى إلى نمط منطقى أعلى حسب نظرية الأنماط المنطقية لراسل.
صحيح أننا كثيرا ما نخلط بين الأنماط المنطقية ونحشو كلامنا بألفاظ فئوية تجعل العبارة ناقصة منطقيا. غير أننا نفعل ذلك إختصارا للجهد وراحة للتعبير لأن حياتنا أقصر من أن نفك كل لفظ فئوى إلى أعضائه كما تحظى عباراتنا بالمعنى. فحين نقول “الإنسان مفكر”.. فإنما نعنى أننا جمعنا عمرو وعليا وجون وتسيى.. الخ الخ من الأفراد فى فئة أسميناها على سبيل التدبر اللغوى المفيد “الإنسان” وقلنا أن “الإنسان مفكر” بمعنى أن : زيد مفكر، وعمرو مفكر، وكذلك جون ومارى.. الخ أما الفئة “إنسان” فهى لا تفكر ولا تأكل ولا تفنى، إنما يتصف بذلك الأفراد الجزئيون ولا يصح أن توصف الفئة بما يتصف به الأعضاء إلا تدبرا وإقتصادا.
إن كلمة “إنسان” رمز فئوى يشير إلى فئة من الأفراد ولا يجوز معاملته كما لو كان اسما دالا على عضو من أعضاء نفسه. فما بالك بكلمة “الكون” التى نستعملها لنشير إلى كل الأشياء المفردة التى حظيت بوصف “الوجود”. فلو جعلناها موضوعا نصفه بما نصف به أى فرد من أفراد هذه المجموعة كأن نقول أنه “حجرى” مثلا أو أنه “أصفر” أو “طيب” كنا بمثابة من يجعله عضوا من أعضاء نفسه، وهو تناقض غير مشروع. (رسل: الفلسفة الرياضية).
محمد: أفهم من حديثك أنك تريدنى أن أتحدث عن “أجزاء فى الكون”، لا عن “الكون” هكذا مجملا غير مفهوم، وأرى غيرتك على لغتنا ومنطقها ومعاملتنا لها واضحة، غير أن من حسن معاملة اللغات، حسن القراءة وحسن الفهم، فهل تراك قرأت وأنت تنقل أن المثال الذى إستشهدت أنت به من حديثى كان نصه “أجزاء الكون تتجه..”؟ ولم أقل أن “الكون يتجه..” وما كان قولى على هذه الصورة بمتعارض مع إتجاهك (رغم أنى لم أقصد هذه الدقة ومازلت أصر كما سترى على منطقية اللفظ)، ولا كان يدعو إلى درسك هذا كله فى المنطق لو أنك إنتبهت لعلاقة ما تستعيد من دروس بما تتناول من أمثلة.
أما وقد عرضت على درسا (علاجيا!!؟) فى المنطق فأسمح لى أن نراجع مما بعض التجاوزات التى ما كانت لتضر لو كانت قد إقتصرت على اللعب بالتفيئة ووضع المستويات والأنماط المنطقية فى مجال مجرد، أما وأنت تريد لها أن تتعدى حدود رقعتها (الشبيهة برقعة الشطرنج) لتفرض نفسها على عالم الواقع، فقد تناسيت الكثير من قواعد اللعبة التى تقف على أرض أكثرتشابكا وتعقيدا من أرض المنطق المجرد، مما يجعلها أرقى مستوى منها.
فتعال لنراجع معا معنى اللفظ، إذ أننى أعتبره لفظا ذا دقة منطقية لم تتبينها بعد.
تقول: “إن الكون لفظ فئوى، وهناك قاعدة منطقية تقول إن العبارة التى تضم لفظا فئويا هى عبارة ناقصة أو هى دالة قضية وليست قضية”، سأرد عليك بعدة أسئلة مع رجاء مراجعتها، على أننى أدون هنا، أن الإستعمال الفئوى للفظ الكون هو أحد الإستعمالات التى أجادلك فيها، وليس هو الإستعمال الذى أردته، ومع ذلك:
- هل تدرك فعلا حدود ما يسمى بالقضية، أو العبارة غيرالناقصة لكى تعترض على إستعمالى لدوال القضايا؟.
- هل تريدنى (فعلا!!) أن أستعيض عن لفظ الكون بملء ثغراته بكتابة المفردات التى يحتويها حتى تكتمل العبارة؟؟
- إذا أكتملت العبارة، فهل تنتظر بعد هذا أن يكون فرضا أو إفتراضا ذلك الذى ما أدعيت لهوامشى (وما لأحد أن يدعى) أن تتخطاه إلى مستوى القضية الثابتة المنتهية؟.
- من أراد لها أ تنتهى الآن أو تكتمل الآن؟ أنا ما أدعيت هذا، وليس لك أن تحاسبنى على غير ما أدعيت.
- هل تريد أن تمحو دوال القضايا من طريق البحث؟ كيف إذن تريد الوصول للقضايا؟.
- هل حددت ما تريد من إعتراضك هذا قبل أن تسوقه؟؟
(أنتهت الأسئلة).
ونقول: “ودالة القضية لا تحظى بالمعنى إلا إذا أمكن ملأ ثغراتها بأسماء جزئية”.
إذن، فحيثما توفرت إمكانية ملأ الثغرات توفر المعنى، وها أنت تعترف بتوفر الإمكانية بقولك أنها “فئة تحتوى كل ما هو موجود مما نعلم ومما لا نعلم” إذن فأنت عرفتها وعرفتها (الثانية بتشديد الراء)، فعلام تعترض منطقيا؟؟ لماذا تشغلنى وتشغل غيرى بكلام متعارض، فأنت تقول: الفئة! يجب أن تحتوى ب لكى يتوفر لها معنى:
الفئة أ تحتوى ب.
وإذا بك تستنتج ما يدل على أنك لم تحط تماما بمعنى درس النمطق الذى تستعيده بتألق ذاتى، فتقول:
- إذن، الفئة! لا يتوفر لها معنى.
أهذا معقول يا سيدى؟
ثم تقول: “الفئة ليست عضوا فى ذاتها”.
طيب ومالى أنا؟ هل أنا تكلمت عن فئة، لماذا تلزمنى بإعتبار الكون فئة؟ أنا أعتبره “كيانا يتكون من كل ما هو موجود” وهو فى هذا عضو ذو تكامل عضوى، ومفردة لها كينونتها المستقلة. فهل فى هذا التعريف خطأ منطقى؟؟.
ثم دعنا ننتقل لمثال “الإنسان” (الذى ما تعرضت له، وإنما فرضته أنت على الحوار فرضا لا أرى له مبرر حقيقيا)، الذى تدعى أنه لفظ فئوى لا معنى له إلا بوجود أفراده، وهذاصحيح فى حالة أننى قد لاحظت صفات مشتركة بين هؤلاء الأفراد فجمعتهم إختصارا فى فئة.
ولكن، لعلك تراجع معى (بمنطق سببى) السبب الذى وحد صفات هؤلاء الأفراد، إنه قانون طبيعى، أو بتعبير أصح، شبكة قوانين طبيعية بيولوجية، تتحقق بدائلها فى صورة أفراد فئة “الإنسان”، إذن، فهى أسبق منه، وهى التى تتحكم فى وجوده وصفاته، وقد وجدت منعزلة عن وجوده العينى الملموس (بمنطق عقلانى). وهى التى حققت لما تبعها من كائنات (الإنسان) صفاته المشتركة، تلك التى لاحظناها فقسمناها وجمعناها فى فئات رحت تعترض عليها رغم أنها الأساس بنظرة أعمق وأسبق. وعندئذ، فأنا إذ أقول أن “الإنسان يأكل ويفكر ويفنى” فأنا لا أعنى فقط – مجازيا – أن عمرو وزيدا.. الخ الخ. يأكلون ويفكرون، وإنما أعنى (وأساسا) أن “قانون الإنسان” (الذى خلق فئته) يسمح للوجود الذى يتبعه (الأفراد) أن يفكر ويأكل ويفنى، وفى هذه الحالة فأنا أتكلم عن القانون إذ يتجاوز أمثلته الجزئية.
وتعال لنقترب من الصورة أكثر.
فإن قول “الجنس البشرى (أو الإنسان) يفعل كذا” فأنا أدعى – بنفس المنطق الذى أعتبرت به الكون عضوا -، إن الجنس البشرى كيان له وحدته وفاعليته وتأثره بالبيئة وتأثيره فيها، هذه الوحدة لا تتمثل فى مشاهدات ساذجة لأحداث متشابهة يفعلها أفراد متشابهون ضممناهم بعدها فى فئة، ولكنها تتمثل فيما جعل هؤلاء الأفراد يتشابهون فيها يتشابهون فيه، ويفعلون جميعا “كذا”، فهذه الكذا يتسبب فيها قانون واحد، يشترك فيه كل الأفراد، وإشتراكهم فيه يجعل منهم كيانا ذا وحدة عضوية، مما يسمح لى أن أتحدث عنه دونما التفات إلى تجزيئات مفتعلة يتصنعها المناطقة، فيكلفون السذج ممن لم يدركوا ضيق حدودها الكثير من الزلات التى لا يحسبون لها.
أى أننى أقول أن كل ما يتبع قانونا واحدا، هو كيان واحدا بالنسبة لهذا القانون، إذن، فإن لى أن أتكلم عن الفئة بإعتبارها عضوا.
ملاحظة: علك تراجع الآن تفرقة سطحية تعسفية تعودت أن تجريها بين أسلوبى كلام. الأسلوب المنطقى مدعى الدقة، والأسلوب الشعرى المبتلى بصفة المجازية، لترى حدس اللغة ولا مجازيتها وأسبقيتها المعرفية على غيرها من المناهج، فأولا: عملية إطلاق لفظ على أى محتوى معنوى أو مادى، هى عملية تفيئة رضينا أم لم نرض، وفى التفيئة ما سبق أن أوضحت من إكتشاف لروابط بين مفردات الفئ{هى فى أصلها قوانين طبيعية. وثانيا: الأسلوب الشعرى بعامة والشعر بخاصة، يظهر حدس المتكلم الذى يكشف عن قانون (طبيعى بالضرورة) يربط بين متباعدين، لم تكتشف عنه عملية اللفظنة المباشرة.
تراك تعيد النظر الآن فى ثقتك الشديدة فى فهمك لمنطق لغتنا، ذلك الذى تريد لغيرك أن يتبناه بالقطع والجزم والعلاج ومع ذلك فإنى أود أن أنصت إليك.
د. عادل: أما لفظ “أفضل” فمشتق من “الخير” – أقصد إشتقاقا منقطقيا لا لغويا – والخير كما تعلم وكما إعترفت فى مقالك لفظ محير غامض. وقد سبق لى أن قمت بتحليل منطقى له فى عدد سابق لأبين كيف أنه خال من أى معنى معرفى شأن كل الألفاظ “القيمية” فكيف أدخله فى قضية معرفية كالتى إستنبطتها من مقدماتك والتى تقول أن الكون يسعى إلى “الخير”؟
وحتى لو تحدثنا عن “الكون” و “الخير” بمعناها المجازى الشعرى، فما أحسبنا واقعين على مؤشرات واضحة يقينية تدل على أن العالم إلى خير. لا من قطاع دياكرونى تاريخى، ولا من قطاع سينكرونى عرضى، قديم أومعاصر. أى خير فى تاريخ بيولوجى يتطور فيه القوى على جثة الضعيف ويتغذى فيه الكائن على ضراعة أخيه فى الوجود مدفوعا بالأسباب؟! وأى خير فى تاريخ بشرى دموى لا يعدو إغارة الجار على الجار، وإجهاز الفتى على الشيخ؟ أى خير فى زلزال لشبونة وأغادير وفيضانات آسيا ومجاعات أفريقيا وسرطانات الثدى والمثانة؟ أى خير فى قشرة قلقة غيرمتقنة تنفث براكين وتتململ زلازل تبلغ الأخضر واليابس وتلتهم المعبد والماخور. ولا ضامن لإنصلاح حالها ولا مانع من إصطدامها بجزم ضخم ينهى لجاجتها فى أى وقت: أى خير فى كائن بشرى يموت تطورا إذ يلعب بنار بروميثيوس ويشطر النواة فيتهدد بتلوث ذرى جدير أن يخرب تكوينه ويهد هرم قوانينه فى أى وقت؟
محمد: كل خير.
لعلك تذكر فى ندوة الجمعية عن فلسفة التاريخ عند هيجل، تبريراته الفلسفية لكل ما نراه من مظاهر غيرخيرة (وهو يعترف فى محاضراته أن نظرته للعالم سوف تكون ثيوديسية)، فهى شريرة بالقياس إلى رغبات الأفراد أو الأجزاء فى الفئة الكلية ومصالحهم، أما بالنسبة للكون ككل، فهى ليست إلا تحقيقا لقوانينه الداخلية (وعلى القانون الذى خلقك ويفنيك لا إعتراض).
فإذا كان الخير ليس إلا تحقيق القانون (من منطقى هذا)، وإذا كان تحقيق القانون تابع بالضرورة لشبكة القوانين الأخرى، فإن العالم فى خير، ويسعى إلى الخير (أيا كان شكل الخير) أو، كما يقول هيجل فإن: “العالم الحقيقى هو كما ينبغى أن يكون عليه”.
فالخير إذن (من هذا المنطلق) معنى معرفى أساسى (وأكتفى بهذا المنطلق مبرر لإستعمال أى لفظ تفضيلى إستعمالا معرفيا جديرا بالمعاملة المتبصرة)، لا مجرد قياس لمصلحة الأجزاء أو الأفراد، بل إنه “المعنى المعرفى”، ألا يجدر بنا إذن إعادة النظر فى عمليات التقييم التى لا نكف عن إجرائها ليل نهار غير مدركين على أى معيار تجرى، فتضطر إلى عزلها عن عملية المعرفة، ومن ثم عزل المعرفة عن طبيعة وجودك لكيلا تصطحب إلا “أدوات التحليل المنطقى” و “رأسا رياضيا باردا”. (عود إلى علاقة الأخلاق بالمعرفة)، ثم ماذا عن بقية المقال؟.
د.عادل: تنتقل فى مقالك إلى مقولة “إلحاح القضية على الكائن”. وهى مقولة أن خصت الكائن البشرى فيها ونعمت. أما أن تجاوزته إلى غيره من الكائنات الحية والجامدة فسرعان ما يعروها إرهاق منطقى وشحوب أنثروبومورفى لا يخفى على النظرة العلمية الناقدة.
ثم تعرض لديناميات للتطور الحيوى للكائن خلال جدل دائ بينه وبين الكون. وهو عرض قوى بليغ، غير أنه لا يخدم مبدأ الغائية الميتافيزيقى، بل ربما أضاف معولا إلى معاول هدمها. لأن وجود “غاية” لمسلك الكائن وتحولاته وصيرورته وإن كنا أحيانا نطلق عليها غائبة على سبيل المجاز واللياقة النحويةGrammatical convenience إلا أن هذه الغائية المجازية قابلة لأن تنحل إلى سلاسل سببية، وأيما سلوك هادف قصدى شعورى أو لا شعورى بسيط فى قوانينه أو هيراركى معقد إلا ويمكن تفسيره سببيا. فلا داعى لإفتراض غائية ميتافيزيقية نثقل بها الكون والمنطق بلا دليل، عملا بميدأ “الإقتصاد فى الفكر”Law of parsimony .
محمد: لا أرى شبهة الأنثروبوموفيزم بادية فى الهوامش كما تستقبلها أنت، فإذا كانت الكائنات كما قلنا الآن تخضع لقوانين معزولة عن الزمان ومتغلغلة فيها (فى الكائنات التى تخضع للزمان) فى آن معا، وإذا كان ما تحقق من هذه القوانين فى صورة الكائنات الموجودة بالفعل مازال غير مكتمل طالما أن التغيرسائر فى الكون بتفاعلات بين هذه الكائنات عن طريق القوانين التى تقع فى شبكة قوانين كبرى هى القانون الأعظم أو لاغاية (الموجودة ولم يكتمل تحققها)، فإن سعى هذه القوانين (المتمثل فى التغير) نحو تحقيق القانون الأعظم هو ما عنيت بالتطور، وتحقق هذا القانون التحقق الكامل هو الغاية.
والغاية موجودة الآن فى صورة القوانين التى تحققت والتى لم تتحق بعد، والتى رغم أنها لن تستحدث من حيث هى أبدية، فإنها تزداد وعيا بنفسها وقدرة كلما قطعت قوانينها شوطا جديدا نحو التحقق، والذى، رغم ظاهر التغير فيه، إلا أنه تيغر يحتوى الجديد فيه سابقة ليؤكد الكثير من فروضنا المتضمنة فى حديثنا لو أدركت، فتحقيق الغاية طريقة هذه القوانين فى الزمان (السببية إذا أردت وغضضنا النظر عن بقية العملية كما ينبغى أن ينظر لها) إلى أن تتخطى حاجزة (عذرا، لم تحتملنى اللاميتافيزيقية).
إذن، فإلحاح القضية على الكائن ليس له المعنى الأنثروبومورفى الذى فهمت، وإنما هو ما يكمن من نقض فى القوانين المتحققة الآن، والنقص فى حد ذاته قانون يسعى للتحريك للأمام عن طريق التفاعل السائر نحو التغيير والتطور. ولنأخذها بصورة أكثر تنظيما:
1- الحركة نحو الأمام بادية.
2- لا تتم حركة (أو غيرها) بغير قانون.
إذن: قانون التحريك نحو الأمام متوفر الآن.
ومما سبق فإن وضع الأمام موجود كقانون.
هل فى هذا إرهاق منطقى أو شحوب أنثروبومورفى؟؟.
د. عادل: وما للغائبيين فرحين بهيراركية القوانين؟! وهو مبدأ مفروغ من أمره ولا علاقة له بمبدأ الغائبة الميتافيزيقى. وهو أن ترك فى العقول إيحاء وإنطباعا فهو إيحاء سببى وإنطباع لا غائى. لأنها هيراركية قوانين “سببية” لا غائية. وهى هيراركية سلطت الضوء على السلوكيات المعقدة وساعدت على فك طلاسم الماجريات “شبة الغائية” Quasi – teleological فأعفت العقل من دغدغة ذاته ليخترع مبدأ صوريا محضا كى يفهم به ما لا يفهم ويفسر به مالا يفسر.
ولعل أكثر المرحبين بالهيراركية هم المناطقة التجريبيون والعلماء الطبيعيون وفلاسفة العلم. وكلهم يرفضون الغائية ويطاردون فلولها فى سبيل مزيد من التقدم العلمى.
محمد: ليتك أوضحت لنا كيف تترك الهيراركية هذا الإيحاء السببى والإنطباع اللاغائى (؟؟) كى يتسنى لنا رد أكثرإلتزاما بالموضوع.
ومع ذلك، فأية هيراركية تقصدك؟ تراه تنظيم تنسيقى وضعه العقل البشرى ليرتب الأمور حسب فهمه لها، فنسى أثناء ذلك أنها ما تكونت إلا عبر الزمن؟.
أم هى تعقد متتال يتخذ المسارالذى شرحه د. محمد كامل حسين (فى المقتطف ص 40، 41 فى الحواريات). وأشرت إليه بمسار “التضخم – القلق – التنظيم المتطور”.
إن تعقد (أو ترقى أو تطور) الطبيعة، (الدال على تعقد قوانينها) لهو عملية تحدث فى الزمان، وهومن هنا دليل على مسيرة طبيعية نحو شئ ما وليكن التعقد (ولاحظ “نحو التعقد”)، فهى ساعية إذن إلى هدف (أو غاية). وليس من حقك، ولامن حق كل فلاسفة العلم اللاغائيين. ولو ملأوا الأرض شموخا. أن يرجعوا أحدا عن محاولة إجتهاد متواضع جديد بتفسير أو رؤية جديدة للأمر، طالما حاول أن يتسق منطقة ويتماسك، ورضى بالحوار وإحتمل التراجع.
د. عادل: أحسبك إستعنت فى مقالك بمقتطفات هى ضد الغائية تماما… وربما كانت أدق ما قيل إنتصارا للسببية وتقويضا للغائية. ولذلك أجدنى مضطرا لإقتباسها هنا لأنها تخدمنى بغيرحساب: “ونحن حين نقول أن بقاء الجنس أصل رتبت عليه حياة النمل، وحين نقول أن نظام حياة النمل أدى إلى بقاء الجنس، يخيل إلينا أن الفرق بينهما صغير، ولكنه فى الواقع جوهرى من حيث المذهب، ولو كان بقاء الجنس أصلا لأمكن تحقيقه بوسائل أبسط كثيرا مما نراه فيحياة الحيوان”.
”وإن نظامها (أى القوانين السببية) يؤدى إلى الغايات وليست الغايات سببا فى هذا النظام، فهو (أى مذهبنا) يرى مثلا أن الخير ليس غاية أريدت للعالم ثم تهيأ كل ما فى الكون لبلوغه، وإلا لكان الشر محالا”.
لقد آذيت قضيتك كثيرا بسرد هذه العبارات المعادية للغائية، فكنت كالمستجير من الرمضاء بالنار أو كالجريح يشكو إلى الغربان والرخم أو كمن يذكر غريمه بالطعن وقد كان ناسيا. صحيح أنك ناقشتها وحاولت إكمال عليتها بغائية مستعارة إستنادا إلى مقولة “إلحاح القضية على الكائن”. غير أن ضغط القضايا على “النمل” ليبقى ويتطور.. هو إسقاط أنثروبومورفى على ماجريات محكومة تماما بقوانين سببية صرف كذلك التى حكمت بإنقراض كائنات أخرى وفنائها. وما أظن أخطاء الطبيعة وسهواتها ومسوداتها إلا تاركة إنطباعا فاقعا ضد الغائبة.
محمد: طيب، إذا كان ردى قاصرا فلترد عليه بتناوله وتحليله كما تهدد دائما، فما وظيفة أن تعيده الآن (بغيررد عليه) وكل ما تفعل هو وصف الرد بالضعف، لا أظن أننى قادر على إعادة ما قلت، ومع ذلك، فأرجع إلى ردى قبل السابق عليك لترى معنى “إلحاح القضية على الكائن”، ثم رجع إلى سابقة لترى الخير كل الخير فى أى حدث يحدث ولو كان الإنقراض ذاته، وأكتفى بهذا – مع أصل الحواريات التى لم ترد عليها – حتى لا نثقل على صفحات المجلة بحوار ليس (بهذه الصورة) إلاتكرارا لما طرح من قبل ولم يعالج (فعلا) بعد.
د. عادل: ثم تقول ردا على ما قلته ضد الغائية فى حوار سابق: “إنك لو تتبع الأسباب وحتميات القوانين العلمية الجزئية، كل نتيجة إلى أسبابها، إلى أسباب أسبابها وهكذا، لن تجد نفسك إلا دائرا فى حلقة مفرغة لا تدعو قوانينها الداخلية لا إلى تطور ولا إلى غيره، اللهم إلا بسبيل الصدفة البحتة الآتية من خارج الدائرة.. الخ”. غير أنى لا أفهم “الحلقة المفرغة” التى لا تدعو إلى تطور. فهناك مبادئ كثيرة تكلفت بكسر الحلقة مثل: الصراع.. الطفرة.. الإنتقاء.. الخ. مما كان ومما يجد، والذى أعلمه أن التفسير السببى قد نجح بالفعل فى تفسير التطور، وأن جميع العلماء بما فيهم علماء البيولوجيا – آخر ملاذ للغائية – قد أكثفوا به عن كل تفسير غائى وقضى الأمر الذى فيه نستفتى.
محمد: من يملك الحق (ومن سمح له) أن يقضى (هكذا) فى أمر قضية معرفية حتى تفعلها أنت (هكذا) بجرة قلم؟ والأ وهى أنك لم تفعلها بينك وبين نفسك فحسب، فهذه قضيتك وأنت حر، بل على صفحات مجلة منشورة همها المعرفة.
يا أخى أن “1+1=2” مازالت تحتمل المهول من التساؤلات وإعادات النظر. فهل يوجد فعلا ما هو واحد (1) مكتمل هكذا ومفرد؟ فإذا وجد فهل يمكن أن يوجد (1) آخر أيضا مكتمل هكذا ومفرد؟: أم أن المفرد هذا هو واحد فقط وهو كل شئ؟؟ فإن وجذا، فهل يمكن الدمج بين عددين هكذا ليكونا بالفعل “2” هكذا؟ أم أنه من الخطأ التفكيرى الدقيق إعتبارهما عددا واحدا ذا رمز واحد هو (2) بدلا من (1+1) وغيرها وغيرها من التساؤلات التى ربما تكون من تلك التى لا توضع ولا تثار، ولكنها قائمة رغم كل إستعمال للجمع، وكل تغافل أو نسيان عن طبيعته.
أما الحلقة المفرغة، فهى إغلاق دائرة الأحداث على ماتجريه الأسباب، مما لا يدعو فى ذاته إلى أى تغيير.
أما إذا أردت للتغيير أن يدخل كقانون فى هذه الدائرة، فها أنت توافقنى على أن الأمام موجود الآن، فلا الصراع ولا الطفرة ولا الإنتقاء ولا غيرها مما كان ومما يجد فى حد ذاتها قوانين تدعوا للتقدم للأمام، بل هى مجرد أسباب تدعو للتغير، ولكن المحافظة على الإتجاه للأمام (محصلة إتجاهات الماضى والآن (!!)لتستغل هذه الأسباب فى دفع العجلة نحو مزيد من الرقى.
فالتفسير السببى (الذى أدعيت أنه ناجح بذاته فى تفسير التطور) يقع (إذا لاحظنا أن محصلة الإتجاهات للأمام) أمام احد احتمالين:
1- الصدفة، وهو فى هذا قاض على تماسك منطقة، فلا مكان للصدفة فى عالم القوانين الطبيعية الأصلية (لا ما نعرفه نحن عنها من احتمالات تقترب من تجميع المشاهدات فى فرضيات تعميمية)، وإن وجد هذا المكان، فلا مبرر للتقدم نحو أى اتجاه.
2- أن التقدم محكوم بقوانين سببية منظمة، وفى هذا لا خلاف على أنه اعترف بأن القادم (أو المستقبل) ينتظر تحققه عن طريق الأسباب (غائية بأى معنى تريد تقليب الأمر عليه).
د. عادل: تقول فى ردك: “أنك قارنت عقل الإنسان بعقل الكون”. وما أظننى قارنت شيئا بعقل الكون. لسبب بسيط: أننى لا أعرف شيئا اسمه “عقل الكون”. فنحن نطلق لفظ “عقل” إختصارا لفظيا وتحايلا رمزيا نحزم به مجموعة من الحالات البيولوجية تدل على أنواع معينة من الإستجابات بالنسبة للكائن البشرى. فهو “اسم مجرد” يترجم إلى عدد كبير من الألفاظ العينية وما يدل عليه ليس إلا مجموع كل الموضوعات العينية المتعلقة به. أما أن يستخدم هذا المصطلح المحدد ليشير إلى أكثر من ذلك فمجرد إستخدام سئ للغة يسير به البعض إلى نهاية الخطأ والمغالطة حين يتحدثون عن “العقل” المتغلغل فى الكون. أو حين يصفون خامة الكون بأنه “عقل”. مستخدمين اللفظ إستخداما غريبا سيئا، ليعبر عن “جوهر” أو عن “كيان شبيه بالشئ”. وهذا خطأ منطقى يسميه المناطقة المعاصرون “صبغ المجردات بصبغة جوهرية” أو “جوهرة المجردات” Substantialization of abstracta . ويضربون لذلك مثلا فكاهيا.. رجلا يفك محرك سيارته بحثا عن المائة حصان التى هى “قوة” المحرك!.
محمد: و ها أنت تلقى بالمحرك فى البحر إذا لم تجد أمامك الــ 100 حصان.
وما خرجت بتعبيرى عن حدود المنطق (إذا كان للمنطق أن يكون رزينا متعقلا)، ولتراجع ما كتبت ص 43 من أصل الحواريات (من حيث إقتطفت موضوع هجومك):-
”أليس (الغاية) ودوافع بلوغها الكامنة فى دائرة الأسباب أقرب إلى المنطق والتصور من “الصدفة”، خاصة لو تابعنا إتجاهات التصور الغالبة، أم أنك تفضل الصدفة، وتتصور أن الإنسان الحالى بوعيه وممكناته الحاليين عليه أن يجمع أسباب ما يريد ليبلغ ما يريد، بتعبير آخر تقارن عقل الإنسان بعقل الكون، عفوا إمكانيات الإنسان فى مقابل عقل الكون وممكناته”، (إنتهى المقتطف).
إذن، فعل الكون يعنى به ظواهرمحددة، وهى ظهور إتجاهات عامة (لما نراه من أجزائه) كمحصلات لإتجاهات الأجزاء، كذلك الذى قصدت من أن الإتجاه العام للتغير يسير نحو الأمام، أى أن الكون يتطور نحو إتجاه ما.
والآن أعتقد أنه ليس فى هذا أى مغالطة منطقية، وليس ذنبى أنك لا تفهم المجاز، رغم إتقانك الشديد لصناعته وتحليله، ولتراجع ثانية هذا المقتطف من ص 44، الذى وجه إليك فى نفس الحواريات، علك ترى أن عقل الكون ليس إلا تعبيرا عن قوانينه ومساراته التى هى تحقيق قوانينه نفسها.
”فإذا كان موقفك هكذا، فإن فيه إنكارا لعقل الكون لا يبرره أى سند منطقى حقيقى، وفيه تحوير وإختزال لوظيفة المعرفة البشرية لتصبح مجرد معرفة للأسباب (أو الغايات) وإستخدامها لصالح الأهداف الموضوعة، وهوتحوير إغترابى معطل لوظائفنا المتكاملة، ومحقر من شأن الكون وقوانينه ومساره”.
د. عادل: تقول أيضا فى ردك: “.. وفيه (أى موقفي) تحوير وإختزال لوظيفة المعرفة البشرية لتكون معرفة الأسباب أو الغايات وإستخدامها لصالح الأهداف الموضوعة.. الخ.” وهو تعليق لك على مقال لى حول “المشكلة الخلقية” عانى فهما غامضا من عقول كبيرة رغم كثافة إضاءته المنطقية. لأنه كان تحليلا منطقيا “للأخلاق المعيارية” أو “الميتا أخلاق” وهى مصطلح تكنيكى يختلف تماما عن “الأخلاق” التى يتحدث عنها الناس ويصفونهاعادة بأنها “ضاعت”.
محمد: عذرا، فرغم كثافة إضاءته المنطقية، إلا أن مقالك لم يخطر على بالى أصلا، وقد عزفت عن الرجوع إليه لنقلل – فى حوارنا المحدود هذا – من خيوط التشتيت عن القضية الأصلية.
د. عادل: فى استطرادك الأخير تقول: “.. غير أن أفضل صيغة فى الوجود بإستعمال أقصى مدى لكلمة أفضل تستلزم اللامحدودية المطلقة، الشمول المطلق، والأبدية المطلقة” وكأنى بعبارتك تقول: “غير أن كلمة س بإستعمال أقصى مدى لكلمة س تستلزم ص. زد أن ص حكم تركيبى إنطولوجي”.
وهو نوع من التأمل الصورى يسميه الفلاسفة “التفكير اللفظي”. ويسميه المناطقة المعاصرون “أغلوطة إستدلال تركيبى من تحليلي”. وأسميه بطريقتى “إخراج الوجود من جوف المعجم بمزمار هندى”. وتتكرر نفس الأغلوطة فى الفقرة التى تليها:
”فالأبدية لا تعنى فقط.. بل تعني.. “.
فأنت تريد أن تخرج الوجود من “تعريف”. إخراج أرنب من قبعة فارغة أو إخراج بيضة من أنف متفرج.
وبنفس الطريقة – إخراج الواقع من إعتبار لفظى معجمى – يمكنك أن تقول:
الهيدرا هو ثعبان ذو تسعة رءوس ويضع ألف بيضة فى اليوم — تعريف.
إذن الثعابين ذوات الرءوس التسعة ستغطى الأرض وشيكا — حكم تركيبى وجودي.
محمد: تراك تدعونى إلى أن أبادلك سخرية بسخرية هى أسهل (وأقبح) ما يمكن لو تناسينا إنشغالنا بالموضوع (إذا كنت منشغلا به حقا ولم تعتبر أن الأمر قضى بع)، أم أنك حقيقة قد عجزت عن الفهم الصحيح لما أتى بهذا الإستطراد فتمسكت بأحبال لها صورة المنطق، ولا علاقة لها بما تتناوله من مواضيع للتحليل؟؟
لا تفكير لفظى فى الأمر، فهلا أستعدت ما قلت سابقا لما إقتطفت لتجده:
”نحن إذا نقول بـ (لا ضرورة التوقف)، وملاحظة إستمرار التقدم نحو الأفضل وجب علينا الإستطراد فى التصور إلى مداه…”.
إذن، “فإستعمال أقصى مدى لكلملة أفضل” يأتى كنتيجة منطقية واضحة لمقدمة تقول:
1- توجد حركة نحو الأفضل.
2- لا يوجد ما يوقف هذه الحركة.
النتيجة: لابد أن تعامل أفضل على مستوى لا نهائى. وهى نتيجة، أن عرفت، لا تشويها شبهة التفكير اللفظي.
د. عادل: وتقول أيضا: “الغاية إذن معزولة عن الزمان”.
وبحكم أدواتى المعرفية المتاحة لا “أعرف” شيئا معزولا عن الزمان. لأن شبكاتى المعرفية بطبيعتها زمانية ولا تقتنص إلا أحداثا events تقع فى الزمان. فالمعرفة التركيبية هى معرفة أحداث والأحداث زمانية بحكم التعريف كما أن الأب ذو إبن بحكم التضايف. وكل حكم معرفى تركيبى يتحدث عن شيء خارج الزمان لن يعدو أن يكون إستخداما سيئا للألفاظ يوقع العقل فى التناقض ولا يعطى أى مفتاح للتحقق من صدقه.؛
ومقالك لا يكتفى بمعرفة ما هو معزول عن الزمان بل يقول فى خاتمته: “أن الغاية تتغلغل فى الكون، رغم أنها لا تخضع للزمان ! والمكان” وأصدقك القول أن حسى التجريبى والرياضى لا يستسيغ هذه الصياغة.
أولا: لأنى لا أعرف شيئا يسمى “غاية” بالمعنى الميتافيزيقي.
ثانيا: لأنى لا أفهم معنى لوجود شيء فى شيء دون أن تلفه أبعاد هذا الشيء. وعندى أن عبارتك مكافئة منطقيا لعبارة تقول: “الشمندل يملأ الاناء، علما بأنه ليس فى الإناء بل خارجه زد أن الشمندل كلمة لا تعنى شيئا”.
محمد: مالا يتأثر بأحداث الزمان هو معزول عنه، والقانون لا يتأثر بأحداث الزمان، فسواء تحققت فاعلية القانون على جزئيات الطبيعة، أو لم تجد هذه الجزئيات التى تتيح له التحقق وممارسة الفاعلية، فهو موجود كامكانية تحقق بكيفية معينة لزوما، معزولة عن التحقق الفعلي.
لو فنى العالم لبقى قانون الجاذبية (إذا صح بصورته الحالية، أو القانون الصحيح فعلا)، رغم عدم فاعليته فإذا أعيد خلق العالم بنفس الماهيات الطبيعية الذرية، عادت للقانون فاعليته (وأن لم تعد صيغته، فهى لا تذهب أو تعود). فليس لهذا القانون – أو غيره – بداية أو نهاية أو تعديل، وحيث لا بداية ولا نهاية ولا تغير، فلا زمان.
وبقياس بسيط تستطيع أن تفهم كيف أن الغاية معزولة عن الزمان، أما تغلغلها فى الكون، فليس الكون سائر إلا بقانون، رغم أن القانون معزول عن الزمان والمكان.
د. عادل: وفى الخاتمة تقول: “الزمان هو إحساس الكائنات بتتالى الأحداث، إذن يفصلنا عن اللازمان حاجز اللا إحساس”. وهى أيضا صياغة تربك كل نظام عقلى تجريبى اصطلح على إستخدام الألفاظ بطريقة محسوبة لا يتجاوزها دون أن يترك خبرا. فالمنطق يقول إذا كان س هو ص فإن لا س هو لا ص وأنت حين تعرف الزمان بأنه إحساسنا بتتالى الأحداث يصبح اللازمان هو لا إحساسنا بتتالى الإحساس. بذلك لا تعدو عبارتك أن تقول: “فيفصلنا إذن عن عدم إحساسنا بتتالى الأحداث عدم إحساسننا بتتالى الأحداث” وهى كما ترى عبارة لا تقول شيئا. فما بالك وأنت تشركها مع سابقتيها لتستدل من ثلاثتها أن الكون إذن ربما كان ساعيا إلى أن يتخلق ويكشف عن شيء ربما كان “طاقة” الفيزيائيين أو “نور” المتصوفة.
فإستدلالك يريد – بمجرد إستخدام الألفاظ إستخداما معينا – أن يأتينا بنبأ عن الوجود الذى لا يتحدث لغتنا المحلية ولا يخضع لتفكير لفظى يستنبط التركيبى من التحليلى ويولد الأنطولوجيا من رموز بشرية. وعبثا يريد الوجود فى فلك الرمز، والصواب أن يدور الرمز فى فلك الوجود.
محمد: وأنا ما سقت هذه العبارة لتقول شيئا هكذا بذاتها، ولكنها كانت (كما أدركت والحمد لله) مع سابقتيها لقول تال، ومع ذلك فقد قالت فيما بعد ما تقاعست أنت عن إدراكه.
وليراجع معنا القاريء ما كان منى وما كان منك: (من ص 45 من الهوام):
1 – فالأسباب والجزئيات (الكائنات) كلها تخضع للزمان والمكان .
2 – الغاية تشمل الكون وتتغلغل فيه، رغم أنها لا تخضع للزمان أو المكان .
3 – الزمان هو إحساس الكائنات بتتالى الأحداث، فيفصلنا إذن عن اللا زمان (والغاية عنده) حاجز اللا إحساس .
إذن: ألا يمكن أن يكون الكون ساعيا إلى تحقيق ديالكتيك (الإحساس – اللا إحساس) ليصل إلى الوعى بذاته”. (إنتهى المقتطف والرد”!؟”) .
د . عادل: وفى إحدى الحواشى تصف نظرتنا الرافضة الغائية بأنها “متبسطة، محمسة، متحمسة، . وهى محمولات سيكولوجية كثيرا ما يتقاذفها المتحاورون ككرة التنس، ظنا منهم أن لها ثقلا معياريا منطقيا.
وقد راجعت محكات صدق القضايا فلم أجد بينها معيارا يقول أن القضية الصائبة أو الصادقة يجب أن تكون معقدة أو صعبة ولا معيار يقول أن السهولة أو الصعوبة لها علاقة بصدق القضايا. وكثير ما أسمع محاورا يكتفى لتنفيذ رأى أخيه بأن يرميه بالإستسهال أو بالمنطقة أو التعقيل. . إلى آخر هذه الآليات السيكلوجية .
غير أن الإعتبارات السيكلوجية كلها خارجة عن الموضوع من الوجهة المنطقية Logiclly irrelevant وليس هناك معيار للصدق يقول أن الرأى النابع من الهوى الشخصى هو رأى خاطيء بالضرورة .
إن المنشأ genesis السيكلوجى للفكرة لا يعيبها بوصفها فكرة، وما أن تبدأ الفكرة فى الوجود حتى تتفصل عن منشئها ولا تعود تنجرح بإنجراحه. ولم يكن هذا ليغيب عن بال المناطقة المعاصرين، فجعلوا ضرب الفكرة عن طريق ضرب منشئتها مغالطة أسموها مغالطة المنشأ genetic fallacy كما جعلوا انتقاذ الفكرة عن طريق التعرض لشخص صاحبها (سلوكه، نموه، آلياته، أهوائه، مهاربه . . الخ) مغالطة أسموها “توجيه الحجة إلى الشخص” أو “الحجة – الشخصية” أو “أروجومنتم أد هومينم” باللاتينية Argumentum ad Homonym
هذه ملاحظة منهجية كان يجب أن أدونها لعلمى أن الإعتبارات السيكولوجية تتسرب – عند الكثيرين – إلى معاييرهم المنطقية الموضوعية فتفسدها.
محمد: يقول الهامش المغضوب عليه: (ص 39):
- بنظرة متبسطة محمسة متحمسة، يرفض د .السماحى ود . مصطفى و د . إبراهيم أبو عوف القول بالغائية، فى حين يدافع عنها الرخاوى . . الخ.
و أولا: عذا، فلم يكن هذا الذى فهمت قصدى، وأعتذر لأن صياغتى فعلا لم تكن بمانعة لفهمك لها، فما قصدته بالوصف الباديء للجملة كان شخصى أنا، أى أنى أود أن أقول: “أنى إذا نظرت وقسمت الفرق بنظرة متبسطة محمسة ومتحمسة فسأجد السماحى . الخ” فعذرا .
ثانيا: حتى لو كان ما وصلك هو ما عنيت، فهل يعنى هذا أننى بهذه المحمولات أهاجم الفكرة عن طريق مهاجمة أصحابها ؟؟ هل أنا قلت هذا لتحاسبنى عليه؟؛
ثالثا: هل هذه قضية تطرح للحوار؟؟ حتى لو هى ملاحظة منهجية، فهل مكانها حوار منشور على صفحات مجلة، أم مكانها هامش عابر أتكلم منه مستقبلا أؤ أرد عليه شاكر؟؟ أم هى معلومات سعد صاحبها بإستيعابها فأفتخر بإستعادتها علنا؟؟ ما لقضيتنا وما لكل هذا؟؟ ضاعت “الغائية فى مقابل اللا غائية السببية” وسط اعتراضات على ألفاظ ودروس فى المنطق، وتعليقات على جزئيات مستأصلة عنوة وبطريقة لم أشعر منها بإحترام للموضوع الأصلى الذى شاه وضاع وسط خضم من التباهيات التى خيل إلى أنها لا تتعدى كونها قفشات أشبه ماتكون بالهزر المصرى المسمى بالقافية، وياليتها كانت كذلك، إذا لما صاحبتها كل ذلك المحاضرات.
[1] – المقصود ومحور الحوار هو مقال “هوامش حوارية حول التطور والغائية” بقلم محمد يحى المنشور فى عدد أبريل من المجلة لسنة 1983 المجلد الرابع 14 ص 36 – 45.