نشرة “الإنسان والتطور”
29-3-2011
السنة الرابعة
العدد: 1306
أسئلة وأجوبة أخرى
مقدمة:
هذا حديث آخر، حديث خفيف ضعيف، أسطح كثيرا من حديث روزاليوسف “المحيط” الذى نشر بتاريخ 26-3-2011، وهنا فى نشرة “الإنسان والتطور” بتاريخ 23-3-2011، أما هذا الحديث فقد نشر فى مجلة آخر ساعة بتاريخ 23 الجارى، وبرغم رأيى فيه فقد فضلت نشره أيضا، لعلى أتعرف على مدى الاختلاف فى تلقى أحاديثى، وربما على مدى جدية من يتابع اجتهاداتى لتفسير الجارى،
هذا، ولى حديث أهم فى نفس الموضوع الجارى سوف ينشر فى جريدة “الأخبار” خلال أيام وهو أعمق الأحاديث الثلاثة،
وسوف ينشر هنا أيضا فى النشرة بمجرد صدوره.
شكراً،
وعذراً.
* * * *
= هل هناك أمراض نفسية تنتج عن الثورات.. وهل هذه الأمراض تختلف في نوعيتها في حالة نجاح الثورات من عدمه؟
أنا لا وافق على تسطيح مثل هذه الخبرات الجماعية الرائعة على مسار الشعوب إلى لغة المرض النفسى والتفسيرات النفسية، هذا تشويه لحركية الوعى الجماعى، وهو لا يمثل أية إضافة علمية، ماذا يفيد إذا قلنا أن الاكتئاب يزيد، أو أن القلق ينقص، إن مهمة العلم والمعرفة هو استيعاب نتاج الثورة للإسهام فى ضمان دفع إيجابياتها ، والحيلولة دون تشويه نتائجا، ودون أن يستولى عليها غير أهلها لغير صالح من قام بها.
= هل انتشار المظاهرات والمطالبات الفئوية نوع من التأثيرات النفسية للمظاهرات .. وهل يمكن اعتبار ذلك تنفيسا عن غضب وكبت ظل حبيسا لفترة طويلة ثم وجد طريقه للظهور؟
المسألة ليست مجرد تنفيث عن غضب، أو كبت لفترة طويلة، مثل هذه الانتفاضات الرائعة هى نوع من الإبداع لتشكيل ما ظل يتراكم كامنا داخلنا، وداخل الشباب خاصة، وهو يستعد للانطلاق أملا بى تغيير لصالح ناس يستحقون ذلك نتيجة لصبرهم طويلا، إننى أرفض أن يسمى أو يوصف مثل هذا الفعل العملاق بلغة نفسية مختزلة، حتى لو قيل إنها علمية
= هل تحتاج المجتمعات بشكل عام بعد الثورات لنوع من التأهيل النفسي.. وما هي كيفيته وطرقه وهل هناك مدى زمني لاستكمال هذا التأهيل؟
تأهيل نفسى ماذا يا ابنتى؟ وهل نحن استطعنا أن نؤهل مرضانا كما ينبغى لما ينبغى،حتى نؤهل مجتمعا بأكمله، نحن نتعلم من هؤلاء الشباب التأهي لوغير التأهيلن إن ما نحتاجه، حتى ونحن أطباء هو أن نؤهل أنفسنا قبلهم، صحيح أننا مسئولون ، لكن أرفض حشر الأمر طول الوقت فى وصف يبدو علميا بمجرد تفرقة تعسفية لما هو نفسى عن ما هو غير نفسى،
هذه الجرعة الرائعة من الإبداع الثورى ينبغى أن نتعهدها بالعمل، والانتتاج، والإبداع، فورا ودائما، هذا هو كل ما فى الأمر،
أرجو أن يوضع دور التفسيرات النفسية فى موضعها المتواضع تماما.
= بالتطبيق على ثورة شباب مصر.. هل هناك ظواهر نفسية ظهرت بعدها وما أسبابها وما الطرق العلمية لعلاجها؟
طبعا توجد ظواهر نفسية، لكنها ليست بالضورة أمراضا، ولا هى كلها إيجابية، لقد نبهت فى أكثر من موقع أن استمرار التظاهر بنفس الطريقة، والإصرار على المطالبة بنفس المطالب، قد يقلل من خدة الاندفاعة الثورية ة ويحولها إلى تقلص متجمد، وهذا ضد قوانين الحياة التى تسير بإيقاع حيوى منتظم مثل اختلاف الليل والنهار، ومثل نبضات القلب المنتظمة، لابد بعد دفع القلب للدم من التمدد للامتلاء بدم جديد، هذه ظاهرة نفسية بيولوجية حياتية، وهى كل ما يهمنى التأكيد عليه
= هل يمكننا اعتبار أعمال البلطجة والسرقات والحرائق نوعا من التأثير النفسي؟
تأثير نفسى ماذا بالله عليك؟
لماذا هذا الخلط بين الإجرام، واللأخلاق، والتحطيم ، وبين ما يسمى تأثير نفسى،
البلطجة بلطجة لا أكثر ولا أقل
= في رأيكم هل يحتاج جهاز الشرطة لدينا إلى تأهيل نفسي بعدما حدث من انفلات أمني والصراع الرهيب بين الشعب وكل ماهو شرطي؟
أى جهاز تتضمن وظيفته الاحتكاك بالناس، لخدمتهم، أو لتأمينهم، أو لتسهيل مصالحهم، يحتاج إلى تأهيل نفسى ، وأرى أن ما حدث بين الشعب وبين الشرطة ليس خطأ الشرطة ولا هو انتقام الشعب، وإنما هو خطأ النظام الذى استعمل الشرطة كعصا لقهر وقمع الناس بالحق والباطل، حتى تشوهت الصورة دون وجه حق فى كثير من الأحيان،
لا بد من الاعتراف أن كثيرين من رجال الشرطة كانوا وما زالوا يقومون بدور إيجابى مهم جدا فى تشكيل كيان الدولة وهيبتها، وهو أمر ضرورى لا غنى عنه فى الحياة المدنية المعاصرة، وهو ليس من مهمة الجيش إطلاقا إلا بشكل استثنائى ، ولفترة محدودة تماما.
= هل هناك أسباب نفسية دفعت الشعب خاصة الشباب للثورة على نظام مبارك.. وهل لفترة الحكم الطويلة كان لها تأثير في تصاعد هذه التأثيرات ووصولها إلى الذروة؟
لا شك أن عدم تغيير الوجوه، وعدم تداول السلطة، وعدم وجود قنوات حقيقية للتواصل بين الحاكم وبين الناس، كل ذلك يكمن وراء التمادى فى الخطأ من ناحية السطة، والتمادى فى اليأس من ناحية الناس، وبالتالى كان لا بد لهذا الصبر أن ينفد، ولهذا التراكم أن ينفجر، وهذا ما كان،
بقى أن ننتبه ليس فقط إلى العودة سريعا إلى العمل والإنتاج، وإنما إلى التعلم من الأخطاء السابقة بتغيير جوهرى للأسس التى سوف تتبعها المؤسسات المختلفة ونحن نبنى الدولة من جديد.
= في رأيكم ما أبرز المسببات النفسية التي تجعل من جلس طويلا في السلطة إلى التمسك الرهيب بها وهل هذه الأسباب وراء ما يحدث في ليبيا حاليا وحدث من قبل في مصر وتونس؟
لقد شرح نجيب محفوظ أسس فكرة وهم الخلود وزيفها وخطرها على من يتوهم أنها ممكنة ، وورد هذا فى ملحمة الحرافيش بما هو أفضل مائة مرة من تفسير أى طبيب نفسى،
إن إنكار حقيقة الموت فى داخل داخل من يتولى السلطة تجعله يعيش وهما ضد الطبيعة بل وضد نفسه، لقد حظر الساحر “شاور”: جلال صاحب الجلالة فى ملحمة الحرافيش من ضلال الخلود حين قال له “سوف تتمنى الموت فلا يأتى، وسوف تتغير الوجوه جيلا بعد جيل وأنت باق”، فأظهر كيف أن وهم الخلود هو شذوذ أشد من الجنون، وقد بين نجيب محفوظ ذلك بشكل رائع، وهو ما تناولته فى نقدى لهذه الملحمة مستلهما محفوظ أكثر من الرجوع إلى أسس علم النفس أو الطب النفسى
= هل هناك ظواهر للمرض النفسي تصيب الرؤساء بعد التنحي الناتج عن الثورات.. وهل تختلف هذه الظواهر عن الأعراض المماثلة في حالة التنحي الطبيعي أي بعد انتهاء المدة مثل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها؟
إن من تعود على السمع والطاعة، ومن ظل يحكم ولا يُسأل، ويعين ولا يستشير، حين يجد نفسه بلا حول ولا قوة لا بد أن يصاب بالإحباط بشكل تتوقف أشكاله وجدنخ على مدى صلابته، وقدرته على التعويض، وعلاقته بقيم الحياة الحقيقية، وعلاقته بربنا وبالموت، لهذا فأنا أرى أن تحديد مدد الرئاسة هو من صالح الرئيس نفسه مثل صالح الناس، ونحن نسمع عن كارتر وهو يزرع الفول السودانى فى مزرعته، أو عن كلينتون وهو يعزف ويكتب، ولا نعرف فى عالمنا العربى ماذا يفعل الرؤساء الذين انتهت مدة خدمتهم، ناهيك عن مدة صلاحيتهم
– بوصفك من علامات لطب النفسي في مصر والعالم العربي.. هل يمكن أن تقرب لنا الحالة النفسية الحالية للرئيس مبارك وزوجته وابنه الذي كان موعودا بالتوريث وكان على مقربة قوسين منه؟
لقد رفضت ذلك تماما لأسباب علمية وأخلاقية معا، أما الأسباب العلمية فليس تحت يدى معلومات موثقة من مصادر مختلفة تسمح لى بمثل ذلك، أما الأسباب الأخلاقية فإن مثل هذه التفسيرات العشوائية غالبا تكون سلبية ، وهذا لا يجوز أن يتم بسهولة فى حالات ضعف من نجرى عليهم التشريح وهم بعد أحياء يتأملون تحت زعم أننا ندرس ما تبقى من أعضائهم،
لقد كتبت فى أكثر مناسبة خطابات مفتوحة ، نشرت فى الوفد تباعا، فى ثلاث مناسبات ( محاولة الاغتيال فى أديس أبابا، وحادث مقتل السواح فى الأقصر والترشيح للرئاسة للمدة الرابعة) وقلت للرئيس فيها رأيى فيه وفيما يجرى، وحذرته من أخطاء سارية منه وممن حوله بشكل مباشر وغير مباشر، وكان ذلك فى عز سلطانه،
أما بعد أن جرى ما جرى فإنه يصبح من حسن الخلق، ودقة العلم وأمانته، أن ننتظر أحكام المحاكم، وأن نحترم مشاعر البشر مهما بلغت أخطاؤهم حتى تثبت إدانتهم، وساعتها قد لا نحتاج إلى تفسيرات نفسية تعسفية.
– بصفتكم من الشخصيات العامة المثقفة ذات التأثير في المجتمع المصري.. هل ترون النظام البرلماني أم الرئاسي مناسبا للوضع في مصر الآن؟
رئاسى ! برلمانى! ليست هذه هى القضية، لأن شعبنا يحول رئيسه ملكا أو فرعونا تحت أى اسم، المهم ممارسة العدل، بشكل مطلق، ومتابعة الأداء بنقد قوى، وردع المخالف أولا بأول ، وفى وقت باكر جدا حتى لا يتمادى فى أخطائه أو جرائمه، سواء كان رئيس دولة أم أمين شرطة أم أستاذا فى جامعة.
– وهل الشعب المصري بعد ثورة يوليو مؤهل نفسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا للتواكب مع النظام البرلماني؟
أول خطوة إيجابية كانت الانتخاب بالرقم القومى، وفى أى لجنة دون تحديد، ولكنها تصبح خطوة بلا جدوى لو لم يكملها نظام الانتخاب بالقائمة، لأن الانتخاب بالقائمة يقلل او حتى يلغى أن يتم الانتخاب على اساس المصالح الشخصية، أو التحيزات العائلية، أو النعرة القبلة،
إن لم يتم الانتخاب بالقائمة، فسوف تضيع كل مكاسب هذه الثورة، حتى أننى اقترحت على المستقلين أن تتفق كل مجموعة منهم على مبادئ ما، ويتقدمون بقائمة لها برنامج مختصر، ولو عشرة عشرة، أما استمرار النظام البرلمانى القديم، وكذبة نسبة الـ 50% للعمال والفلاحين، فهى نكسة بكل معنى الكلمة.
= سمعنا عن تعبيرالثورة المضادة.. هل هناك أسباب نفسية لها ومن هم أبطالها ما الطرق النفسية السليمة للتغلب عليها؟
لا ينبغى أن نسمى الخونة واللصوص باسم الثوار، إن من لا ينتمى إلى هذا البلد ، ومن يحول دون تحقيق مصالح الناس، ومن يسرق أموال الشعب ليس ثائرا مضادا بل هو خائن أو مجرم لا أكثر ولا أقل
أما أن نقاوم الثورة المضادة بالطرق النفسية فهذه أقرب إلى النكتة ولا مؤاخذة
= لاحظنا عزوفا من قبل جانب كبير من الشعب المصري عن المشاركة السياسية مثل الانتخابات
إن من شارك يوم السبت الماضى فى استفتاء التعديلات الدستورية، بغض النظر عن النتيجة، سوف يعرف أن هذه الملاحظة التى وردت فى السؤال أصبحت ماض لا وجود له الآن،
إن أى إنسان يحترم نفسه لا يمكن أن يشارك فى نشاط سياسى أو غير سياسى إذا لم يكن لدوره فى هذه المشاركة تأثير حقيقى،
حين يعرف الناخب النتيجة مقدما طول الوقت لمدة ستين عاما ، ما الذى يدفعه أن يذهب للإدلاء بصوته اصلا ؟
المهم أنا لست واثقا أن ما حدث يوم الاستفتاء من إيجابيات رائعة يمكن أن يمتد إلى انتخابات مجلس الشعب، ما لم يتم الانتخاب بالقائمة
البرلمانية والاستفتاءات وغيرها.. هل تتوقع تغييرا نفسيا ما يدفع المواطنين للمشاركة بعد ثورة الشباب؟
التغيير حدث فعلا، وظهرت آثاره واضحة فى استفتاء التعديلات، لكنه ليس بالضرورة تغييرا نفسيا كما جاء فى السؤال
= في رأيكم لماذا نبعت الثورة من فئة الشباب هل يرجع ذلك للخصائص السِّنية لتلك المرحلة؟
أولا الشباب ليس مجرد السن المدرج فى شهادة الميلاد ، الشباب يتحدد بالقدرة على الحفاظ على الدهشة، والقدرة على التغير، وزخم حركية الإبداع، والحفاظ على الأمل، وكل هذا مفروض أن يتواجد فى السن الأصغر، لكننى أعرف شبابا لا يتمتعون بأى من ذلك، وفى نفس الوقت أعرف شيوخا هم فى غاية الشباب.
= احتار الكثيرون في التحليل النفسي لشخصية الزعيم الليبي معمرالقذافي.. البعض يصفه بجنون العظمة فهل ذلك صحيح من الناحية العلمية وما تفسيرك النفسي لهذه الشخصية .. وما توقعاتكم كعالم نفس في كيفية تصرفه حال نجاح الثورة ضده؟
مرة أخرى أنا أرفض أن ننعت الرؤساء القتلة، أو الساسة المجرمين الذين يعلنون الحروب الاستباقية، ويبررون طرد الناس من أراضيهم ومن بيوتهم، ويقتلون الأبرياء بغير وجه حق، أرفض أن ينعتوا باسم أى مرض نفسى مهما بلغ شذوذهم، إن مرضانا أطيب وارحم وأرق من كل هؤلاء، واختزال جرائم هؤلاء المجرمين إلى اسم مرض نفسى يثير شبهة إعفائهم من المسئولية ، كما قد يبرر سلوكهم بغير وجه حق.
هذا مجرم طاغ قاتل ينبغى أن يأخذ جزاءه من شعبه، أو من القضاء مهما بلغ شذوذه، لا أكثر ولا أقل.