- المقدمة والخطبة الاستهلالية
- الفصل الأول: أسمار
- الفصل الثانى: حـوار
- الفصل الثالث: أفكـار
- الخاتمـة
أسمار.. و.. أفكار
حـول
قصر العينى
(عن الديمقراطية والتربية والعلم والإدارة)
الإهـــــداء
إلى الأستاذ الدكتور هاشم فؤاد:
الذى فعل بمعهدنا ما فاق كل حساب
والأستاذ الدكتور حيدر غالب:
الذى يأمل أن يؤكد ويعدل ويزيد
وكل أستاذ دكتور “يمسه الأر”:
ممن هو مثل أى منهما، أو غيرهما
وكل أستاذ دكتور سوف “يهمه الأمر”
[حتى لو لم يمسه الأمر]
أهدى هذه “الأسمار” للتسلية
وهذه “الأفكار” للنظر
يحيى الرخاوى
الخطبة الإستهلالية
حكاية الحكاية
الرمز… والمسألة
عميدنا العزيز، و.. عزيزنا العميد
منذ ولى أمر كليتنا العريقة هذا العزيز العميد.. والدنيا ‘تضرب تقلب’، وقد تخوفت من ولايته بقدر ما أملت فيها – وأرسلت له بعد أيام من انتخابه ما يفيد ذلك، فهو قبل العمادة كان يبدو أنه لا يصلح للعمادة، وهو بعد العمادة بدا وكأنه لا يصلح الا لها، وقد أثبت بذلك ابتداء أن على الواحد أن يجرب ما ‘ليس كذلك’ لعله يثبت فعلا أنه كذلك أو أنه ذلك نفسه، فله منى الشكر والدعوات بطول العمر ووفرة الإبداع وتلاحق المفاجأت السعيدة رغم المفرقعات غير ذلك، وكل هذه الصفات وغيرها هى التى شجعتنى على كتابة هذا الرأى الذى طال منى حتى أصبح كتابا.
أما الزميل الأستاذ الدكتور حيدر غالب فقد أعلمنى ما شرفنا به من استعداده للتقدم لتحمل المسئولية بعد أن استوعب ايجابيات عميدنا العزيز، وبدا أنه يريد أن يحافظ عليها ويضيف إليها وأن عنده من البدائل ما يشجع على ذلك، فقويت عندى الرغبة فى أن أسجل رأيى كتابة لهما معا ولنا جميعا لعلى أساهم بذلك فى تعميق جدية الانتخاب القادم.
ونحن – فى الجامعة – ليس عندنا فى قانون انتخاب العماده شيء اسمه الترشيح، إلا أن العرف جرى على أن من يجد فى نفسه الكفاءة والقدرة على التصدى لهذه المسئولية يخطر زملاءه بطريقة أدبية رقيقة مكتوبة، أو غير ذلك، بأنه ينوى – بعون الله – أن يدفع ضريبتها، ومن يتخل عن التصدى للقيادة متصورا أنه يتواضع ويعزف فسوف يعاقب – كما قال أفلاطون – بأن يقودة من هو أقل كفاءة منه (حسب تصورات كل عن نفسه)، ولكن الذى لم تجر به العادة أن ناخبا – مثلى – يتصدى لمن ينتخبه يسامره ويسامر زملاءه بهذه الصورة غير المألوفة وبهذا التفصيل المثير للظنون، ولكننى لم أتردد أن أفعل آملا فى عدة أهداف:
أولا: أن أوصل لعميدنا الحالى شكرى على كلى شيء، ما اتفقنا عليه وما اختلفنا حوله.
ثانيا: أن أبلغ عميدنا القادم – أيا كان، ولعله هو هو السابق – إصرارى على استمرار الحوار والحفاظ على الأمل.
ثالثا: أن أقضى وقتا مع من سيقرؤنى – مسامرا أو مفكرا – من زملائى أكسر من خلاله ‘وحدتي’ التى فرضتها على ‘طبيعتي’، ذلك أن عجزى عن الفرحة بالأحضان والقبلات وتبادل النكات المهذبة وغير ذلك قد حال دونى ودونهم فعذرا.. وهذا أنا.
رابعا: أن أحدث نفسى عن معانى تتعلق بمعهدى ووطنى أتمنى أن أؤكدها لنفسى عن طريق التسجيل بالكلمة المكتوبة والحوار المشارك.
لذلك يا عميدنا العزيز الحالى هذا كتاب ليس شخصيا أصلا لا يتعلق بذاتك ولا بذاتى، ويا عزيزنا العميد القادم (أيا كنت) أرجو أن تجد فى بعض ما حاولته بعض ما يعنيك.
العنوان والآفة الأسرية:
أما العنوان فقد استعرت نصفه الأول ‘أسمار، من كتاب أستاذى الفاضل محمود محمد شاكر المعنون ‘أباطيل وأسمار’ (وهو كتاب يحاور فيه د. لويس عوض بقسوة فكهه) وكان قد استعار العنوان بدوره من أبى العلاء المعرى[1]، أما الأفكار فهى محاولة أن أجعل من هذه الأسمار تمهيدا لعرض بديل جاد مسئول، وقد ضحكت من نفسى وأنا أدبج هذا الكتاب متذكرا المذكرة التى أرسلها أ.د. محمد توفيق الرخاوى وهو يعمل معى بنفس المعهد تحت نفس الرئاسة (وهو شقيقي!!) ومتذكرا قبل ذلك كتابا كتبه والدنا فى مثل سننا تحت عنوان ‘رأى ونقد فى تدريس اللغة العربية وتفتيشها’ فعل فيه ما نفعله أنا وشقيقى الآن، ‘شيء ما فى العائلة يحتاج إلى النظر’…. أليس كذلك؟
الطريقة… والحوار:
وقد أخذت أقلب فى سيل المذكرات التى كتبتها لعميدنا، وعن عميدنا وبسبب عميدنا فى فترة عمادته، وتصورت أن الأمانة تقتضى منى أن أنشرها مسلسلة تاريخيا، وأن أشهد من خلالها لعميدنا بما يستحق وأختلف معه حول ما ينبغى.. الخ، ولكنى عدت فقدرت أن وقت زملائى لن يتسع لكل هذه التفاصيل فعدلت تماما اللهم إلا من استشهاد هنا واشارة هناك حتى يكون الحديث عن المستقبل أولى وأهم، حتى أنى عدلت عن أن أجعل هذه المذكرات ملحقا لهذا الكتيب، لأنها كانت ستبلغ حجما أكبر بكثير من أصل الكتاب وعلى من يريد الاطلاع عليها أن يطلب منها ما شاء لما شاء !! الا أنى خصصت فصلا بأكمله ‘لثلاث مذكرات’ دارت حول العميد وليس معه، وقدرت أن إثارة هذا الحوار وتسجيله دون مواجهة مباشرة مع العميد هو خير وسيلة للدخول إلى حوار مختصر معه أناقش فيه خطوطا عامة مستهديا بخطابه إلينا عن منجزاته، ثم أنتقل إلى البدائل المقترحة، فأى نقد بديل هو محاولة ناقصة، هكذا اتفقت مع نفسى.. ومعه، وهكذا تعودنا أن نتحاول مدة عمادته.
المسألة والنموذج:
لكن تساؤلات لابد أن تقفز إلى ذهن القاريء بعد كل هذا أو قبل كل هذا تقول: وهل يستأهل قصر العينى وعميده وأساتذته أن يكتب فيه بهذا الشكل المسهب وكأنه هو المشكلة؟ أليس الأولى أن نوفر مثل هذا الجهد والحوار لمشاكل أعم فائدة وأجدى عائدا؟ ما القصر العينى الا مستشفى وكليه له ما لأى مستشفى وكليه من عيوب ومزايا، سينصلح مثل أى مستشفى وكلية، حين ينصلح الحال الأكبر فى المجتمع الأكبر!
وكل هذه التساؤلات منطقية وتدعو إلى اجابات ترحمنى من مواصلة الكتابة وخاصة اذا أضفت إليها ما أتصوره من نصائح بعض الزملاء من أهل الحكمة من بينها: ‘يا عم كبر عقلك’ ‘يا سيدى لا فائدة’ (كان غيرك أشطر’ ‘انت فاضى أم ماذا؟’ ‘ماذا تريد بالضبط؟’ ‘هاتها مباشرة وكفى لفا ودورانا’ إلى آخر مثل هذه الحكم والشكوك والنصائح والفصاحة، فاذا أضفت أخيرا تخيلاتى حول استقبال زملائى لما سيقرأون مما كتبت، وهم يسخرون، وهم لا يكملون القراءة، وهم يطلقون نكتة ظريفة، وأخرى سخيفة، وخاصة حين يرجعون الأمر إلى ‘آفة العائلة’ السالفة الذكر.. لو فعلت كل ذلك بوعى كاف وبعد نظر وحكمة متأنية لقصفت القلم وذهبت ألعب عشرة ‘طاولة’ أو أدعو بعضا منهم على العشاء لعلهم يذكروننى حين أحتاج أن يذكرونى.. الخ. لكنى رفضت كل هذه الإغراءات، وتحملت – مسبقا – كل هذه الاحتمالات والتعليقات، وتذكرت عميدنا العزيز وأنا أرسل له المذكرة تلو المذكرة فاذا قابلنى قلت له ‘خل عنك فهى مسائل صغيرة وعندك أكبر منها مما يستحق وقتك أكثر’ فكان يصر على متابعتى مؤكدا أن القضايا المبدئية يتساوى فيها الصغير والكبير، فأعجب له وأعجب منه أعجب به، ولا أكاد أصدقه لولا تكرار ذلك (وتكرار اصرارى على عدم شغله بمسائل قسمنا بوجه خاص) – فيتأكد لى أن قصر العينى له – عندنا – دلاله أكبر من كونه مستشفى وكلية، ويلقى فى وجهى من واقع هذه الرؤية تحديات تتعلق بمشاكل وطنى عامة، ومشاكل مبدئية خطيرة وهامة مثل معنى الانتخاب ومعنى الديمقراطية وإمكانية التغيير… وغير ذلك.
وللقصر العينى تاريخ خاص كرمز ومعنى فى هذا البلد.
قيل … وكيف كان ذلك؟
أولا: قالوا: زعموا أن الرئيس جمال عبد الناصر – رحمه الله – (أو بالتعبير الساداتى المنوفى ذى الدلالة: ‘الله يرحمه’) أمم القنال، ثم قال فيما بعد ذلك ‘أنهم’ نجحوا فى تأميم القنال وفشلوا فى إصلاح حال “قصر العينى”، فصارت مثلا،
قيل: ثم زعموا أن نقيب الاطباء أ.د. رشوان فهمى – رحمه الله من قبل ومن بعد – حضر حفلا فى قصر العينى وقال ما معناه أن هذا القول قول يحتاج للمناقشة لأن المسألة مسألة امكانيات ولو ذهب رجال قصر العينى لإدارة القناة بإمكانياتها الحالة لإزدهرت أكثر بكثير ولو أتى رجال القناة …. الخ. (يعنى العكس صحيح)،
قيل وزعموا أن أ.د. عثمان وهبة صفق جدا لهذا القول فى لحظة اقتناع وانبساط معا (وكان المفروض أن يصفق فقط.. لا يصفق جدا)،
قيل.. فقامت القيامة (أى والله) وأبعد هذا عن النقابة وهذا عن قصر العيني، وأصبحت حكاية قصر العينى مثلا لمناقشة معانى الديمقراطية والذاتية والشمولية والبيروقراطية فالقصر العينى ليس هو – اذا – قصر العينى وإنما هو رمز لشيء آخر أكبر وأخطر.
وهذا ما أحاول تناوله هنا
ثانيا: قال لى الزميل أ.د. حيدر غالب فى اللقاء الذى أبلغنى فيه ما أبلغنى أن قصر العينى يحوى أكبر تجمع للعقول المستنيرة.. الخ، فقلت لنفسى اذا فيكون ما يجرى فى قصر العينى هو نموذج لما يمكن أن يجرى فى أى مكان آخر فى مصر، فقلت لنفسى إذا فنحن اذا نجحنا ان تكون الانتخابات موضوعية (ليست أخصائية ولا شلليه) أى إذا نجحنا أن نحترم أصواتنا الانتخابية، ومراجعاتنا النقدية للعمادة السابقة، وشروطنا الملزمة للعمادة القادمة، فاننا نكون قد أكدنا معنى الرمز ومعنى القدوة لقيمة الديمقراطية، ولنا بعد ذلك أن نأمل فى حسن استعمال هذه القيمة فى تجمعات أقل تميزا وأكثر أمية وأحوج مطالبا …. الخ.
فالقصر العينى ‘هكذا’ يصبح نموذجا متحديا لنا جميعا، من خلاله تتأكد أو تنفى قيم بأكملها.
ثالثا: قيل أن هذا القلم يساهم بين الحين والاخر فى مشكلة ثقافية عامة، أو مشكلة سياسية خارجية أو داخلية، ويقول ويفتى وينصح ويرشد، أليس من المنطق السليم أن ‘ما يحتاجه بيتك يحرم على الجامع’، أو بمعنى آخر ألا يمكن أن يكون قصر العينى هو النموذج الذى نمارس فيه ما يسمى بالديمقراطية وما اليها وما يترتب عليها وخاصة وأن الانتخاب هو الطريق الذى تأتى به قيادته؟ وقد بلغ هذا التصور أن أواجه تحديا يقول: اذا لم تنجح الانتخابات فى القصر العينى – بغض النظر عن نتائجها- أن تعدل من حاله المائل فان تنجح فى أى مكان تحت أى ظروف، وما هى الا خدعة نوهم بها بعضنا البعض أن ثمة حرية وأن ثمة رأيا وأن ثمة انتخابا.
معنى الانتخاب ومعنى الأغلبية وضرورة التغيير:
ما دام هناك انتخاب، وما دامت هناك آراء تؤخد بالأغلبية فان كل اصلاح يرجع إلى مسئولية الناخب، وكل أخطاء ناتجة لابد أن يتحمل تبعتها الناخب لا محالة، والحقيقة أنى أشارك فى بلدى ومعهدى بقدر حقى فى أن أختار من ينوب عنى أو يتولى مسئولية قيادتي، وقد كان من أصعب الأمور على ناخب حر يعمل عقله فى الصغيرة قبل الكبيرة أن ‘يتقرطس’ فى عمليات الانتخاب فيما يسمى عملية تحصيل الحاصل، وقد بلغت قمة هذه الاستهانة فيما يقال له ‘الاستفتاء’، حيث كم ذهبنا نستفتى فى أمور لا يجوز أن تطرح أصلا لصيغة ‘نعم’ ‘لا’، وكأنى بالمستفتى يستهين بعقولنا حين يكاد يسأل ‘الباب الذى يأتى لك منه الريح.. هل تقفله وتستريح’ الاجابة ‘نعم’ / ‘لا’ وبديهى أن الأمر ليس فيه ‘نعم أو ‘لا’، لأنه لو كان هو الباب الوحيد فى حجرة بلا باب ولا شباك آخر فسوف تكون الراحة أبدية والعياذ بالله..الخ الخ، وقد أوردت هذا الاستطراد لأعتذر نيابة عمن يتصور أنه ليس له دور حقيقى فى أى انتخاب أو أن صوته لن يقدم ولن يؤخر لأن المسألة مطبوخة أو أن المدير الأكبر ‘عايز كده’ أو أن الرئيس قادم قادم، أو أنه ليس بعد الرئيس سوى نائب الرئيس، أعتذر عنهم لرسوخ مبدأ الاستهانة بعملية الانتخاب من كثرة الاستفتاءات ولا أقبل منطقهم فى نفس الوقت، فالأمل الوحيد فى كليتنا – ووطننا – أن يكون هناك رأى بالأغلبية ورأى للأقلية، وأن يتابع التنفيذ حسب رأى الأغلبية فان لم يحقق أغراضه تذكرنا رأى الأقلية وقد نعود إليه.
وحين سأعرض الاقتراحات الواردة فى هذا الكتاب سوف أرجع إلى هذه القضية بالتفصيل، المهم الآن هو أن القصر العينى – بالنسبة لى ولهذا الكتاب – هو مجرد نموذج يحاول أن يحقق فرضا يقول:
هل للديقراطية معنى وجدوى حقيقيان فى ادارة الأمور؟
فاذا كان عميدنا العزيز قد أخطأ أكثر مما أصاب فهل نتحمل مسئولية تغييره حرصا على فضل صوابه، وتجنبا لمزيد من أخطائه، وان كان عزيزنا العميد قد أصاب أكبر مما أخطأ فهل يكون فى تجديد انتخابنا له بنسبة محدودة ما ينبهه إلى أن عليه أن يضاعف من صوابه على حساب خطئه اكمالا لرسالته؟ وهكذا.
بل أكثر من ذلك، فان العميد ليس له سلطة مطلقة فما هو – على حد قول الزميل أ.د. السعيد الرازقى للزميل أ.د. حيدر غالب – الا منفذ لآراء مجلس الكلية، فاذا كان مجلس الكلية أعجز من أن يوقف الخطأ وينمى الصواب، فالديمقراطية فى محنة لا محالة.
اذا فالمسئولية – فى النظام الديمقراطى – دائما مشتركة، والعاقبة ليست دائما فى المسرات.
فالقصر العينى يثير قضية، وانتخابات العمادة ما هى الا مسألة من المسائل، أما جوهر القضية فهو الديمقراطية وكيفية تسخيرها فى الإصلاح والإدارة والعلم والتعلم والتنمية والحضارة.
[1] – هل صح قول من الحاكى فنقبله أم كل ذاك أباطيل وأسمار.
الفصل الأول
أسمــار
العناصر:
معنى المدرسة- الرسالة والرسول – المفاجأة السعيدة واللاتهنئة – السلام والتحدى والمشكلة الشخصية – اللهم اجعله خيرا – الطيبة الادارية – الطريق والتطبيق – الدنيا بخير بالاجماع – المؤتمر العلمى والنقد المرعب – بشائر الخير ورأى الأقلية – الناس “اللي” تحت – حرية الصحافة الحضور والغياب – الجماعات الدينية وشجاعة العميد – سهولة التوقيع وتلاحق التوقيعات.
-1-
معنى “المدرسة”:
قابلنى الزميل أ.د. هاشم فؤاد (لم يكن عميدا بعد) أثناء “مراقبتنا” امتحان الماجستير وقال لى “أنا عايزك”، ولم يكن “يعوزني” قبل ذلك، فقلت خيرا، وقال لى كلاما متحمسا لم آخذه مأخذ الجد، كان أهم ما فيه أن كليتنا افتقدت إلى ” معنى المدرسة” (قالها هكذا: سكولا ورجحت أنها Schola ولم أفهم بأى لغة كانت).. ووافقته على ذلك، وان استبعدت (لقصور معرفتى به حينذاك) قدرته على اصلاح هذا الحال المائل أكثر من برج بيزا وأخطر من برج الزمالك،.. ولم أفهم أكثر من ذلك، وعرفت بعد ذلك من محاولته الانتخابية الأولى أن يرى فى نفسه من القدرات ما يجعله يأمل فى تحقيق بعض الاصلاح.
حاول سيادته فى “أول جولة” ولم يوفق
ولكنه لم ييأس (كما تبين بعد)
-2-
الرسالة.. والرسول
بعد ذلك أرسل لى سيادته – مثلما أرسل لغيرى – ظرفا به أفكار قوية تحت عنوان “رسالة”، وكانت الأفكار تدور حول حال معهدنا وامكانية التغيير، وان هذه رساتله التى ينوى القيام بها، وساورتنى بعض الظنون، لأن صاحب “الرسالة” عادة ما يكون “رسولا”، وقلت لنفسى “يا ولد: الحكاية اتسعت فانتبه” ولم أنتبه، ولم أمنع نفسى من تصديقه جزئيا، والأمل فيه بدرجة أقل حسب معلوماتى السطحية السابقة عنه، من يدرى؟
-3-
المفاجأة السعيدة.. واللا تهنئة:
ونجح هذا الزميل “فجأة”، واعتقدت أن جزءا من نجاحه جاء نتيجة المصادفة السعيدة، فالانتخابات عامة والانتخابات عندنا خاصة لها حسابات خاصة، وقد تصورت – ربما خطأ – أن عددا منا انتخبه لأنه “.. من ثلته” وآخرون انتخبوه على أساس ” يجوز …!” ، وآخرون من مبدأ “… ولم لا؟” وآخرون“… والله فكره!!” وآخرون “… كفانا ما تعودنا”..فاذا تجمعت عدد هذه الأصوات بعضها إلى بعض حدثت المفاجأة السعيدة،
وفى خلال أيام من توليه كان هذا القلم يرسل له “البلاغ الأول” كان ذلك فى 6 أكتور 1979، وكان من بعض ما جاء فى هذه المذكرة (البلاغ):
”قبل أن تنسى أو ننسى، أو تهمد أو نيأس..
”لقد سعدت بنجاحك علم الله، لا لشخصك ولا لشخصى، ولكن أملا فى التغيير، فأى مشاهد عابر يمكن أن يدرك أنك غير أسلافك الكرام الأفاضل الذين منحوا هذا المعهد الاخلاص والجهد بقدر ما أتاحت لهم رؤيتهم وتكوينهم… فلهم الشكر والتقدير، ولكنك غيرهم بشكل ما، وبالتالى جاءت فرحتى من أحياء الأمل فى ألا تكون العمادة انشغالا فى “التوقيعات” و “التحويلات” حتى لو تصورها البعض أنها ستكون افراطا فى “الأحضان” والمجاملات… لا يا سيدى فالأمل قائم لا محالة، ولن يقتله إلا الفشل من واقع اختبار الزمن، وليس من حق أحد أن يسبق الأحداث.
ثانيا: لم أحضر – ولن أحضر لتهنئتك، لأن الأمر لا يحتاج إلى تهنئة فهى مسئولية وامتحان …..
إلى أن قلت:
فأنت لست بحاجة إلى أن أذكرك أن معركة السلام الحالية تستلزم مضاعفة الجهد اذ قبلنا التحدى، كما أن نجاحنا أو فشلنا هو علامة خطيرة على مسيرتنا، لأن معهدنا بالذات له ما يبرر الفخر به والاصرار على جعله النموذج الناجح لعناد ” المصرى” واصراره.
والله يحفظ مصر، ويحفظك من نفسك و.. ومنا.
وحضر سيادة العميد – شخصيا – الى العيادة الخارجية (وهذا حدث جديد فى ذاته) حيث قابلنى صدفة – أو قصدا – وسألنى عما أريد بهذه المذكرة، وما معناها وقلت له أنى لا أريد شيئا الا ما جاء بها فأخذه الحماس الصادق وقال لى أنه يحب هذا المعهد حبا شديدا، فقلت له “.. ومن سمعك” قواك الله
وقد أثبتت الأيام صدق ما قال، كما أثبتت أنه لم يهمد ولم ينس، وبالتالى لم يسمح لنا أن ننسى أو نيأس.
وكنت قد ذكرت أنى حررت هذه المذكرة من خمس نسخ احداها “للتاريخ”، وأخرى “للعميد القادم”، وهذا هو التاريخ يحسن الحفاظ عليها، وهى ما زالت تنتظر العميد القادم (بما فى ذلك أنه هو هو… فهو قادم حتى لو كان هو هو).
- 4 -
اللهم اجعله خيراً:
هجم سيادة العميد الجديد على النظام واللوائح والوكلاء والموظفين هجمة هاشمية فبدل وغير، وأصلح ودمر، وصاح وأنعش، وضحك وأضحك، وبكى وأبكي، طيبا مخلصا هائجا سادرا غائرا طالعا نازلا، وفرحت به، وخفت عليه، ودعوت له وتوجست منه، وقلت “اللهم اجعله خيرا” – من يدرى؟
- 5 -
السلام.. والتحدى.. والمشكلة الشخصية:
بادرت – مقتديا به – إلى محاولة إعادة النظر فيما يجرى بقسمنا المتواضع (قسم الأمراض النفسية)، وهو قسم مفترى عليه، لا يقدم ولا يؤخر، يدرس ولا يمتحن، يقدره الجميع مع وقف التنفيذ، تحييه التخصصات الأخرى من بعيد، ويضحكون منه فى السر، وبرغم كل ذلك فأنا أعتبره النموذج الأصغر لكليتنا، كما أن كليتنا هى النموذج الأصغر لمصر، فقلت لنفسى: كيف أساعد هذا العميد “الواعد” فى صمت وأعينه على اخلاصه وحماسه؟، لا سبيل الا أن أقوم فى قسمى ([1]) بمحاولة متواضعة تساير هذه الفورة النشطة، وكتبت فى قسمنا “اقتراحات ومذكرات وبرامج وفروض، وكنت قبل هذه العمادة الجديدة بخمسة شهور قد بدأت التأكيد فى قسمنا على ضرورة التغيير بعد تحدى السلام المروع كتبت:
”….. بمناسبة عقد اتفاقية السلام وما القته على كل واحد منا.. كل على حده.. من مسئوليات مضاعفة، كل فى موقعه…. (ثم قلت ما أقترح وأنهيت الكلام بأن النظر فى كل ذلك أصبح حتما لا يحتمل الابطاء).. وخاصة بعد أن ألقى فى وجهنا القفاز بهذه المعاهدة الواقعية الرائعة المتحدية: أما أن نعيش، أو…”
وقد اقتطفت هذه الفقرات لأشرح مشكلتى المتحدية دائما التى تربط بين الخاص والعام – قبل العمادة النشطة وبعدها – حيث أتصور – حقا أو خطأ – أن كل تهاون أو تقصير أو سلبية (على اعتبار أن “.. كله كده”) هو هزيمة فى معركة مع هذا العدو العنيد، وما زالت مرارة الهزيمة العسكرية تسرى فى دمى، ولا داعى لهزائم السلام الأخفى من خلال أى استسهال أو صمت، كان هذا تصورى.. ولعله مبالغ فيه، ولعله تبريرا، ولعله تضخيم لصعوبة شخصية، ولكن كيف لى أن أدرى؟
- 6 –
الطيبة الادارية… “وماذا بي”؟
تصورت وكتبت وفصلت واقترحت بالنسبة لطلبة البكالوريوس، والدراسات العليا، والدكتوراه، والرسائل، وطبيعة اتخاذ القرار، وضرورة الالتزام باللقاء، وطريقة تبادل الآراء، وكالعادة: وافقنى جميع الزملاء والرؤساء شفهيا وأنه لا يوجد أى أشكال، “وانت شاغل نفسك ليه..؟” وحاولت أن أقول لهم أن العميد تغير، وأنه جاد فى التغيير، وأننا نساعده بأن نغير بيتنا من الداخل دون شغله فيكفيه ما فيه، وقالوا بأمانه وطيبة أن “… حاضر”، وكانوا يبتسمون فى دعة وطمأنينة وطيبة ولا أقول فى سخرية، ومن فرط هذه الطيبة خجلت من نفسى وتصورت أن بى شيئا، وأن كل شيء تمام والحمد لله.. وأنى أنا الذى “لا أعرف”، المهم اقترحت عدة اقتراحات بعد ثلاثة أيام من مذكرتى للعميد الجديد (أى فى 9 / 10 / 1979) وأورد هنا أمثلة منها لما هو عام – دون التفصيل – :
1 – ينبغى أن تحدد مستويات لصنع القرار، فهناك قرارات يمكن أن يتخذها رئيس الوحدة بالتفويض ولمرحلة محدودة يمكن أن تتجدد، وهناك قرارات يلزم فيها أغلبية من الأساتذة، وأخرى تستدعى حضور كل هيئة التدريس بما فى ذلك المدرسين المساعدين …. الخ.
2 – ينبغى الفصل بين نشاط القسم الخاص بالتدريس والعلاج والبحث العلمى، وبين سائر النشاطات (الأخرى.. مكانا وزمانا… الخ).
3 – ينبغى أن يكون ما نتخذه من قرارات ملزما للجميع.. وأنى واثق أن الزملاء (الأصغر) ما قصروا إلا للافتقار إلى نظام شامل ومقنع للجميع… الخ.
وقالوا لى مثلما قالوا من قبل بنفس الطيبة والحنو ما معناه: هذه كلها بديهيات وهى تسير فعلا كما تقول: “فماذا بك؟”.
نعم ماذا بى؟.
ومع ذلك أرسلت لسيادة العميد نسخة من هذه المحاولة أكدت فيها أنها لسيادته “للعلم.. وليس لاتخاذ اللازم لأننا سنحاول اتخاذه فتتفرغون لما هو أهم وأشمل”.
وهكذا انتهت حكاية “العلم واتخاذ اللازم”.
واعتبرت تهنئتى للعميد هى فى صدقى فى هذه المحاولة: اتخاذ اللازم. شخصيا أولا.. ولكن
- 7 -
الطريق.. والتطبيق:
قلت مادام “كله تمام” فلنبدأ، واجتمعنا (الأساتذة فى وحدتنا)، وعند مناقشة بعض التفاصيل اختلفنا، وقلت الحمد لله هذه هى الصحة الديمقراطية، ورأيت أن هذا أمر بديهى فى دولة المؤسسات مادمنا ملتزمين باللائحة وأحكام الدستور، ولكن يبدو أنى لم أفهم بالدرجة الكافية معنى “الأغلبية”، ولما وصل الخلاف لدرجة عجزنا معها على الوصول الى قرار، قلت أستشير العميد بطريقة الاستفتاء “نعم”، “لا” أو( الــــــ M.C.Q.اشمعنى أنا؟) وكتبت له تصورى على طريقة اتخاذ القرار فى وحدتنا كما أتصورها ومنها:
1 -…. تناقش كل أمور القسم فيما لا يخالف اللائحة.
2 -…. تكون الموافقة بالأغلبية…. وللأقلية أن ترفع رأيها مسببا الى العميد ومجلس الكلية ومجلس القسم والجامعة… الخ.
3 – تكون الاقتراحات والاختلافات مكتوبة… ومسببة… الخ.
وأنهيت طلبى من العميد حرصا على وقته أن يجيب على ما اقترحت ان كان صوابا أم خطأ بـــــــ “نعم”.. “لا”، دون أن يشغل وقته بغير ذلك، ولكنى أضفت:
”…. وفى حالة الاجابة بالنفى أرجو أن تفيدونى
عن كيفية صنع القرار“.
وهكذا…
ورغم كل التأكيدات السابقة أنى الملوم لأن “كله تمام” فلم أستطع أن أساعد عميدنا المتحمس الجديد، لأنى لم أستطع أن أعرف كيفية أتخاذ القرار ([2]) حقيقة وفعلا.
وخشيت أن يتصور العميد أن هناك خلافا شخصيا، وفى معهدنا – وربما فى بلدنا – كلما اختلفنا حول رأى جاء أولاد الحلال (وعميدنا ابن حلال مصفي) وحاولوا الصلح، لأن الصلح خير، والذى يحاول الصلح لابد أن يفترض خصاما مسبقا، وهذه الحساسية ضد أى اختلاف فى الرأى قد ترجع أساسا “لقلة الديمقراطية” أو “لطيبة القلب المصرى” أو لكليهما معا (أو لأسباب “أخري”.. تذكر..) كذلك هناك عيب خطير فى تعاملاتنا الديمقراطية وهى أننا نتصور أن الكلمة “الشفهية” ليست مسئولة مسئولية الكلمة “المكتوبة”، وهذا عيب أخلاقي، وخطر “مناقشاتي”، لأنك عادة اذا ما راجعت قائل الكلمة نسى نصها أو أغفل بعضها، وله الحق، فالذاكرة ليست دفترا، فاذا طلب منه “كتابة رأيه” أو “أسباب رفضه” لم يفعل، ألم يقله؟ وأحتار وأتصور نفسى بما لا أحب أن أكون.
ولهذا وذاك أنهيت مذكرة الــــــ M.C.Q. الى العميد بثلاث ملاحظات:
1 – لا يوجد أى داع لمجهودات التوفيق اذ لا يوجد خلاف شخصي.
2 – سوف أعتبر عدم الرد الواضح فى خلال أسبوع من تاريخه هو بمثابة شكر من سيادتكم واستغناء عن محاولاتي.
3- الاجابة الشفهية عندى بمثابة اللا اجابة.
وقد كان…
فلم يرد سيادته، وان كان قد بلغنى من زميل صديق أنه يرى أن مجلس القسم هو المختص بمثل هذا.
فشكرت له – فى نفسى – اهتمامه بهذه الهوامش رغم انشغاله.
- 8 –
الدنيا بخير.. “بالإجماع”:
ومجلس قسمنا مجلس عظيم، مثل كل مجلس عظيم، وهو غير متجانس بطبيعة تشكيله (ايش جاب العصبية للبلهارسيا للتناسلية ولا مؤاخذة)، يرأسه أستاذ مستمع مهيب وعادل، يساعده فى هدوئه طريقة المقصلة التى يعامل بها “فلتر” سيجارته القصيرة، يطير رقبتها – فلا يبقى الا أقلها – ثم يدخنها فى حماس هاديء، وكم حمدت الله على اخراجه لعدوانه بهذه الازاحة الطيبة، المهم.. لاحظت فى مجلس قسمنا الموقر غير المتجانس أنهم يحبون الاجماع “جدا” الأمر الذى كان يشجعنى على عدم الحضور “جدا”، فالاجماع اجماع سواء كنا عشرة أو مائة والحمد لله، ولكن العمادة تغيرت، فقلت لعل نفسهم تنسد قليلا عن هذا الاجماع الطيب المسطح، فأجد مجالا للكلام، وجدوى من الحضور، وحضرت، ولاحظت ما أعرف من قبل، اجماع، وحساسية مفرطة ضد الاختلاف، وحذر من الأغلبية، وقلت أكتب رأيى فى “الطريقة” ابتداء قبل أن أطرح أى مشكلة تفصيلية، وكتبت لكل الزملاء مذكرة كنت أشك ابتداء فى أن أحدا من الزملاء سيأخذها مأخذ الجد حتى أنى أنهيتها بتحذير يقول:
.. فاذا لم تجدوا فى كل ما جاء آنفا ما يفيد، وأصررتم على محاولة ترجمته لمصلحة شخصية، أو النظر فيما وراءه لأزمة وهمية، فأرجو أن تعتبروه نزهة عقلية طريفة فيما لا يلزم مرحلتنا الراهنة، وأنا راض بذلك.. وسأعتبر هذا اذنا من المجلس الموقر أن أصرف نشاطى لخدمة هذا البلد الأمين فى مجال أكثر تحديدا ليصبح اجتماع المجلس الموقر يذكرنا بالخير الذى سياتى يوما”.
الا أنى لم أستطع أن أفصل الخاص عن العام أو أن أزيح روائح التحدى الذى لا يرحمنى من اغارة العدو السلامية فاستطردت:
”ولكنى أعلن من موقع تصور رؤيتى أن التحدى الذى تلقيه فى وجهنا معركة السلام الحضارية المفروضة علينا لا يحتمل التأجيل بحال، ولا يحتمل السير بالقصور الذاتي”.
هذا من حيث الشكل والجدوى، أما من حيث المضمون فقد كان محتوى المذكرة يشمل ملاحظات مثل:
1 – لاحظت أن مجلس القسم يفخر بأن كل الآراء يوافق عليها بالاجماع، وأرى أن ذلك ينبغى أن يراجع، فعلى قدر احتمال أن يكون الاجماع مزية الا أنه قد يكون نقيصة تفرغ معنى اجتماعات المجلس من هدفها الأصلي، فالاجماع من الصفات الملائكية الالهية، كما أنه من الصفات القبلية البدائية، لذلك لزم التنويه.
2- لاحظت الحساسية المفرطة تجاه أى اختلاف حول رأى أو حول شخص، فى حين أن الاختلاف هو علامة الصحة فى المجتمعات المتحضرة… الخ.
4 – اذا اتفقنا على أن الآراء بالأغلبية لا تفسد للود قضية، وأنها قد تكون أكثر دلالة على الرقى وتحمل الاختلاف، بدليل أن انتخاب الرئيس الأمريكى أو الفرنسى بأغلبية فوق الخمسين بالمائة بقليل لا تقلل من قدره، أو تحد من فاعلية رئاسته… فينبغى أن نتنازل رويدا رويدا عن منطق الفخر بالاجماع، وفى هذه الحالة لابد الا يكون الحل الأسعد هو ارضاء جميع الأطراف .. مثل السيد عاطف بابا عبده[3].
ثم حذرت قائلا:
5 – أحب ألا يفهم كلامى هذا على أنه اعلاء من شأن الديمقراطية بوجه خاص، فهى مضروبة منذ أفلاطون، وهى ليست قرينة العدل، دائما أبدا، وسهل على من يريد أن يتلاعب تحت لوائها أن يحصل على الأغلبية بالرشوة المعنوية، والعلاقات التسهيلية، والضغوط السلطوية … الخ.
ثم تساءلت بعد ذلك عن مصير رأى الأقلية وهل يضير المجلس أن يتصعد الى المستويات الأعلى وما هو النظام الذى يضمن أن الآراء والاقتراحات الواردة من الوحدات تمثل القاعدة العريضة بالوحدة.. الخ.
والشهادة لله أن المجلس كان طيبا فى تناوله لهذه الدعابة المؤلمة وإن كنت لاحظت أنه جاء فى الدعوة إلى اجتماع مجلس القسم “… النظر” “إلى” المذكرة المقدمة من فلان(شخصى) وضحكت لما تصورت من معنى حرف الجر “إلى” والفرق بينه وبين تعبير النظر “فى” المذكرة، وقلت لنفسى انهم ينوون أن ينظروا من بعيد، وهذا يكفيني، إلا أن المجلس تفضل مشكورا – بعد نقاش حذر من السادة الكبار وتأجيل واعادة، تفضل فى الاجتماع رقم 3 لسنة 1980 بند 11 بأن قرر ما يلي:
”ناقش المجلس المذكرة المقدمة من الأستاذ الدكتور / يحيى الرخاوى وأوصى المجلس بأن تعقد كل وحدة فى القسم بالنظام الذى تحدده فيما بينها اجتماعا قبل كل مجلس لمناقشة الموضوعات الخاصة بها وتبليغ قراراتها بواسطة رئيس الوحدة الى المجلس عند انعقاده”.
واعتبرت ذلك كافيا ومرضيا لأنه ترك الحرية للوحدة لتحديد النظام ولكنه ألزمها بعقد الاجتماع المسبق، وبذا أصبحت الوحدة كيانا ديمقراطيا جديدا، ومن يومها لم أتتبع قصدا هذا القرار، ولم يبلغنى أنه نفذ بأى صورة ايجابية محددة، ولا أتكلم عن وحدتنا بوجه خاص كما تعهدت قبلا الا أنى أشهد أننا عقدنا اجتماعا أو اثنين، وأنى كنت مقرر الاجتماع، وأنى قصرت – قصدا – فى الدعوة اليه بانتظام، (كنت أختبر قيمته العامة وحقيقة الحاجة اليه عند الصغار وطبيعة الموافقة عليه عند الكبار …. وأحاول ألا أجعل الموضوع شخصيا بأى درجة) – المهم أن المسألة انتهت عند حد المجاملة والطيبة، ومرة أخرى أن كله خير، ويبدو أن ذلك كذلك، وأن الامر كله أو أغلبه يرجع “الشئ فى أنا”؟ ولم لا؟.
- 9 –
المؤتمر العملى: والنقد المرعب:
يوجد شيء اسمه المؤتمر العلمى للقسم بنص اللائحة، يعقد مرتين فى السنة، يحضره أعضاء هيئة التدريس بالقسم وممثلين للمعيدين وممثلين للطلبة (شفت كيف؟!) لبحث المشاكل العلمية والقرارات التعليمية (ليس أبدع من هذا) وحضرته مرة ومرة، وتيقنت أنه فكرة جميلة بلا محتوى، ما دامت قراراته غير ملزمة، وما دام الوعى المسبق داخل كل وحدة وكل فرد ليس كافيا لاستيعاب أمرين معا “ان ثمة قصورا قائما فعلا..، وأن مهمة مثل هذا المؤتمر أن يتخطى هذا القصور، ومن ثم يسهم فى التطوير”، وأنا أشك عموما فى المؤتمرات الموسعة، ولفظ “علمي” بالذات، اذا أضيف الى لفظ مؤتمر يجعلنى أضع يدى على قلبى وأدعو أن يجعله الله خيرا.
وفى المؤتمر العلمى لقسم الأمراض الباطنية الخاصة الذى عقد فى 14 / 5 / 1981 قلت لنفسى “لا داعى لهذا الافتراض المسبق، لقد تغير العميد، وهو يقوم بالتغيير، فحاول يا ولد من خلال القنوات الشرعية، والمؤتمر العلمى احد هذه القنوات” وبدأت مذكرتى هذه بالتنبيه الى أن الدعوة لعقده أسمته “مؤتمر القسم” فى حين أن الأسم الحقيقى هو “المؤتمر العلمى للقسم” وقلت فى ذلك “.. وسواء كان هذا الإغفال مقصودا أم سهوا فان له “عندنا” دلالته التى قد تشير الى التهوين من قيمة ما هو “علم” فى ذاته وخاصة أن معهدنا هذا منوط باعداد الطبيب المداوى، والمدرس التربوى، والعالم الباحث فى آن واحد”.. الخ..
ثم نبهت الى أن المؤتمر رغم أنه “علمى” لم يشر فى جدول أعماله الى مشكلة البحث العلمى أصلا، وبعد أن أعلنت شكى فى مصير ملاحظاتى واقتراحاتى كالعادة تقدمت بأمثلة منها ضرورة عقد اجتماعات دورية ملزمة ومسجلة يتفق عليها البحاث والمشرفون تحديدا وغير ذلك مما يخص درجة الماجستير ومقرراتها ودرجة الدكتوراه وطبيعة مناقشة الرسائل، وطريقة المناقشة، وفرص الرد المتاحة للطالب، والزام المناقش بتسجيل ملاحظاته لزيادة مسئوليته والزام الطالب بالرد عليها أو تعديل الرسالة حسب ما جاء فيها وايداع ملحق بالمكتبة لذلك، وأشياء أخرى تتعلق بمناقشة التسجيل، ومر كل ذلك بالترحيب والمجاملة والوعد الحسن، ولكنى حين وصلت الى ملاحظة رقم (8) وهذا نصها:
”لا يوجد حق متاح أن ينقد الزملاء زملاءهم فى أمانة مكتوبة تسمح بالرد والحوار البناء، وذلك تعليقا على ما ينشر فى الدوريات المحلية، هذا فضلا عن انتفاء مثل هذا الحق بالنسبة للطالب فى مواجهة أساتذته، فكثيرا ما يؤاخذ الأستاذ تلميذه فى مناقشة علمية عن خطأ فى كتابة مرجع أو فى عرض رسالة، فى الوقت الذى ينشر فيه نفس الأستاذ أو من فى مستواه بحثا فى بضع ورقات يحمل من الأخطاء والمؤاخذات ما يفوق ما هو موجود فى رسالة بأكملها، وهنا يحتار الدارس: بأى مقياس يقيس نفسه؟ كيف يحل الأستاذ لنفسه ما حرمه عليه، وكثيرا ما تصدر مجلات علمية دورية محلية لا تلتزم بأسلوب محدد للنشر أو كتابة المراجع أو منهج البحث مما يجعل اللغة العلمية مهزوزة ويقلل من قيمة دورياتنا أمام العالم العلمي.
لذلك: أقترح فتح الباب للنقد البناء (المكتوب والمسئول) بين الزملاء، ويا حبذا الطلبة والأساتذة دون حرج أو تخويف أقول: ما وصلنا الى هذا الاقتراح حتى تكهرب الجو، واحتجت الغالبية، وقلت خيرا فأنا واثق دائما أنى مع الأقلية، ومجرد المناقشة والاحتجاج يكفيانى بديلا عن المجاملة ونصحى بأن ما أقترح “هو موجود” ولكنى أنا الذى لا آخذ بالى … الخ، قلت خيرا وأكدت للمناقشين أنى أرضى برأى الأغلبية، ولكنى أحتفظ برأيى مع الأقلية وهذا هو شرف الحوار، وأسررت فى نفسى : أنه عند التصويت سيتراجع كثيرون من هذه الأغلبية لأنهم سيخشون – شعوريا أو لا شعوريا – أن يكون رفضهم لهذا الاقتراح متضمنا خوفهم من نقد الآخرين ونقد الأصغر منهم (حتى طلبتهم) بوجه خاص، ولكنهم طلعوا أذكى منى وأكثر حذقا اذ اعتبروا هذا الاقتراح ليس من ضمن اختصاص المؤتمر العلمي، فقلت “ولو ..” فلنأخذ الأصوات على مبدأ مناقشته وهل هذا الاقتراح يتعلق “باختصاص المؤتمر العلمى أم لا” .. وارتاح الجميع وأخذت الأصوات وصوتت الأغلبية ضد مناقشة الاقتراح وصوتت الأقلية – جدا – معه، وحمدت الله أنه تم التصويت وأن ثمة أغلبية وأقلية، وعزمت أن أتقدم لمجلس القسم برأى أقلية لأول مرة، لا لأحصل على الموافقة، فأنا أعلم أنها موافقة مع وقف التنفيذ، اذ من ذا الذى سيسمح لطالبه أن ينتقده كتابة؟.. دون ذلك ورؤيته نجوم الظهر!!، ولكنى كنت أحاول طول الوقت أن أرسى “قيمة ديمقراطية” وهى تصعيد رأى الأقلية .. بغض النظر عن مضمون الرأى أو صوابه من خطئه، المهم أنى لم أتنازل عن عادتى السخيفة فأنهيت هذه المذكرة بالتعقيب المألوف:
“.. وأخيرا فما قدمت الا مجرد أمثلة، وقد يؤخذ كل ما كتبت مأخذ السخرية، أو باعتباره تحصيل حاصل، و ما الى ذلك، الا أنى أنبه أن التحدى الجديد الملقى علينا أكبر من أن يسمح لنا بالاستسهال أو التسويف أو اليأس أو المجاملة، وأشهد الله والتاريخ أنى بلغت، وأحمل الجميع – وأولهم نفسى – مسئولية ما يترتب على الاجتماعات الصورية والاجتهادات الفردية القصيرة النفس”.
ولابد أن أغلب حكمائنا قد ضحكوا منى على حكاية “أشهد التاريخ..” ولكن ماذا أفعل؟ أشهد من اذا؟ أكتب رسالة للإمام الشافعى؟ أم أعلق لافتة على قفاى كاتبا فيها “خذوها جد شوية.. اسرائيل آهى جيه” أو أعلن دعاء هاجسا يقول “من بحث بحثا دون بحث.. أذهب الله من عينيه النوم أربعين ليلة”؟ أو “من نقد تلميذا ولم يقبل النقد.. صب فى وعيه الآنك يوم الترقي”؟ (والآنك المعدن المصهور).. أهون من كل ذلك أن أشهد الله والتاريخ، والله حر فى عباده، والتاريخ هو وشطارته.. !!
- 10 -
بشائر الخير: رأى الأقلية ينتصر، ولكن ..
ولم أهمد، وأعدت عرض الأمر على مجلس القسم، مؤكدا أن التوصية غير ملزمة، فقلت “.. وانما جعلت التوصية للتذكرة والتواصي، “وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” (العصر: 3) ثم الحقت
”.. أن الطالب أحوج ما يكون الى أن يطمئن الى أنه يقاس بنفس المقياس الذى يقيس به العالم والأستاذ نفسه، وكما يقول الدكتور حسين مؤنس عن ضرورة التزام العالم أمام طلبته بكل ما يحفظهم أياه، يقول: “…. كان على العالم أن يدافع أمام طلبته بكل ما يحفظهم اياه قولا وفعلا وتقريرا” ويقول: “.. كان على العالم أن يدافع عن مكانته كل يوم،… أن يحصل على لقب الشيخ الحافظ كل يوم لأنه (العالم وليس الطالب) فى امتحان ومناقشة كل يوم..، وكانت عندهم (عند الطلبة عادة) عبارة قاسية يقولونها، وهي: لقد وقع الشيخ فى حفرة” الى أن قال “.. كان الواحد منهم (العلماء) يقف لصاحبه موقف الرقيب”.
وطلبت من المجلس عدم مناقشة فحوى التوصية، فقط أن يقرر هل هى من اختصاص المؤتمر العلمى أم لا، حتى لا ينطبق علينا قول قياسى على قول رسول الله حتى يكاد لسان الحال يقول “انما اهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا أخطأ فيهم الكبير تركوه، واذا أخطأ فيهم الصغير أقاموا عليه الحد (وفى رواية “سلخوه”) ومن أطيب مفاجآت حياتى فى هذه المسيرة أن “.. وافق مجلس القسم على اعادة عرض الرأى على المؤتمر العلمى القادم” وكان ذلك على ما أذكر بتاريخ 26 / 2 / 1982 أو حول ذلك.
وقد رضيت بهذه الموافقة، وقررت أنها لا تعنى فى الحقيقة شيئا يذكر، فالقيمة المطلوب هزها أكبر من كل قرار ومن كل موافقة، ولكن أرضانى أن الأمل لم يمت فى امكان متابعة أى رأى لمستويات أعلي، وأن يكون للمنطق السليم نصيبه بجوار الاتصالات الشخصية والمجاملات.
فاذا حاولت قبل أن أكمل القصة أن أربط هذه القضية بالعمادة الجديدة لقلت “ان هذا العميد وما فعل كان – بداهة – وراء اصرارى على استمرار المحاولة” اذ يكفى أنه جعل كلمة “ولم لا..” ذات معنى.
وقد تابعت هذه التوصية بعرض الموضوع على المؤتمر العلمى التالي، فكتبت مذكرة مطولة الى المؤتمر لا تتعلق بهذا الموضوع فحسب وانما تتابع كل الملاحظات التى قال عنها المجتمعون فى المؤتمر السابق أنها موجودة وهى تمام التمام، وذكرت فى هذه المذكرة أن المتابعة لقرارات وتوصيات أى مؤتمر تكاد تكون معدومة بحيث تفقد التوصيات قيمتها، كما نبهت على عدم تقنين مناقشة الرسائل بعد، ثم أشرت اخيرا لتوصية مجلس القسم باعادة النظر فى التوصية القديمة (موضوع رأى الأقلية) التى لم تنظر، وقصدت طبعا عند حضورى المؤتمر ألا أثيرها بوجه خاص، فنسيها الجميع والحمد الله، وقد فعلت ما أفعله بهدف “ضبط الجرعة”، بحيث لا تبدو المسألة مجرد “اختلاف شخصي”، فلو أن القضية تمثل مشكلة لغيرى لأثارها غيري، وهنا أعترف أن تراجعى الإرادى هو إحترام لواقعى مهما بدا مرا، فالمطلوب “احياء قيمة” وليس “انتصار رأي”، ولن تحيا قيمة الا “بممارسة فائدتها” عند الأصغر فالأكبر، فذهبت أدعو للعميد بطول العمر وحسن البصيرة، وأدعو للعميد الذى يليه (.. ولو كان هو هو) بأكثر من هذا لأن الأمل الحقيقى فى الجيل الأصغر، لا يأسا من الأكبر (نحن) ولكن رحمة بنا. فماذا فعل عميدنا بالأصغر؟
- 11 -
“الناس اللى تحت“:
طاح عميدنا النشط فى كل من هو “مدرس مساعد” وأنت نازل، مارا بالنواب فالامتياز فالطلبة حتى الممرضة التى توزع الأكل – ولا مؤاخذة – فى العنابر، ودبت الحياة فى المستشفى بشكل ليس له مثيل ولم نكن نحلم بمثله، كما دب الخوف فى القلوب الصغيرة بشكل ليس له دواء، واهتزت قيم العدل فى النفوس وهم يرون رئاستهم الكبرى تكيل بكيلين ورفضت كل ظلم، وأشفقت من اهتزاز القيمة، واحترمت فى نفس الوقت هذه المعادلة الصعبة التى اضطر عميدنا المتحمس لمواجهتها، فهو لابد أن يمارس “الضبط والربط”، وهو يعلم أن المسألة لا تجزأ، ولكنه يحتاج فى نفس الوقت لأصوات الكبار، كما أنه يحترمهم ويحبهم ويعلم أنهم يحبونه (فى الأغلب)، فكيف السبيل الى السير على هذا الصراط الصعب، كان لابد من أخطاء أجدنى ملزما – أمانة – بأن أورد بعضها، وقد كنت أتمنى الا أوردها هنا، ما دامت الكفة رجحت لصالح الايجابيات ولكن تقديرى أن أذكر أمثلة محددة سوف تنفع للأغراض التالية:
1 – تذكرة للمستقبل القريب أو البعيد لكل من يأتى مثله أو بعده.
2 – تذكرة بضرورة عدم السكوت على الخطأ مهما كان الصواب غامرا وواضحا، ولا اشترك الساكتون مع المخطئين فى نفس المسئولية.
3 – شهادة أن هذا العميد كان يسمع ويتراجع كلما اتيحت له الفرصة لذلك.
المثال الأول: قيام… جلوس، واحتمال تمزيق “الجيب” الحريمي:
فى يوم 9 / 6 / 1980 وكانت الساعة لم تبلغ الثامنة بعد، وقد اعتدت أن ألتقى بالأطباء المقيمين للإشراف على حالاتهم فى العلاج النفسي، وكانت احدى الطبيبات تجلس فوق سرير الكشف المرتفع لعدم وجود كراسى كافية، دخل العميد مندفعا (متحمسا) دون أن أسمع حتى نقر الباب، وما ان لمح الطبيبة المذكورة فوق سرير الكشف حتى صاح فيها ناهرا كيف لاتقف له وهو العميد؟؟ فعل ذلك قبل أن يلقى على (المدرس) تحية الصباح، والواقع أن الطبيبة لم تقف لأن ذلك كان مستحيلا، فالسرير مرتفع ولابد أن “تقفز” لا تقف، وهذا أمر يحتاج الى وقت خوفا من التعثر وتمزق “الجيب”، والعميد سريع سريع، والبنت.. بنت بنت، ولا حول ولا قوة الا بالله، ثم خرج بعد أن أغرقها (وطرطشني) بما شاءت له ثورته أن تسعفه، وكتبت مذكرة شديدة القسوة أذكره “…. بضرورة ضبط الجرعة وتنظيم الايقاع” وأنه حتى فى المدرسة الابتدائية لا يقوم الطالب للمفتش الا اذا قال المدرس “قيام”، وحذرته من أنه بتصرفاته هذه يسعى لاشعوريا الى هدم ما بني، قلت:
”.. فقد خيل إلى أنكم تسعون – حثيثا – دون قصد مباشر – لعدم انتخابكم فى الجولة التالية، فتنتهى المحاولة “بذكرى ما” و.. “بطل مجنى عليه” ونعود الى حيث كنا وألعن، وانى أرفض ذلك وأحذرك من قصر النفس، ونجاحك هو استمرارك لا مجرد التغيير المجهض..”
وكلمنى هاتفيا، وأوضح لى أنه استأذن من الحكيمة، ورفضت ذلك لأن معنى استئذان هو “طلب الاذن” وليس “الاخطار بالقدوم”، وأن الاذن يكون من صاحب الاذن وليس من الحكيمة… الخ.
لكنه استمع وأحسن الاستماع، ولم يكررها والحمد الله (معى على الأقل) وحين كتبت له أشكره على حسن الاستماع قلت ما يصلح لاعادته الآن:
”أذكر نفسى وأذكركم بأن المهم فى المحاولة (الرسالة) التى تواصلون دفعها رغم كل العقبات، هو أن تبقى بعدكم ولن يتم ذلك الا باثبات القواعد السليمة، لا برتق التمزق بجهد فردى، ولا يتم اثبات القواعد السليمة الا من خلال اطار ادارى ملتزم (تحاولونه بجد) لا بقاء له الا أن هيا لانتماء دائم من خلال ممارسة مثمرة، وارساء المباديء يشمل تحديد معنى الاحترام العلمي، والالتزام الاداري، والألفاظ المتبادلة جهارا، والحقوق الانسانية والقانونية لكل من كرمه ربه (وامتحنه) بنعمة الوجود وأمانة العمل وشرف الكلمة، وهذه أمور كلها لا تأتى بقرار، وان كانت تبدأ بالتزام يحدده الدستور والقانون، ولكنها تنمو من واقع الممارسة الطويلة الملزمة لكل الأطراف، وكل ذلك يحتاج الى نظر أعمق وبعد نظر يتعدى فترة موقوتة، بل يتعدى سلطة مشروطة، بل يتعدى بقاء الفرد وعمر الجيل أجمع”
ولا أملك لسيادة العميد وهو يتهيأ لفترة جديدة أو لخلفه ان لم يكن هو خلف نفسه، الا أن أكرر ما قلته فى
11 / 6 / 1980 – من يدرى؟
المثال الثانى : العقاب بالصدفة.. والسمع الانتقائى:
حضر العميد بعد الثامنة والنصف الى العيادة ولم يجد مدرسا مساعدا متواجدا بالعيادة حسب التعليمات المسبقة، فطلب أن يكلمه أحدهم (أحد المدرسين المساعدين) هاتفيا عند حضورهم، ففهم الأذكياء من المدرسين المساعدين الفولة ولم يكلموه رغم أن هؤلاء الأذكياء كانوا هم المنوطين بالحضور فى هذا المكان حسب الجدول، لكن شابا آخر – زميلا لهم – وجد فى نفسه الشجاعة والأمانة أن يكلمه، فطلبه وأحاله الى التحقيق (دون الرجوع الى جدول الواجبات بالقسم) وحوكم – مثل آخرين – دون وجه حق، ودفع ثمن شجاعته خصما (رفع فيما بعد.. الى آخر هذه القصة التى لم تقتصر على قسمنا) – ولم أعترض على أى مما فعل عميدنا من حيث المبدأ أو النظام، لكن تفاصيل التخبط فى التطبيق جعلتنى أشاهد بعينى رأسى كيف تختل القيم، فالمسئول ليس مسئولا والنظام فى رأس العميد وليس فى جدول معلن يرجع اليه، والجزاء بالحماس وليس بالحق، وكتب هذا الشاب هذه المعانى فى مذكرة لم يرسلها، لأن الحكاية اتسعت ووصلت الصحف، وانتهت بسلام نسبى وان تركت فى نفسى شكا فى كل ما يجرى ومدى شخصنته، وأقتطف من مذكرة الزميل الشاب، التى لم ترسل، بعض الفقرات المفيدة فى موقفنا هذا:
* لا يصح التحقيق ابتداء الا بعد الرجوع الى النظام الذى وضعه رئيس القسم وارتضيناه جميعا، وهذا لم يحدث اذ لم يطلب منى أحد جدولى وجدول زملائي
* ليس ذنبى أننى رددت على الهاتف (التليفون) بالصدفة فأكون أنا المسئول بالصدفة، وانى قبل ذلك وبعده أرجو الرجوع الى الجداول الثابتة والمتفق عليها وحتى لا أتصور أنه كان من الأفضل لى ألا أتواجد أصلا أو ألا أرد على الهاتف أصلا مثل غيرى فلا أسأل ولا أحاكم مثل غيري.
والعميد لا يسمع لكل هذا رغم انشغاله، فقد قاله الشاب شفهيا، اذ يبدو أنه لظروف المأزق الانتخابى الصعب، فان هناك نوعا من “السمع الانتقائي” Selective hearing (على العميد وهو أستاذ الأذن أن ينظر فيه) حيث تختلف حدة نبرة الأساتذة وعتبة Threshold سماع حديثهم عن نبرة “الناس الذين هم تحت” “وعتبة” سماعهم.
المثال الثالث: المرض الانتقائى:
عوقب مدرس مساعد آخر يعمل معى لأنه لم يقم بواجب التتميم على الغياب أثناء وجوده فعلا فى “أجازة مرضية”، وكأن الأجازة المرضية تعفيه من واجبات عمله الاصلى ولا تعفيه من تعليمات العميد الخاصة، ولابد أن يكون هذا أيضا مرضا انتقائيا يعجز فى مجال معين ولا يعجز فى مجال آخر.
رفض العفو:
ولا يخفف من الخطأ والتخبط أن العميد يتراجع عن هذه الأخطاء بطيبة حقيقية وأبوة حانية، فارساء قواعد الأخلاق وحسن التربية وتنمية القيمة تأتى جميعها من التزام الكبير والصغير معا “بنفس القانون” أما الرحمة (العفو) بلا قانون فهى أضر على الذات البشرية الصغيرة من العقاب بلا قانون، العقاب بلا قانون ظلم، أما الرحمة بلا قانون فهى أقرب إلى الرشوة أو المنحة المتعالية أو العطاء المشبوه بلا مقابل.
ويبدو أننا منذ قيمة “عطف الذات الملكية” “واللفتة السنية” لم نتخلص من هذه القيمة الخطيرة المدمرة لنا جميعا، وقد كنت أتابع منح الرئيس عبد الناصر لمن يطرق بابه أو يوجد على أعتابه أو يستنقذ برحابه، وأرفض أى عطاء فردى مهما كان شكله الانساني، كذلك الحال مع السيدة جيهان زوجة الرئيس السادات والرئيس نفسه، وكنت أقول لنفسي: اما قانون أو لا قانون، واما أن يعطى الرئيس من مرتبه الخاص – بلا زيادة ولا نقصان – واما ألا يعطي، وما زلت أجد حرجا وأستشعر خطرا من أسماء مثل معاش السادات وبنك ناصر، قد نكرمهم باطلاق أسمائهم على الشوارع والميادين، أو المواقع الحربية والقوانين، أما اطلاق أسمائهم على أرزاق الناس وحقوقهم فهذا مدخل خطر لارساء قيمة خاطئة.
وعميدنا – وأين يذهب فى لفتات الرؤساء والملوك – يقع فى نفس الخطأ الشائع حين يتصور أن عفوه – بلا قانون – يدل على طيبة قلبية ويحببه الى الصغار والكبار على حد سواء، انه بذلك يحرمهم حقهم فى الحق..
لذلك لزم التنويه
- 12 -
الهجوم من الخارج .. وحرية الصحافة
ويصل الأمر الى أذن الصحافة المتربصة، ويا ليته وصل عن طريق موضوعى فى محاولة احقاق الحق بصفة عامة، ولكن يبدو أنه وصل الى كاتب مشهور واصل مسنود عن طريق قريب أضير بين من اضيروا من الناس التحتيين، ولم يكن العميد يعلم أن هذا القريب رغم مركزه التحتى عنده “مصعد” صحفى “فوق” ويبدو أن المثل القائل ” اللى مالوش ضهر ينضرب على بطنه” سيصبح حسب اللغة الجديد “اللى مالوش” فوق ينضب على ” تحته” وهكذا تناول قلم الصحفى الواصل المسنود عميدنا بالقذف الصريح، والأدهى أنه اتهمه فى توازنه النفسى، وهذا من أقبح المسائل التى تمسنى شخصيا، لأنها ليست فقط اهانة للشخص المهان، ولكنها اهانة للمريض النفسى حيث يعتبر المرض سبة وكأن المريض لا يكفيه ما به، بل يعير أيضا بما أصابه.
ورغم خلافى الشديد فى تلك الآونة مع عميدنا، ورغم اصابة الشاب الذى يعمل معى ضمن من أصيب فى “حملة العميد العيادية الصباحية” فانى رفضت أن يتدخل هذا الصحفى فى أمورنا دون أن يلم بالموضوع من كل نواحيه، وكتبت ردا عليه وأرسلته للأهرام التى أحالته إلى السيد الصحفى نفسه (فهو الخصم والحكم) ورفض الأهرام نشر الرد خوفا من سوطة الصحفى المتصل، وهددت بنشره فى صحف المعارضة، ولكن أين انتشار صحف المعارضة من الأهرام، وقد أوردت كل هذا الاستطراد لأبين كيف أن واجب التصحيح الداخلى هو مسئوليتنا نحن، وفى نفس الوقت لأحذر من أى مبالغات غير قانونية قد يساء استغلالها لاعاقة كل خير يراد بمعهدنا، ولولا أنى تعهدت ألا أورد نصوصا كاملة لأوردت هذا الرد كاملا فهو من حق العميد ومن حق زملائى على حد سواء، ولكنى أكتفى باقتطاف بعضه:
أولا: أن صح أن يكون موضوع الفكاهة حول أحد من يتولى مركزا قياديا علميا هو من طبع الشعب المصرى عامة والأطباء خاصة، فانه لا يصح أن يكون موضوعا للنشر جرحا وسخية.
ثانيا: إن صح أن هناك أخطاء جسيمة ناتجة عن وفرة النشاط وشدة الحماس بما لا يتناسب مع طاقة مجتهد بالغ فى حساب قدراته أمام نظام شديد الجمود، فانه لا يصح أن تتناول هذه الأخطاء بحديث عن “.. الحالة العنيفة..” الخ
ثالثا: ان صح أن هذا العميد قد ضحى برضاء زملائه الذى بيدهم اعادة انتخابه فى سبيل ارساء مبادئ جديدة فان هذا يؤخذ له لا عليه.
ومن حق هذا الرجل (رغم أخطائه موضع الفكاهة وموضع الاختلاف) أن تعلن بعض مناقبه وأهمها ما حطم من أصنام ظلت راسخة على عقولنا حتى عهد قريب ومنها على سبيل المثال:
1 – حطم صنم الـ “…ما فيش فايده”
2 – حطم صنم أن العلاقات الشخصية الثللية هى أساس الديمقراطية.. الخ
3 – حطم صنم أن الإدارة هى مكاتب ولؤم سياسى.. الخ
4 – حطم صنم أن هيئة التدريس فوق المساءلة.
إلى أن قلت:
ولا يسعنى أخيرا – رغم اختلافى المكثف معه – الا أن أعلن له ولناقديه أنى وكثيرا من زملائى نحرص على نجاحج ايجابياته واستمرارها… الخ
وأخيرا، فان الفكاهة طرافتها بلا شك، الا أن حكم التاريخ هو الأبقى.
وهكذا أردت أن أقول ان اختلافنا مع عميدنا فى بعض التفصيل لا ينبغى أن يسمح بالتشهير غير المسئول، كما ان رفض الأهرام نشر هذه الكلمة كان طعنة لحرية الصحافة برفضها النشر اذا مس الرد شخصا وأصلا أو مسئولا.
-13 -
…“ التربية“، والحضور والغياب
واذا كنت قد رعبت من الآثار الوخيمة التى يمكن أن تتكون عند صغار الأطباء نتيجة لخبط القمع وفرمانات العفو معا فقد بلغ خوفى من آثار غزوات عميدنا الطلابية أنى كدت أرفض كل ايجابياته فى مقابل ما يمكن أن يترك من آثار فى نفوس الطلبة الصغار، ذلك لأننا اذا كنا نعانى من أكوام فاسدة من القيم الجاثمة على عقولنا كبارا مثل قيم (على سبيل المثال لا الحصر) (1) قيمة: “أى كلام” (2) قيمة “بتاع كله” (3) قيمة ” ما فيش فايده” (4) قيمة ” سيب وأنا سيب” (5) قيمة “الواصل والموصول” (6) قيمة ” اللى بيجى منه أحسن منه”(7) قمية ” التنطيش” (8) قيمة “معلش”.. الخ) أقول اذا كنا نعانى كبارا مما آلت إليه حال عقولنا من خلال استتبات هذه المعانى فى كياننا حتى كدنا نيأس بحق، فان يأسنا من أنفسنا يححملنا مسئولية أخطر وأكبر تجاه ما نزرع من قيم فى نفوس الطلبة الصغار، فواجبنا كأساتذة ومربين هى أن “نزرع” قيمة “فى نفوس أولادنا” لا أن “نحشر معلومة فى ظاهر عقولهم”، وهدفنا الأسمى هو أن نعلمهم “طريقة فى التفكير” لا أن نقدم لهم مختصر “محتوى التفكير” ولا شك أن العميد كان تلميذا شاطرا (دليل دخوله كلية الطب ثم تعيينه فى هيئة التدريس… الخ) بل لقد شهدت له مباشرة أن من بين ما جلعنى أثق به على رأس قافلتنا أنى قرأت فى الصحف نبأ تفوق ابنته دراسيا على مستوى الجمهورية، وقلت له أنى قلت لنفسى:
أن من استطاع أن يهيى هذا التفوق لابنته رغم مشاغله لهو جديد بالثقة ليفعل مثل ذلك فى أبنائنا الطلبة رغم.. كل شىء المهم أن العميد تناول موضوع الطلبة من منطلق “الشكل الانضباطي” (وتذكرت كلمته: سكولا : المدرسة ) ومنطلق “الشطارة”… وبالغ فى ذلك مبالغة هائلة حتى انقلبت الكلية حقيقة وفعلا إلى “مدرسة”.. (سكولا) واختفى منها أسماء “المعهد”، و”الجامع” و “الجامعة” والمجتمع العلمى ويبدو أن سيادته قد فرح بعودة أفواج الطلبة إلى الجرى أمامه (الجرى فعلا لا مجازا.. يعنى “العدو”) كما فرح بمنظر الحشر داخل المدرجات (رغم أنه صنع من كليتنا ثلاث كليات على الأقل) كما فرح بأن الأساتذة الذى كانوا يتنافسون على اعطاء المحاضرات لقلة عددها وقلة الحاضرين معا أصبحوا يجدون من يحضر لهم حتى لو كانوا يقولون نفس ما فى الكتب حرفا حرفا.. الخ
فرح العميد، وفرح الأساتذة، وفرحت معهم.. رغم اختلاف الأسباب..
فرح العميد لأنه أعاد إلى “الاسكولا” الحياة.
وفرح أغلب الأساتذة لأنهم عادوا أساتذة “لهم طلبة” يحضرون لهم.
وفرحت لأن غير الممكن أصبح ممكنا، وزاد أملى أن يصبح الممكن هو الأفضل.. نتحمل الخطأ المبدئى لنكمل ونصنع منه الصواب المأمول..
ولكن يبدو أن الأمور توقفت عند هذا الحد من الحرص على ملء أوراق مسطرة بأسماء مكررة كيفما اتفق، وملء مدرجات منظمة بصفوف أجساد متجاورة، وملء أوراق خالية بجمل غير مفيدة وملء أوراق مهملة بتوقيعات أساتذة مشغولة…
ولم يذهب العميد أبعد من ذلك، لم يتعرف على القيم التى تحطمت داخل عقل الطالب الجامعي: قيمة الحرية العلمية، وقيمة الاطلاع فى المكتبة، وقيمة الحوار مع الأساتذة، وقيمة التفكير بشكل خاص، وقيمة الاعتراض بأدب بناء، وقيمة التفكير الابداعي، وقيمة الاحترام الاختيارى ([4]).
ورسخت قيم أخرى خطيرة ومعطلة منها قيم الخوف من السلطة والتحايل بالتزوير، والتحايل بالهرب، والسخرية من الأستاذة المفروضين عليهم (رغم اجتهادهم – الأساتذة – وتفوقهم فى مجالات أخرى) وقيمة استحالة الحوار مع الأكبر… الخ.
واستعمل العميد فى هذا السبيل عدة أساليب أغلبها يقع تحت مبدأ الترهيب، وأقل القليل – مما لا أعلم – قد يقع تحت مبدأ الترغيب.
ولابد أن أقدم أمثلة محدودة لهذا الجزء من الأسماء لعل الصورة تكتمل كما فعلت فى الجزء الثاني:
المثال الأول: زواج عتريس من فؤادة باطل:
ذات يوم ومحاضرتى فى الثالثة بعد الظهر – وكان ذلك فى أول عام لعمادة سيادته – كنت أركن عربتى بالقرب من المدرج فاذا بى أرى أفواجا من الطلبة (السنة الخامسة) يعدون أمامى فى نشاط لم أعتده قبل ذلك أبدا، ففرعنا كما ذكرت فرع هامشى لا حظ له من حضور الطلبة ولا امتحانهم ولا شغفهم ولا يحزنون، ففرحت فى نفسى لدرجة الغرور وأنا أصعد السلم وهم يجرون حولى يمينا وشمالا وقلت لنفسى : “هكذا الادارة”، وتلك هى الرغبة فى العلم، لقد نجح العميد الجديد أن يجعل الطلبة يحضرون فى هذه الساعة المتأخرة، فى هذا الجو الحار ليسمعونى أنا المحاضر الناجح رغم أن علمنا كما أعلم، حمدت الله وسعدت بحق، وزادت سعادتى حين دخلت إلى المدرج فوجدته وقد ملى باللاهثين، ولكنها فرحة ما تمت، لأنى بعد أقل من دقيقة وجدت سيادة العميد يدخل ويأخذ الغياب، شخصيا، وأنا أتفرج عليه وعلى نفسى وعليهم والحسرة تتصاعد من أحشائى حتى بلغت حلقي، وبلعتها من هول المفاجأة، وعلمت أن كل هذا الجرى والمزاحمة كان خوفا من العميد لا رغبة فى محاضراتي، وأحسست أنى كالزوج المكروه الذى تزوجته زوجته إلا تحت ضغط والدها خوفا من أن يقتلها أو فى القلل يحرمها من الميراث، وكدت أساب بالعنة (4) العقلية Mental Impotence، وترددت فى خيالى نداء أهل البلدة على شادية بعد قهرها بالزواج من محمود مرسى فى فيلم “شيء من الخوف” :جواز عتريس من فؤادة باهل” “جواز عتيرس من فؤادة باطل”، ورفضت أن أكون عتريسا، وقلت لطلبى اذهبوا فأنتم الطلقاء، من شاء فليحضر ومن شاء فليذهب، لكنهم خافوا مثلما تخاف العروس من بطش والدها أو من تحايل زوجها وهو يعطيها حرية منقوصة، لكنى أخذت أعدد لهم أن المقرر الذى أدرسه ليس فيه امتحان، وأن امتحان أعمال السنة هو ثلاثون درجة منها على الأكثر ثلاث درجات لفرعنا فى شكل الأسئلة المتعدد الاجابات وأن نصف هذه الأسئلة تحل بالمنطق السليم ونصف النصف بالصدفة وتبقى ثلاثة أرباع درجة لا تستاهل حضورهم، أما من يريد أن يبقى بعد ذلك فليبق لأنه يريدنى أنا محاضرا، لأه يريد أن يكون طبيباً أفضل، لأنه يريد أن يكون انسانا أفضل، وبقى بضعة عشر طالبا، وذهبت العنة العقلية الموقفية، وانطلقت فى محاضرتى وكأنى أحاضر “البشر جميعا” وأنا واثق أن الرسالة التى أبلغها لطالب واخد فتغير كيانه هى أهم عندى من أى حشر لأى عدد مهما برقت معالمه دون اختيار سامعه.
وقررت من يومها ألا يدخل العميد ثانية لمحاضرتى تحت أى ظرف، فلا أنا قادر على أن أكون الزوج المفروض على زوجته، ولا أنا مستعد للكذب عليه باعتبار الحاضرين هم من تواجدوا لحظة وجوده، وقد وضح عندى هذا الأمر بعد ذلك حتى كتبت له ما يشبه التحذير من ذلك حتى لا اضطر لمغادرة المحاضرة عند دخوله، وفى ذلك الوقت قلت له:
”أكرر شكرى لسيادتكم على نشاطكم الضبطى الربطي، وأبلغكم أنى سأقوم عنكم بمسئولية المحاضرات التى ألقيها بشأن التأكد من حضور طلبتي، وسوف أوافيكم بالطريقة التى اتبعتها ومدى نجاحها ان شئتم.
………………….
وعلى ذلك فأرجو قبول اعتذارى عن عدم الاذن لسيادتكم بدخول المحاضرات التى أقوم بالقائها الا لسبب قاهر أفضل أن تعرضوه على خارج باب المحاضرة .. “
وتفضل سيادته – مشكورا – باحترام كل هذا، وذهبت أنا أبحث عن البديل الصعب، وفكرت فى عدة حلول سوف أذكرها فى الفصل الثالث.
المثال الثانى: احترام نص الألفاظ، والالتزام بالقانون:
وصلنى خطاب بصفتى ولى أمر طالبة فى الكلية فيه اخطار بأن السيد العميد قد يضطر إلى حرمانها من دخول الامتحانات القادمة حيث قام سيادته بالمرور شخصيا “يوم كذا” ولم يجدها… الخ
ولما كنت أثق فى صدق هذه الطالبة صدقا يزيد عن ثقتى فى الموظف المسئول عن غيابها فقد سألتها فأكدت لى أمرين، أولا: أنها حضرت فى هذ اليوم بالذات، وأن سيادةالعميد “شخصيا” لم يمر فى هذا اليوم بالذات، ولما كان الخطاب قد كتب اسمها واسم عائلتها خطأ (ربما خطأ مطبعى) فقد رجحت صدقها ودقتها عن صدق الادارة التى أنذرتها ولم تحسن حتى كتابة اسمها، وحين سألتها عن احتمال مصدر الخطأ أخبرتنى أنه فى زحمة الدخول، وهى لم تعتد بعد كتابة الأرقام باللغة العربية يوجد احتمال أنها كتبت رقمها خطأ، وصدقتها وحملتها خطأها، ولكنى لم أقبل من العميد أن يقول أنه مر شخصيا وهو لم يمر شخصيا وكتبت له بصفتى ولى أمر الطالبة فى ذلك أقول:
* ان سيادتكم لم تمروا فى هذا اليوم بالذات، على هذه الفرقة بالذات وعندى ما يثبت ذلك..”
* إن الخطأ ليس فى مروركم من عدمه، فهذه ليست مهمتكم وأكثر الله خيركم، ولكن الخطأ فى أن يكتب بصيغة موحدة ما يؤكد مروركم شخصيا فى كل حالة علما بأن الغياب غياب سواء مررتم شخصيا أم لا”.
وانتهزت الفرصة وكتبت له بصفتى موظف فى معهد يرأسه فقدمت بعض الملاحظات حول عدم قبول الأعذار اطلاقا، ثم انتهزت نفس الفرصة فكتبت له بصفتى مواطن مصرى أذكره بخطورة آثار فرط الضبط والربط على الكبت المتراكم ضد السلطات، الأمر الذى تظهر آثاره فى أوقات الأزمات فى شكل اغتيالات سياسية أو غيرها كما ذكرته:
”أن قياس حضارة أمة من الأمم انما يتوقف على مدى احترام القانون العام من كل جانب وليس من جانب واحد، والاعتداء على الحرية الشخصية والحرمان من حق التظلم وعدم قبول اعذار أصلا ومطلقا، كل هذا يدل على اهتزاز قيمة القانون التى هى قيمة العقل وقيمة الحضارة وقيمة الحرية، ووظيفتنا فى الجامعة أن نصنع من يصنع الحضارة من خلال هذه القيم جنبا إلى جنب مع اعطاء شهادات وحشر أمخاخ (مستسلمة) بالمعلومات.
وقد يبدو هذا البعد لسيادتكم – فى زحمة الواجبات – ثانويا، لكنه بالنسبة لمثلى هام جدا وخاصة فى تنافسنا مع عدو”صديق لدود شرس”..
وضربت مثالا لاحترام الحرية الشخصية بما سمح به لنفسه من ازالة لحية طبيب يعمل تحت رئاسته وذكرته أن هذا لا يتم الا تحت ظروف ثلاثة: (1) صدور قانون بذلك (2) صدور لائحة قانونية تسمح له باصدار قانون داخلى بذلك (3) ثبوت تلوث اللحية بجراثيم قادرة على تلويث جروح مرضى فيبعد صاحبها عن الجراحة وليس عن العمل، وأخيرا فقد حذرته من محاولة التعويض بتدريس الشريعة الاسلامية “بالمرة”.
وقد قبل سيادته – مشكورا مستمعا – كل ذلك.
بل ان سيادته قبل اقتراحا لى بتغيير لهجة خطاب تهديد كان يصل إلى أولياء أمور الطلبة المستجدين يهددهم فيه بتحويل أبنائهم إلى كلية أخرى غير مقدر لمشاعر أهل وضعوا آمالهم فى أولادهم حتى تحققت ثم يواجهون بتهديد على غير أساس قانوني، أقول قبل سيادته مشكورا بتغيير لهجة هذا الخطاب التهديدى إلى خطاب ودى يحدد نص اللائحة وينصح بالبدائل، فعميدنا يسمع ويستجيب ولكنه قد يعود ينسى ويطيح… وعلينا أن نواصل التذكرة وعليه أن يواصل التهدئة.
- 14 -
الجماعات الدينية… واحترام الحرية، وشجاعة العميد:
وعلى ذكر حلاقة الذقن واحترام القانون، فقد كان لعميدنا موقف آخر شديد الشجاعة أكد فيه قيمة رأيه من خلال احترام القانون فى مواجهة الجماعات الدينية وذلك قبل تفاقم مضاعفاتها لدرجة اغتيال رئيس الدولة، فقد حاولت الجماعات الدينية بالكلية أن تمنع حفلاًَ غنائيا أو موسيقيا لست أدري، لكن يبدو أن العميد أصر على ألا يتدخل أحد فى حرية أحد فى اطار الشرعية القانونية، ووقف مستعينا بسلطات القانون فى مواجهة قهر فكرى طالما أخاف غيره حتى التسليم أو الرشوة أو المساومة، لكنه لم يفعل رغم ما فى ذلك من تهديد له حقيقى وفعلى، وقد اثبت بذلك – رغم غير ذلك – أنه رجل مبدأ حقيقة وفعلا، ونال عطف واحترام كل من يحب الحرية ويقدر القانون، ولكن قيل أنه نال تعاطف زملائنا المسيحيين أكثر فأكثر لدرجة ضمان أصواتهم بلا جدال، وأنا لا أصدق تماما ما قيل، فان كان قد حدث والعياذ بالله فانى أستبعد تماما أن يكون هذا قصده فى يوم من الأيام، فقد حدث رغم أنفه لأنى أظن أنه من الذين لا يخلطون أى مناورة لها صبغة دينية بمواقفه المبدئية، وليس ذنبه أن بعض الزملاء يؤيدونه على مبدأ “لا حبا فى على ولكن كرها لمعاوية” ليس ذنبه، وان كنت حريضا على اهتمامه واهتمامنا برفض مثل هذا الاحتمال أصلا.
- 15 -
“سهولة التوقيع“.. وتلاحق مرير التعليمات والاخطارات:
وعميدنا يتبع مبدأ: “التسهيل السريع السريع”، حتى ليكاد يوقع بالموافقة على كل ورقة تصل إليه، وهذا مبدأ طيب طالما لم تتعارض التوقيعات، كما يكاد يرسل دوريات متلاحقة لاخطار الزملاء بكل شيء … كل شيء، وقد فرحت حين أرسل يستشيرنى فى تعيين معيدين غير مكتف برأى رئيس الوحدة أو زملائى الأكبر، فعل هذا حتى يقر مبدأ عاما بأن لكل أستاذ رأى ينبغى أن يؤخذ فى الاعتبار عند الاختيار دون استثناء، وما أطيب كل ذلك وأصدقه، الا أن هذه السهولة كادت توقعه فيما يشبه الهنات الطفيفة الباعثة على التندر أحيانا، وبما أننا ما زلنا فى الفصل الأول والمسألة مسألة “أسمار” فلا بأس من ذكر خطاب ورد إلى “للعلم” فيه أن محلا ـ(جولى هوم) فتح فى مكان ما وفيه أثاثات “محلية ومستوردة” ومستعد للخدمة و… الخ
وكتبت له فورا أحذره من مثل ذلك، فمن غير المعقول أن كل خطاب يرد إليه يجعله “يلف” على الاساتذة للعلم حتى ولو كان دعاية غير مباشرة، وعذرته، ولكنى خشيت عليه أن وقع مثل هذا فى يد صحفى مشاكس أن يتصور أنه مشارك فى الدعاية، وتمنيت أن ينتبه أكثر فأكثر لما يوقع عليه ويشير بتمريره علينا حتى لا يأتى اليوم الذى يرسل إلينا خطابا دوريا يسألنا الرأى عن “سر شويبس” ولكن لا شك أن هذا الطبع السهل قد سهل كثيرا من أمورنا أكثر من أى مضاعفات محتملة ترتبت عنه.
ويجرنا هذا إلى تذكر كيف كان حماسه يدفعه إلى تصرفات أخرى خفت عليه منها، مثلما دفعه حرصه على النظام بعد أن أجهد نفسه طوال أيام كل صباح باكر (من قبل الساعة السابعة صباحا) ليضع علامات على سيارات الزملاء، وبعد ذلك قيل أنه انطلق يفرغ عجلات العربات التى تتواجد بدو شارات داخل الكلية دون الرجوع إلى قانون أو استشارة ادارة، خفت عليه منى أنا ذات نفسى لو أن الأمر تصاعد إلى البوليس ليصل إلى حد “الجنحة” التى لا يستطيع أن ينكرها لأنه سيعترف صدقا بما فعل دون سند قانونى يسمح له بما فعل، والعذر بالحماس والحرص على النظام ليسا كافيين تجاه القانون… ولكن الله سلم.
وبعــد
فقد أردت بهذا السرد الذى بدا شخصيا فى بعض مواقعه، قاسيا فى مواقع أخرى موضوعيا فى كثير من المحاولات أن أحدد الصورة التى عشناها ثلاث سنوات مع عميدنا الطاقة المتفجرة بكل مخاطرها وعطائها، وأنى أشهد أن الايجابيات فى مجموعها أكثر من السلبيات، ولكنى أعلنها ابتداء أن كل هذه الايجابيات قد تنقلب إلى سلبيات ما لم…
ولكن هذا حديث أخر.
[1] – سأحاول فى هذه “الأسمار” أن أقلل من التعرض بالتفصيل لمحاولات ومشاكل قسمى، فهى لا تهم سائر الزملاء كثيرا، وسأكتفى بما له “دلالة عامة” فحسب.
[2] – ملحوظ: هذا لا يعنى أن هناك اختلافات جوهرية فى قسمنا ولكنها مبادئ عامة.. و.. وأسمار، فتذكر… فقهك الله.
[3] – اشارة إلى مسلسل “بابا عبده” الذى كان يذاع فى مسلسل رمضان حينذاك (بطولة عبد المنعم مدبولى)، وعاطف كان الابن المهندس / صلاح السعدنى)!!.
[4] – نوقشت هذه القيم بافاضة فى مذكرة أ.د. محمد الرخاوى وكذا مذكرة أ.د. محمود سامى وفى ردى عليهما فى الفصل الثانى.
الفصل الثانى
حـــوار
1- مذكرة أ.د. محمد الرخاوى عن المدرس والمحاضرة والعميد.
2- رد أ.د. محمود سامى عبد الجواد.
3- الرد على المذكرة الأولى مع الأشارة للثانية.
مقدمة:
نشأت فكرة هذا الفصل أثناء كتابة الفصل الأول وبعد الاستقرار على العنوان، ذلك أنى بعد أن عدلت عن نشر تفاصيل حوارى مع العميد أمانة واحتراما وجدت أن الصورة لا تكتمل الا بعينة حقيقية لما جرى ويجري، وقد بادر أ.د محمد توفيق الرخاوى بارسال مذكرة بالانجليزية إلى بعض الزملاء بعنوان: “المدرس” و”المحاضرة” و”العميد” قام بالرد عليها أ.د. محمود سامى عبد الجواد، وقمت بدورى بالرد عليهما (لكنى لم أرسل الرد لأحد حيث لحقه هذا الكتاب فدخل فيه ضمنا)، ووجدت أن كل هذا قديم بفضل ما بعثه نشاط العميد من حركة حتى فى عقولنا وأقلامنا، فقلت هذه مناسبة أسجل فيها هذه الظاهرة فنتحاور ”حول” ما يفعل مثلما نتحاور معه ومع ما يفعل، فقررت نشر المذكرات الثلاث بنصها..
أولا – مذكرة أ.د محمد توفيق الرخاوي:
THE TEACHER
THE LECTURE
AND
THE DEAN
by
M.T. RAKHAWY
Professor and Chairman
Anatomy and Histology Department
Faculty of Medicine
Cairo University
أستاذ دكتور
محمد توفيق الرخاوى
رئيس قسم التشريح والهستولوجيا
كلية الطب – جامعة القاهرة
The ”Teacher”، the ”Lecture” and the ”Dean”.
M.T. RAKHAWY
(A brief comment on what is happening to the “lecture” in our institute).
I do not Know why when I started to write this article I remembered an old Arabic saying, the translation of which goes as follows:’ He that knows not، but thinks that he knows، is a ”fool’: AVOID him”.
“He that knows not، and knows that he knows not، is ”simple”: TEACH him”.
“He that knows but knows not that he knows is aslesp’: WAKE him’.
“He that knows، and knows that he knows، is ’wise’: FOLLOW him”.
But why am I writing this article in the first place? To be honest، what has been taking place in this institution in the last 2 years has been not only puzzling and perplexing me but also giving me a real hard time of mental worry. The whole thing as far as I can see it as a professional teacher and an ”amateur” educationist needs a pause، reconsideration of the whole matter and evaluation of the results of what had happened so far from strictly educational and moral points of view.
It seems to me that the whole educational phenomenon is going in a direction which is not ”properly” planned for… and specially as far as the ”LECTURE” as an instrumental educational tool is concerned.
(P. 58)
Let me forward some questions and let us all give each of them an answer of ”true” or ”false” and see in the light of the final score what is happening to the”LECTURE” in our distinguished and beloved institution.
1- Was’nt he Gibbon who said long time ago that: ”Every person has two educations، one which he receives from others and one، more important، which he gives to himself”? Is’nt that true، as a matter of fact، in real life?
2- Isn’t it true that as regards teaching is concerned the primary duty of the University-any University-to the student، is to provide him with such instructors as will make him realize that the responsibility for progress is his own and no body else’s?
3- Wasn’t he Socrates who always professed that he never really taught anyone anything; all he did was to enable people to find out things for themselves. Education is really not the acquisition of knowledge so much as the learning of how to use it.
4- Education-Information-Inspiration:
Isn’t it true that the teacher-any teacher-should not confuse ”Education” with ”Information”; otherwise his students may become ”well-taught” but totally”unlearning” intervals? The real ideal of the teacher-any teacher-should be ”Inspiration and not ”Information” the teacher should really avoid the process of”spoon-feeding” his students.
5- Isn’t it true that it may sound outstandingly astonishing to our students-who are frustrated by their deprivation of any sign of freedom-to know of the”Lernfreiheit” customary in certain German and some English and American Universities; where you are free to learn ”when” and ”how” and ”where” you please; free to attend classes just as you wish and free to choose and get knowledge from books or lectures or discussions with others. The students are given help only when they feel the need to ask for it?
6- Isn’t it true that so many other Universities and other Educational Institutes have completely abandoned the ”lecture” as a preferable tool of transferring educational material to the students?
Now if the interested reader has found that the answer to the above-mentioned questions is true (T) and not false (F)، then I beg him to proceed further with the following lines:
I am a teacher; and this – to me – does not represent a profession but definitely a job that I love، admire، adore and regard with the utmost respect and affection. As the case is so، my students – past، present and future – will always be my beloved partners in the Educational phenomenon (without students there will be no teachers). Anything that affects (or really as I feel it now hinders) their normal healthy fruitful productive means of acquiring knowledge and learning will affect me virtually.
Now what is happening to my students، in this institution، that is frightening me this much?
The fact is that I have noticed that they began to attend the lectures not because they ”FEEL” that they will get any benefit but because they ”FEAR” that if their absentee’s record exceeds a certain limit they will not be permitted to be admitted to the examination. The difference between the ”feel” and the ”fear”mentioned above is the milestone of all what I am trying to point out in this article.
It is through the overflowing energy، enthusiasm، devotion and dedication to do something to promote discipline and – perhaps according to what he thinks or believes – to stop (or minimize) the deleterious effect of ”private coaching” our dean has been trying to force – his own self most of the time – a system ”name – taking” and ”signing-up” for attendance at ”lectures” As I can see it (from an educational point of view) what is happening to the ”lecture” in our institution now has a very serious and destructive effect not only to the educational process but also has a noxious، injurious and hurtful effect on the student-body of the University (who is unable to feel that he is no more in his ”primary – school years where he was expected to be ”locked in” tightly in his class room). This detrimental mischievous effect may not necessarily appear right now، but sure will have its damaging harmful repercussions on the personality of our students، the future doctors (and perhaps also most of the leaders) of this country.
I would like to make clear that-as a teacher for more than 25 years now – I do strongly oppose ”name-taking and ”signing-up” of the students for attendance at”lectures” as though bodily presence of the students necessarily entails mental advancement. There is quite a great difference between ”hearing” and ”listening”; students ”locked in” in a lecture-theatre – ”prison” may be able to ”hear” (i.e. exercise one of their senses) but become intellectually very passive in the process and really are unable to ”listen”. To ”listen” means to ”hear with a purpose” and I am sure no body will be interested to ”hear with a purpose” anything of value in the depressed، dejected cheerless dispirited، gloomy atmosphere of the prison-like lecture theatre when the only real ”purpose” of the student in such an atmosphere is to be sure that he will not be included among the ”miserable list” of ”absentees”. As for the teacher I am positive that he knows more than anybody else that a good voluntary attendance is surely more stimulating than a ”compulsory” enforced one. I cannot really see or imagine how can a teacher become able to ”inspire”his students when the student feels that he is locked in a cell?!!
As a closing remark I would like to terminate this article by sending :
- a word to our students.
- a word to our teachers.
- a word to our ”lecture”
- a word to my ”own self”.
- a word to our ”dean”.
– To the students :
Poor you : under this frightening system but as ”discipline is discipline” and until things change – one way or another – you have to attend your lectures (whether you like them or not) to be able to attend your examinations.
– To the teachers :
Poor you : when you are unable to distinguish between those students who attend your lectures because they like to ”learn and know” and those who only attend till ”name – taking” is over with. However، you can judge your abilities to attract a good audience of students if no more than one third of the attendants leave the lecture theatre hurriedly immediately after ”name-taking”!!
– To the ”Lecture” as an educational tool:
Poor you : if you realize what is being done to you in our institution.
– To my own self:
Poor me : if the dean does not take what I am going to tell him below with complete ”objectivity” and believes that every word in it has been meticulously chosen and that although we both search for a beneficial goal for our beloved institution our approaches are different.
– To the dean:
Good for you: if you can give a good observant eye and hearing-listening ear to what I am going to say now:
In spite of all your overwhelming enthusiasm -which I admire and all your superabundant exuberant energy and devotion to do something good for this school – which I should ”raise my hat” for-I wish to tell you that:
“Too much discipline which you are aiming at – and trying- in the ‘ lectures’ can be an obsession devastating to real learning”.;
In a wordy sentence: overstressing attendance in ”lectures” (and mind you I am not talking the ’dissecting room or the “laboratories”) will end by stultifying initiative، extinguishing inspiration، dampening enthusiasm and crushing originality of the student body.
At the end I hope that in spite of our differences in attitudes towards the same viewpoint I do believe-and hope you do too-in the Arabic saying:
’اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية’
I do consider you a good friend of mine، I hope you still consider me a good friend of yours، something I shall discover when I receive (or may be do not receive!) my share of your ”bouquet de flours” which you kindly، thankfully and appreciatively send yearly on birthday occasions.
God bless you and save our beloved institution.
M.T. Rakhawy
ثانيا- مذكرة أ.د. محمود سامى عبد الجواد.
أستاذ الأمراض النفسية
الأخ العزيز الأستاذ الدكتور / محمد توفيق الرخاوى
أستاذ ورئيس قسم التشريح والهستولوجيا
تحيه طيبه وبعد :
أشكرك على مقالك الذى عبرت فيه بصراحة عن وجهه نظرك بخصوص نظام التتميم الجارى حاليا على حضور المحاضر، وبادئ ذى بدء أشاركك الرأى فى أن هذا ليس النظام الأمثل الذى كنا نأمل أن تصل إليه عملية الانضباط فى الدراسة ، ولكن أحب ان نتذكر سويا (والذكرى تنفع المؤمنين) وقبل أن ننسى مايلى:
1- الدراسة عن طريق الانتساب التى أصبحت طابع الدراسة فى كليتنا العزيزة خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل، وأذكر منها على سبيل التحديد الست سنوات الأخيرة وهى تجربتى الشخصية كولى أمر طالب مارس الدراسة فى كلية طب قصر العينى العزيزة فى منازلهم وعن طريق الانتساب والدروس الخصوصية وفى كل المواد.
ولا أعتقد أن ابنى كان فريد نوعه فى هذا الذى كان يجرى وكلنا يعلم ، بل مصر كلها تعلم وياللأسف والعار، العيادات والشقق التى فتحت فصولا للتدريس الخصوصى ، ووصل الأمر الى الجهات البوليسية والقضائية.
2- كم من أعضاء هيئة التدريس وخصوصا الأساتذة كان يلتزم بالقاء المحاضرات وحضور الدروس الاكلينيكية والعملية؟
3- التكدس الشديد الذى أدى الى فرار الطلبة من المدرجات التى كانوا يحشرون فيها حشراً ولم تكن تستوعب هذه الأعداد الكبيرة.
4- الوعد الذى قطعه على نفسه الزميل الأستاذ الدكتور هاشم فؤاد عند تقديم نفسه لنا لتحمل أعباء منصب العمادة وهو : العمل على إرجاع ما أسماه الطيور المهاجرة الى موطنها الأصلى وهو مدرجات كليتنا العزيزة بدلا من العيادات والشقق التى تدار للدروس الخصوصية عن طريق صغار أعضاء هيئة التدريس والمعيدين، وبذلك يتم القضاء على وصمة العار التى لطخت جباهنا جميعا وهى الدروس الخصوصية، وتتم العودة الى الدراسة النظامية وليس دراسة الانتساب أما وقد أعطيتناه ثقتنا، فكان لزاما عليه أن يفى بوعده، وأعتقد أن من حقه أن يتخذ الاجراءات التى يراها كفيلة لتنفيذ هذا الوعد، ومن واجبنا أن نشد أزره ونبارك خطاه لنحمل جميعا السفينة كليتنا العزيزة الى بر الأمان.
5- أرجو أن تسمح لى يا أخى الغزيز أن أخالفك الرأى فى الدافع على حضور الطلبة للمحاضرات، وهو فى رأيك كفاءة وقدرة المحاضر على جذب انتباه الطلبة وترغيبهم فيما يلقيه عليهم من مادة علمية، أنا لا أنكر قيمة هذا الدافع، ولكنه لا يمثل سوى جزء صغير وقد يكون غير حقيقى فى بعض الظروف . وفى رأيى أن الدافع الحقيقى لحضور الطلبة المحاضرات هو قيمه هذه المحاضرات من حيث كمية الدرجات المخصصة لها فى المجموع الكلى اللازم للنجاح بصرف النظر عمن يقوم بالقاء هذه المحاضرات. واسمح لى يا أخى العزيز أن أضرب لك مثلا بك وبأخيك وأنتما أستاذان على أعلى قدر من الكفاءة فى التدريس ودون مجاملة، ولكن لأن علم التشريح يحظى بالمئات من الدرجات وعلم النفس أو الأمراض النفسية كان لا يحظى إلا بعشر درجات لعلم النفس ضمن مئات الدرجات لمادة الفسيولوجيا ولا شئ على الاطلاق لعلم الأمراض النفسية ضمن مادة الأمراض الباطنية، لك أن تقارن يا أخى بين نسبة الحضور عندك ونسبتها عند أخيك.
6 – أرى أن ضرر إرغام الطلبة على حضور المحاضرات – كمرحلة انتقالية – حتى تعود الأمور إلى مجراها الطبيعى الذى تربينا عليه فى كليتنا العزيزة حتى كنا نلازم الكلية من الثامنة صباحا حتى الخامسة بعد الظهر، هذا الضرر المعنوى كما أشرتم يا أخى العزيز أخف بكثير من جريمة عدم الانتماء والولاء الى كليتنا العزيزة الذى يفرضه نظام الانتساب والدروس الخصوصية.
7- طبيعة الأعداد الكبيرة المفروضة على نظام التعليم والتى ليس لنا فيها خيار، لا تتيح ما تصبو اليه نفوسنا جميعا من الاقلال أو الاقلاع عن نظام المحاضرات كما أشرتم يا أخى، فليست عندنا المكتبة الطلابية التى تستوعب هذه الأعداد الكبيرة ولا الأماكن اللازمة لتقسيمهم الى مجموعات دراسية صغيرة. ولا أنسى أن أنسب الفضل لصاحبه، فقد أنشأ سياده العميد العديد من المدرجات الصغيرة وتم توزيع الدفعة الواحدة على ثلاث مجموعات ، وفى رأيى أن هذا حل ناجح وموفق بإذن الله.
8- هل من المعقول أو المقبول يا أخى أن يلتزم الأساتذة بالقاء المحاضرات فى مواعيدها رغم عدم ملاءمة بعض هذه المواعيد مع مصالح بعضهم ولا يلتزم الطلبة بالحضور بحجة الحرية ،الهرب من سجن المدرجات ؟
انه من دواعى الأسف حقا أن يحضر بعض الطلبة المحاضرات مرغمين خوفا من تجاوز نسبة الغياب وبالتالى الحرمان من الامتحان، والمفروض أن الطالب الذى يحضر المحاضرة يستمتع وينصت كى يفهم ويستوعب ويستفيد ، أما الطالب الذى يحضر مرغما ليسمع فقط فهذا شأنه .
وختاما أكرر شكرى لأخى العزيز على مبادرته بمناقشة مشاكل كليتنا العزيزة، وأرجو أن تسمح لى بارسال نسخة من هذا الخطاب للأخ الأستاذ الدكتور / العميد ليفتح باب الحوار لجميع الزملاء أعضاء هيئة التدريس للمشاركة بآرائهم ، وعلى الله قصد السبيل .
والسلام عليكم ورحمة الله
أ.د. محمود سامى عبد الجواد
أستاذ الأمراض النفسية
ثالثا – الرد على المذكرة الأولى مع الاشارة للثانية :
السيد الأستاذ الدكتور/ محمد توفيق الرخاوى
مع التحية
مقدمه:
وصلنى – كما وصل بعض زملائى على ما يبدو – مقال بالانجليزية ، حسن الطباع، جيد الصياغة ، مشحون بالأفكار والآمال والعواطف عن ”المدرس” و”المحاضرة” و”العميد” ورفضت لغته الانجليزية (وقد كنت قد انتهيت لتوى من قراءة بحثكم عن ضرورة تدريس التشريح – حتى التشريح – بالعربية) ولكنى قلت لعل كتابته بهذه اللغة الخوجاتية تشجع بعض زملائنا على أخذه مأخذ الجد والاحترام حيث يعتبرون اللغة العربية ”أدنى” وأحيانا أصعب ورغم ذك فقد فضلت استعمال لغة الأم ( فى الواقع بالنسبة لى ولك أنها لغة الأب) لنتواصل بطريقة أبسط وأعمق فى نفس الوقت، أما ما شجعنى – مباشرة- على هذا الرد المطول فهو دعوة زميلى أ.د. محمود سامى عبد الجواد فى رده عليك حيث أشار الى مباردتك أنها تحمل دعوة ضمنية ”للعميد”.. ليفتح باب الحوار لجميع الزملاء أعضاء هيئة التدريس للمشاركة بآرائهم، وهأنذا أقبل الدعوة وأدخل من الباب بعد اذن سيادة العميد صاحب الفضل الأول فى كل هذا التحريك النشط
بديهيات أولية:
أظنك – سيدى – لابد أن تتفق معى على أمور أساسية لاجدال حول ضرورتها المبدئية ، وان اختلفنا حول نظم تطبيقها، ومن بينها :
أولا : أنه لابد من “نظام“ .. ولا بديل عن ذلك ، لا حسن النية، ولا بيت الشعر، ولا رقة العواطف، ولا درجة ثقافة مجتمعنا العلمى ، ولا الاعتماد على حرية مطلقة مستحيلة .
ثانيا: أنه لابد أن مسئولية ما يحدث فى معهدنا تحت رئاسة عميدنا هذا ، أو عميدنا السابق ، أو عميدنا اللاحق، هى مسئوليتنا نحن جميعا، كما هى مسئولية كل واحد منا على حدة، من دفع الى ما يحدث، ومن رضى به، ومن سكت عنه اراديا، ومن تغافل عنه بوعى جزئى، فكيفما نكن يول علينا، وبقدر “الرد” و “العائد” وايجابية المشاركة موافقةورفضا وعنادا واستقالة ومثابرة وتضحية يتشكل معهدنا وأى مجتمع )، وليس فقط بقدر ما يفعل الرئيس، وما هو، مع عدم انكارى للتأثير الخطير لشخصية أى رئيس على موقعه.
ثالثا : أن وجود نظام فى ذاته لا يكفى لدفع أى مجتمع لأى اتجاه اللهم الا إذا ارتبط هذا النظام بهدف واضح وأهداف وسطى، وتتوقف خطى المسيرة على تحقيق هذه الأهداف الوسطى والقدرة على المراجعة والتطوير.
فإذا اتفقت معى على ”ذلك” فدعنا ننظر فيما يجرى ، وفيما أوردت فى مذكرتك لنرى أى منهما يقربنا إلى ذلك ، ولكن دعنا أولا نتدارس ”واقعنا” بحجمه الحقيقى حتى لا تسرقنا الكلمات والأمثلة والأمانى الطيبة.
الواقع ..الواقع
1- الواقع العام
لاحظت أن المشكلة التى تعرضتم لها سيادتكم فى مقالكم السالف الذكر قد لوحت بأنظمة فى ألمانيا الغربية وغرب أوروبا وأمريكا تلويحا مفيدا ، ولكن لابد أن نتذاكر سويا الفروق الجوهرية بين مرحلة بلادنا “المكافحة” ومرحلة بلادهم المستريحة . . وتظل تقول بين . . و بين . . حتى تتجسد الأمور ويبرز الواقع فى حجمه وألوانه يتحدى ويخرج لنا لسانه، ثم . . ولنتفق يا سيدى على أبسط الأمور، وهو أننا دولة نامية (قيل: متخلفة !!) تحوى غالبية من الحالمين والتابعين والشطار والمرهقين طبعا بالإضافة إلى ندرة من المبدعين والثوار والبنائين) وأننا – غالبا – لا نمتد بتخطيطنا أبعد من غروب شمس هذا النهار وفى أحسن الأحوال الى أن يحال الواحد منا على المعاش ، ورغم أن آمالنا لا تتركنا الا فى غيبوبة الخلود ، وعلى ذلك فقد أحسست أن استشهادك بجيبون Gibbon فضلا عن سقراط – رغم طلاوة الأسلوب – يبعدنى عن أرض واقعى بشكل مؤلم.
2- الواقع الخاص : الماضى القريب
فاذا أرجعنا البصر كرة واحدة الى واقع معهدنا الماضى القريب الذى أشار اليه أ.د. محمود سامى من تخلى كثير منا عن مسئوليته تجاه هذا المعهد وتجاه طلبته إما (أ) يأسا من الاصلاح العام أو (ب) ضجرا من فرض كل هذه الأعداد عليه دون موافقته أو (د) انشغالا بما هو أنفع ، على المستوى الخاص ، أو العملى . . . الخ ، ولعل هذا الهيج[1])) (الذى جاء بعميدنا الحالى وجاء به عميدنا الحالى) – وليس الثورة – كان ضروريا لايقاظنا ، فله الفضل الذى لا نستطيع أن ننكره أن صدقنا مع أنفسنا ، فهذا الهيج هو الذى جعلك تكتب ما كتبت فيرد أ.د. محمود سامى ثم أرد أنا . . إلى آخر معالم هذه الحيوية لصحية التى ينبغى أن نتمنى أن تستمر بأكبر درجة من الموضوعية.
3 الواقع المستقبل الغامض:
أحسب أن من ضمن رؤية الواقع أن نرى الممكن لمستقبلنا القريب وذلك من حسابات ”الآن” والنظر فيما كان، ولعلك توافقنى أن الماضى القريب قبل هذا العميد كان كاسدا هامدا، وأن الماضى الأقرب أصبح هيجا مستمرا ، وبالتالى فان لك – ولى – أن نتوجس خيفة من واقع المستقبل القريب، لأن حركة البندول ما بين هذا الكساد وهذا الهيج لا تبشر بخير، وواجبنا الأساسى هو أن نبحث عن التوليف ( لا التلفيق) حتى لا يظل البندول يتأرجح فى مكانه دون دفع حقيقى لأى حركة مثمرة تعد بالاستمرار، ولعل مقالك السالف الذكر هو خير مثل على أن البدائل هى نقائض متباعدة وليست حلولا عملية محددة، فاذا سمحت لى بما لى عليك من دالة وصل رحم أن أصارحك كيف استقبلنا فانى أوجزها فيما يمكن أن يكون زفرات لفظية تقول (بالعربية طبعا) : “… يا لهفى على أبنائى الطلبة، ويا حسرتى على زملائى الأحبة، ويا ويلى من تشوه محاضرتى المقدسة ، ويا ألمى يا ذاتى المجروحة ، ويا سعدك يا عميدنا الطائر. . . الخ” وقد سألت نفسى بعد نشوتى بالتعبيرات الرصينة، ماذا قدمت من بدائل محددة بالقلم الورقة قابلة للتطبيق فى واقعنا المحدود بالمكان والزمان، وقابلة للتعميم أيضا ثم المتابعة للمقارنة؟ أنى أحاسبك كما أحاسب نفسى وأحاسب عميدنا ورئيس دولتنا ليس على النية الحسنة، والنقد الجيد،والاضافة المتخصصة المحدودة، وانما الحساب يكون بمقاييس أبقى وأصعب يحتاجها وطننا ومعهدنا أكثر من أى وقت مضى، حساب يسأل : كم عقلا حركت، وكم طريقا مهدت، وكم مبدعا أنجبت، وهذا ما أحسست بروحه من وراء سطورك بعد رفضى المبدئى لما بدا لى شعارات لأول وهلة، لذلك : فانى أتوقع منك ومنا أن ننقد، ونضع البديل ، ونحدد المقياس الذى نقيس به ما نقدناه وما استبدلناه به ، ونتابع هذا القياس سنة وعشرات السنين ثم نسلم العهدة والمقياس لمن بعدنا واثقين بهم رغم كل شئ – نعم رغم كل شئ ، وهأنذا المح بمسة طيبه تطوف بعقلك وأنت تجدنى أكثر شاعرية منك وقد كنت لتوى أرفض شاعريتك الأمينة ، ولكن أرجو أن تصبر على حتى نهاية هذا العمل وترى معى أن كان يمكن ترجمة شعرنا إلى واقع عملى أم ماذا ، أخاف من ألفاظى على نفسى مثلما أخاف من ألفاظك سواء بسواء ، كم رفضت حكاية بوريو . . بور مى”
فى مثل ذلك ولكن ”بالعربى”.
ومع ذلك فدعنا نعترف أنه حتى لو خلت مذكرتك الا من الاثارة التى ادت الى تعليق هنا ورد هناك، فقد أدت وظيفة طيبة وبدأت حوارا نرجو معه أن يكون مثمرا .
دعنا نتفق بعد ذلك وقبل ذلك أن اختيارتنا ليست بين سقراط وارسطو ، ولا بين الـ “لير نفرهيت” وكتاب أبى خفاجة (لتحفيظ القرآن من سن الرابعة ) وانما اختيارنا محدود بين عميد فى هيج مستمر قد يحمل مع ريحه بعض القلق والأتربه ولكنه يدفع الشراع حتى ولو كان مرتقا، وبين عميد فى حالة ابتسام مسالم يعالم الورق أكثر مما يعامل البشر، وإلى أن يظهر ” البديل الثالث” غير المألوف فى القياده والاداره المصريه فهذا هو واقعنا .
النظر فى بعض ما ورد ( فى المذكرة – والرد)
ثم اسمح لى أن أمر معك سريعا – يصحبنا أ. د. محمود سامى فى بعض ما ورد فى مقالك ،رده عليك لنخلص إلى ما يمكن :
1- الفرد والمؤسسة: لقد احترمت تواضع العنوان الذى اخترته باعتباره أنه “تعقيب مختصر عما يجرى حاليا بشأن المحاضرة فى معهدنا” فأنت لم تعمم نقدك لكل ما يجرىوانما خصصت به المحاضرة.
ولكن ألست معى أن ما يجرى فى المحاضرة هو ما يجرى فى كل مكان آخر فى هذا المعهد ؟ بل ألست معى فى أن بعض ما يجرى فى هذا المعهد هو أحد الصور الشائعة التى تجرى فى مجتمعنا عامة، ذلك المجتمع الذى يتراقص بندوله بين القهر والتسيب ( وليس بين الالتزام والابداع) وأخيراً لعلك لاحظت – وهذا بعض ما دفعك للتخوف – أن شخصية الرئيس فى مجتمعنا لها آثار هائلة على مسيرة النظام ، ”فالمؤسسة” فى المجتمع المصرى لا تحد رئيسها وتهدى أفرادها اطار محكوم من القوانين والالتزامات ومسارات الحركة وانما الرئيس هو الذى يصبغ الموسسة بصفاته، وهذا من علامات عدم النضج (قيل التخلف ) ، فمصر ليست مصر يحكمها عبد الناصر أو السادات أومبارك ، وانما هى عبد الناصر فى حكم عبد الناصر ، وهى السادات أيام السادات وهى مبارك – على خفيف – حين يحكمها مبارك . . صحيح ان الوعى الداخلى يسخر من الرؤساء والغزاه ويدعهم حتى يستهلكوا أنفسهم ولكن هذا يحدث فى بعد زمنى آخر، فاذا كان لنا أن نبدأ طريق النضج فلنواجه القضية الشاملة من أوسع أبوابها، وهى أن المحاضرة التى أسفت لها هى رمز لمخاطر عامة، وأن وظيفتنا الأولى هى أن تكون هناك مؤسسة لها رئيس لا أن يكون هناك رئيس هو المؤسسة .
فاذا وافقتنى على ذلك ” فانظر حولك”، وأبدا بقسمك شخصيا هل هو قسم التشريح بالقصر العينى الذى سيستمر بعدك أفضل مما أرسيت فيه بجهدك وابداعك ، أم أنه قسم محمد الرخاوى ذى القدرات الخاصة والتقدير العالمى الذى أضاف وأسهم ( حتى أحيل على المعاش ونسيه ناسه دون الناس) ؟ فاذا واجهت صعوبة مشكلة الحرية التى أفضت فى الحديث عنها فى صدد حق الطلبة فيها ، واذا كنت عجزت عن أثارة ”الابداع الحقيقى” فى زملائك الأصغر (طلبتك الأكبر) وإذا كنت ترى افراز من بعدك لا يدانى عطاءك المبدع، ألا يجدر بك وبنا أن نتواضع فى أن نطلب تحقيق ذلك على مستوى جماهير الطلبة الأصغر بأعدادهم الوفيرة التى تعرفها .
فالمسألة ليست مسألة “محاضر” و”حرية طلبة” وان كان هذا وذاك بعض جوانبها ) وانما هى مسألة قيم عامة وطريقة تربية الأصغر فى مجتمع متواضع الامكانيات ، وما عجزنا عنه فى نطاق أضيق ، لا يجدر بنا ان نحاسب عليه رئاستنا فى نطاق أوسع الا أن كان لدينا بديل محدد وقابل للتعميم.
ومع كل ذلك ، ألا تلمح معى معالم المؤسسة فيما فعله عميدنا هذا بمعهدنا قياسا بما سبقه، بل قياسا بمستويات أعلى فى الجامعة ، ألست تلاحظ أن ثمة قواعد عامة قد بدأت ملامحها تتضح ، وهى تنمو – فى تعثر – أفضل نسبيا من الأمور التى تسير أساسا – وأحيانا تماما – بالعلاقات الشخصية جدا دون قواعد عامة، ولعلك خير من يدرك مثل ذلك أو يتذكر مثل ذلك …. أم ماذا ؟.
2- اسمح لى أن أتحفظ على المثل العربى الذى استهلم به مقالك[2]، فهل يا ترى أردت تصنيفنا ونحن نتلقى مقالتك ؟ وهل يا ترى كمنت فى قاع وعيك دعوة ضمنية أن نتبعك اذا اعتبرت نفسك حكيما “ تعرف وتعرف أنك تعرف ؟ أم ترى أصدقك وأنت تقول لم تعرف لم خطرت لك هذه الحكمة العربية ابتداء؟ وسوف أصدقك فهذا أقرب الى فرصة التفاهم، ثم أقول لك أنى أحسب أنك خلطت ”أمل النصح” بيأس التجنب “بتصور الحكمة” خلطا غير مفيد، هذا فضلا عن أن هذه الحكمة – من أصلها – مردود عليها، فسقراط كان”يعرف”، وكان يعرف أنه لا يعرف ولم يكن نائما، ولم يكن فى حاجة الى من يوقظة، وما يسمى بالتجهيل السقراطى، وأحيانا بالجهل السقراطى هو من أعظم أشكال المعرفة، وربما كان فى قبولك لهذه الحكمة الساذجة، واستهلالك مقالك بها ما يفسر الجزم الذى صبغ مقالك من البداية الى النهاية.
3- أوافقك بلا حدود على ما أشرت اليه – فى الصفحة الأولى – عن التدهور الأخلاقى الناتج عن المبالغة فى الجانب ”الضبطى” لهذه المؤسسة ، فقد بدأ التفنن فى الكذب والتزوير والمقاصة والرشوة والتمييز الطبقى فى قبول الأعذار من عدمه، حتى كدت ابتعد مثلا عن طريق القياس يقول: “الذى ليس له ظهر، لا يقبل له عذر ولو سألت الطلبة هذه الأيام لفضلوا المثل القديم، فأن يضربوا على بطنهم أفضل من أن يحرموا من الامتحان أو يهددوا بالتحويل إلى كلية أخرى، ولو كنت معى تسمع هذا الطالب الذى تصور خطأ أنى نفسانى أفهم” فجعل يشكو من أستاذ حرمه من الامتحان لمجرد أنه مرر ورقة الى جاره الأيمن حسب طلب جاره الأيسر لتضاعف ألمك أضعافا مضاعفة على اتساع دائرة الشعور بالظلم وعدم وضوح قواعد الثواب والعقاب.
4- أن تصورك أن ما يجرى فى هذه المؤسسة بواسطة عميدنا، وهيجه، لم يخطط له بالقدر السليم ليس غريبا فى بلدنا، بل لعله أهون من تخطيط أعلى مستوى مثل النظام الجديد المتمثل غباؤه فيما يسمى “أولى حديث”، ودعنى أنتهز فرصة وأعرض عليك دعوة إلى مرراجعة ذاتية لجدوى علمك التاريخى العظيم Anatomy، فقد تعيد النظر اذ تجيب عن أسئلة متواضعة بأمانة مرجوة، لتسأل نفسك خارج اللجان والجدل : (1) أليس نصف ما تدرسه من هذا العلم للسنتين الأولى والثانية بكاف للممارس العام؟ (2) أليست امتحانات الماجستير، (وأحيانا الدكتوراه) لا تطلب من طالبها الذى يدرس التشريح أكثر مما تطلب من طالب السنة الأولى؟ (3) ألا تلاحظ أن قدر كل أستاذ أمام نفسه يتحدد بقدر صفحات، وساعات وعدد الدرجات التى يختص بها علمه، وكأنه هو هو كلمة أو كأن كيانه لا يتأكد الا بعلمه : أنا أدرس ، أنا أمتحن، اذا . . فأنا موجود (!!) ؟ فاذا جاءت اجابتك كما أتوقع من موضوعيتك وأمانتك فلابد أن تتعجب معى أن كل تعديل فى المناهج يتم بالإضافة وليس بالحذف ومن يضيف هو صاحب الاتصال السلطوى الأكبر، أو صاحب الكلام الشعرى ذى الرنين (انسانيات ؟؟ انظر كيف!) أو صاحب الولائم الألذ (الألذ الألذ) هذه هى ظروفنا التخطيطية العامة، بل ان نفس العوامل هى التى تحدد توزيع الميزانية التى يفخر بها عميدنا ، ونفس العوامل هى التى تحدد عدد الأجهزة وأماكن تركيبها (من أول أجهزة التكييف حتى أجهزة الفيديو والعناية المركزة) [راجع بيان العميد ولاحظ توزيع المبالغ حسب مراكز القوى].
فاذا كانت الحكاية ( ولا أقول البلوى ) شاملة ، فلم نخص عميدنا بأن هيجه افتقر الى عدم التخطيط ؟ ولعلك تبدأ تستبشر خيرا حين تجد من يقوم فى مجلس تخطيط برامج أو خلافه ليقول أريد أن أنقص محاضرات علمى من 250 ساعة الى ثمانين (مثلا) على أن أشارك زملائى الذيم يدرسون بعض المواد التطبيقية التى تتصل بعلمى بضع ساعات فى التحضير ليقوموا هم بتدريس أساسيات علمى ضمن دورسهم التطبيقية بالقدر المطلوب لهم لا أكثر ولا أقل . . . الخ، هنا قد نلاحظ أن هناك هدفا عاما، ومصلحة عامة ، ودفعا عاما، فاذا خرج عنه عميدنا أخذناه بلوم مناسب، وما عليك الا أن تراجع تاريخ كلية الطب وأنواع العمادة وتوزيع الميزانية المرتبط بالتخصص العمادى، لتتأكد أن المسألة كلها أن أغلب الأساتذة، ومن ثم العميد يتقمص علمه بشكل خطير ومنذر، فقسم الرمد هو أهم الاقسام حين يكون العميد رمديا، وأمراض القلب هى أخطر الأمراض حين يكون العميد قلبيا، والحنجرة ضرورية لتطور البشر وتعميق أسس الحضارة حين يكون العميد حنجريا وهكذا وهكذا، فلا بأس على عميدنا أن تضيع منه خطوط التخطيط المناسب وسط موجات هيجه، وخاصة أنه يجتهد ويحسن النية ويعمل وحده فى الأغلب .
5- بالنسبة لما جاء فى الصفحة الرابعة عن نظام Lernfreiheit أذكرك بالنظام الأزهرى القديم الذى كان يقسم المناهج الى “المدروس” و”المقروء” وكان لكل شيخ عمود فى جامع ( وليس جامعة)، وكان فخر الشيخ (وفخرنا بعمنا الفقيه الشيخ محمد الرخاوى الكبير) أن عاموده تمتد ساحته حتى باب المسجد حتى يكاد لا يبقى لشيخ آخر عمود آخر، والطالب حر أن يحضر على أى شيخ فى أى وقت ، ولكن كما تعلم . . حتى الأزهر حين أصبح جامعة وليس جامعا تقدم الى الوراء ولا حول ولا قوة الا بالله .
وهنا يجدر أن أشير الى اختلافى مع أ.د. محمود سامى حول هذه النقطة فهو يقول أن درجات أى علم هى الدافع الأول وربما الأخير لحضور علم بذاته، وخاصة وأنه ذكرنى واياك فيما يشبه البحث المقارن (تخيلا كما ورد فى رده) ، اختلف لأنى قد مارست فى كليتنا هذه ما يمكن أن يسمى خبره التدريس الحر يومى الثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع وذلك منذ ثلاث سنوات دون انقطاع فى شكل علاج نفسى جمعى تعليمى يخضره من يريد من أى سنه دراسية بل ومن أى مكان بشروط ميسره وهى الالتزام والجدية ، دون ارتباط بمنهج أو امتحان وكان الحضور واعدا وطيبا رغم قلة عدد، كما انى أتصور أن عدم كفاءه استاذ الجامعة فى التدريس بالذات لا تعيبه (انظر بعد) ، بل وخطر ببالى أن المدرس الموهوب تدريسا يمكن أن يدرس أى “مادة” غير مادته لو أتيحت له فرصة اطلاع مسبق بسيط على أبعاد المطلوب منه، (وكل هذا سأعود اليه فى الجزء الثالث).
6- اضافة الى ما جاء فى الصفحة الثالثة والرابعة والخامسة من مذكرتكم عن “الحضور بالآذان خوفا“ مقابل “الاسهام بالعقول اختيارا“ أذكرك يا سيدى وليس السبب فى ذلك هو ما صورت فقط ( وهو الحضور خوفا ولا كما تصور أ.د. سامى ( الأعداد الكبيرة) ولكن هناك أسباب متعددة أخرى أهمها طريقة ”المذكرات” وطريقة الامتحان، وطريقة التعيين بعد ذلك فى الوظائف . وسأعود الى تفصيل ذلك فيما بعد.
7- أوافقك على حكاية المحاضرة “السجن”، وأفيدك تحديدا أنه حدث ذلك أكثر من مرة، فقد أغلق المدرج فى يومين متتاليين على طلبة (وذلك حسب التعليمات) دون وجود محاضر لمدة ساعة كاملة، وقد تصادف وجودى فى المرة الثانية فهرعت الى العميد واستأذنته فى الدخول للمساجين واعطائهم “محاضرة ما” ، فأذن سيادته ، وكا موضوع المحاضرة فى ما معناه “أثر فعل اعاقة الحرية لمدة ساعة بلا تفسير ولا محاضر على تصرفات الطبيب مستقبلا مع مريضه”، وقد سجلت هذا الموضوع على الورقة الخاصة بالمحاضرة ولم يخاطبنى العميد فيها ولم أفاتحه بدورى. لعلها لم تصل، أو لعله اعتبر ما بها من قبيل المداعبة أو حتى تحصيل الحاصل (ان كانت قد وصلت)
8- أتحفظ بشدة ازاء ما ورد فى آخر صفحة بخط عربى كبير عن “أن اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية” فإذا كنت قد ترجمت الحكمة التى استهللت بها مقالك الى الانجليزية ، فلم تركت هذه بالعربية، ولم كتبتها بخط مكبر، ترى هل انت خائف من فقد ود عميدنا الودود؟ أو ترى أنك أيقنت أن مجتمعنا الظريف لا يسمح باختلاف الرأى الا والمدى “قرن الغزال” مشهرة من باب الاحتياط ؟ أم ترى أنك كنت تتحفظ ضمنا ازاء باقات الورد فى أعياد الميلاد؟ وبالمناسبة فان لى تعليقا شخصيا على هذه الحكاية الأخيرة:
فأنا أكره أعياد الميلاد عامة وعيد ميلادى خاصة، لدرجة أنى أطرب لفريد الأطراش وهو يردد كلمات الشناوى الرقيق فى هذا الشأن([3]) وذلك أنى لا أجد لى فضلا يذكر أنى ولدت فى هذا اليوم بالذات ، وأظن أنه جاء بمجرد الصدفة (وخاصة أن بداياته كانت قبل تنظيم الأسرة)، وحين تسلمت باقة الزهر الجميلة الباهظة الثمن (فى الأغلب) وقرأت تحيه العميد الرقيقة ابتسمت ثم تألمت ورفضت وهممت أن أكتب له محتجا، ذلك أن ملفى بالكلية هو أوراق رسمية ليس من حق أحد أن يطلع عليها لأغراض ودية (وخاصة فيما يتعلق بزميلاتى !!) ثم ان أحدا غيره لا يرسل لى مثل هذا ولا زوجتى مما قد يثير لدى أفكارا مقارنة تضر بتكيفى الاجتماعى وربنا يستر!! هذا من حيث الشكل أما من حيث المحتوى فلى مقاييسى على معنى الود ودلالة المجاملات، فإن ما يسعدنى ويلدنى من جديد كل يوم هو أن أجد من “يحترم ما أقول ويأخذه مأخذ الجد” أو أن “يرانى الاخر حيث أن أنا وكما أنا بخطئى قبل صوابى ثم لا يسارع بدمغى أو تركى بل يحتمل صحبتى ويواصل حوارى” أو أن “يحمل الآخر من بعيد بعض الهموم التى تتعلق بقضايا عامة نشترك فى مسئولية مواجهتها” أو – وهو أضعف الود – ”أن يتركنى فى حالى دون شكل الوداد المثير المحبط (بكسر الباء) فى آن “.. هذه بعض الورود التى تغذى روحى فى وحدتى القاسية، فاذا جاء عميدنا – أو غيره – وأرسل لى هذه الباقة الجميلة من الحياه العطرة . . فلك أن تتصور أزمتى حين تختلط مشاعر الامتنان بما يمليه على ما هو ”عادى” وبين تحريك حاجتى الى ود آخر، بلغه أخرى ، لذلك – وغيره – رفضت باقة زهوره بينى وبين نفسى ، فما أن ألمحت فى مذكرتك لشعورك المستتر تجاه باقة الورد هذه حتى شعرت بالمشاركة وهأنذا أشكرك بلا ورود، ودعنى أستمر فى استدعاءات شخصية تكاد تؤكد ما ذهب اليه ظنى ازاء هذه المسألة من فرض يقول : “أن هذا الورد يمثل “اجراء“ روتينيا عاما“. .
وليس رسالة شخصية مؤنسة“ ذلك أنى حين حصلت على جائزة الدولة فى الآداب لعام 1980 (الرواية الطويلة)، وكانت بالنسبة لى – بداهة – أهم من يوم مولدى لأنى صانعها ولست صنيعها – لم يرسل لى سيادة العميد لا ورده ولا ورقة، وقد كان مسافرا كما علمت بعد ذلك، ولكنه حين عاد لم يتذكر ، وقد آلمنى ذلك فى صمت ، لا لأنى انتظر التهنئة فهى لا تعنى عندى الكثير بقدر ما يهمنى فعل الابداع ذاته، بل حتى الجائزة نفسها قد طمأنتنى الى مرحلة بلدى الثقافية أكثر من معناها فى تقييمى الشخصى، أقول أنى تألمت حين تذكرت باقة عيد الميلاد ”اياها” ، وحين قررت أن أمنح الجائزة المادية لطلبتى عن طريق معهدى وجهتها الى مدير الجامعة متألما حيث كنت أفضل ان أوجهها الى كليتنا مباشرة ولكنى رفضت أن أحدث عميدنا حول أمر لم يستطع أن يدخل الى حقيقة اهتمامه بالقدر الذى دخل فيه يوم ميلادى السعيد !! ومن هذه المقارنة، كانت الاجابة على الفرض السابق- للأسف- أن تحقق ايجابيا، ولعله من حقى فى هذا التداعى أن أكمل اليك أن الاحباط لم يتركنى بعد توجهى للجامعة (التى بادرت بتهنئتى دون كليتي) واذا بها لا تكمل حوارا ضروريا حيث لم أتلق – حتى تاريخه – مجرد اشاره لتنازلى السالف الذكر يفيدنى أنى أعيش فى مجتمع يضع التعاون الموضوعى الودود فى نفس مرتبة الأحضان الولائمية القبلاتية.
ومع هذا وذاك ، فانى من جانبى أعتبر نفسى صديقا لهذا العميد رغم وروده، وليس بسببها ، اذ يكفينى أن رحابه وجوده قد سمحت لى بكل هذه التداعيات الشخصية التى نفثت عن بعض مابى حول “بعض ما جرى” و” يجرى”.
9- بالنسبة لما ورد فى رد الزميل أ.د. سامى (واسمح لى أن أخاطبه من خلالك) فأنى أستمهله حتى يتم نجله الثاني- وفقه الله ونفع به – الست سنوات التالية ليعمل دراسة مقارنة بين التدريس للنجلين وآثاره على كم المعلومات الداخلة والمحشورة ، ونوع الشخصية الناتجة، ونمو الجوانب الأخرى من المعارف ، وتطور طريقه التفكير، وهناك فقط يمكنه أن يميز الفرق بين النهجين الدراسيين فى تكوين “الطبيب الانسان” أو التلميذ الخائف (طبعا محاولة التحكم فى متغيرات أخرى لا أعملها) ففضلا عن يقينى من أن النظام الجديد لم يقلل من الدروس الخاصة فانى أعلم مباشرة ( ومن واقع ابنة لى . . مادام الاستشهاد بالخاص مسموحا) أنه قلل من كل فرص الحياه الانسانية الجامعية الحقيقة ، فقد قلل من دروس الموسيقى لابنتى، وفرص الحوار بين الطلبة حول الاهتمامات العامة، ووظيفة الرياضية التربوية، ومجالات الاطلاع الثقافية الأخرى، بل وحتى فرص المناقشات العائلية . . وقد نجح العميد فى أن يجعل الوقت الذى ربما كان يبذل فى مثل هذه النشاطات يقضى فى حالة “النوم المفتوح العينين” فى المحاضرات تمهيدا للاستعداد للدروس الخاصة ( ولكن هذا حديث له مكان لاحق ).
10- أوافق الزميل أ.د. سامى على فضل العميد فى تعداد التدريس ، فقد خلق ثلاث كليات من كلية واحدة ، وبالتالى خفف من التكدس واستعمل الطاقة المهملة لهئية التدريس، ولكنى اختلف معه فى حكاية ان الطيور المهاجرة قد عادت ( ومن أسف أن نفس التعبير استعمله العميد فيما بعد فى مذكرته البيضاء التى جاءت تعدد مناقبه) وابتداء ، وحتى أعود لنفس النقطة فى الفصل التالى ، فانى أرفض التشبيه الذى استعمله العميد، قم وافقه عليه أ.د. سامى ثم عاد يؤكده العميد ، ذلك لأن “هجرة الطيور“ هى من أشرف قوانين تناسق الطبيعة بمختلف مكوناتها من أحياء وأجواء وأماكن، ولا يصح بحال من الأحوال أن نصورها باعتبارها نشازا ينبغى أن نقضى عليه أو خطأ ينبغى أن نصلحه، وحتى لو افتراضنا – خطأ - أن طلابنا قد هجروا الكلية مثل تلك الطيور المظلومة بهذا التشبيه ، فاننا – فى الطبيعة – لا نمنع الطيور من الهجرة بحبسها فى الأقفاص ثم نتصور أننا غيرنا طبيعتها المهاجرة ( هل تذكر النشيد الرقيق الذى حفظناه فى الابتدائى: “قد كان عندى بلبل فى قفص من ذهب” إلى أن قال : وقال لى حريتى لا تشترى بالذهب؟
وهكذا تجدنى ادافع عن رأيك حين أخاطب الزميل د. سامى ، واتحفظ ازاء الحرية التى تغنيت بها فى مقالك حين اخاطبك ، ولا تناقض فى الأمر، ولكنه يحتاج الى تعميق للوصول الى التوليف الواجب بين النقيضين (الأمر الذى سأحاوله فى فصل آخر) – ولا أترك هذه النقطة قبل أن أعرض التشبيه البديل الذى قفز الى ذهنى بديلا عن تعبير ”الطيور المهاجرة”، وهو تشبيه الطالب التارك المحاضرة بالعبد الآبق (الهارب من سيده) وعقابه فى الدين “والجذور” Roots - هل تذكر- على حد سواء هو القتل مالم يرجع، والفرق بين العبد والحر أن العبد يهرب من موطنه والحر يسارع – بارادته ووعيه الى ما هو خير حيث كان – تقول العرب: الحر الى الخير سابق والعبد من مواطنه آبق، وارجاع العبد الطالب الى حظيرة المحاضرة بهذه الطريقة هو قتل لملكاته بلا شك، وهذا رأيك، ومع ذلك فلا تأخذ موافقتى بلا شروط ، فأنا مع النظام . . مع النظام . . ولكن (انظر بعد).
11- ردا أيضا على تساؤل أ.د. محمود سامى “كم من أعضاء هيئة التدريس وخصوصا الأساتذة كان يلتزم بإلقاء المحاضرة والدروس الاكلينيكة ؟ أقول :
ان كان هذا النظام الجديد قد وضع لالزام الأساتذة الزملاء بما غاب عن بعضهم فأهلا به مع ضرورة الرجوع الى بحث أسباب عدم الالتزام السابق (اليأس أو الحكمة أو بعدالنظر… أو غيرها) ومحاولة ازالتها بالحوار والمناقشة والالتزام النابع من التذكرة بأصل وظيفة الأستاذية، وبفتح باب الاختبار بين واجبات هذه الوظيفة المتنوعة حسب ملكات كل أستاذ واحتياجات الكلية معا (انظر بعد)، وتكون المحاسبة بعد ذلك على التخلى عن الالتزام محاسبة ادارية شجاعة وجماعية ومباشرة، فلا نحاسب الطالب لتقصير الأستاذ – ان وجد -وكأن الذى لم يقدر على كذا تشطر على كيت .
12- ردا على تساؤل تال للأستاذ د. سامى: “هل من المعقول او المقبول يا أخى أن يلتزم الاساتذة بالقاء المحاضرات فى مواعيدها رغم عدم ملاءمة بعض هذه المواعيد لمصالح بعضهم ولا يلتزم الطلبة بالحضور بجحة الحرية والهرب من سجن المدرجات؟”.
والاجابة عندى أن هذه الافتراض هو “المعقول ذاته” فالأستاذ يحضر ويحاضر فى أى وقت من الليل والنهار لأن هذا التزامه وهذه وظيفته التى ارتضاها بعضويته فى معهد له لائحه وفيه قانون يسرى عليه بمجرد قبوله الانتماء الى نظامه حت يغيره – ان استطاع – بالقنوات الشرعية، اما الطالب فهو صاحب حاجة تنظمها ايضا اللوائح ، ولكن تنظمها أيضا القواعد التربوية التى تفرق بين المحاضرة والعملى والمجموعة والمكتبة والمقروء والمدروس والجهود الذاتية وغيرها، وتصوير أن المحاضرة هى المصدر الوحيد أو المصدر الأهم للدراسة الجامعية هو تصوير مدرسى شديد التواضع خطير العواقب ، أما حكاية “. . بحجة الحرية” فهى حكاية تحتاج إلى النظر، لأن شرف الحرية هو الذى سيسمح للطالب ان يحضر المحاضرة أو المكتبة، أن يسمع لهذا أو يترك ذاك ، أن يقرأ كذا أو يوجز كيت، فهذه الحجة هى خالقة الطالب بشكل أو بآخر فى اطار عام من النظم المتفق عليها.
وبعد
فانى أشكرك يا سيدى ان كنت تحملت هذا الاسهاب حتى بلغت هذه النقطة من القراءة، كما أشكرك مرة ثانية ان كنت قد صبرت على ظاهر تناقضى وأنا أفكر حرا بحروف مكتوبة سعيا إلى اقتراح بديل سأحاول ان اطرح امثلة منه فى الفصل الأخير، وأشكرك أخيرا إن صحبتنى فيما يلى من محاولة ولم تأخذ الأمر مأخذا شخصيا أصلا، فعفوت عن بعض مبالغاتى وانتبهت أكثر للجوانب العملية الممكنة من لاحق افكارى، وقد كنت قد كتبت مذكرة مختصرة لتقييم العمادة الحالية كنت أزمع ان أرسلها اليك عن طريق العميد نفسه الا أنى لا أجد لها محلا حاليا مع هذا العمل الأشمل.
[1]- الكلمة التى خطرت ببالى أولا كانت “الهوجة” بالعامية، ولكنى لم أجد لها أصلا عربيا، فالتزمت لفظ الهيج، وهو يعنى الحرب، والريح الشديدة، والفتنة، وقد تجنبت مادة هوج لأن الهوج يعنى الحمق وهذا ليس واردا حاليا.
[2] – ناهيك عن تساؤلاتى حول دقة الترجمة مثل استعمال لفظ Simple ولعلك تعنى e ولكن هذا يعتمد على الأصل العربى الذى افتقدته.
[3] – عدت يا يوم مولدى عدت يا أيها الشقى.
الفصل الثالث
أفـكـار
1- مقدمة: ما هو قصر العينى؛ الرمز والوظيفة.
2 – اتخاذ القرار – التنفيذ – المتابعة.
3 – الطلبة ]بين المدرسة – والجامعة].
4 – قصر العينى: المؤسسة العلمية.
5 – قصر العينى: المستشفى.
أولا: المقدمة: الرمز .. والوظيفة
سأحاول فى هذا الفصل – ما أمكن – أن أكبح جماح قلمى لعلى أكتفى بتقديم اقتراحات محددة تجعل ما قدمته من نقد هو فكر مسئول، وليس فرجة ساخر، وأنى أتصور أن ما سيرد من أفكار قد يقع فى أحد مستويين: الأول: ويختص بالأفكار الممكنة التطبيق. والثانى: ويشمل الأفكار البعيدة التحقيق، ولم أحاول أن أصنفها بهذا التحديد تاركا للقارئ حرية الحلم أو الاستخفاف، واثقا أن من يده فى النار هو الأعلم بآلام الحريق، عالما أنى “على البر” رغم أنى لست شاطرا.
وقبل أن أبدأ فى عرض “أفكارى” لابد من التعرف على المؤسسة المعنية وهى قصر العينى، حيث تمثل هذه المؤسسة عدة معانى عند مختلف الناس، فقصر العينى له معنى رمزى وتاريخى (أشرت الى بعضه فى الخطبة الاستهلالية) ولكنه من حيث الواقع الحالى وطبيعة النشاط يمثل أكثر من معنى وطبيعة:
1 – فهو مدرسة: كما رآه عميدنا الحالى أساسا.
2 – وهو جامعة (أعنى كلية).
3 – وهو مؤسسة علمية يحوى نخبة من العقول المتميزة فى مجال البحث العلمي.
4 – وهو مستشفى للعلاج على أرقى مستوى، ومن خلال ذلك يتم التعليم.
ولا يصح لأى فرد يتصدى لقيادة هذه المؤسسة أن يهتم بجانب دون الآخر، وان كان من البديهى أن يزيد اهتمام كل واحد بجانب أكثر من الآخر حسب صفاته الشخصية وقدراته الخاصة وأحسب أن عميدنا الحالى قد اهتم بالجانب المدرسى أساسا والجانب المستشفياتى ثانية، و .. وفقط، وهذا ليس بقليل فى هذه المدة المحدودة، ولكن لا يمكن أن يستمر الأمرهكذا على حساب معنى الجامعة وتنمية القيمة العلمية، والأمل معقود أن يتبين هذه الجوانب فيعتدل الميزان من خلال المراجعة والحساب.
ورغم اختلاف الوظائف المتعددة السالفة الذكر الا أنها تلتقى من عمق ما ليكمل بعضها بعضا.
فالمدرسة بمعنى النظام والناظر والغياب والحضور … الخ قد تمهد للجامعة فى حدود مضبوطة، الجامعة التى تعنى طلب العلم والمحاورات والاطلاع والتوليف الحر، ولكن اذا طغى الجانب المدرسى على الجانب الجامعى اختل النظام.
كذلك فان المستشفى بمعنى المريض والعلاج والجهاز الطبى والفندقة اذا لم ترتبط بعمق الموقف العلمى وزيادة فرص البحث الجديد فى مشاكل علمية متحدية انتهى الأمر إلىمستشفى جيد، وربما نظيف .. و .. فقط.
وبديهى أنه لا يمكن فصل هذه الوظائف مجتمعة عما يجرى فى المجتمع بصفة عامة، وما يجرى فى أى مؤسسة لابد أن يتأثر بما يجرى خارجها، وارتباط قيم مثل قيمة الديمقراطية أو معنى الادارة أو قيمة المعرفة بمعانيها عند الغالبية فى المجتمع الأوسع لابد سينعكس بنفس المعنى فى أى مؤسسة محدودة، ولكن الأمل أن يكون التأثير متبادلا، حيث يمكن ان نتصور أن ارساء معان أعمق لهذه القيم فى مؤسسة ما، قد يعكس نفسه – رويدا رويدا على المجتمع العام – من يدرى؟ فاذا لكن قصر العينى وما شابهه يمثل نموذجا من أعلى مستويات تواجد العقول العلمية معا فإن هدفه النهائى– من كل وظائفه – يصبح ازدهار هذه العقول لتعطى كل امكانياتها لصالح الكل، ويصبح هذا الهدف المحورى هو الذى يجمع شتات صور وظائفه، وهو الذى يحدد تأثيره المتبادل على المجتمع.
وقد تصورت لزوم هذه المقدمة لسببين: الأول: حتى لا يحتج أحد ضد الأفكار “البعيدة التحقيق” بأنه “ما هو كله هكذا” لأنه حتى لو كان “كله هكذا” فقد آن الأوان ليحاول كل موقع ألا يكون “هكذا”، والثانى: حتى نتبين طبيعة الانجاز فى جانب من الجوانب هل هو على حساب الجوانب الأخرى أم أنه يصب فى النهاية فى الهدف المحورى فى المؤسسة .. فالمجتمع.
ويبدو أن عميدنا الحالى كان من “الواقعية” و “المباشرة” بحيث اكتفى بالمستوى الادارى أساسا دون ربط بالأهداف المحورية الأبقى، وهذا طيب فى ذاته، الا أن خطره فى المدى الطويل قد يكون وخيما، فالتلميذ الذى وصل الجامعة ليصبح طالبا فأعيق ليستمر تلميذا خائفا راجيا منتظرا الرأفة والعفو طوال الوقت لا يمكن أن نتوقع منه بعد طول السنين أن “يبدأ” و “يقول” و “يراجع” اذ سيظل تلميذا طوال حياته، حتى وهو يتقدم إلى وظيفة أستاذ بأبحاث هى من قبيل “عمل الواجب المنزلى” (فاكر؟) سوف يفعل ذلك وكأنه فى “امتحان للنقل” من “سنة أستاذ مساعد” الى “سنة أستاذ” ، ذلك لأنه لم يهيأ منذ بداية مرحلته الجامعية الى أن يكون علاقة ذاتية ومباشرة مع المعلومات الواصلة الى ذهنه بصفتها أدوات للمعرفة البحثية التالية وليست غاية المراد من رب العباد، ولم يحترم عقله ولا ارادته لدرجة يذهب معها يعارض ويتحمل مسئولية معارضته حتى نتغير الى أحسن، ولم يحصل على تفوقه باعمال فكره وانما بشحذ ذاكرته .. الخ.
لكل ذلك، فانى رغم انبهارى بالانجازات المدرسية الحالية وموافقتى على ضرورتها من حيث المبدأ، أردت التنبيه منذ البداية الى خطورة الاكتفاء بتنظيم هذا المستوى الأدنى دون أن يصب فى الأعلى تكامليا، والا فياليت ما جرى ما كان.
ثانيا: القرار .. التنفيذ .. الاستمرار
الادارة فى تصورى هى: أسلوب لاتخاذ القرار، ووسيلة لتنفيذه، ومقياس وجهاز لمتابعته، ولا ينبغى أن نفرح لأى انجاز كان([1]) ما لم نستطع أن نرجع الى جذوره القراراتية، وآثاره الحقيقية حين وضع موضع التنفيذ، وامكانية تكراره أو تعديله أو العدول عنه … الخ، ولكنا من لهفة جوعنا ودعة اعتمادنا نفرح بالانجازات الظاهرة والمباشرة بغض النظر عن المضاعفات الناتجة منها أو حقيقة دلالتها، فاذا خفضت الدولة الأسعار فرح الناس مباشرة دون النظر للمضاعفات الاقتصادية التى تقفز بنفس الأسعار الى أضعاف غير محسوبة بعد فترة وجيزة، واذا زادت نسبة النجاح وزحمة الدرجات المئوية العبقرية فى الثانوية العامة فرح الناس بالزيادة دون تذكر أنه بهذه الزيادة تفقد الأرقام معناها وتبقى الأعداد المقبولة فى الجامعات كما هى .. وهكذا.
فلا عجب اذا نحن – فى مجتمعها الصغير: قصر العينى – حكمنا على عميدنا بما أنجز من أرقام لا بما أرسى من قواعد، وهو نفسه يقيس بعض نجاحه بما جلب وأنفق من مبالغ لا بما رتب من أولويات، لكل ذلك رأيت أن أول ما يمكن أن أقدم من أفكار هو أن أعرض تصورى عن طريقة صنع القرار وكيفية تنفيذه وامكان متابعته، وحتى لا أبتعد أكثر عن الواقع العملى فى مؤسستنا أبدأ مباشرة بقرارات واقعة، ونظم قائمة، وأحاول من خلالها أن أعرض أفكارى.
أولا: فأول قرار نتخذه هو قرار انتخاب العميد، وهو بالطريقة التى يجرى بها يمكن أن يعتبر من أكثر انجازات الديمقراطية دلالة على المستوى العلمى الجامعى، ولكنه يتم – رغم كل شئ، وعلى هذا المستوى الرفيع – بشكل ما معتمدا فى كثير منه على العلاقات الشخصية (بما فى ذلك الورود والولائم والابتسامات والتوقيعات)، وهو أمر انسانى ومقبول، ولكنه يحمل عيوب الانتخابات عامة فى النظم الديمقراطية كافة، وأتصور أننا قادرون على أن نعطى قدوة حقيقية بالنسبة لهذه المسألة، فاذا نجحنا فيها طمعنا فى مثلها على مستويات أقل علما وبعقول أبسط محتوى وتركيبا.
لذلك فانى بهذا الصدد اقترح:
“على من يجد فى نفسه الكفاءة والرغبة فى التصدى لهذا الموقع القيادى أن يقدم نفسه موضحا خطواته العملية وأهدافه الواقعية، وأن يلتزم بها بعد انتخابه”
أما عن الاقتراح الأبعد (وهو أبعد لأنه يحتاج لتغيير القانون):
“أن تتسع قاعدة الانتخاب فتشمل حتى مستوى المدرس، وياحبذا المدرس المساعد والمعيد،”
فنثرى القيادة بقاعدة متفتحة عريضة، ونعفى العميد من الحرج الذى يجد نفسه فيه حين يكون عليه أن يرضى الأكبر ويوجه ويضبط الأصغر … حرصا على الصوت الانتخابى من جهة وأملا فى التنظيم من جهة أخري.
وبديهى أننا اذا قبلنا أن يختار رئيس الجمهورية شاب أمى فى الثامنة عشرة من عمره فلماذا لا نغامر بأن يختار العميد شاب “دكتور” فى السابعة والعشرين وأنت طالع؟
ثانيا: بالنسبة للنظام الهرمى بشأن القرارات المنظمة لعمل الكلية:
1 – ينبغى أن يعاد النظر فى كل نشاط المجالس واللجان الحالية (مجلس الكلية، ومجلس القسم، ولجنة الدراسات .. الخ) والتخلص فورا من أكوام القرارات التى يلزم المجلس بنظرها – دون نظر حقيقى – وتحويلها للتفويض أساسا بعد الطمأنينة الى دراستها فى المستويات الأولى بمنتهى الحرية والاتقان، وقد ذهبت الى ذلك لا لأضاعف من المركزية (التى سأتناولها بعد قليل) ولكن لأحقق جدية الاجتماعات حيث يعرض مائة موضوع على نصف مائة شخص خلال ساعة ونصف، والعامل الهام فى التصويت هو مدى “مشغولية” الأعضاء، والقرارات التى يريد المقرر “تمريرها” بلا ديمقراطية تعرض اما فى البداية قبل اكتمال العدد أو قرب النهاية حين يزيد النظر الى الساعات حسب مواعيد العيادات وغيرها، ولا أتصور أن يفوض العميد فى كل اختصاصات مجلس الكلية مثلا ولكن يمكن:
(أ) عمل احصاء على نوع القرارات “الجماعية” التى لم يعترض عليها أحد من مجلس الكلية أو مجلس القسم خلال السنوات الثلاث الأخيرة (ب) تعيين مساعدين متطوعين للعميد يفوضهم لدراسة هذه القرارات والتأكد من مناقشتها ديمقراطيا على المستوى الأول (جدا).
(جـ) يفوض العميد فى اقرارها بعد توصية المساعد المختص .
فلا يتبقى أمام المجلس الا الموضوعات التى تحتاج للمناقشة الجدية حقيقة وفعلا.
وللمجلس أن يراجع كل قرارات التفويض فرادى، ولأى عضو واحد الحق فى اعادة النظر فى أى قرار مر بالتفويض إذا كتب أسبابا كافية وقانونية لذلك.
2 – وعلى ذلك، نعفى مجالس الأقسام من كثير مما يمر بها “كمحطة تحويل” لا أكثر ولا أقل .
3 – تدعم مجالس الوحدات حيث هى قادرة على مناقشات موضوعاتها المتخصصة، وتقسم هذه الموضوعات الى قسمين: الأول: يمر على مجلس القسم فمجلس الكلية، وهى الموضوعات التى ثبت أنها نوقشت فعلا وتم التصويت عليها بالأغلبية فى السنوات السابقة والثانى: وهى الموضوعات التى ترفع للموافقة بالتفويض عن طريق مراجعة المساعد المختص .
ويمكن توسيع “مجالس الوحدات” بقرار داخلى من الكلية ليشمل الأصغر، وليحضر فيه صاحب الشأن المعروض، يعرض وجهة نظره مباشرة.
4 – يمكن بناء على ذلك أن يقل العدد فى كل من مجلس القسم ومجلس الكلية اطمئنانا للمستوى الديمقراطى الأول، وأن ممثل الوحدة يعرض بأمانة (مكتوبة) رأى الأغلبية والأقلية على حد سواء.
ثالثا- المتابعة:
ان أى مراجع يذهب لمراجعة – مثلا – قرارات المؤتمرات العلمية التى تعقد بتمثيل الطلبة الصورى وتمثيل المعيدين الرمزى، تعقد مرتين فى السنة وتناقش وتوصى . . أقول ان أى مراجع لمآل توصيات هذه المؤتمرات لابد أن يتحسر على وقت الأساتذة والعلماء، ويضحك على “جمال القوانين” التى تستعمل من الظاهر، اذا .. . فدعونا نعلنها بأن أى قرار بلا متابعة.. هو نية حسنة مع وقف التنفيذ، أو فى أحسن الأحوال،مع التنفيذ السرى العشوائي.
وفى هذا الصدد أقترح:
عمل “لجنة”، أو هيئة مساعدين، كل منهم يختص بنوع من القرارت، يكون مهمتها المتابعة للجاد وغيره والجوهرى والثانوى على حد سواء لما يتخذ من قرارات، وخاصة ما يكون معه “رأى أقلية” بهدف الدراسة المقارنة المستمرة، وعلى هذا المختص بالمتابعة ألا يكتفى بردود الأقسام على ورقة تمر، بل يقوم بتكليف من العميد: بمتابعة القرارات فى مواقع التنفيذ، لا للتفتيش ولكن للاسهام فى تنفيذ القرار، أو أعلان الرجوع عنه أو أزالة العقبات أمامه .
رابعا- رأى الأقلية، و “ادارة الظل”:
ان اصرارى على تقييم صحة مجتمع ديمقراطى بمدى احترام رأى الأقلية هو اصرار بديهى لمن يرى أبعد من فرحة الاجماع، واذا كنا لم نعتد احترام رأى الأقلية فلنبدأ بالمحاولة، وخاصة أنه فى مجتمع متواضع النضج (تعبير أخف من قولنا: متخلف) لنا أن نتوقع أن الرأى الأصوب قد يكون مع العدد الأقل، وحرصا منا على الاستفادة القصوى من كل الأفكار ينبغى أن نحافظ على هذه “الأقلية” للوقت المناسب حين يفشل (أو يتعثر: من باب المجاملة) رأى الأغلبية .
والاقتراح:
يوكل للجنة المتابعة – البند السابق – أو للمساعد المختص بهذه النقطة بالذات، مهمة تجميع آراء الأقلية فى شكل اقتراحات عملية بديلة جاهزة للتطبيق، وكأنها – مع القياس المتجاوز – أشبه بادارة الظل (قارن حكومة الظل فى انجلترا أو أى بلد متحضر)، (ويترك حاليا أى رأى أقلية لم يعرض بديلا عمليا مهما تأخرت ظروف تطبيقه) – وتكون مهمة هذه اللجنة (أو هذا المساعد) أن يذكر برأى الأقلية وخاصة فى حالات فشل رأى الأغلبية عن تحقيق غاياته المعلنة قبلا.
واذا نجحنا فى تطبيق هذه الفكرة – أو بعضها – فقد نصبح قدوة لتجمعات ديمقراطية أقل ثقافة وعلما وأمنا، ورويدا رويدا قد نتبين أن استمرار الحوار بعد التصويت لهو أفضل مرات عديدة من الرضا السعيد بالاجماع، أو بالفرحة بالأغلبية السلطوية المجاملاتية، أو بالانبهار بالأقلية المعترضة الرافضة بلا بديل .. . الخ.
وأخيرا يجدر أن نكرر أن رأى الأغلبية ليس هو الصواب المطلق ولكنه هو المناسب المرحلى، وبما أن المراحل تتغير وتتلاحق فالبدائل مطلوبة دائما .
كما أنى اتصور – وهذا حقى ما دام شيئ لن يتحقق – أن هذه الفكرة (ادارة الظل) قد تمتد الى أصغر الوحدات والتجمعات حتى لو لم يمثلها غير “رأى واحد” فى أى موقع من المواقع، وبديهى أن أى أقلية – من الناحية العملية والتنفيذية – هى ملتزمة برأى الأغلبية بلا أى تردد .
خامسا – اللامركزية:
اللامركزية ليست اختيارا بديلا ولكنها واقع حتمى من حيث حقيقة الجارى، ولا يبقى – اذا – غير تنظيمها الأمين، ذلك أنه من المستحيل على الادارة المركزية أن تقوم بتنفيذ مباشر لكل التفاصيل، ومهما بالغت المركزية فى تصور قبضتها الحديدية فان أنفاسها ستنقطع على المدى الطويل ليتصرف كل رئيس أصغر – سرا – فى المساحة التى يعلم تأكيدا بأن يد المركزية لن تصل اليها أو ستفشل فى اكتشاف تفاصيل ما يجرى بداخلها.
وانى أتصور أن عميدنا – رغم أنه لم يهمد والحمد لله – قد شبع ضحكا اهلاسا وهو يمركز كل شئ باخلاص لاهث، وعذره كما أتصور أنه كان يريد الاصلاح، وفى نفس الوقت لا يثق فى درجة حماس زملائه “الاكبر” لهذا الاصلاح، فاضطر أن ينطلق مباشرة الى ضبط وربط الأصغر – كل الأصغر – لعلهم ينتهون (وبالتالى لعل الأكبر يتحركون أو يتحمسون)، وأعتقد أنه نجح نسبيا، الا أنه نسى العجز الحتمى عن الاستمرار، الأمر الذى أدركه زملاؤه الحكماء وقابلوا نشاطه بتصرفات متنوعة:
(ا) فبعضهم صفق له لأنه اعفاهم من مواجهة مباشرة مع مرؤوسيهم (ب) وبعضهم وقف يتفرج عليه منتظرا انقطاع أنفاسه ساخرا (أو لا قدر الله شامتا) (جـ) وبعضهم وقف منبهرا مشفقا واثقا من عودة “ريما” إلى عادتها، “وكأنك يا عميد لم تبدأ أو تعيد“.
والاقتراح للتدرج الى لا مركزية فاعلة: أصوره كما يلي:
لابد أن تحدد ابتداء معالم “الأهداف” لكل “وحدة على حدة” فى حدود الاطار العام، ويبدا هذا التحديد من أسفل إلى أعلى، يصاحبه بداهة طريقة تفصيلية (بالدقيقة والساعة والشخص والمهمة) لتحقيق هذه الأهداف ثم يوضع أسلوب لتقييم النتائج بشكل محدد ومباشر على أرض التنفيذ، ومن خلال التقييم الدورى المباشر (بمساعدين أو لجان أو غيرها)، وبهذا يصبح العمل عملا حقيقيا وليس جولات مفاجئة (!!)، ويتفرغ العميد للتخطيط والمتابعة وازالة العقبات.
وأعلم أن صعوبات بلا حدود سوف تنشأ حين تصبح الأمور بهذه الجدية والالتزام، ذلك لأن عقاب طبيب مقيم بل وحتى فصله، لهو أسهل عشرات المرات من سؤال أستاذ عما حققه “فعلا” مما تعهد به عن وحدته.
وأذكر أيضا أن التقارير لابد أن تشمل مباشرة العمل رأى العين وعدم الاكتفاء بتقارير مكتوبة تفيد بأن الجميع بخير وعمل لهم اللازم.
ومع الاعتراف بصعوبة اللامركزية الفاعلة بعد ما وصلنا اليه من “يأس” و “تقريب” و “رضا” فانه لا بديل فى المدى الطويل عن الأخذ بها، وربما يخفف من الصعوبة اشراك الأصغر فى التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
وبعد:
فلنتذكر فضل عميدنا “المركزى” الحالى فى أثارة تفكيرنا فى فضل “اللامركزية”، ولنتذكر قبل الانتقال الى “بند” آخر أن مقومات استمرار أى حماس أو قرار أو حتى ثورة لتحقيق غايتها تتطلب، على الترتيب:
1 – أن يصبح الانقلاب ثورة (والانقلاب يقوم به فرد أو عدة أفراد، والثورة تحركها الجموع ويعد لها الحوار، ويحافظ عليها “نتاجها” وليس “صانعها“).
2 – أن تصبح الثورة قانونا (وهو ما يقابل مرحلة تشريع الثورة، بارساء القواعد، وتحديد مسالك استمرار التغيير البناء).
3 – أن يصبح القانون طبعا وسلوكا تلقائيا يتعس كل من ينحرف عنه، بشكل فردى مباشر.
وبغير مثل هذا الأمل مهما طال الزمن، فان أى تغيير لن يسفر الا عن العاب نارية مؤقتة، قد تصلح “زينة” فى حفلات “تكريم المعاش” أو “تابين الراحل” أيهما أقرب.
ثالثا: الطلبة (المدرسة – الجامعة)
لعل هيج عميدنا المتحمس، وفضله معا، قد ظهر أكثر ما ظهرا فيما يتعلق بالطلبة، وقد عايشت بالصدفة هذه التجربة المثيرة المسماة “أولى حديث” من موقع شخصى كولى أمر، ومن موقع عملى كأستاذ فى ما يتعلق بالطلبة، وقد عايشت بالصفة هذه التجربة المثيرة المسماة “أولى حديث” من موقع شخصى كولى أمر ومن موقع عملى كأستاذ محاضر، وكانت قسوة التجربة والارتجال المصاحب لها وزحمة العلوم وهيج العميد كفيلة جميعها أن تضع الطلبة فى خبرة عصاب تجريبى خطير.
ويبدو أن عميدنا – بعد شهور من الضبط والربط والجرى والحسم والتهديد بالفصل والتحويل – قد قرر أن هذا النظام هو أنجح نظام بدليل ضعطه المتواصل لتحسين النتيجة، وكأن النتيجة الحسنة دليل مباشر على حسن النظام.
التدريس بالقهر والنجاح بالرأفة:
وان صح ما ظننته من تدخل العميد “الأبوى”، فقد أرسى سيادته أسوأ قيمة يمكن أن تخرب وجدان الطالب وضميره منذ بداية حياته الجامعية وكما سبق أن أشرت (ص39) فإن الخطر كل الخطر ينشأ من “العقاب بالصدفة، والعفو بالرحمة“، كذلك فإن خطر هذا الأسلوب الأبوى القهرى الرحيمى غير المدروس أشد وأقسى.
والظاهر أن شعبنا المصرى المسالم المحتاج قد اعتاد أن يصلح مشاكله “بالمنحة السنية” لا بدراسة أسباب الأزمات والتخطيط لتجنبها، وكم كنت أثور – فى نفسى طبعا – من تأشيرات رئاسة الجمهورية أو غيرها بمنح مريض “فصام بارنوى” معاشا طوال مدة دراسته مع فرص استثنائية لمجرد أن سيادته طرق “الباب العالى”، دون النظر الى مرضه، ودون التفكير فى فاعلية مثل هذه المنحة وضررها عليه، ودون استشارة مختص … الخ، ويبدو أن العدوى قد انتقلت لعميدنا الأب الكريم، فأفاض على أبنائه الدرجات من جيبه المنتفخ حماسا، وكأنه يكفر عن ذنب لا شعورى لا يدريه.
وحين يصبح الحضور خوفا والنجاح منحة تضيع كل قيمة تربوية مهما زادت النسب المئوية للنجاح.
وأكتفى بهذا المثال المحدود لأنتقل الى التزامى فى هذا الفصل بعرض بعض الأفكار التى قد تفيد: محاولا أن أغطى من خلالها تصورات حول انضباط الطلبة، ومشكلة المحاضر، ومحتوى المحاضرة، والكتاب الجامعى ثم الامتحانات، والدراسات العليا والرسائل الجامعية.
حضور الطلبة
1 – حددت اللائحة ساعات معينة لكل مقرر دراسى، وينبغى تفسير هذا بالزام الكلية بتدريس هذه الساعات دون الزام الطلبة بذلك على طول الخط.
2 – يعمل لكل طالب كتيب (كارنيه) به صورته وبيان بعدد الساعات المطلوب منه حضورها وتصنيفها – كما سيلى -.
3 – يلزم الطالب بحضور نسبة معينة (30% مثلا) حسب الجدول المعد من قبل الكلية.
4 – يحضر الطالب نسبة أخرى (30% مثلا) فى نفس المادة للمحاضر الذى يختاره.
5 – يعفى الطالب من نسبة ثالثة (40% مثلا) من الحضور الا باختباره. (وهكذا تصبح النسبة المطلوبة المثبتة هى 60% فقط كما جاء باللائحة وتتاح للطالب فرصة الاختيار فيما عدا ذلك دون المساس بالنظام أو الالتزام).
6 – يتم متابعة هذه الكارنيهات بجهاز ادارى فنى حديث قادر على التأكد من جدية ملئها والوفاء بتصانيف نسبها.
7 – قد يكون مثل هذا النظام – مع التعديل المناسب – أسهل فى التطبيق بالنسبة للدروس العملية والمرور الاكلينيكي.
(ملحوظة: اقتراح بديل – قد يترك حضور المحاضرات حرا تماما ويطبق هذا النظام (الكارنيه) على الدروس العملية والمرور الاكلينيكى فحسب).
8 – يقوم كل أستاذ بمسئولية تنفيذ النظام “الغيابى” دون الرجوع إلى أى جهاز آخر، ويتبع الطريقة التى يختارها مع اخطار الإدارة بالطريقة التى يتبعها، وقد تعينه الإدارة فى حالة طلبه ذلك فحسب.
المحاضر
تتكون المحاضر من “طالب – ومحاضر – وموضوع”، وقد حاول عميدنا الحالى الاهتمام بالمحاضر مثل الاهتمام بالطالب على حد سواء، وأستاذ الجامعة – وخاصة فى كلية الطب – له مهام متعددة من بينها أن “يحاضر”، ولكنه أيضا – وربما قبلا – باحث عالم، وحرفى ماهر، ومداو فنان … الخ، والاصرار على أن كل من يعمل بالجامعة لابد أن “يحاضر” هو اصرار تاريخى ليس له ما يبرره.
فلا يعيب الأستاذ أن لا يتقن اعطاء المعلومة عن طريق المحاضرة، فى حين يتقن البحث العلمى أو الفن الجراحي.
كما لا يعيب الأستاذ أن يكون اهتمامه الأساسى بعيدا عن منهجية وتفاصيل ودقة ما هو بحث علمى إذ يكتفى بحذق توصيل المعلومة عن طريق المحاضرة.
من هذا المنطلق أشعر أننا فى حاجة الى شجاعة خاصة حتى يختار كل أستاذ ما يصلح له ويفيد به.
وقد يكون من المناسب – إن أمكن – أن يساعده زملاؤه فى ذلك، وقد يكون الأنسب أن يعينه طلبته فى تحديد ما يتميز به باختيارهم اياه أو انصرافهم عنه كمحاضر مجتهد.
وأتصور الاقتراحات المناسبة لذلك:
1 – أن تتاح الفرصة لكل أستاذ (و “محاضر” عامة) أن يحاضر فى النسبة الجبرية الملزمة لطلبته حسب الجداول الموضوعة.
2 – أن يتابع المحاضر بنفسه مدى حضور طلبته، ويقيم قدراته ويعدلها من خلال الاقبال عليه.
3 – أن يحترم قدراته لو تبين عجزه عن جذب عدد معين من الطلبة (الربع مثلا) لحضور محاضرته بانتظام، فيصرف اهتمامه – بالاتفاق مع الادارة – لنشاط علمى آخر أو للتدريس على مستوى المجموعات الصغيرة فى المستويات الأعلى (الدراسة العليا).
4 – يعاد تنظيم الجداول فى العام التالى بناء على الانتقاء الحقيقى من واقع خبرات العام الماضى دون مساس بحق أى أستاذ يصر على الاستمرار فرصة أخرى شريطة أن ينجح فى جذب النسبة المناسبة.
المحاضرة: الموضوع
من البديهى أن العقد المبرم بين المحاضر والطالب يدور حول محتوى متميز هو موضوع المحاضرة وما تحققه هذه الوسيلة دون غيرها:
فلا نفع فى محاضرة تعيد كتابا منشورا ومتاحا.
ولا نفع فى محاضرة وظيفتها الاملاء.
ولا نفع فى محاضرة هى تمهيد لتوزيع مذكرات مشوهة.
وانما المحاضرة هى شرح ما لا يستطيع الطالب أن يحصل عليه “وحده” من الكتاب، وهى تشمل نوعا متميزا يمثل ما هو “حضور” و “تمثيل” و “اثارة” و “تنظيم متجدد” بحيث يوقن الطالب بأنه يفقد جوهرا ثمينا لا تعويض له اذا حرم من حضورها، ومن هذا المنطلق يصبح الفخر بالمذكرات والالتزام بها – بل والالزام – من أكثر الأمور اهانة وتشويها لطبيعة المحاضرة.
مشكلة الكتاب الجامعي
وعلى ذكر المذكرات المختصرة المبتسرة، لابد من الاشارة الى المصير المخزى الذى آل اليه “التأليف العلمى” بعد أن اختلت “القيمة الابداعية” المتعلقة به نتيجة للتشويه الذى أصاب الفكرة بعد ما أثير حولها من كلام غير مسئول وفهم مغرض متداع.
فان من أعظم العطاء الذى هو قمة التكامل العلمى الجامعى أن يستطيع أستاذ (مصري!!) أن يعيد تنظيم مادته مضيفا اليها رؤيته العلمية الابداعية، مستوحيا خبرته الطويلة وعلمه المتراكم المتآلف سواء ما نشره منه من قبل أو ما لم يفعل، مقدرا ومضيفا ما يتعلق بالفروق الحضارية والبيئية (واللغوية) فيما يتعلق بتخصصه، والندرة النادرة من الأساتذة هم الذين يمتلكون مثل هذه القدرة، ونتاجهم هو النتاج الوحيد الأولى باسم “الكتاب الجامعى“، الا أن اللغة فسدت حتى أصبح الكتاب الجامعى هو “الكتاب المذكراتى” أو “الكتاب المقرر” أو “الكتاب المفروض” أو “الكتاب السريع” أو “الكتاب المحتكر“…. الخ، فاختلط الحابل بالنابل كما يقولون، وأصبح شرف التأليف المبدع متهما بالاستغلال والسرقة، كما أصبح عار النقل المتعجل المبتسر مؤيدا بالترحيب.
لذلك أقترح:
أن نوضح بلا أدنى شبهة الفرق الهائل بين الكتاب “المرجع” والكتاب المدرسى “المقرر”، وبما أنه لا توجد هيئة محايدة لتحديد هذا الفرق، فكل واحد يمسك بالقلم ويحذق الانتقاء والضم (قيل القص واللزق) يعتبر نفسه مبدعا وربما أن غيره غير ذلك، ولا نملك ازاء ذلك إلا احترام هذا الخداع الذاتى باعتباره دليل مرحلة نضجنا وطبيعة فى قصور بشريتنا، وما علينا الا أن نقبل – مرحليا – تصنيف الأستاذ لنفسه، فنطلب من الأستاذ الذى يضع كتابا أن يصنفه ان كان “مرجعا” أو “كتابا مدرسيا”، وفى الحالة الأولى لا ينبغى التدخل فى حرية الأستاذ بأى صورة من الصور، فهذه مسئولية من موقع علمه وما الكتاب الا ذاته، وكل ما على الجامعة هو أن تقتنى منه العدد الكافى (ربما مائة نسخة) لمكتبتها، وأن تعتنى بالفصل بين محتواه وبين الأسئلة الاجبارية فى الامتحان، وتعتبره من فصيلة مراجع الاطلاع الحر (انظر بعد) – أما الكتاب “المقرر”، فتوضع له الحدود الحاسمة بحيث يعتبر الذى يتخطاها مخلا بوظيفته بشكل قد يعفيه منها، وأتصور بعض هذه الحدود مثل (1) مكافأة مجزية من الجامعة – غير حقوق الطبع (2) تحديد عدد الصفحات (3) تحديد الثمن (4) تحديد علاقته بالامتحان بشكل مباشر أو غير مباشر.
وانى أعلم علم اليقين أن العوامل الشخصية سوف تتدخل بدرجة تكاد تسفه الاقتراحات السالفة الذكر، ومع ذلك، فلابد من المحاولة، ولابد من اليقظة حتى لا نشوه القضية لدرجة تخل بأعظم قيمة علمية عرفها التاريخ المعرفى وهى “التأليف العلمى الابداعى“.
مشكلة الدروس الخاصة
يقول السيد العميد فى “بيانه الأبيض“: ‘…. وانتهى استغلال القائمين بالدروس الخصوصية من صغار المعيدين لتقديم وجهات النظر هذه” (فلان بيقول كذا، وفلان بيقول كذا، واوعى تقول كذا لفلان).
أما ان الدروس الخصوصية لا يقوم بها الا المعيدون وصغارهم بالذات، فهذا أمر يحتاج إلى مراجعة طويلة (وما على العميد إلا أن يستدعى بعض زملائه ممن لهم أبناء فى الكلية ويسألهم عن مدرسى أبنائهم الخصوصيين بعد أن يطلب منهم اليمين ويعطيهم الوعد بالسرية وسيعلم الكثير مما ينبغى أن يعلمه، دون ارهاق “المباحث” أو الاستسلام “للخيال”).
أما ان فكرة تعليم: أن فلانا يقول كذا، وعلانا يقول كيت، فهذا علم طيب لا يصح السخرية منه، بل لعل هذه الاحاطة باتجاهات مختلف الأساتذة هى من أهم ما يميز التعليم الجامعى فى كل أنحاء الدنيا، ولعل كلمة “معيد” قد نشأت أساسا لأنه “يعيد” كلام أستاذه ويقارنه بغيره، لا بهدف الاجابة فى الامتحان فحسب، وانما بهدف تعميق الفرق وايضاح مميزات كل فكر مستقل بحيث يكمل بعضه بعضا (فى العادة).
ومسألة الدروس الخصوصية هى مسألة لها أكثر من جانب فهى تتعلق (ا) بنظام المجتمع الرأسمالى الذى نعيش فيه تحت أسماء اشتراكية مختلفة (2) ومستوى الأخلاق([2]) عامة، والأخلاق الاجتماعية خاصة. (3) وكثرة أعداد الدراسين (4) والعلم كقيمة، والمعلم كقائد وقدوة .. الخ.
وعميدنا قد حاول أن يتغلب على هذه المشكلة بالجمع بين “الحشر” و “الاشغال” :أى بأن “يشغل” الطالب “طوال الوقت” “بحشر المعلومات” “كل المساحة” ([3]) (فى المحاضرات ثم مجموعات التقوية) ويبدو أنه صدق أمله فذهب يهتف: “انتهى عهد الدراسة من منازلهم وعن طريق الانتساب والدروس الخصوصية”، وكأن الدراسة من المنازل عيب، وكأن الانتساب ليس دلالة على الاستقلال والحرية، وكأن الدروس الخصوصية قد انتهت بحق (وحقيق)، وليسمح لى أن أنقل له حقيقة ما حدث مشفقا عليه من أى احباط بحتمية الواقع، فالذى حدث أن وقت كثير من الطلبة أصبح موزعا بين “حضور خائف بلا محتوى” و “درس لاهث بلا اتقان“، فلم يبق ثمة وقت لغير ذلك من أى نوع.
ويمكن القول أن عقل الطالب أصبح متوزعا (أو ممزقا) بين “الحشر بالخوف .. والتلقين بالقرش” دون أى فرصة حقيقية للقراءة فالتفكير فاعادة النظر.
وفى مواجهة هذا الواقع المتحدى يمكن القول أن المسألة ما زالت تتلخص فى حقائق واقعية تقول:
1 – “القادر” .. “قادر على كل شئ”.
2 – الدروس الخصوصية ما زالت تمثل حقيقة تتحدى وتعالج، تتحدى التصورات المثالية لاشتراكية العلم، وتعالج الزحام والأفكار النعامية الانكارية.
3 – الدروس الخصوصية تؤدى وظيفة علمية وتربوية، وعيبها لا يأتى من وجودها، وانما مما يمكن أن يترتب عليها:
(أ) فهى تعلن احدى مساوئ التركيب الرأسمالى للمجتمع حيث لا تتساوى الفرص، ولكن أين هى الفرص المتساوية فى أى شئ؟ (تذكر الميراث، وتأمين الأولاد .. وكذا وكيت .. مما أمر الله بستره حسب الخطأ الشائع..).
(ب) وهى تصبح خطرا اذا طغى “الدرس بمقابل” على واجب المدرس الأصلى فى عمله الأصلي.
(جــ) وهى تصبح جريمة أخلاقية اذا اختلف “نوع” التدريس الخاص عن “نوع” التدريس العام، ولا أحسب أن هذا ممكن، ولنتذكر أن أغلب من يعطى الدروس الخاصة فى كليتنا هم النابهون من المدرسين وليس غيرهم.
ملحوظة: (طبعا قسمنا لا يعطى دروسا خاصة – ولا عامة!! – ومن هنا اتتنى شجاعة الخوض فى تناول هذا الموضوع بهذه الصراحة).
إذا … فلا يكاد يوجد وجه للوم مدرس يؤدى واجبه الأصلى على أتم وجه ثم يدرس بنفس الاخلاص “بمقابل” للقادر، والا لكان علينا ان نلوم من يعالج مريضا خاصا بنفس الاخلاص الذى يعالج به “مريض الحكومة”.
ان رشوة “المشاعر الاشتراكية” هى خطأ سياسى لا ينبغى أن يتكرر فى مجال علمى مفروض فيه أن يشمل أعلى مستويات التفكير الموضوعي.
والمواجهة الحقيقية والشريفة لواقع مؤلم انما تتحقق بالاحترام وفهم جذور الظاهرة، ثم “تشريع الجارى” لتطويره ومواجهته، دون المساس بالصالح العام، مهما بدا كلامى هذا مخالفا للخطابة الأخلاقية الشائعة فانى أقترح فى هذا الصدد:
1 – الاعتراف بالواقع، وهو أن الدروس الخاصة ما زالت قائمة، تؤدى وظيفة.
2 – السماح لمن يقوم بهذه الخدمة بالاعلان عنها للكلية بسماح القانون، والاعلان عن طلبته، مع قيامه بنفس واجبات زملائه ابتداء.
3 – تحديد حق الدولة فيما يكسبه هذا المدرس النابه مثل سائر نشاطات الكسب الخاص.
4 – الزام مثل هذا المدرس الأمين – بمجرد حلف اليمين – أن يقدم خدمة مجانية اضافية للكلية بنفس حجم الخدمات الخاصة (ولنسمها مجموعات التقوية أو غير ذلك) وتختار الكلية الأحق بهذه الخدمة المجانية بحسب قواعد عامة للاختيار من حيث التفوق أو الخدمات الاجتماعية أو غير ذلك.
5 – بعد هذا السماح تعتبر المخالفة موجبة لعقاب شديد (ملحوظة: قبل أن تسارع برفض هذه الصراحة أعود فأذكرنا بأن أغلب أولاد أساتذة هذه الكلية “يتعاطون” الدروس الخصوصية، وهذا وحده شهادة شاهد من أهلها بــــ …. الخ)
الامتحانات
ما زالت مشكلة “التقييم” فى التربية والتعليم تقف متحدية بلا حل، وما زال “التقييم التحصيلى” هو الطاغى على أى احتمال لتقييم مدى “التنمية الابداعية” نتيجة لتنظيم فكرى مناسب من واقع تعليم هادف لذلك أساسا، ولن نستطيع وحدنا أن نتصدى لمشكلة عجز العالم أجمع عن حلها حتى الآن، فلا مفر من قبول هذا القصور، والاستفادة من تنويع وسائل الامتحان بتعدد طرق التقييم المتاحة حاليا، من أسئلة متعددة، الى مقال، الى مشافهة … الخ.
بقى أن نتذكر أن الضوابط بالنسبة للعدالة والتأكد من موضوعية التقييم لا تنفذ على وجه الدقة:
1 – فلا توجد “نماذج للاجابة” لا من واقع المقرر، ولا من واضعى الامتحان، ولا من عينات الاجابة.
2 – لا يوجد – فى الأغلب وواقع الأمر – تصحيح متعدد[4]))، بمعنى أن يقوم أكثر من مصحح واحد بتصحيح نفس السؤال، ثم يقوم مراجع بالمقارنة بين التقديرين وتفسير الاختلاف واعادة النظر، فالذى يصحح الورقة واحد، والذى يوقع اثنان فأكثر، بل يحدث أن يصحح الورقة معيد أو مدرس مساعد ثم يوقع الأستاذ، (أو قد يحدث غير ذلك مما لا أدرى …).
3 – لا يوجد تقنين للامتحان الشفهى، ولو بمساعدة بطاقات “كروت” شاملة للمقرر، فيمتحن الطالب – أساسا – فيما ينتقيه عشوائيا من بطاقات للاقلال من دور الصدفة و “المزاج” فيما يخطر على عقل الممتحن حسب الــــ …. الخ.
واقترح فى هذا الصدد:
1 – بالنسبة لوضع الامتحان: يعمل بنك دائم للأسئلة، يزاد وينقص كل عام حسب تطور العلوم وتغير المقرر.
2 – يشترك فى وضع الامتحانات كل الذين قاموا بالتدريس، وتقسم المواضيع، ويساعد الانتقاء العشوائى من المجموعات Stratified Random على تغطية موضوعات المقرر المنتقاه من بنك الأسئلة.
3 – يتأكد أكثر فاكثر تنويع طرق الامتحان.
4 – يتكون الامتحان من (أ) ثلث يتضمن أسئلة مباشرة من المقرر (ب) وثلث ثان يشمل اسئلة غير مباشرة من المقرر أيضا (جـ) وثلث ثالث أسئلة من خارج المقرر من موضوعات الاطلاع المحددة قبلا بصفة عامة للطلبة (راجع فرص الاطلاع الحر مع تنظيم الحضور).
5 – تعمل نماذج اجابات من واقع عينات الاجابات الفعلية.
6 – لا يبالغ فى الدرجات تحت دعوى التنافس بعد التخرج مع درجات خريجى الكليات الأخرى (على أنه يمكن بمعرفة الطلبة، رفع الدرجات بالضرب فى نسبة معينة لتخطى هذه العقبة – ولكن يظل التقييم الأول هو التقييم الموضوعى ويا حبذا لو وجدت طريقة ليعرفه الطالب تفصيلا حتى يستفيد من التغذية المرتجعة Feed-back).
ولكن …
ما دور العميد ومسئوليته فى كل هذا؟
لابد أن نعترف أن أغلب ما يجرى فى “القصر العينى المدرسة” يحدده تركيز الطالب وسعيه طول الوقت الى “اجتياز الامتحان” وحرصه على “نتيجة التقويم“، فالتهديد دائما يكون بالحرمان من الامتحان، والرأفة الأبوية تتدفق على درجات الامتحان … والمحاضرة والمحاضر والغياب والحضور … كل ذلك يصب فى النهاية فيما هو “امتحان” وهذا التركيز الطبيعى … طبيعي.
الا أن التمادى فى هذه “القيمة” طول الوقت قد يكون له رد فعل بعيد المدى – (سبق الاشارة اليه ص 90)، لذلك يستحسن أن نفكر فى اضافات مساعدة ربما يثبت – بعد تحسين موضوعيتنا – أنها بديل مناسب أو على الأقل عامل مساعد، ومثال ذلك:
1 – اعداد أبحاث صغيرة، ومراجعات فى التراث محدودة، تقدم طوال العام الدراسي.
2 – تشجيع التقدم باقتراحات وأفكار مبتكرة حول مواضيع الدراسة، بل ومحتواها (حتى لو شطحت أو تسطحت، فالقيمة فى التفكير ذاته وليس فى نتاجه فحسب).
3 – تقييم انجازات أخرى غير مجرد التحصيل والتسميع مثل التميز (والنشاط) الفنى أو الرياضى أو الاجتماعي.
واعلم ابتداء أن كل ذلك قد يزيد من احمالات التحيز الشخصى، ولكن ما باليد حيلة ولا صلاح الا بصلاح أخلاقى يسير جنبا الى جنب مع القيود التى نضعها لأنفسنا لتساعدنا على أنفسنا وتنمى أخلاقنا (لا لتحل محلها).
الدراسات العليا
فإذا كان هذا أمر “المدرسة”، واذا رأينا عجزنا عن الاصلاح السريع الفعال فاحترمناه، فماذا عن احتمال البدء باصلاح أكبر على المستويات الأعلى: الدراسات العليا؟
فى الواقع ان تنظيم الدراسات العليا يمكن أن يكون نموذجا لنجاح التدريس للأعداد الصغيرة، ولكن الملاحظ أن فكرة “المدرسة” دون “الجامعة” تنتقل بعيوبها من “تحت” الى “فوق” دون تمييز، وحتى حكاية “الغياب والحضور” سبيلا الى ذلك (ربما كبداية).
وليس لدى تصورات “عامة” لاصلاح الدراسات العليا لشدة اختلاف المطلوب والمتاح من تخصص إلى آخر، ومن ثم فلا أملك فى هذه العجالة الا أن أضع خطوطا عريضة لا أكثر ولا أقل: (ص102)
1 – اقترح أن يقسم الدارسون الى مجموعات أصغر فأصغر وترتبط كل مجموعة بأستاذ بذاته، دون التخلى عن الاطار العام للتدريس الجماعي.
2 – تحدد المقررات كتابة تفصيلية أول كل عما دراسى، وتثبت فى لوحة متاحة للجميع، كما توزع على الطلبة فور التحاقهم فى شكل بيان أو كتيب، ويحوى هذا الكتب (أ) ما سيدرس فعلا وبواسطة “من من الأساتذة” (مع ذكر بديله ومساعده فى حالة غيابه) (ب) ما هو مقرر ولكنه سيدرس ذاتيا، مع تحديد المسئول عن الاستفسارات الخاصة بكل موضوع (جـ) توضيح المراجع وأماكنها وطرق شرائها والاطلاع عليها .
4 – تتاح الفرصة – حسب نوع التخصص – للمشاركة فى التدريب المباشر على تقنيات المهنة تحت إشراف مباشر ومستمر (وقد يوضع هذا فى اعتبار التقييم ) .
5 – يسمح للطالب بعدم الحضور المنتظم، مع انتمائه للمجموعة الخاصة به ومتابعة الأستاذ له، ويشترط مقابل ذلك أن يقدم كل شهر لأستاذه ثبتا بقراءاته ونشاطاته التطبيقية، ومنها – الزاما – المواضيع التى درست ولم يحضرها، وفى حالة الجمع بين الغياب والتقصير فى هذه الواجبات يمكن اعتباره مستغنيا عن الاستمرار فى الدراسة
(ملحوظة: بديهى أن كل هذه الاقتراحات – وما قبلها وما بعدها – تضع أعباء أكثر فأكثر على هيئة التدريس، ولكن ما باليد حيلة فلا اصلاح بلا أعباء، واذا كنا قد لمنا العميد الحالى على فرط تدخله على مستوى المئات بل الآلاف، فلا أقل من أن نقوم عنه ولنا بمثل هذا الجهد فيما يتعلق بوحداتنا المتواضعة) .
6 – يمكن التراجع عن نظام رسائل الماجستير تماما، والاكتفاء بالأبحاث والاطلاعات الدورية الصغيرة.
(لهذا أجلت الحديث عن موضوع الرسائل لما يخص الدكتوراه) .
7 – تسرى نفس التوصيات التى ذكرتها – مع التعديل المناسب – بالنسبة لنظام الامتحان (ص99، 100) على مستوى الدراسة العليا
الرسالة: والدكتوراه:
تعتبر درجة الدكتوراه هى أعلى درجات التخصص، كما تعتبر “الرسالة” – رغم أنها مجرد جزء من الامتحان فى كلية الطب – محورا فى هذه الدرجة.
وللأسف فقد فقدت هذه الرسائل قيمتها الحقيقية كبداية طريق البحث العلمى الجاد على أعلى مستوى ثقافي.
وفى هذه العجالة لا أستطيع أن أناقش كل ما يتعلق بهذا الموضوع، فأكتفى بأن أنبه إلى عدة نقاط فيما يتعلق بهذا الأمر:
1 – لابد من تحديد معنى كلمة “بحث مبتكر” الذى تنص عليه اللائحة.
2 – ينبغى تحديد “طريقة عمل الرسالة وكتابتها” اما بالالزام بمرجع([5]) يحدده كل تخصص، أو كل قسم، أو كل مشرف، وذلك من حيث النظام والشكل.
3 – يستحسن أن يعلن كل أستاذ (كل عام أو عدة أعوام) عن مجالات اهتمامه، بحيث يصبح ذلك فى متناول الدارسين للانتقاء والالتقاء . . . الخ .
4 – يستحسن وضع ما يشبه الاتفاق المكتوب Contract بين كل طالب ومشرف (أو مشرفين) لتحديد دور كل منهم، وخاصة فى بعض الرسائل التى يكون فيها دور المشرف أساسيا، أو يكون “الغرض” من وضعه تماما، والمنهج من تصميمه ، ويتحدد دور الطالب فى التنفيذ والتعلم ، وبذلك لا يتهم أستاذ بسرقة عمل طالبه اذا ما عاد الحق الى أهله فيما بعد .
5 – يجدر هنا التنبيه إلى مراجعة العرف الذى يفضل أن يكون الاشراف متعددا، اذ لا يوجد منطق سليم يبرر ذلك، والخوف من الموت أو السفر خوف يسرى على الاشراف على الرسالة كما يسرى على سائر التزامات الحياة .
6 – ينبغى أن يتضح للطالب والباحث أن التوقيع بصلاحية الرسالة لمناقشة لا يعنى بالضرورة قبولها ابتداء، ولا من المشرف نفسه والا لما عين ممتحنا أساسيا .
7 – لا توجد قواعد بالنسبة لتنظيم اختيار الممتحن للمناقشة، وقد سات الأمور فى السنوات الأخيرة بشكل أدى إلى ترسيخ قيم تفضل “الممتحن الأسهل” و”الممتحن الطيب” و”الممتحن الصديق” و”الممتحن المجامل” و”الممتحن الذى يقدم السبت منتظرا الأحد” . . . الخ، وكل هؤلاء يفضلون عن “الممتحن الجاد” أو “الممتحن العالم” أو “الممتحن الموضوعى” . . . الخ ، ويكفى أن تنتشر اشاعة عن ممتحن بأنه صعب أو جاد ليستغنى عن خدماته فى معظم المؤسسات العلمية الامتحانية ويذهب ليشبع بجديته وصعوبته يتسلى بهما بينه وبين نفسه، ولا يحضرنى بالنسبة لهذه النقطة أى اقتراح لأنه من المستحيل انتقاء ممتحنين بالقرعة العشوائية، والا لوجد أستاذ نفسه يمتحن فى موضوع ليس فى دائرة اهتمامه أصلا، كذلك من غير المحتمل أن يتم تعيين الممتحنين بالدور، ولا أن تحدد عدد مرات كل ممتحن أسوة بتحديد عدد مرات الاشراف المتزامن . . الخ .
ولا أمل فى اصلاح هذا المستوى الأعلى إلا بترسيخ قيم أخلاقية علمية تنقذنا من أنفسنا ومجاملاتنا وضعفنا، وعموما فيمكن اقتراح وسائل مساعدة مثل:
1 – أن تؤخذ التقارير الجماعية والفردية مأخذ الجد، ولا يكتفى بذكر عدد الصفحات وعدد المراجع وأسماء الفصول (!!!) (التى يكتبها الطالب نفسه فى كثير من الأحيان) ويا حبذا لو وضع منهج لكتابة التقارير يحدد به بيانات بذاتها ينبغى استيفاؤها، بل وقد تسمح الجدية بالتفكير فى نظام “تقييم التقييم”، ولنا أن نتصور تصعيد الاعتراضات حين يثور سؤال يقول “من يقيم من؟”.
2- “يكتب” الممتحن أهم (أو أخطر) ملاحظاته الأساسية ويعطيها للطالب بعد مناقشته فيها، وربما قبلها، وتتقبل اللجنة، بالاضافة الى الحوار الشفهى، رأى الطالب مكتوبا، وتحكم على مدى سلامة الحوار وموضوعيته .
(أثيرت صعوبات حول هذا الاقتراح حين عرضته، فخطر ببالى اقتراح بديل لمن شاء وهو الاعتماد على التسجيل الصوتى للحوار، ويتاح تفريغ هذا التسجيل لكل من الممتحن والطالب للاضافة أو التوضيح، ثم يستقر الأمر فى النهاية والحكم للجنة من قبل ومن بعد).
3 – أوصى بأن يقبل الأستاذ نقدا من الطالب حول بعض ما نشره فيما يتعلق بملاحظاته والتزامه بها، وبذلك يتم التبادل التقييمى فنقترب أكثر فأكثر من الموضوعية الحقيقية، وعماما، فان أصعب الأمور وأخطرها هو ما اقترب من الأخلاق الشخصية واحتاج الى مراجعة الموضوعية، واذا جاز لنا المساعدة فى موضعة الحكم على الرسالة فان الأمر أشد صعوبة بالنسبة لامتحان الدكتوراه، ونماذج الاجابة غير متاحة، وتقنين الأسئلة شبه مستحيل، والمعرفة المسبقة بالطالب ومستواه أكيدة، ومع كل هذه الصعوبات فنحن لا نملك الا احتمال قصورنا والاصرار على الالتزام بالقواعد التى تساعدنا فى تخطيه حتى لو كانت محدودة وصعبة التطبيق.
وعموما فان حديثنا عن الدكتوراه والرسالة باعتبارها من أرقى مراحل البحث العلمى يجرنا الى النظر فى قصر العينى باعتباره مركزا متميزا للأبحاث العلمية.
رابعا: القصر العينى: المؤسسة العلمية
وصلنا فى حديثنا عن الدكتوراه إلى طرق باب ما آل إليه “البحث العلمى” وما انتهى اليه من “ترجيح الأسهل”، وادخال عامل المجاملات فى تقييم الجهد العلمى وما يمكن أن يترتب على ذلك من اختلال له آثار شديدة، و “العلم” من حيث هو قيمة فى ذاته كاد يتوارى عن بؤرة وعينا ومحور وجودنا، والنشاط الذى يسمى “البحث العلمى” أصبح يدل على “النشر العلمى” و “لجنة الحكم” أو “لجنة التقييم” فى حين أن دلالته الأصلية كانت تشير الى ما هو “بحث” (سعى الى المعرفة) وما هو علم (اتساع مدارك الوعى بما يحوى من اضافات تعمق وجود البشر)، واذا انتقل اهتمام طالب العلم (والعالم) من أن “يبحث” عما يحل مشاكل تخصصه ومجاهل ذاته ومآزق مجتمعه “بمنهج” محدد … انتقل الى انجاز ما هو مقبول للنشر بشروط النشر، فقد أصبح الموقف خطيرا لأن قيمة العلم ستتراجع عما هو ابداع وتنظيم جديد واضافة الى ما يرضى ويرقى ويجيز.
والمحنة عالمية.
وان كان القول فى بلاد الأمريكان قد وصل الى حد القول أنه “اما أن تنشر أو تهلك Publish or perish فانهم مازالوا يحافظون على الشكل على أى حال، ولكن المشكلة عندنا تفاقمت حتى أصبحت تهدد كلا من الأخلاق والانتاج والمسيرة الحضارية على حد سواء، وليس “هنا” مجال تناول جذور هذه المشكلة بالحجم المناسب ولكنى سوف أكتفى بالاشارة إلى آثارها على هذه المؤسسة موضوع حديثنا (قصر العيني) فأقول:
لما تأخرت “تلمذة” العلماء إلى ما بعد الحصول على درجة “أستاذ” اختلت العلاقات الهرمية وتلوثت الآراء الديمقراطية، فقد رجح عامل “الرضا” على “موضوعية العمل”، لأن رضا “الناظر” (عضو اللجنة الدائمة) امتدت آثاره الى مساحة طويلة من العمر، مما استتبع أن ينظر الى آرائه (حتى العلمية) باعتبارها الخير والبركة لأنه “الناظر” وليس لأنه العالم، وقد جاء عميدنا فوجه اهتمامه “بالمدرسة” و “بالمستشفى” على حساب “الجامعة” و “المؤسسة” العلمية مما أكد – بغير قصد – مزيدا من توارى “قيمة العلم” فى ذاته، وما يمكن أن يترتب على ذلك.
وهذا الوضع – مثل سابقه فى حديثنا عن الدكتوراه – وضع تختلط فيه المشكلة الحضارية بالمشكلة الأخلاقية بالنضج الشخصى بمعنى الموضوعية بحقيقة “قيمة العلم” كغاية الارتقاء الانسانى ووسيلته معا، ولابد أن أعلن – أيضا – أن هذا المأزق ليس له عندى مخرج مباشر قترحه، ولكنى لا أملك اعلان اليأس، لذلك فانى أكتفى بأن أتصور آمالا أبعد لعلها تشير الى حلول تتناول الجذور ولا تكتفى بتوصيات لا تتعدى ظاهر المشكلة، فالأمل فى الجيل الأصغر قد يطمئن قليلا، شريطة أن نرسى القواعد التى ستسمح لهم بمثل هذا التعديل المرجو، ومن ذلك أقترح بدايات تقول:
1 – نأمل اعادة تقييم ما سبق تقييمه باللجان العظيمة، عن طريق الجيل الأصغر، وبأساليب تقييمية متفق عليها، دون أى مساس بحق مكتسب.
2 – النظر فى الالزام “بالتعليم المستمر”، والتعاون على كل المستويات فى دفع الكبار، من خلال مناقشات واثارات الأصغر، لاستكمال معارفهم ومواكبة عطاء علمهم، (رغم فرط انشغالهم).
3 – فصل “الترقى” عن “الأبحاث” وجعل انجاز الأبحاث لا يمثل الا جزاء محدودا من تقويم الصلاحية للترقى، وفى مقابل ذلك يؤخذ فى الاعتبار كفاءة التدريس وكفاءة العطاء العلاجى، وتميز الفن الجراحى، وفضل التفرغ … الخ.
4 – التفكير فى تفرغ مجز فى بعض (أو كل) المراكز العلمية القيادية.
5 – السماح باعادة نشر “النقد العلمى” وما يتضمنه من نقد النقد واعادة التقييم (انظر بند ‘1’).
6 – عقد حلقات لقاء مستمر لكل القائمين بالأبحاث فى كل موقع مهما صغر.
ولن تنصلح حال “قيمة العلم” الا اذا رسخت فى وجداننا وقسنا كل تصرفاتنا بمدى علاقته بهذه القيمة، واكرر أن العلم “كقيمة” ليس مرادفا للبحث العلمى الاغترابى الحالى، وتربية طلبتنا بالوسيلة الحالية (الجرى وراءهم ليحضروا، ثم الرأفة بهم لينجحوا) لا يمكن أن يخرج الا تلامذة خائفين طوال الوقت، والتغيير المأمول لابد أن يمهد له من بداية البداية باحترام العقول، وحث التفكير، وارساء قيمة المعرفة فى ذاتها، وبهذا تتاكد قيمة البحث العلمى من خلال الحث المعرفى . . . طوال الوقت.
خامسا: القصر العينى: المستشفى
لعل كلمة “قصر العينى” لا تعنى عند رجل الشارع الا المستشفى التاريخى الشهير، وقد تعمق هذا المعنى فى أذهان المصريين حتى أصبحوا يطلقون لفظ “قصر العينى، على أى مستشفى كبير فى أى محافظة (بدءا بالمنصورة)، وكثير لا يعرفون مسئوليات عميد كلية الطب عن مستشفى كلية الطب، اذن، فالظن السائد يتصور أن العميد لا يختص الا بالطلبة أساسا، ولكن الواقع غير ذلك، وقد أخذ عميدنا الحالى على عاتقه النفخ فى هذا المارد المتمدد لتدب فيه الحياة، وقد كان . . ودبت الحياة فى “الطرقات” و “حتى ساعة متأخرة من اليوم”، وكل هذا فضل كبير، ومع اعلان عجزى السابق فيما هو ليس مسئوليتى مباشرة أشير الى بعض الملاحظات والأفكار العابرة لعل لها دلالة:
1 – يستحيل على فرد واحد، عليه كل هذه المسئوليات، أن يباشر العمل فى طرقات طولها خمسة كيلو مترات ومساحة خدمات على عشرة أفدنة
2 – حاولت مرارا الدخول لمشاركة المرضى والمترددين فى “معايشة” كيفية قضاء أبسط حاجاتهم “الأخرى” فوجدت فى كل مرة ما يشكك فى أى انجاز ظاهرى .
(نصيحة: حاول أن تتجنب دورات المياه “الخاصة” بالممارسة الفعلية وليس مجرد التفتيش، وسوف تستطيع أن تحكم على مستوى حضارتنا ومدى الانجاز الانسانى الجاري) . . (آسف ) . (ص109)
3 – نسبة عدد أعضاء هيئة التدريس إلى عدد مرضى القسم الداخلى عندنا كادت تصبح واحد إلى واحد دون تحسن جوهرى فى نوع الخدمات .
4 – دور هيئة التدريس الفعلى فى ممارسة العلاج بالعيادة الخارجية والقسم الداخلى (فيما عدا النشاط الجراحي) غير متميز أو محدد فى أغلب الأقسام .
وأكتفى بهذه الأمثلة لأضع مباشرة بعض تصوراتى فى هذا الصدد:
1 – لابد من تحديد دور هيئة التدريس العلاجى من أعلى مستوى الى أقل مستوى دون الاكتفاء “بتحضير” الأطباء النواب والامتياز بعد الظهر أو فى ساعات محدودة دونغيرهم .
2 – ان مجرد حضور عضو هيئة التدريس “جسديا” لا يكفى للاسهام فى حل صعوبات هذا الموقف، ولعضو هيئة التدريس أن يعلن اختصاصه بالتعليم دون العلاج . . ولكن فى هذه الحال يخصص متطوعون من هيئة التدريس لتولى مسئوليات العلاج دون أدنى تدخل من المحاضرين المتفرغين اللهم إلا فى حقهم فى امدادهم بمادة للتدريس، وفى مقابل ذلك يعفى “العضو المعالج” من نسبة معينة من أبحاث الترقية، ويؤخذ هذا الجهد كأساس جوهرى فى الترقية والتقييم العلمى والأدبى
3 – تنظيما للتصورين السابقين أقترح ضرورة العودة إلى نظام “اللوحات المتحركة” (تذكر اللوحة التى كانت فى مدخل قصر لعينى القديم من أيام الانجليز) حيث يثبت فيها أسماء العاملين جميعا دون استثناء، على أن يزاد – بطريقة تكنولوجية حديثة أو تستحدث – بيان احتمالات النشاط والتواجد أمام كل اسم، فبدلا من الاكتفاء بالاشارة القديمة “موجود”، “غير موجود”، تزاد خانات دالة على “نوع الوجود” مثل “تعليم” (محاضرة)، “مرور”، “اشراف عيادى”، “اشراف تدريسى”، “تحت الطلب فى مكتبه” – فى “المكتبة” .. . الخ، مع تحديد مكان التواجد فى كل حال.
ويمكن لأى طالب أو عميد أن يتعرف على حجم العمل الفعلى بالنظر فى لوحة لا يغير مفاتيحها الا صاحب كل اسم موضوع فيها، وبنفسه، دون أى وصاية أو رقابة، وبهذا يصبح للتواجد الجسدى معالم، ويصبح الأكبر قدوة أكثر فأكثر، ويخف العبء عن العميد – أى عميد – ويرجع المعنى الى كثير من الكلمات.
[1] – يسرى ذلك حتى على “الثورة” و “الانتفاضة”، وما شابه ذلك على أى مستوى سياسى أو حضارى… (راجع تاريخنا القريب إن كان عندك وقت واهتمام… شكرا).
[2] – 5ما زال الخلق عندنا يرتبط ‘بالسلوك المعلن’ أكثر من ارتباطه ‘بالقانون الداخلى العام’ فمجاملة أستاذ لابن زميله أو لابن شخص مهم فى الدولة من حيث اعطاؤه ‘شرح خاصا’ أو تسهيل التحاقه بكلية بجوار والدته (مامته) أو حتى ‘طمأنته فى الامتحان’ تعتبر من أخلاق الشهامة والرجولة الواجبة, أما تعميم ذلك على أولاد الناس الذين ليس لهم ظهر, وتنظيمة بشكل عام ومعلن, فان هذا يبدو للفئة المتميزة بالمجاملات المتبادلة منتهى ‘قلة الخلق’ ومحاولة بجحة لتشريع الاستغلال .. الخ .. لذلك لزم التنويه. (ملحوظة: أعنى ‘بالعام’ الذى يساوى بين عموم المتعامل معهم مساواة كاملة حسب قواعد ثابتة).
[3] – ذكر سيادة العميد فى ‘مذكرته البيضاء’ أن المساحة الزمنية زادت وغير ذلك, وأود أن أذكره بأن ‘المساحة الزمنية’ لا تعنى ‘مساحة الأفق أو رحابة الفكر’، وأن ‘الطيور المهاجرة’ لم تعد وانما نتف ريشها (أو حرقت منابته)… الخ. (راجع أيضا الرد على مذكرة أ.د. محمود سامى ص 76).
[4]- قمت بتجربة احصائية لاثبات ضرورة التصحيح المتعدد على مستوى الماجستير وتحققت بعض الفروض التى وضعتها… وخرجت بضرورة الالتزام – الواقعى – باللائحة.
[5] – بعد مضاعفات متنوعة بدأت فى اعداد مثل هذا الكتيب بما يتعلق بفرعنا حيث المناهج فيه وعرة ومتضاربة.
الخـاتـمـة
1 – “استبار” (ليس للاجابة).
2 – رسالة . . وبرقية.
كتبت هذا الكتيب بصفتى مواطنا يعمل فى مؤسسة، وليس بصفتى طبيبا نفسيا أو أستاذا فى هذا التخصص، وقد تجنبت – كما لاحظ القارئ وكما وعدت – أن أدخل فى مشاكل تخصصى أو أستعمل الفاظه، ولكنى فكرت قبل أن أختم حديثى أن أمزح مع زملائى بأسلوب يتصورونه جزءا من تخصصى، وقد خطر لى هذا الخاطر بعد أن شككت فى جدوى كل ما كتبت، وشككت أكثر فى أن أيا من زملائى سوف يأخذه مأخذ الجد بنفس القدر الذى كتبته به، فاذا صح شكى، فليكن المزاح (المر) متبادلا.
- 1 -
استبار[1]: “أسرار وأعمار”
التعليمات:
هذا الاستبار لا يهدف إلى أن ينكد على سيادتكم والعياذ بالله، ولذلك فنرجو الا تقرأه أصلا، فاذا أصررت على قراءته فلا تجب على أسئلته، فاذا أجبت على أسئلته فلا تصدق نفسك، فاذا خالفت كل هذه التعليمات فالاجابة مسئولية كل مجيب، ولكن تذكر أن “وزارة الصحة تحذرك من الاجابة ” . . و . . وأنت حر.
أما طريقة الاجابة – إذا أصررت – فيستحسن أن تكون “كتابة” بعد القراءة الأولى ويمكن أن تمزق ورقة اجابتك فور الانتهاء منها دون مراجعة ما كتبت [وليس لمخلوق “غيرك” أن يطلع عليها (أسرار) ولا أن يوصى بما تفعله حتى . .. بالسلامة (أعمار)] .
1 – كم كلمة تدرسها، لن تنفع الطالب كممارس عام فور تخرجه (تذكر – لو سمحت – سنة امتيازك، وعملك أو عمل زملائك بعد ذاك فى الوحدات الريفية أو المستوصفات!!).
2 – كم موضوعا تدرسه للطلبة بالتفصيل وسيادتكم واثق أن الطالب سينساه فور تخرجه .
3 – كم موضوعا تدرسه لأنك تعودت تدريسه وليس لاقتناعك الشخصى والداخلى بجدواه حقيقة وفعلا للطبيب غير المختص؟ (حدد الموضوعات ان شئت).
4 – كم موضوعا تدرسه لأنك تحسن تدريسه ، فتفرح بنفسك وأنت تعرضه؟
5 – كم موضوعا تدرسه لمجرد أنك سبق أنك سبق أن درسته لما كنت طالبا؟.
6 – كم موضوعا تدرسه لأنك “مضطر” لتدريسه (بسبب اللائحة أو رئيس القسم) .
7 – كم هو متوسط عمر الانسان المصرى حاليا؟ .
8 – كم عمر سيادتكم بالسلامة؟ .
(ملحوظة: لا يوجد مبرر للربط بين السؤال السابع والثامن).
9 – متى ستحال سيادتكم الى المعاش – بعدكم سنة وكم يوم – (اذا لم تنتقل بالسلامة قبل ذلك الى الجانب الآخر؟).
10 – هل تصدق نفسك وأنت تقول أنك تؤمن (بتشديد الميم) أولادك – حفظهم الله – بكذا أو كيت على حساب نفسك وعلمك .
11 – هل سيحافظ أولادك (من صلب ظهرك) على نتاج شرف عرقك، وقوة دافع حرصك، والحاح قدرات جمعك .. . الخ، (بعد عمر مديد “مفيد “ان شاء الله) .
12 – هل لك أولاد علميون يعرفون ثروة كلماتك، تؤمن عقولهم بعطائك المعرفى، تربطهم بك “الكلمة العلمية المشتركة” وليس مجرد “الولاء والمصالح المشتركة والود المناسباتى” .
13 – كم بحثا قمت به تستطيع أن تفخر به حين تعيد قراءته بينك وبين ضميرك (ولا أحد معك ولا مؤتمر علمى ينتظرك ولا لجنة دائمة أو مؤقتة ستقرؤك؟) .
14 – كم نسبة (%) ما ستستطيع أن تنفقه أنت شخصيا على ما تريده أنت شخصيا من “هنا” . . الى أن تعجز عن الصرف أو عن الرغبة فيه . (راجع السؤال العاشر ونص هذا السؤال قبل أن تقفز الى ظاهر عقلك حكاية تأمين الأولاد . . الخ).
15 – ما هى مسؤليتك “الشخصية جدا” عن “السلبيات العامة جدا” فى (أ) قصر العينى (ب) الأزمة الاقتصادية (جـ) الوضع السياسى .
(ملحوظة: السؤال ليس عن ذكائك فى تعداد أسباب السلبيات الحقيقية من وجهة نظرك مثل: تقاعس الغير، والتخلف، والحكومة، والعميد، والتسيب، ولكنه موجه لسيادتك فقط) .
16 – ما هى ديونك الحقيقية (دون أى تدخل مباشر أو غير مباشر من مصلحة الضرائب) “أ” للشعب “ب” لهذه الحكومة “جـ” لهؤلاء الطلبة “د” لهذه الأرض؟ .. (آسف: يقول أدونيس: انسوا تصحوا) .
17 – هل تعتقد أنك “شخصيا” مسئول عن كل ايجابيات وسلبيات العميد القادم (أيا كان) ما دمت قد انتخبته، وما دمت – بداهة – ملزما بمتابعة نشاطه؟ .
18 – متى كانت آخر مرة توقفت فيها خمس دقائق لتراجع جدوى مقرراتك، سلطتك، مذهبك الفكرى، عمق لذتك، مستقبل بلدك (بعد مائة سنة)، حقيقة ضحكتك من قلبك؟.
19 – كيف ستقضى “ما تبقى” بعد أن تتبين حقيقة “ما مضى”؟.
20 – كيف نجحت أن تنسى الاجابات الحقيقية لكل الأسئلة السابقة؟ .
التقويم: (التصحيح الذاتي)
(ا) اذا استطعت أن تجيب “كتابة” (دون مط شفاه) على عشرة أسئلة من عشرين، فانت زميل “عظيم وشجاع” .
(ب) اذا نجحت أن تسخر من كاتب هذه الأسئلة وتتذكر سلبياته (التى تتصورها حتى تكاد تعرفها) وتفكر فى نواياه الخبيثة وراء طرحه هذه الأسئلة وكيف أنه كذا وكيت، فانت زميل “ذكى وحاذق (حدق)” .
(جـ) اذا اقنعت نفسك أنك لم “تفهم شيئا” وأشفقت على كاتب هذه السطور، مع ابتسامة طيبة، فانت زميل “طيب وحكيم” .
وهكذا تجد أنك دائما فى موقع جيد ومناسب، ومهما كان موقفك، فالتقييم فى صالحك لا محالة .
ولن يطلع أحد على اجابتك الحقيقية الا داخل داخلك، وعين رب العالمين .
شكرا . .
- 2 -
الرسالة: الى عميدنا الحالي
الأخ العزيز الفاضل أ. د. هاشم فؤاد .
تحية شديدة قوية ساخنة مخترقة . . . وبعد:
وصلنى خطابك الرقيق وبه من الحقائق المشرقة بقدر ما به من التعبيرات الانشائية البليغة، ولعلك لا تتصور فضلك على هذا القلم وعلى الممسك به (شخصي) فما كنت لأخط حرفا مما خططت لولا ما فعلت أنت، ومع ذلك فانى عاتب عليك لاستعمالك كلمات كبيرة هزتنى أكثر مما أحتمل، فلعلك لا تعرف علاقتى بالكلمة، وكيف أنى أصدق كل حرف يصل الى وعيى وأهتز له وبه حتى يثبت العكس، لذلك أحسست بواجب المبادرة بالرد عليك كما طلبت (فجاء هذا الكتيب) مع التحفظ الشديد حول الألفاظ الكبيرة التى استعملتها مثل “مشيئة التطور”، أو أن المحاضرات قد عاد لها “بهاؤها القديم” (!!) . . فصارت المزارات المقدسة اليها “يهرع([2]) الطلبة .. . الخ – حتى قلت متحمسا عن رفع مقام هذه الكلية لتظل “تعزف بأناملنا سيمفونية العلم على أحدث آلات العصر” .
سيدى العميد:
إنى واثق أنك جاد ومتحمس، وحين أردت أن أشكرك بقدر احترامى لما فعلت وما يمكن أن تفعل خرج هذا الكتيب، وأحسب أنه سيعد لك لا عليك بحسابات الصدق والوعى والتاريخ، لقد حاولت أن أكون صادقا مع نفسى ومعك، وأن أجتهد قدر عجزى، وأن اطرد كل مقومات “عاقلة” ثارت فى نفسى تحت دعوى أن زملائى سيسخرون منى، أو أنك – حتى أنت – لن تكلف خاطرك بقراءة عصير ذاتى، تلك القراءة المتأنية التى يأكل فيها أى كاتب يحترم ما بخطه، أقول أنى طردت كل ذلك لأضع فكرى وقلمى فى خدمة معهدنا، حتى ولو بدت شطحانى أكبر بكثير من حجم الواقع، ولكن سنواتك الثلاث علمتنا الا نستبعد شيئا .. من يدرى؟.
فتقبل شكرى، وتحمل محاولتى، واحترم عذرى .
ولك مثل ما تسعى اليه من خير.
توقيع
البرقية: الى عميدنا القادم
الأخ الفاضل عميدنا القادم (مع احتمال أن يكون هو هو) .
ارجو أن يكون همك الأول – مع الحماس والاخلاص والنية والأفكار – أن ترسى قواعد مؤسسة تبقى بعدك وتستمر بدونك .
والله يدعمك ويجزيك عنا خيرا .
ألا: هل بلغت؟.
توقيع
يحيى الرخاوى
وما كل من قال قولا وفى
وما كل من سيم خسفا أبى
أبو الطيب المتنبى
[1] – تطلق كلمة استبار بدلا م كلمة اختبار للاشارة الى أنها محاولة استطلاعية, وليست ‘امتحانا’, ويقال فى العربية ‘.. سبر الجرح بالمسبار, قاس مقدار قعره بالحديدة أو بغيرها, ويقال ‘لولا المسبار ما عرف غور الجرح..’ .. وهذا ما قصدته.
[2] – على فكر ة فعل ‘هرع’ يبنى عادة للمجهول, يقال أهرع (بضم الألف) الرجل هراعا وهو اسراع فى رعدة, ويقال فلان ‘يهرع’ (بضم الياء) من الغضب والبرد والحمى، ويقال للمجنون والمصروع مهروع, ولعلك لم تقصد أيا من ذلك.